رد: العنف والإرهاب الصهيوني..أساليب وأشكال متعددة في القرن العشرين - أوس داوود يعقوب
[align=justify]تاريخ الإرهاب الصهيوني حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية:
يبدأ تاريخ الإرهاب الصهيوني مع الاستعداد للهجرة "الاستيطانية"، فموجات الهجرة الأولى جاءت بنموذج اليهودي الذي رفض ما يسميه الصهاينة «السلبية اليهودية الحاخامية» والذي كان يرى أن عليه أن يصوغ مستقبله بنفسه عن طريق اغتصاب أرض فلسطين وطرد أصحابها ليخلق لنفسه مجالاً حيوياً يمارس فيها سيادته القومية. وكان تنظيم «الهاشومير» من طلائع التنظيمات في هذه الفترة وهي المنظمة التي تُعَد «الهاجاناه» امتداداً لها. وكانت الاشتباكات آنذاك تقتصر على استخدام السكاكين والعصي.
ومع قرب انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت بشائر المرحلة الثانية حيث أخذ الصهاينة يجمعون السلاح لتبدأ بعد ذلك مرحلة قتالية جديدة وطور جديد من أطوار ممارسة الإرهاب المسلح وإن لم يصل إلى حد المواجهة المباشرة بل اكتفى بأسلوب الكر والفر. وبعد الحرب العالمية الأولى، وبعد وضع فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني، يبدأ التاريخ الحقيقي للإرهاب الصهيوني.
فمنذ بدء الانتداب البريطاني على فلسطين أخذ البناء التنظيمي للإرهاب الصهيوني في النمو والرسوخ في فلسطين مستفيداً من دعم الاستعمار البريطاني للحركة الصهيونية وتأمينه هجرة آلاف الصهاينة من الشباب الذين سرعان ما انخرطوا في تنظيمات الإرهاب. وقد استقر البناء التنظيمي للإرهاب الصهيوني منذ مطلع عشرينيات القرن العشرين حين تأسَّست «الهاجاناه» ممثلة الذراع العسكري والباطش للوكالة اليهودية عام 1920، والتي نظمت داخل تنظيمها فرقاً خُصِّصت للهجمات الإرهابية ومنها «كتائب بوش» التي تقرَّر تشكيلها عام 1937 وكذا فرق «البالماخ». وفي السنة التالية أيضاً لاندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 انشق أنصار الصهيونية التصحيحية عن «الهاجاناه» وكوَّنوا تنظيماً اتخذ لنفسه مظهراً أشد تطرفاً ودموية هو عصابة الأرجون تسفاي ليومي «الإتسل». وفيما بعد انشق عن «إتسل» جماعة أبراهام شتيرن وكوَّنت عام 1940 جماعة «ليحي». وتُعَد هذه المنظمات الثلاث «الهاجاناه، إتسل، ليحي» العمود الفقري للإرهاب الصهيوني حتى عام 1948، حتى أنه يندر أن نجد عملاً إرهابياً وقع في فلسطين منسوباً إلى جماعة غيرها، فضلاً عن أن بعض الحلقات الإرهابية الصهيونية كانت خاضعة لإشرافها.
وهكذا كما ترسخت بنية الإرهاب الصهيوني في العشرينيات والثلاثينيات، شهد النصف الثاني من الثلاثينيات قفزة واضحة بالنسبة لحجم النشاط الإرهابي الصهيوني في فلسطين. وهي القفزة التي تجدر مناقشتها على ضوء المد العالمي للفاشية، وتدفُّق جيل من الشباب الصهاينة الذين تمرسوا على العمل السري والإرهابي في بلدان أوروبا الشرقية خاصة. وتشير مذكرة رسمية بريطانية صادرة عن وزارة الدولة للمستعمرات إلى أن الإرهابيين الصهاينة يأتون من روسيا وبولندا والبلقان ولا يعرفون التسامح ولا يعترفون بحقوق الآخرين وتقرِّر أنهم نتاج أنظمة تعليمية تغذي التعصب والشوفينية. كما ترتبط القفزة الواضحة في حجم النشاط الإرهابي الصهيوني آنذاك بتصاعُد الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني الذي كان قد حقَّق تراكماً كافياً في أدواته وإمكاناته تؤهله للصدام مع الفلسطينيين والشروع في التحرك على عجل لتحقيق غايته وتأسيس الدولة الصهيونية.
