02 / 12 / 2009, 02 : 04 AM
|
رقم المشاركة : [6]
|
أستاذة وباحثة جامعية - مشرفة على ملف الأدب التونسي
|
رد: بحث / النكبة في الخطاب الثقافي الفلسطيني : الفن التشكيلي نموذجا - مليحة مسلماني
2. النكبة في مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني
[align=justify]مر الفن التشكيلي الفلسطيني منذ عام 1917 بمراحل ثلاثة. سيطر الفن الشعبي على أولى تلك المراحلن و هي المرحلة التي تمتد منذ عام 1917 و حتى عام 1948، والذي و إن كان فنا تطبيقيا إلا أنه انتج ايضا أعمالا ذات مضامين و رسائل سياسية. شكل عام 1948 نقطة تحول جذري على صعيد الدور و المضمون للفن التشكيلي الفلسطيني، ليشهد بذلك مرحلة أسست لحركة تشكيلية فلسطينية فيما بعد، سيطرت على تلك المرحلة مضامين الحنين إلى الوطن و الذكريات عنه وأخذ الفن على عاتقه، كما الأدب الفلسطيني، مسؤولية توثيق واقع اللجوء الفلسطيني. ثم أتت مرحلة فن الثورة و التي قد تعتبر أهم مرحلة في مسيرة الحركة التشكيلية الفلسطينية على صعيد الوظيفة على الأقل. و يميز الفنان عبد الرحمان المزيّن ثلاث نقلات في تلك المرحلة، الأولى [1965-1971] حيث غلبت على تلك الأعمال رموز "الكوفية" و "الرشاش" و "الشمس" كرمز للأمل و "الحصان" كرمز للإنطلاقة، ترافق وجود تلك الرموز في العمل التشكيلي الفلسطيني في تلك الفترة مع انطلاق حركات التحررالوطني الفلسطينية و التي ركزت على النضال و المقاومة و الكفاح المسلح بهدف تحرير الأرض. النقلة الثانية [1971- 1982] و هي النقلة الأهم في مرحلة فن الثورة حيث تم الإعتراف بالثورة الفلسطينية و بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني، و تمتاز تلك الأعمال بتوظيف عناصر التراث الفلسطيني في الفن. النقلة الثالثة يسميها المزيّن مرحلة الملحمة التي بدأت منذ عام 1982 حيث تطور شكل العمل من اللوحة إلى الجدارية تماشيا و تعبيرا عن الواقع الذي تمثل في إجتياح لبنان و ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في مخيمات اللجوء و من ثم إنطلاق الانتفاضة الفلسطينية عام 1987. 5
و في مختلف تلك المراحل، شكلت النكبة، بأبعادها و انعكاساتها على الإنسان الفلسطيني، الهاجس الأول للفنان الفلسطيني، خاصة الفنانين الذين تم تهجيرهم من مدنهم و قراهم و الذين جاءت أعمالهم توثيقا لمأساة التشريد و لواقع المخيمات و تطلعا نحو العودة في لوحات يكللها حلم العودة إلى فلسطين الربيع و الوطن. و برز فنانون في تلك المراحل اعتبرت لوحاتهم فلسطينيا و عربيا و عالميا، ناطقا رسميا باسم الشعب الفلسطيني و حقه في العودة. من بين هؤلاء كان الفنان الشهيد ناجي العلي و إسماعيل شموط و سليمان منصور و مصطفى الحلاج و عبد عابدي و غيرهم. نهدف من هذا الجزء من الدراسة استكشاف تمثيلات النكبة في أعمال بعض رواد و رائدات الفن التشكيلي الفلسطيني.
يعتبر الفنان إسماعيل شموط [ مواليد اللد 1930] رائد تمثيل مأساة اللجوء الفلسطيني، و عبرت أعماله التي يبقى محورها الإنسان، عن عمق الألم الذي ألم بالإنسان الفلسطيني، من خلال رسمه شخوصا تكتسي وجوهها ملامح من حزن و أسى عميقين لكنها أيضا شخوص يشعّ من داخلها الكبرياء و التحدي و الأمل في استرجاع حقها و العودة إلى الوطن الأم. تظهر المرأة كشخصية مركزية في أعمال شموط، بزيها الفلسطيني دائما، و بعلاقتها مع الطفل أحيانا في مقاربة بين علاقة الأمومة بمريم العذراء و المسيح، كإعادة إنتاج لتاريخ اللجوء الذي يكرر نفسه على أرض فلسطين، و كتعبير عن علاقة أمومة خاصة عامة، تشبه علاقة الطفل بالأم بعلاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه. ومن الجدير ذكره انه تم إتخاذ المرأة الفلسطينية في أعمال معظم رواد الفن التشكيلي الفلسطيني كاستعارة للأرض و الهوية الوطنية و الثقافية و التراثية، كما في أعمال ناجي العلي و سليمان منصور و نبيل العناني و عبد عابدي و عبد الرحمان المزين و كامل المغني و غيرهم.
