[بوران شما]

أتقدم بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن أسرة الفقيد وأصدقائه , بالشكر الكبير للأخوة الزملاء الأعزاء الذين قدموا العزاء بوفاة المفكر والباحث الكبير الدكتور أنيس صايغ.
نعم , برحيل العزيز الدكتور أنيس صايغ ,هذا المناضل والمفكر الفلسطيني الكبير , فقدت الأمة العربية بشكل عام, والشعب الفلسطيني بشكل خاص, رجلا نذر نفسه وحياته من أجل فلسطين والقدس , وأمضى عمره رائدا من رواد النضال الفكري والسياسي والعمل الميداني في مواجهة المشروع الصهيوني وكيانه الغاصب على أرض فلسطين, مما دفع العدو الصهيوني لتنفيذ محاولة اغتيال آثمة بحقه بإرسال رسالة مغلقة باسمه عندما كان مديرا عاما لمركز الأبحاث , لتنفجر عندما قام بفتحها , تركت بذلك آثارها على جسده رافقته طيلة حياته وكان يعتبرها وساما على صدره . فَقَدَ الدكتور صايغ في الاغتيال الذي تعرض له عددا من أصابع يده , وجزءا كبيرا من بصره وسمعه , وقد ازدادت هذه الآثار سوءا بمرور الأيام .
وقد زادته هذه الأمور ثقة ويقين بالنضال , وشكلت له حافزا لمواصلة الطريق الذي سلكه حتى يتم تحرير فلسطين واستعادة الحقوق والمقدسات الإسلامية والمسيحية ,واستئصال بؤرة الاحتلال وجرثومة الفساد المتمثلة بالكيان الصهيوني .
لقد عرفتُ الدكتور أنيس صايغ مؤمنا بفلسطين وبالأمة العربية وحتمية وحدتها ونهوضها , كاتبا ثاقب النظر , محرضا على الثبات في المواقف , متصديا لخطاب أوسلو ولنهج التسوية .
تتلمذ على يديه عشرات الباحثين في مركز الأبحاث, ومجلة شؤون فلسطينية , ومجلة شؤون عربية , وفي الجامعة اللبنانية , ومركز البحوث والدراسات العربية في القاهرة. ولن ننسى جهده الكبير ودأبه على إصدار الموسوعة الفلسطينية بقسميها الأول والثاني , وجهوده المبذولة لإتمام إصدار الأجزاء الأخرى الموجودة في خطة العمل , بمواجهته الجهات التي وقفت في وجه هذا المشروع , لكنه للأسف لم يفلح هذه المرة , لأن المؤامرة كانت كبيرة جدا .
ترك الدكتور أنيس المفكر الشديد الكبرياء والاحترام للنفس , والمتواضع , والمتقشف في حياته , الثاقب النظر , منجزا فكريا هاما ستحتاجه أجيال المناضلين لتحرير فلسطين , وليسترشدوا به الباحثين والمفكرين الذين سينهلون منه .
كما كتب الدكتور أنيس صايغ عن لبنان الطائفي , وعن القضية الفلسطينية , ودرس شخصية القائد جمال عبد الناصر (وهو الناصري الوفي) في كتابه مفهوم الزعامة السياسية , درس ميزان القوى العسكرية بين الدول العربية و(إسرائيل) , وكتب في المقاومة , وعمل على التعريف بالقضية الفلسطينية في كتابه (الجهل بالقضية الفلسطينية ) . ولأنه خبِرَ الإرهاب الصهيوني في وقت مبكر كتب (ملف الإرهاب الصهيوني) . وفي حقبة أوسلو أصدر كتابه الهام الذي حاجج طروحات جماعة أوسلو (13 أيلول 1994) ومن بعد أصدر (الوصايا العشر للصهيونية ) .
ومن حسن الحظ أنه أنجز مذكراته المدهشة والتي صدرت عام 2006 .
إن رحيل الدكتور أنيس صايغ خسارة فادحة لشعبنا الفلسطيني ولأمتنا العربية وللفكر والثقافة العربية .
ومع هول الخسارة , فقد ترك الدكتور أنيس وراءه أناساً يؤمنون بعروبة فلسطين , ويسيرون المشوار جيلا بعد جيل , لأنه ترك زاداً فكريا سيلهمنا , وسيرة حياتية مجيدة ستبقى نبراسا للشرفاء والصادقين والأوفياء لفلسطين وللأمة العربية .
رحم الله الفقيد , وألهمنا جميعا الصبر والسلوان .