ومن بين السجل الحافل للنشاط الصهيوني في فلسطين خلال المرحلة الثانية (حتى الحرب العالمية الثانية) يمكن الإشارة لبعض العمليات المهمة من بينها قيام إرهابيي «الهاجاناه» بقتل مواطنين فلسطينيين بجوار مستعمرة "بتاح تكفا" رمياً بالرصاص حيث كان كوخهما، وذلك في 16 أبريل عام 1936. وهو نفس العام الذي أصدرت فيه «الهاجاناه» سبعة قرارات بإطلاق النار على الفلسطينيين أينما كانوا. كما شهد عام 1937 سلسلة من عمليات إلقاء القنابل اليدوية على تجمعات المواطنين الفلسطينيين العزل في المقاهي ووسائل النقل والأسواق، وكان من أشهرها إلقاء «إتسل» قنبلة على سوق الخضار المجاور لبوابة نابلس في القدس فسقط عشرات من الفلسطينيين بين قتيل وجريح. كما أطلق أعضاء نفس المنظمة النار على قافلة فلسطينية فقتلوا ثلاثة ركاب بينهم امرأتان في 14 نوفمبر 1937، وهو اليوم الذي أُطلق عليه لقب «الأحد الأسود» في القدس، حين نفَّذ الإرهابيون الصهاينة أكثر من عملية في المدينة كمظهر لاستعراض القوة.
وفي 6 مارس عام 1937 لقي 18 فلسطينياً مصرعهم وأصيب 38 آخرون من جراء إلقاء قنبلة يدوية في سوق حيفا. كما تعرض نفس السوق في شهر يوليو من العام نفسه إلى تفجير سيارة ملغومة أودت بحياة 350 فلسطينياً وجرحت 70 آخرين، بينما يفتخر المؤرخون الصهاينة بأن عدد الضحايا كان أكثر بكثير مما أعلنت عنه سلطات الانتداب. وفي اليوم التالي سقط 27 فلسطينياً وأصيب 46 آخرون بجراح من جراء قنبلة يدوية ألقتها العصابات الصهيونية على السوق المزدحم. كما تعرَّض سوق القدس في 26 أغسطس عام 1938 إلى انفجار سيارة ملغومة أسفر عن مقتل 34 فلسطينياً وجرح 35 آخرين وفق أقل التقديرات. وفجَّرت «إتسل» قنبلة يدوية أمام أحد المساجد في مدينة القدس في 15 يوليو 1938 أثناء خروج المصلين فقتلت عشرة أشخاص وأصابت ثلاثين. وعن أحداث العام نفسه يفتخر الصهاينة بهجوم الإرهابي شلومو بن يوسف واثنان من رفاقه من جماعة «إتسل» على سيارات فلسطينية يستقلها مواطنون عُزَّل. وقد نفَّذت السلطات البريطانية حكم الإعدام في شولمو فحوَّله "المستوطنون" الصهاينة إلى بطل قومي مثالي ويحمل طابع بريد "إسرائيلي" صورته، واختارت إحدى منظمات الإرهاب الصهيوني السرية في الثمانينات اسمه لتطلقه على عملية مماثلة جرت في الضفة الغربية.
ومن بين العمليات الإرهابية الصهيونية خلال عام 1939 شهد يوم 27 فبراير وحده سقوط 27 شهيداً فلسطينياً وجرح 39 آخرين في حيفا إثر تفجير منظمة «إتسل» قنبلتين. كما سقط ثلاثة من الفلسطينيين وجُرح رابع في "تل أبيب". بينما قُتل ثلاثة آخرون وجُرح ستة في القدس. إلا أن من أبرز العمليات الإرهابية التي شهدها العام الهجوم الذي دبرته منظمة «إتسل» على سينما ركس في القدس حيث جرى تخطيط متعدد المراحل لتحقيق أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية بواسطة المتفجرات التي تم تسريبها إلى المبنى إضافة إلى إلقاء القنابل داخله ثم فتح نيران الرشاشات على رواد السينما الذين خرجوا في حالة من الذعر والهلع، وقد تم تنفيذ هذه العملية الإرهابية في 29 مايو 1939.
ولم تكن «الهاجاناه» بعيدة عن التنافس مع «إتسل» ، فقد هاجمت عناصرها قرية بلدة الشيخ بجوار حيفا في 12 يوليو 1939 واختطفت خمسة من سكانها ثم قتلتهم. كما جرى في 29 يوليو الهجوم على ست سيارات فلسطينية في "تل أبيب ورحبوت وبتاح تكفا" كانت حصيلتها قتل 11 فلسطينياً. وأسفر إلقاء القنابل في مدينة يافا في 26 أغسطس عن مصرع 24 فلسطينياً وجرح 35 آخرين.