رسم إسماعيل شموط في فترة الخمسينات لوحات تصور واقع حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات [ شكل 1]. من بين أهم تلك اللوحات لوحاته " سنعود "و " هنا كان أبي " و " إلى أين؟ " و " فلسطين على الصليب". وكما يظهر من عناوين تلك اللوحات هو تمحورها حول قضية التهجير من ناحية باعتباره جاء اغتصاب حق مشروع في بقاء الإنسان في وطنه، و حول قضية العودة من ناحية ثانية باعتبارها تحقيقا لمبدأ استرجاع الحق المغتصب. عن لوحته "فلسطين على الصليب" يقول إسماعيل شموط بأنه أراد بها الجمع بين ثلاثة أصعدة زمنية هي التشتت و فقدان الأرض و الحياة القاسية في المخيمات و أخيرا المستقبل الذي يجب النضال من أجله و من أجل سلام و سعادة الأطفال.6 بعد هزيمة 1967 كررت لوحات شموط التعبير عن التهجير المتكرر للشعب الفلسطيني، و إلى جانب إشتداد ألم الشخوص في لوحاته كما في لوحته "إلى أين...مرة أخرى" و التي رسمها عام 1967، بدأت تدخل في أعماله رموز المقاومة و النضال المسلح، و التي صاحبت انطلاق حركات التحرر الوطني الفلسطيني في عقد الستينات.
من رائدات التشكيل الفلسطيني تعتبر جوليانا ساروفيم [ مواليد يافا 1934] فنانة متميزة على صعيد الأسلوب الذي استخدمته في أعمالها و على صعيد عمق المضمون من حيث البحث في جوّانية الذات الإنسانية. إن النظرة الأولى لأعمال ساروفيم توحي بأنها فنانة خارج سياق أبناء جيلها من الفنانين الفلسطينيين من تلك المرحلة والذين جاءت أعمالهم مباشِرة في التعبير عن إحتلال الأرض و تهجيرإنسانها الفلسطيني منها. غير أن قراءة عميقة لأعمال الفنانة و التي هُجرت من يافا و تعلمت الفن في بيروت، تكشف عن أسلوب خاص انتهجته، وسيلته و غايته البحث داخل الذات المغرقة بالذكريات عن الوطن. تقول ساروفيم:" أنا لا أميز بين الفن و الحياة. في الفن ألقى الحب. و في الحب ألقى الحرية". كانت ساروفيم ترسم في سعي لإكتشاف الذات، تلك التي تلوح في فلكها ذاكرة الوطن الأول، فتتلمس طريقها بلغة تشكيلية تعبيرية تحمل في طياتها الحنين إلى يافا الشاطئ و البرتقال [ شكل 2 ]، يافا، شاطئا و برتقالا، تظهر في أعمالها التي تميزها مائية و نباتية تمر عبر الحلم و الذكريات عن الوطن، فيغدو هذا الوطن هو الحلم و هو الذات، فترسم ساروفيم يافا لترسم نفسها، و ترسم نفسها لتطلعنا على يافا في داخلها. و يكمل الفنان كمال بلاطة مستقرءا في أعمال ساروفيم مشابهة بين ساروفيم، المرأة الفلسطينية، ويافا، المدينة الفلسطينية، قائلا: 7[/align]
" و من خلال التداعي الحر بين المستذكرات و الذات، تزاوجت تفاصيل المكان
المفقود مع ثنايا الجسد الحميم...فمن خلال هذه الكائنات [ في لوحات ساروفيم ]،
كثيرا ما أطل علينا من وراء حجاب الزفاف الأبيض وجه عروس و كأنه يذكرنا
بصورة يافا التي صورت في الفنون الكلامية كعروس غراء. وفي تمعننا بالملامح
البلورية لهذا الوجه المكلل بالنور، يلوح لنا المرة تلو الأخرى وجه ساروفيم".
|
|
|
|