رد: العنف والإرهاب الصهيوني..أساليب وأشكال متعددة في القرن العشرين - أوس داوود يعقوب
[align=justify]المذابح الصهيونية بعد عام 1967:
من أهم المذابح التي ارتكبتها الكيان الصهيوني بعد عام 1967:
مذبحة مصنع أبي زعبل (12 فبراير 1970):
بينما كانت حرب الاستنزاف بين مصر والكيان الصهيوني محصورة في حدود المواقع العسكرية في جبهة القتال وحسب، أغارت الطائرات الصهيونية القاذفة على مصنع أبي زعبل، وهو مصنع تملكه الشركة الأهلية للصناعات المعدنية وذلك صبيحة يوم 12 من فبراير عام 1970، حيث كان المصنع يعمل بطاقة 1300 عامل صباحاً. وقد أسفرت هذه الغارة عن استشهاد سبعين عاملاً وإصابة 69 آخرين، إضافة إلى حرق المصنع.
مذبحة بحر البقر (8 أبريل 1970):
وقعت هذه المذبحة أيضاً بتأثير وجع حرب الاستنزاف من قلب الكيان الصهيوني حيث قامت الطائرات الصهيونية القاذفة في الثامن من أبريل عام 1970 بالهجوم على مدرسة صغيرة لأطفال الفلاحين في قرية بحر البقر، إحدى القرى التي تقع على أطراف محافظة الشرقية، ودكتها بالقذائف لمدة زادت عن عشر دقائق متواصلة وراح ضحيتها من الأطفال الأبرياء تسعة عشر طفلاً وجُرح أكثر من ستين آخرين. وجدير بالذكر أن القرية كانت خاوية من أية أهداف عسكرية.
مذبحة صيدا (16 يونيه 1982):
وقعت إبان العدوان الصهيوني على لبنان حين أجرت قوات الاحتلال الصهيوني في لبنان عملية قتل جماعي لما لا يقل عن 80 مدنياً ممن كانوا مختبئين في بعض ملاجئ المدينة.
مذبحة صبرا وشاتيلا (16 - 18 سبتمبر 1982):
وقعت هذه المذبحة بمخيم صبرا وشاتيلا الفلسطيني بعد دخول القوات الصهيونية الغازية إلى العاصمة اللبنانية بيروت وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها. وكان دخول القوات الصهيونية إلى بيروت في حد ذاته بمنزلة انتهاك للاتفاق الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية والذي خرجت بمقتضاه المقاومة الفلسطينية من المدينة.
وقد هيأت القوات الصهيونية الأجواء بعناية لارتكاب مذبحة مروعة نفَّذها مقاتلو الكتائب اللبنانية اليمينية انتقاماً من الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين. وقامت المدفعية والطائرات الصهيونية بقصف صابرا وشاتيلا رغم خلو المخيم من السلاح والمسلحين وأحكمت حصار مداخل المخيم الذي كان خالياً من الأسلحة تماماً ولا يشغله سوى اللاجئين الفلسطينيين والمدنيين اللبنانيين العزل. وأدخلت هذه القوات مقاتلي الكتائب المتعطشين لسفك الدماء بعد اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل. واستمر تنفيذ المذبحة على مدى أكثر من يوم كامل تحت سمع وبصر القادة والجنود الصهاينة، وكانت القوات الصهيونية التي تحيط بالمخيم تعمل على توفير إمدادات الذخيرة والغذاء لمقاتلي الكتائب الذين نفَّذوا المذبحة.
وراح ضحية مذبحة صابرا وشاتيلا 1500 شهيد من الفلسطينيين واللبنانيين العزل بينهم الأطفال والنساء. كما تركت قوات الكتائب وراءها مئات من أشباه الأحياء. كما تعرَّضت بعض النساء للاغتصاب المتكرر. وتمت المذبحة في غيبة السلاح والمقاتلين عن المخيم وفي ظل الالتزامات الأمريكية المشددة بحماية الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين من المدنيين العزل بعد خروج المقاومة من لبنان.
مذبحة عين الحلوة (16 مايو 1984):
عشية الانسحاب الصهيوني المنتظر من مدينة صيدا في جنوب لبنان، أوعز قادة الكيان الصهيوني إلى أحد عملائها ويُدعى حسين عكر بالتسلل إلى داخل مخيم عين الحلوة الفلسطيني المجاور لصيدا، واندفعت قوات الجيش الصهيوني وراءه بقوة 1500 جندي و150 آلية. وراح المهاجمون ينشرون الخراب والقتل في المخيم دون تمييز تحت الأضواء التي وفرتها القنابل المضيئة في سماء المخيم. واستمر القتل والتدمير من منتصف الليل حتى اليوم التالي حيث تصدت القوات الصهيونية لمظاهرة احتجاج نظمها أهالي المخيم في الصباح. كما فرضوا حصاراً على المخيم ومنعوا الدخول إليه أو الخروج منه حتى بالنسبة لسيارات الإسعاف وذلك إلى ساعة متأخرة من نهار ذلك اليوم.
