27 / 12 / 2009, 19 : 02 AM
|
رقم المشاركة : [3]
|
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
|
رد: محرقة غزة ونهاية الأسطورة .. كتاب من تأليف د. يوسف جاد الحق
[align=justify] <H1 dir=rtl style="MARGIN: 5pt 0cm">المحرقة والأسباب المعلنة
عندما قامت (إسرائيل) بعدوانها البربري السافر في يوم السابع والعشرين من كانون الثاني عام 2008، بالقصف الجوي بطائرات من سائر الأنواع F16 وF18 و B52 ومروحيات الأباتشي، وطائرات بدون طيار، متعمدة أن يشمل القصف سائر أرجاء قطاع غزة، بدءاً من بيت حانون شمالاً، على الحدود مع كيان العدو حتى رفح في الجنوب مع الحدود المصرية، لمدة ثمانية أيام متتالية، لم تتوقف فيها الطائرات عن طلعاتها على مدار الساعة.. ثم أتبعت عملياتها الجوية بالتحرك البري بغية اقتحام المناطق السكانية بالدبابات والمشاة الأمر الذي لم تمكنها منه المقاومة بفصائلها مجتمعة من حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، وغيرها، وكانت هذه صورة رائعة لوحدة النضال الفلسطيني أمام العدو في غزة.
في المرحلة الأولى ـ الاقتصار على عمليات الطيران ـ أوقعت دماراً هائلاً في المباني والمنشآت والمدارس والمشافي والمساجد، كما أوقعت نحواً من أربعمائة من الشهداء بين المدنيين وأكثر من ضعف هذا العدد من الجرحى واستمرت عمليات الطيران وحده ثمانية أيام، ثم بدأت عمليات ما أطلقوا عليه (المرحلة الثانية) بالزحف البري، الذي لم يلبث أن توقف عاجزاً عن إنجاز المهمة باقتحام المدينة في يوم 18 يناير. وما إن توقفت (إسرائيل) عن إطلاق النار بعد ثلاثة وعشرين يوماً، ومن جانب واحد، حتى بلغ عدد الشهداء ألفاً وأربعمائة والجرحى خمسة آلاف وستمائة. أما عن الدمار فما هدِّم وخرِّب يفوق الوصف. وقد شمل ـ إلى جانب ما ذكرنا آنفاً ـ البنية التحتية بكاملها، ناهيك عن أن هذا كله جرى في ظل حصار محكم لا يصل فيه إلى أهل غزة غذاء أو دواء أو معونات من أي نوع، اللهم إلا ذلك النزر اليسير الذي كان يتسرب إلى القطاع بشق الأنفس، وفي النهاية لا يسد الرمق، ولا يسمن ولا يغني من جوع، أو يشفي من جراح، أو ينقذ من يشرف على الموت. وقد وفدت إلى غزة جماعات أوروبية عبر البحر على سفن تطوع منظمو رحلاتها بتقديم معونات عينية لأهل غزة، يرافقونها بأنفسهم، تعبيراً عن التضامن مع مقاومي العدوان من الفلسطينيين. وبقدر ما كانت هذه البعثات التطوعية إنسانية الطابع أدخلت إلى النفوس الشعور بالعرفان والمحبة بقدر ما كانت سبباً مثيراً للألم إذ جعلت الناس في كل مكان يتساءلون: أين الإخوة العرب من هذا كله...؟
أما على صعيد الخسائر المادية فقد قدِّرت الخسائر في العمران والبنيان والمنشآت بما ينوف على المليارين من الدولارات.
أعلنت إسرائيل أسبابها لتسويغ هجومها الوحشي أمام شعبها أولاً، ثم أمام الرأي العام في الخارج، دون أن تحسب للجانب العربي أي حساب. ذلك أن الجانب العربي منقسم على نفسه، فمنه ما هو صامت كأبي الهول، عن رضى أو عجز أو ابتغاء السلامة، ومنه ما هو موافق ضمناً، على ما يجري، ومنه ما هو مشجِّع عليه إلى حدّ تبرير ما أقدمت عليه (إسرائيل)، وربما مشاركتها إياه بطريقة ما. والصامتون في مثل هذه الأحوال يمكن اعتبارهم في خندق العدو.
