نرجو الإنتباه : تغير ثلاثية التخلف الدولي
د. ناصر شافعي
تلقّنا و تعلمنا منذ الصغر ، أن أسباب التخلف في أي دولة أو مجتمع تكمن في أسباب ثلاثة لا رابع لها ..
وهى ثلاثية " الفقر .. و الجهل .. و المرض " .
بعقولنا الصغيرة البريئة ، غير المدركة وغير الواعية لكينونة و حقيقة الأشياء و الأشخاص و الأفعال ، صدقنا هذه المقولة ، وهذه الأسباب الثلاثة بدون نقاش ، و ألبسنا أنفسنا لباس الفقر و الجهل و المرض ، وأخذنا نعّول ونفسر فشلنا و ضعفنا وقلة حيلتنا لهذه الأسباب .. وأقنعنا مجتمعاتنا و شعوبنا بهذه الأسباب و الأسرار الدافعة و المحققة لتخلفنا عن ركب الحضارة العالمية .
مع مرور الزمن ، و إتساع مدارك فكرنا ، ونضج ورجاحة عقولنا ، وإتساع وتشابك أعمالنا ، إكتشفنا بعض الحقائق :
أولاً : إكتشفنا أننا لسنا دول فقيرة .. بل من أغنى دول العالم .. ولدينا العديد من الثروات و الموارد المادية والاقتصادية و البشرية .. وأن الفقر يكمن في إحساسنا بالفقر الضارب في القدم والمخزون في أنفسنا .. وأن لدينا فقر في الفكر والتخطيط و الإبتكار و العزيمة .. فقر في الأهداف و الإصرار على الإصلاح .
ثانياً : إكتشفنا أننا لسنا جهلاء علمياً أو ثقافياً ، بل لدينا من العلم و المعرفة و الثقافة ما يكفينا ، ويفيض عن حاجتنا فنصدره .. بدواعي الأكتفاء وعدم الإحتياج .. أكتشفنا أن جهلنا يكمن في كيفية الإستفادة مما لدينا من فكر و علم و معرفة و ثقافة ، إستفادة حقيقية ، ليست مظهرية أو إعلامية .. واكتشفنا أن جهلنا جهل سياسي و إجتماعي وحضاري بالدرجة الأولى .
ثالثاً : إكتشفنا أننا أصحاء الأبدان و العقول ، وأن الأمراض العضوية و النفسية و العقلية تملأ دول العالم المتحضر أكثر منا بمراحل !! .. وأن المرض الحقيقي قد أصاب تفكيرنا ، فأفسد تخطيطنا ، وشل حركتنا و تقدمنا و قوتنا .
إكتشفنا أن ثلاثية التخلف الدولي و الحضاري التي أصابتنا نحن و العديد من دول العالم الثالث قد تغيرت و تبدلت منذ زمن ، و نحن عنها غافلون ، و أصبحت " الفساد .. و الظلم .. و السلبية " .
الفساد – بكل أشكاله و ألوانه – الذي أعاق كل عمليات الإصلاح و التغيير و التطوير إلى الأفضل .. الفساد الذي أدى إلى حدوث طفرة فريدة و إتساع الفجوة بين طبقة الأثرياء ، و طبقات الفقراء .. الفساد الذي أدى إلى إنعدام الثقة في وجود أي صالح أو نظيف .
الظلم .. الذي قضى على طموحات وآمال الشباب الصاعد الواعد .. وقضى على رغبات و أماني كل من يرغب في الصلاح و الإصلاح ، وشغله الظلم في طاحونة البحث عن الحق و العدل .. وتفادي الظلم .
السلبية .. التي إستشرت في نفوس البشر بعد إصابتها باليأس و فقد الأمل في التغيير و التعديل و التطوير إلى الأفضل ، فآثر أصحاب العقول المستنيرة ، و الأفكار الإيجابية الحكيمة ، الإختفاء و الإختباء و الابتعاد عن المشاركات السياسية و الإجتماعية والفكرية . السلبية التي خلقت في الشعوب روح الأنانية و الإبتعاد عن العمل الجماعي المثمر ، و السعي الدائم لتحقيق الحلول الفردية ، المؤقتة ، غير المُجدية.
لذا أرجو الإنتباه .. ولزم التوجيه و الإرشاد و التحذير .. لقد تغيرت ثلاثية التخلف الدولي من " الفقر .. والجهل .. و المرض " إلى ثلاثية "الفساد .. و الظلم .. و السلبية " .
فهل نستطيع أن نخلع عن أنفسنا صفات الفقر و الجهل و المرض و الفساد و الظلم و السلبية ، و نتحلي بصفات الصلاح و العدل و الإيجابية ، فنحقق قفزة حضارية ؟؟؟.
تحياتي الفكرية . د . ناصر شافعي
24 سبتمبر 2009