وأسفرت المذبحة عن سقوط 15 فلسطينياً بين شهيد وجريح بينهم شباب وكهول وأطفال ونساء فضلاً عن تدمير 140 منزلاً واعتقال 150 بينهم نساء وأطفال وشيوخ.
مذبحة سحمر (20 سبتمبر 1984):
داهمت قوات الجيش الصهيوني وعميلها أنطون لحد (جيش لبنان الجنوبي) قرية سحمر الواقعة بجنوب لبنان. وقامت القوات بتجميع سكان القرية في الساحة الرئيسية لاستجوابهم بشأن مصرع أربعة من عناصر العميل لحد على أيدي المقاومة الوطنية اللبنانية بالقرب من القرية. وأطلق الجنود الصهاينة وأتباع "لحد" النار من رشاشاتهم على سكان القرية العزل وفق أوامر الضابط الصهيوني ولحد شخصياً. فسقط من ساحة القرية على الفور 13 شهيداً وأربعون جريحاً.
مذبحة حمام الشط (11 أكتوبر 1985):
بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بنحو ثلاث سنوات تعقبت الطائرات الصهيونية مكاتبها وقيادتها التي انتقلت إلى تونس. وشنت هذه الطائرات في 11 أكتوبر 1985 غارة على ضاحية حمام الشط جنوبي العاصمة التونسية، وأسفرت عن سقوط 50 شهيداً ومائة جريح حيث انهمرت القنابل والصواريخ على هذه الضاحية المكتظة بالسكان المدنيين التي اختلطت فيها العائلات الفلسطينية بالعائلات التونسية.
مذبحة الحرم الإبراهيمي (25 فبراير 1994 - الجمعة الأخيرة في رمضان):
سمحت القوات "الإسرائيلية" التي تقوم على حراسة الحرم الإبراهيمي فجر يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الموافق 25 فبراير عام 1994 بدخول "المستوطن" الصهيوني المعروف بتطرفه باروخ جولدشتاين إلى الحرم الشريف وهو يحمل بندقيته الآلية وعدداً من خزائن الذخيرة المجهزة. وعلى الفور شرع جولدشتاين في حصد المصلين داخل المسجد. وأسفرت المذبحة عن استشهاد 60 فلسطينياً فضلاً عن إصابة عشرات آخرين بجراح، وذلك قبل أن يتمكن من تبقَّى على قيد الحياة من السيطرة عليه وقتله.
ولقد تردد أن أكثر من مسلح الصهيوني شارك في المذبحة إلا أن الرواية التي سادت تذهب إلى انفراد جولدشتاين بإطلاق النار داخل الحرم الإبراهيمي. ومع ذلك فإن تعامل الجنود الصهاينة و"المستوطنين" المسلحين مع ردود الفعل التلقائية الفورية إزاء المذبحة التي تمثلت في المظاهرات الفلسطينية اتسمت باستخدام الرصاص الحي بشكل مكثَّف، وفي غضون أقل من 24 ساعة على المذبحة سقط 53 شهيداً فلسطينياً أيضاً في مناطق متفرقة ومنها الخليل نفسها.
مذبحة قانا (18 أبريل 1996):
تعد مذبحة قانا جزءاً من عملية صهيونية قذرة، كبيرة سُميَّت «عملية عناقيد الغضب» بدأت في يوم 11 من الشهر نفسه واستمرت حتى 27 منه حين تم وقف إطلاق النار. ويُعَد هذا العدوان الإرهابي الرابع من نوعه للجيش الصهيوني تجاه لبنان بعد اجتياح 1978 وغزو 1982، واجتياح 1993، واستهدفت 159 بلدة وقرية في الجنوب والبقاع الغربي.
ولا يمكن تجاهل اقتراب موعد الانتخابات الصهيونية ورغبة رئيس الوزراء (شيمون بيريز) آنذاك في استعراض سطوته وجبروته أمام الناخب الصهيوني حتى يواجه الانتقادات التي وجهها له المتشددون داخل الكيان الصهيوني بعد الخطوات التي قطعها في سبيل تحقيق قدر يسير من التفاهم مع المفاوض العربي.
