عرض مشاركة واحدة
قديم 18 / 08 / 2009, 48 : 01 PM   رقم المشاركة : [1]
طلعت سقيرق
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي


 الصورة الرمزية طلعت سقيرق
 





طلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond reputeطلعت سقيرق has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين

المساء الأخير ..

[align=justify]
على حافة الشباك القريب وضع وردة حمراء مضت عليها السنوات حتى تركتها يابسة عجفاء كابية .. لكنه كان يعشق هذه الوردة .. يشعر أنها جزء لا يتجزأ منه . يتمنى أحياناً أن يراقصها .. يخاف عليها من النسيم .. يمدّ أصابعه .. يلامس الورق .. يشعر أن العبق القديم يعود ليملأ جو الغرفة .. يضحك .. يقسم للجميع أن هذه الوردة تساوي نصف عمره .. يسأل البعض عن السر .. ويأخذ أسعد في سرد الحكاية ..
يقفز إلى البال شارع من شوارع البلد .. المساء مضمخ برائحة الربيع الندية .. الخطوات على الرصيف تشبه زقزقة العصافير .. يمر أمام نافذتها .. تمد رأسها وتضع خدها على يدها اليمنى .. يأخذان في الحديث عن الغد .. مثل طيرين ينقران الكلمات فتتقافز في الجو .. يرفع قامته قليلاً ويطبع قبلة على أطراف أصابعها .. يشعر أن القلب ينتفض مبللاً بالشوق والحنين .. لا يترك الوقوف تحت شباكها قبل تسرب ضوء الصباح الندي ..
كانت فاطمة أحلى بنات المدينة في نظره .. شعرها الأسود شلال عطر.. عيناها العسليتان ضوء نهار .. قامتها شجرة كرز مشتهاة .. يحاول أن يختصر المسافات بالعمل .. يطوي الليل والنهار .. بين شباكها والبيت والمعمل عالمه .. يكاد لا ينام .. الكل يعرف قصته .. والكل يعتبرون فاطمة خطيبة أسعد .. وينتظرون يوم تزف إليه .. ومثل أرنب بري أخذت الأيام تقفز ..
كانت الشهور مرعبة .. الأيام مليئة بالدم والرصاص .. ما عاد يستطيع أن يراها كما كان يراها من قبل .. قدم كل ما جمعه من مال لشراء بندقية .. سلامة البلد أهم من كل شيء .. اليهود يسرقون الأرض شبراً وراء شبر .. يقتلون الأهل في كل مكان .. صارت الشوارع جحيماً.. وكان عليه مثل كل الشباب أن يدافع عن البلد ..
كان المساء الأخير معلقاً على طرف شباكها .. ناولته وردتها الحمراء فوضعها تحت القميص عند قلبه .. رجاها أن تنتظر .. وعدته أن تكون وردة انتظار .. حدثها عن أصدقاء ذهبوا دفاعاً عن البلد .. حدثته عن صديقات ذهبن وهن يساعدن الجرحى .. نقرت الكلمات سقف المساء بحزن شفيف فأورق الدمع أو كاد .. كان يشعر أن فاطمة عصفور سيفرد جناحيه ويطير .. وكانت تشعر أن أسعد يكتب على صفحة المساء كلمات صفراء ..
عندما هب الرصاص في الشارع أراد أن ينسحب .. رجته أن يبقى.. قبضت بيدها اليمنى على يده .. شدت بكل ما لديها من قوة .. طار الرصاص ودار .. وقعت عيناه في عيني الجندي الإسرائيلي دون مقدمات.. أراد أن يسحب يده .. كانت بندقية الجندي أسرع .. شعر كيف يدور العالم ويلف .. بردت يد فاطمة .. تسرب الدم شيئاً فشيئاً إلى يده وراح ينقر الوردة الحمراء في صدره .. مال رأس فاطمة على الشباك.. تداعت قامتها شيئاً فشيئاً .. أراد أن يصرخ .. كان العالم كله واقفاً عند لحظة جامدة في مكان ما ..
وردة حمراء ودم .. فاطمة وصرخة معلقة في فضاء بعيد .. شارع وعينا جندي لئيم .. كان المساء الأخير أصعب المساءات .. حقل من الشوك ملأ حلقه .. سنوات طويلة مضت .. غربة .. رحيل .. تشرد.. لجوء .. والوردة هي الوردة .. كثيراً ما تخيل أنه يقف عند قبرها ويبكي.. رفض أن يتزوج بعدها .. كانت فاطمة كل حياته .. وردتها هي الزوجة والحبيبة .. عبقها ما زال حتى الآن .. كان يروي وحقل الشوك في حلقه .. كانوا ينظرون إليه .. يده على حافة الشباك .. والمساء الأخير جرح مفتوح على أيام لا تنام ..


[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
طلعت سقيرق غير متصل   رد مع اقتباس