كان من شأن ذلك، وكرد فعل له أن صدمت الجماهير العربية تماماً، وخابت آمالها في دول عربية كان يفترض فيها وجوباً أن تهب لنصرة أشقائها في محنتهم في غزة، وإذ بها ترى أنظمتها ودولها وكأن الأمر لا يعنيها، عند بعض، وكأنها شريكة في العدوان، عند بعض آخر، لا سيما في مسألة الحصار وإغلاق المنافذ من كل جانب، برّاً وبحراً، وجوّاً بطبيعة الحال.
نأتي إلى ذكر الأسباب المعلنة التي ادعت (إسرائيل) أنها كانت دافعها إلى القيام بعدوانها المنكر:
1 ـ وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
2 ـ استعادة الأسير (جلعاد شاليط) الذي أسرته المقاومة عام 2006.
3 ـ القضاء على تنظيم حماس تحديداً أو إضعافه.
4 ـ عدم تجديد حماس للهدنة التي كانت قائمة منذ شهور ستة.
لماذا هي أسباب مدَّعاة وكاذبة؟:
* لأن وقف إطلاق الصواريخ لا يتطلب بالضرورة هذا العدوان الصارخ، وبهذا الحجم الهائل، لكي يطال سائر من يعيش في القطاع من البشر، ولكي يشمل كل شبر من مساحة القطاع، لا سيما إذا علمنا:
(أ) بأن الصواريخ كانت تطلق على الكيان الصهيوني منذ زمن بعيد قبل ذلك فلماذا الآن...؟
(ب) لأن الصواريخ وصفت ـ من قبلهم قبل غيرهم ـ بالهشة غير ذات التأثير.
(ج) لأنهم قلما اعترفوا بأنها أوقعت أذى بأحد. وكانوا في كل مرة يعمدون إلى التقليل من أهميتها، فكيف أصبحت الآن تستحق حرباً كهذه ساحقة ماحقة لا تقوم إلا بين دول ذات جيوش جرارة.
* استعادة الأسير إياه سبب آخر مدَّعى، إذ كان من الممكن إنهاء قضيته (التي جعلوا منها قضية بحق) عن طريق المفاوضات والوساطات التي كانت جارية مع مصر منذ وقوعه في الأسر. وكان ممكناً أيضاً، لو أنهم لم يواظبوا كل الوقت، على القيام بعمليات الاغتيال والاعتداءات التي لم تتوقف أبداً في غزة والضفة، وكان ممكناً كذلك استبداله بعدد من الأسرى والمعتقلين العرب الفلسطينيين وعددهم (ينوف على أحد عشر ألفاً) وقد يتساءل المرء لماذا حرصهم الشديد هذا على عدم اطلاق سراح هؤلاء الأسرى. ما الذي سوف يخسرونه سوى العنجهية والمكابرة والظهور بمظهر القوي الجبار. ثم هل إن محاولة إطلاق فرد واحد تقتضي تعريض أعداد من جنودهم للموت في سبيله..؟ ثم أيضاً لماذا صبروا كل هذا الوقت عن (شاليط) أسيراً إلى حدّ النسيان؟ وهل تذكروه الآن فقط فجيَّشوا الجيوش، ودعوا الاحتياط، وأعدوا ميدان القتال لتدمير إقليم وإبادة شعب من أجل عيون هذا (الجليط) (الشاليط)؟
الكاتب الإسرائيلي (رامون) يقول في صحيفة (يديعوت احرونوت): (تعتبر الحكومة فاشلة لمجرد عدم قدرتها على تخليص الأسير جلعاد شاليط. نعم عجز الجيش عن تخليصه).
* القضاء على حماس. سبب آخر معلن.