وأسفرت هذه العملية الإرهابية عن مقتل 250 لبنانياً منهم 110 لبنانيين من قانا وحدها، بالإضافة للعسكريين اللبنانيين والسوريين وعدد من شهداء حزب الله. كما بلغ عدد الجرحى الإجمالي 368 جريحاً، بينهم 359 مدنياً، وتيتَّم في هذه المجزرة أكثر من 60 طفلاً قاصراً.
الإرهاب الصهيوني بعد أوسلو:
لم يتضمن إعلان المبادئ بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية (واشنطن 13 سبتمبر 1993) والمعروف باتفاقات أوسلو نصوصاً محددة تنطوي على تعهد صهيوني أساسي وصريح وشامل بالتخلي عن ممارسة الإرهاب. ومع هذا كان من المتصور أن توقيع اتفاقية أوسلو سيخلق واقعاً جديداً في العلاقة بين الشعب الفلسطيني وحكومة "المستوطنين" الصهاينة لاعتبارات عدة يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1 - تراجُع الاحتكاك بين الفلسطينيين والقوة العسكرية الصهيونية بسبب تقلص سلطات الاحتلال فوق مناطق تركز الكثافة السكانية للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
2 - كان المفروض أن السوق "الشرق أوسطية" والمؤتمرات الاقتصادية المختلفة ستؤدي إلى ظهور علاقات اقتصادية قوية بين الدول العربية (وضمن ذلك السلطة الفلسطينية) وهي علاقات تتجاوز الخلافات العقائدية والحضارية السابقة.
3 - كان المفروض أن تقوم السلطة الفلسطينية بمكافحة "الإرهاب" (المقاومة) والقضاء على أية مقاومة للاحتلال الصهيوني، الأمر الذي يعفي سلطات الاحتلال الصهيوني من هذه المهام. وكل هذه العناصر إن هي إلا تعبير عن صهيونية عصر ما بعد الحداثة والنظام العالمي الجديد ونهاية التاريخ، فهي تفضل اللجوء إلى التفكيك من خلال آليات غير مباشرة بدلاً من المواجهة القتالية المباشرة (على أن يقوم بهذا الدور أفراد "متطرفون" يمكن التحلل من جرائمهم). وقد لوحظ أنه مع مذبحة الخليل تم استنفار الجماهير العربية واستعادة الروح الجهادية والذاكرة التاريخية وهو ما يتنافى ومرامي النظام الاستعماري الجديد.
وفي هذا السياق يؤكد الدكتور عبد الوهاب المسيري أن البنية الاستيطانية الإحلالية العنصرية للكيان الصهيوني، بما تحتويه من إرهاب حتمي، تجعل توقُّع تلاشي الإرهاب الصهيوني أو حتى احتوائه دون فك هذه البنية أو التخلص منها أمراً شبه مستحيل.
وعلى أية حال صيغت الاتفاقات المتلاحقة بين الكيان الصهيوني والقيادة الفلسطينية على نحو يجعل لهواجس الأمن "الإسرائيلي" أولوية شبه مطلقة. فنصوص أوسلو وما تلاها قد انطوت على تزييف واضح للأدوار التي لعبها الفلسطينيون والصهاينة إذ أصبح الفلسطينيون هم الطرف الذي تطارده لعنة الاتهام بممارسة الإرهاب وباتت أعمال المقاومة الوطنية لسلطات الاحتلال تشكل "إرهاباً" وموضع إدانة ومطعوناً في مشروعيتها بمقتضى النصوص التعاقدية بين الجانبين.
والجدير بالذكر أن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك منظمة العفو كانت قد التفتت مبكراً وفور اتفاقات أوسلو إلى خلو النصوص من الضمانات الأساسية اللازمة لحقوق الفلسطينيين. وجاءت ممارسات الصهاينة على الأرض خلال الفترة الانتقالية (الحكم الذاتي) لتعزيز الاعتقاد بأن الدولة التي لم تعلن تخليها عن عقيدتها الصهيونية العنصرية لم تتجه إلى التفريط في آليات العنف الإرهابي الذي طالما ظلت ولا تزال تعتمده مكوناً أساسياً في تعاملها مع الآخر (الفلسطيني والعربي).
ولقد شهدت الشهور القليلة التي تلت اتفاق أوسلو استمرار السلطات الصهيونية في أعمال قتل وإصابة الفلسطينيين فوق أراضيهم المحتلة فضلاً عن اعتماد الاعتقال والسجن والتعذيب سياسة مستقرة في التعامل مع الشعب الفلسطيني.
