[طلعت سقيرق]

[align=justify]
نمد الظلال ونطرب للخلاص من هم حمل المسؤولية ، حين نقول إن الجمهور صار بعيداً عن الفن ، لا يحبه ولا يأبه له !! والمصيبة التي تكاد تماثل المهزلة في وقعها ، أن هناك مبدعين أخذوا في الابتعاد قدر المستطاع عن الإبداع ، وكأنه جرثومة قاتلة ، وكثير منهم ـ وللأسف ـ يضع نظارة سوداء ، ويصرخ بملء الفم ، أن الإبداع لا يطعم خبزاً ، لذلك على المبدع أن يخلع رداء إبداعه من الجذور ، وينزل إلى الشارع ليقبض على المال ، فالمال هو الأهم .. وبين هذا وذاك ، تموت الكلمة مرتين ، مرة من دعوى أنها ما عادت مرتبطة بالناس ، ومرة لأن المبدعين أداروا ظهورهم لها ، وطاب لهم أن يطلقوا الرصاص عليها..!!..
بصريح العبارة ، لا أهتم كثيراً لأمر هؤلاء الذين تركوا الإبداع أو هجروه إلى أي عمل آخر.. فهم أحرار من جهة بما يرون ويعتقدون .. وهم غير مبدعين حقيقيين من جهة ثانية .. إذ لا يمكن لمن كان الإبداع جزءاً من حياته ، وشخصيته ودمه وتركيبته، أن يدير ظهره للإبداع .. أما من كان الإبداع عنده من متطلبات الوجاهة والظهور وما شابه ، فهذا طارئ على الإبداع ، ولا خطر من رحيله . بل الخطر ، كل الخطر، في بقائه ، لأنه يعمل على هدم كل مبدع وإبداع .. إذ يخيفه المبدع الكبير ويحرك عنده عقدة النقص . فالهزيل لا يبدو على حقيقته ، إلا حين يقف أمام الجميل الأصيل..
وخطوة إلى الأمام ، تضعنا أمام مسألة النظر إلى المسؤولية ومن يحملها الكاتب أم الجمهور؟؟ لنقول مباشرة إن المعادلة ناقصة دون النظر لما حدث في العصر من تطورات مذهلة.. لكن حتى لا ندخل في متاهة البحث عن مشاجب لتعليق الأخطاء ، أو حتى لا نغرق في دائرة مغلقة لا تؤدي إلى نتيجة ، نقول ، إن الجمهور مسؤول ، كما الكاتب .. فالمسؤولية هنا مسؤولية موزعة على الطرفين ، لأن كل طرف مساهم في بناء جسر التواصل والتوصيل أو هدمه .. ولا نبالغ إذا قلنا ، إن مسؤولية الكاتب قد تزيد قليلاً ، حيث نعرف ونعي أن الكاتب صاحب رسالة ، وعليه أن يجد الطريقة المثلى للتواصل ، وأن يتعب ويجد ويكد ، فالأمور لم تعد سهلة كما في الماضي ، ومهمة الأديب لم تعد بسيطة كما كانت في الماضي .. من هنا تعدد وجوه الأمر ، وتعدد مهام المبدع ، حتى يكون وصوله كما يريد له أن يكون ..
طبيعي لا نستطيع أن نتحدث عن دور الجمهور بالمستوى ذاته الذي نتحدث فيه عن مهمة المبدع . لأن الجمهور متلق ، وهذه مسألة في غاية الأهمية ، إذ المتلقي قابل لصياغة اهتمامه وتوجه مشاعره ، وحين يكون الإبداع فاعلاً ، يستطيع ببساطة تفعيل دور الجمهور ونقله إلى المستوى الأفضل والأمثل ..
قد يرى البعض أن كلامنا هذا مجرد حلم أو خيال أو تعلق بأهداب ماض جميل..!! وقد يرى آخرون أن زمن الإبداع قد ولى إلى غير رجعة ، وأنه لا معنى لأن نقول ونعيد حول ذلك ..!! ورأيي أن التشبث بالصباح والأمل وإشراقة الشمس ، لا يحتاج إلى جواز مرور ، وهو أقوى من أن يطوى في حقيبة .. لذلك سنبقى مصرين على أن الإبداع قامة عالية لا تنحني .. ولن تنحني ..
[/align]