هل حقاً كانوا يتصورون أنهم قادرون على القضاء على حماس، التي وجدت منذ عام 1978 على يد الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتالوه ذات فجر من عام 2005 فيما هو عائد من المسجد عقب صلاة الفجر إلى بيته؟ وهي جريمة نكراء منكرة مرَّت ـ مرور اللئام الصامتين ـ لم يحرك من أجلها العالم ساكناً في حين أن ظروفها وملابساتها، فضلاً عن ظروف الرجل نفسه، كانت تقتضي موقفاً غير الذي رأينا يومئذ، حتى من المحافل الدولية. فالرجل مقعد، ومُسنّ، وعاجز عن الحركة، إلا عن طريق كرسي يحركه مساعدوه تطوعاً، احتراماً وإجلالاً لسنِّه ومكانته بينهم.
إذن هو سبب مفترى آخر. مجرد ذريعة يسوِّقها الإعلام الإسرائيلي والإعلام الضالع معه، وإعلام منتشر على رقعة واسعة من العالم، تملك نفوذاً عليه بالولاء أو بالشراء. القضاء على حماس ربما كان أكثر سهولة فيما مضى، ومع ذلك لم تلجأ إسرائيل إلى الإقدام عليه إما لعجزها عنه أو لتصورها أن حماس غير مؤثرة بما فيه الكفاية. إذن ما الذي حدث الآن لكي تقدم على ما أقدمت عليه..؟ ولا ينبغي لنا أن ننسى أنها كانت، قبل ذلك، تقيم حصاراً على قطاع غزة منذ فازت حماس في الانتخابات (الديمقراطية) عام 2006 التي شهد بنزاهتها وواقعيتها العالم كله، بما فيه أمريكا ـ تصريحاً ـ وإسرائيل ـ ضمناً ـ. ولقد شهد بذلك أيضاً شاهد من أهله هو الرئيس الديمقراطي السابق (جيمي كارتر)([1]). كان يمكن لإسرائيل مواصلة حصارها الجائر مثلاً.. وكان يمكنها تجديد الهدنة والوصول إلى تسويات لن تخسر فيها شيئاً، فهي سارقة فيما مضى لكل شيء، وما يمكن أن (تتنازل) عنه ما هو إلا جزء من المسروقات في يد اللص المحترف، لم يدفع في الاستيلاء عليه سنتاً واحداً.. أجل. ماذا عليها لو أنها تنازلت عن بعض مسروقاتها لينتهي الأمر بـ(سلام) ودون الحاجة إلى بحر من الدماء تغوص فيه إلى الأذقان، مستخدمة من الذخيرة والقنابل والصواريخ ما لو ألقي على دولة ذات جيش جرار لحلَّت بها هزيمة نكراء محققة..؟
* أما عن ادعائها بأن حماس رفضت تجديد الهدنة، فهذه فرية أخرى تدعيها كذباً، ودونما خجل. إذ أن هناك شهوداً عرباً وأجانب متابعون وملمُّون بما كان يجري في هذا الصدد بين حماس وإسرائيل عن طريق وسطاء. وقد أعلنت حماس أنها لم تتلق من أي جهة كانت ما يفيد بأن تمديد الهدنة مطلب امتنعت عنه بعد أن تقدم به إليها أحد، من جهة ثانية. هل كان من الحكمة في شيء أن تعمد حماس، هكذا من تلقاء نفسها لتمديد الهدنة، خدمة مجانية إلى العدو؟ أو لنقل، على سبيل المكافأة له على حصار تجويع مُرّ فرضه عليها لأكثر من عام ونصف، (منذ حزيران 2007) دونما سبب على الإطلاق، وفي ظل هدنة كانت قائمة يلتزم بها طرف واحد؟ بل إن إسرائيل اغتالت في فترة الهدنة تلك ستة وثلاثين من رجال حماس. من الذي أوجب إنهاء صلاحية تلك الهدنة إذن بأفعاله الإجرامية الشيطانية؟ أليست هي إسرائيل لغايات في نفسها وتنفيذاً لخططها المرسومة ونواياها الشريرة المبيتة؟
([1]) الرئيس كارتر عراب اتفاقية (كامب ديفيد) عام 1979.
[/align]</H1>
|
|
|
|