وقد وجدت المنظمات الصهيونية سنوات الحرب العالمية فرصة لتطوير نفوذها وتقوية هياكلها وتسليحها تمهيداً للانطلاق عند انتهاء الحرب. فزادت عدداً وعدة وأضفت على وجودها قدراً من الشرعية بالتعاون مع بريطانيا والحلفاء. وهكذا أعدت المنظمات نفسها للانطلاق لاحقاً نحو هدفين: الأول إجبار الفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين على مغادرة أراضيهم بما فيها تلك التي يشكلون فيها أغلبية ساحقة وهي الأرض التي خصهم بها مشروع التقسيم لاحقاً. والثاني الضغط على البريطانيين لإلغاء القيود المفروضة وبخاصة على الهجرة والعمل من أجل إقامة دولة صهيونية بأسرع الوسائل.
الإرهاب الصهيوني منذ عام 1945 وحتى إعلان الدولة الصهيونية:
تكتسب طبيعة العلاقة بين المنظمات الإرهابية الثلاث الأساسية «الهاجاناه، إتسل، ليحي»، قبل أن يتقرر حلها ودمجها في ما سميَّ (جيش الدفاع الإسرائيلي) مع قيام الدولة، أهمية خاصة. فرغم أن المنظمات الثلاث احتفظت باستقلالها التنظيمي فقد تبلور التعاون فيما بينها خلال هذه الفترة واتخذ شكلاً مؤسسياً حين وقَّع قادتها، مع نهاية الحرب العالمية وباشتراك الوكالة اليهودية، اتفاقاً ثلاثياً تضمنت بنوده:
1 - تدخل منظمة «الهاجاناه» المعركة العسكرية ضد السلطات البريطانية. وهكذا قامت حركة العصيان العبري.
2 - يجب على منظمتي «ليحي وإتسل» عدم تنفيذ خططها القتالية إلا بموافقة قيادة حركة العصيان.
3 - تنفذ منظمتي «ليحي وإتسل» الخطط القتالية التي تكلفان بها من قبَل قيادة الحركة.
4 - يجب ألا يكون النقاش حول العمليات المقترحة شكلياً فيجتمع مندوبو المنظمات الثلاث في جلسات ثابتة أو حسب الحاجة، على أن يتم خلال هذه الجلسات مناقشة الخطط من الناحيتين السياسية والعملية.
5 - بعد أخذ الموافقة المبدئية على العمليات المقترحة يناقش خبراء المنظمات الثلاث تفاصيل تنفيذ هذه العمليات.
6 - ضرورة الحصول على موافقة قيادة حركة العصيان لتنطبق على العمليات التي يجري تنفيذها ضد الممتلكات مثل الاستيلاء على الأسلحة من أيدي البريطانيين أو الحصول على الأموال.
7 - الاتفاق بين المنظمات الثلاث يرتكز على "أمر افعل".
8 - إذا أمرت منظمة «الهاجاناه» في يوم من الأيام بالتخلي عن الحرب ضد البريطانيين تواصل المنظمات «إتسل وليحي» حربهما.
وهكذا تشكَّل ما سُمِّي "حركة العصيان العبري" وتمثلها قيادة حركة المقاومة المتحدة للإشراف على الأمور التنفيذية. وضمت هذه القيادة ممثلين عن «الهاجاناه» مثل إسرائيل جاليلي وموشي سنيه ومن «إتسل» مناحم بيجين ومن ليحي أبراهام شيترن وياليني مور. وتوضح نصوص الاتفاقية المسئولية المشتركة للمنظمات الإرهابية الصهيونية وهو الأمر الذي سعت«الهاجاناه» إلى التنصل منه تاريخياً.
ويشير الدكتور المسيري أن باكورة أعمال حركة العصيان كانت نسف محطة سكك حديد رام الله في أول نوفمبر عام 1945. إلا أن العلاقة بين المنظمات الثلاث لم تكن بسيطة بأي حال. فقد عادت العلاقة بين أطراف حركة العصيان للتوتر وبخاصة بين إتسل و«الهاجاناه»، وعادةً ما كان الخلاف بينهما يتخذ طابع المنافسة على السيطرة على المُستوطَن الصهيوني. ولم يكن اللجوء إلى العنف بعيداً عن خلافات العصابات الصهيونية نفسها إلى الحد الذي أثار مخاوف الصهاينة من نشوب حرب أهلية بين منظمات الإرهاب. ولأكثر من مرة تبادلت «إتسل والهاجاناه» أعمال خطف لعناصرهما. كما كوَّنا فرقاً للاعتداء والضرب لتأديب بعضهما البعض شمل ضررها عائلات يهودية بكاملها. ووصلت موجة الاختطاف إلى ألمانيا حين تولت عناصر «الهاجاناه» أمر أربعة من أعضاء «إتسل» ولقي أحدهم مصرعه تحت التعذيب. وحتى عقب التوصل إلى اتفاق جديد بين «إتسل والهاجاناه» في 7 مارس 1948 تعرَّض الاتفاق وفي وقت حرج إلى اختبار صعب حين جرت معركة مسلحة بين«إتسل» ورجال «البالماخ» كادت تعرِّض وحدة جيش الدولة المنتظرة للخطر بسبب النزاع على شحنة سلاح كانت قادمة على ظهر السفينة (التالينا). وكادت الاشتباكات أن تودي بحياة مناحم بيجين زعيم «إتسل»، كما سقط عدد من الجرحى والقتلى من الجانبين قبل احتواء الموقف. وبصفة عامة تبادل زعماء هذه المنظمات اتهامات الخيانة والتعاون مع البريطانيين واغتصاب أموال بعضهم البعض.
