الحدود بين النقض والنقد ..!!..
[align=justify]
كل ما هو ناجز مسبق في الذهن ويطبق على النص أو العمل الإبداعي بشكل قسري غير مبرر يسمى نقضا لا نقدا ، وهذا كثير للأسف عند من يكتبون النقد ومن يتناولون النصوص أو الأعمال الإبداعية. وهو أمر إشكالي يجب الانتباه له والوقوف عنده والتدقيق في جوانبه، من أجل إعطاء النقد هويته الصافية الخالصة .. إذ من غير المعقول، أن نأتي بتصور ناجز، أو مدرسة نقدية ما ، ثم نخضع النص أو العمل لشكل مصنوع ثابت وكأننا نريد من الإبداع أن يدخل في القوالب الجامدة ليأخذ لبوسها وشكلها دون وجه حق .. فالإبداع متحرك حيوي خصب شديد التجدد ، والقوالب الجاهزة جامدة محدودة لا حياة فيها.. وعليه كيف يتمّ التوفيق بين طرفين متناقضين متباعدين لا مجال للتلاقي بينهما ؟؟.. أليس من الأفضل أن نترك النقض هدما ، إلى النقد بناء إيجابيا يعطي ويفسح المجال للتحليق والارتفاع والعلوّ ؟؟..
يأتي الكاتب أو الناقض إلى النص أو العمل ، قبل تناوله ومعرفته والاطلاع على خباياه ، محملا بمقولات وتوصيفات جامدة مثل " هذا يقلد ذاك " .. " وجوب الرجوع إلى أسس المدرسة الكلاسيكية / أو سواها " ..."الإبداع له خصائص هي التالي / وكل كاتب يحتفظ بكمّ منها / " وغير ذلك من توصيفات أو مقولات لا دخل للعمل الإبداعيّ بها من قريب أو بعيد.. فالعمل الإبداعي صورة أو حركة لا تفهم ولا يتمّ تناولها دون فهمها وفهم تفاصيلها كافة ، ليكون النقد الحقيقيّ تابعا لا متبوعا ، وليس في هذه التبعية عيب لأنها الأصل في النقد الصحيح،إذ لا معنى لنقد يحضر معه قوالب مصنوعة جاهزة ويدخل أي عمل إبداعيّ فيها..ثقافة الناقد تتبدى في فهم النص وإعطائه كل جديد وحيويّ غير جامد .. وبهذا التواصل مع العمل الإبداعي ، وهو تواصل مبني على استبعاد أي فكرة مسبقة ، نكون أمام نقد لا نقض ، وفرق كبير بين البناء والهدم ..
التسرع في الكتابة دون فهم العمل الإبداعيّ ، يلجئ الكاتب إلى أن يكون ناقضا لا ناقدا .. فهو ينسى أنّ كل عمل إبداعي عالم قائم بذاته ، لا دخل له بما سبق أو بما سيأتي .. لا ننكر الخصائص الإبداعية العامة والأسس المعروفة الثابتة ، هذا كله عتبات دخول لفهم العمل والخروج منه بنقد جديد أساسه العمل وثقافة الناقد ، فمنهما وحدهما نأتي بالجديد المغاير الهادف إلى البناء أكان النقد مشيرا إلى السلبيات أو الإيجابيات، فالقصد فهم العمل وفهم كلّ مداخله ومخارجه وسبله وبنيته وخطواته دون إنقاص . والفهم يقود إلى الحكم المنصف الذي يريد النهوض بأي عمل لا هدمه .. ويخطئ من يظنّ أنّ الجودة أو الحصافة مرهونتان بالتقاط كل سيء أو الإتيان بكمّ من المصطلحات نجبر العمل الإبداعيّ ، أيا كان هذا العمل ، على قبولها والخضوع لها .. فكل تصوّر مسبق ناجز لا يكون طبيعيا ، لأنه تصور لا أساس له ما دمنا لم نطلع على العمل ولم نعرفه بعد .. لا معنى لأن نصف البيت قبل دخوله، ظنا منا أنه يشبه بيتا عرفناه ، ولا الطريق قبل السير فيه ، وهما منا أنّ كل الطرق متشابهة.. هناك دائما خصوصية وملامح وحضور وامتداد وبصمات، ومن الجور ألا نكون منصفين غاية الإنصاف..
النقد عالم لماح ذكيّ شديد الثراء والعمل على الإثراء .. والنقض عالم متصل بالهدم متصف بالظلم لأنه يهدم قبل أن يعرف طبيعة وشكل وعمق وأبعاد مايهدم ، فخطواته ثقيلة الوطء،ونظراته عمياء غير منصفة.. وقد يظنّ البعض أننا نغالي ، أو نذهب بعيدا في استحضار صفات غير موجودة .. لكن من يقرأ ما يكتب يلحظ أنّ هناك دائما نقضا ونقدا ، وأنّ التفريق بينهما واجب ، حتى لا نوقع أيّ عمل إبداعي تحت طائلة أو ظلم وتعدّي التوصيفات الناجزة ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|