وعلى أية حال فإن العنف المتبادل بين المنظمات الإرهابية الصهيونية قد تجاوز مراراً حدود التراشق بالاتهامات مثل اتهام «الهاجاناه» لمنظمتي «إتسل وليحي» "بالفاشية اليهودية" أو إطلاق هاتين المنظمتين صفة "قتلة الأطفال" على «الهاجاناه» التي قامت بعملية قتلت خلالها أمّاً فلسطينية وستة من أطفالها، أو التهديدات المتبادلة.
وإذا كان التنافس على النفوذ والسيطرة على قيادة الحركة الصهيونية فضلاً عن الاختلاف حول السياسة التي يتعين إتباعها إزاء بريطانيا قد يكونان عاملين أساسيين في تصعيد الخلافات بين منظمات الإرهاب الصهيونية، فقد كان الاتفاق على الغايات الصهيونية وتنفيذ المخطط "الاستيطاني" على حساب الفلسطينيين هو عامل الوحدة والتعاون الحاسم فيما بينها.
وقد حرصت الكتابات التاريخية الصهيونية على تصوير الإرهاب الصهيوني في هذه المرحلة باعتبارها نضالاً يهودياً للتحرر القومي في مواجهة الاستعمار البريطاني لجأ خلاله الصهاينة إلى السلاح. وهو الأمر الذي يخالف حقيقة الحركة الصهيونية فضلاً عن مجافاته لوقائع التاريخ التي تؤكد أن الفلسطينيين ظلوا دائماً هم الهدف الأول للإرهاب الصهيوني.
فقد نال الفلسطينيون الحظ الأوفر من العمليات الإرهابية الصهيونية وبخاصة خلال عامي 1947 و1948 الحاسمين، حيث كثَّف الإرهابيون الصهاينة جهودهم لاقتلاع الفلسطينيين، الأمر الذي أدَّى إلى تشريد حوالي 900 ألف فلسطيني إلى خارج أراضيهم ووطنهم. ففي هذه السنوات غلب أسلوب مهاجمة القرى والمدن العربية وارتكاب المذابح الجماعية دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل وكهل، أو بين أولئك العُزل وبين من يحملون السلاح دفاعاً عن حقوقهم.
وإذا كانت دير ياسين أشهر المذابح التي خلَّفها تاريخ تلك المرحلة، فإن مذابح لا تقل أهمية عنها لا يمكن حصرها قد وقعت خلال العامين 1947 و1948 خاصة. وبينها على سبيل المثال مذابح قرى حساس ويازور وسعسع والدوايمة والرملة وبلدة الشيخ. وهي مذابح راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني. وتذهب بعض التقديرات إلى أن تلك المذابح قد تسببت في هجر السكان الفلسطينيين خلال حرب 1948 لحوالي 350 قرية ومدينة بشكل كلي أو جزئي من بين 450 سيطرت عليها العصابات الصهيونية. وإلى جانب الإبادة كان المقصود هو ارتكاب أبشع أنواع الفظاعات ونشر أنبائها لخلق حالة من الذعر بين المواطنين الفلسطينيين تدفعهم إلى الرحيل.
إلا أن الأمر الأكثر حاجة إلى إعادة التأكيد أن التنظيمات العسكرية الصهيونية (وضمن ذلك الهاجاناه) قد اشتركت دون استثناء في تخطيط وتدبير وتنفيذ هذه المجازر التي جرى معظمها في إطار خطط عسكرية سياسية عامة وصفتها القيادة الصهيونية، وكان أشهرها الخطة (د) التي ارتُكبت في إطارها مأساة دير ياسين.
[يتبع][/align]
|