وإذا كانت عمليات الإفراج عن أعداد من المعتقلين الفلسطينيين قد اجتذبت جهود المفاوضين واهتمام وسائل الإعلام، فإن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية اللاحقة على أوسلو تسجل مواصلة حملات الاعتقال الجماعي (ويقول تقرير لمنظمة العفو الدولية - استناداً إلى إحصاءات رسمية- إن ما يزيد عن 6 آلاف فلسطيني اعتقلتهم سلطات الاحتلال بعد سبتمبر 1993 وحتى نهاية عام 1994).
وأبقت الحكومات الصهيونية المتعاقبة بقيادة العمل أو الليكود على نفس القوانين العسكرية العنصرية (التمييزية) ضد الفلسطينيين لتلاحقهم بها أينما ظلت سلطاتها فاعلة في الضفة وغزة والقدس. بل استمر اتجاه السياسات الإرهابية الصهيونية نحو المزيد من التشدد حيث اتخذت قرارها في 5 فبراير 1995 بتمديد فترة الاعتقال الإداري في حدها الأقصى من 6 شهور إلى عام كامل قابل للتجديد.
ولا يخلو تقرير لمنظمات حقوق الإنسان الدولية بعد أوسلو من رصد إدانة لاتخاذ الصهاينة التعذيب سياسة معتمدة رسمية ضد الفلسطينيين. وفي عام 1997 دعا بيان لجنة الأمم المتحدة سلطات الاحتلال الصهيوني مجدداً إلى التوقف الفوري عن ممارسة التعذيب. ويلفت النظر أن حكومة رابين التي كانت تلبس ثياب الإيمان بالسلام حاولت إصدار تشريعات خلال عام 1995 لإضفاء المشروعية على ممارسة التعذيب ولكنها اضطرت للتراجع تحت ضغط دولي. إلا أن تجذر الإرهاب العنصري داخل المؤسسات الصهيونية دفع المحكمة العليا في نوفمبر 1996 للإقرار للمحققين الصهاينة باستخدام ما وصفه بدرجة محددة من الإجبار والضغط البدنيين للحصول على معلومات من الفلسطينيين وذلك تحت دعوى "أمن إسرائيل" والحق في مكافحة ما وصفته "بالإرهاب الفلسطيني الأصولي".
وكما أسلفنا، كان من المتصور أن تنحسر ممارسات إطلاق النار والاعتقال والسجن والتعذيب وهدم المنازل مع تقلُّص سلطات الاحتلال فوق الضفة والقطاع ومع تقدُّم عملية الحكم الذاتي الفلسطيني، إلا أن آليات العقاب الجماعي شهدت تطوراً في اتجاه ترسيخ أسلوب الحصار والتجويع عن طريق ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" سواء لكل أنحاء الضفة والقطاع أو لمناطق محددة منهما.
وتؤكد خبرة السنوات الماضية منذ توقيع اتفاق أوسلو وبدء إعادة الانتشار الصهيوني أن الحكومات بقيادة حزبي العمل أو الليكود تنتهج فرض الحصار والتجويع عقب أية عملية تستهدف الصهاينة أو لأغراض الضغط على المفاوض الفلسطيني. ولا يمكن فهم ما يُسمَّى "بالإغلاق الأمني" بمعزل عن الطبيعة الاستعمارية الصهيونية التي تسعى لتحويل مناطق الحكم الذاتي إلى "معازل" على غرار تجربة جنوب أفريقيا العنصرية في السابق.
كما تقترن سياسة الحصار والتجويع هذه عادةً بتهديدات إرهابية من كبار المسؤولين الصهاينة بإعادة اقتحام مناطق الحكم الذاتي لشن "عمليات تأديب" داخلها. وبحجة الأمن الصهيوني أيضاً يمتد نشاط إرهاب الكيان إلى الدول العربية وذلك في ظل الترويج لمشروع التعاون "الشرق أوسطي". وتظل الاعتبارات المتحكمة في المشروع الصهيوني هي السائدة في مواجهة مقاومة الاحتلال. وتجسد حالة لبنان سطوة هذه الاعتبارات الصهيونية إذ لم يتورع شيمون بيريز "مهندس الشرق أوسطية" عن شن عدوان إرهابي وحشي على لبنان في مارس وأبريل 1996 وارتكاب مذبحة "قانا".
ولعل أكثر الإشكاليات المطروحة بشأن الإرهاب الصهيوني بعد أوسلو هي: العلاقة بين الدولة و"المستوطنين". ويوحي اغتيال إسحق رابين رئيس الوزراء السابق على يد "مستوطن" يهودي في سابقة تُعَد الأولى في تاريخ التجمُّع الصهيوني بأن إرهاب "المستوطنين" يأخذ طابعاً مستقلاً عن الدولة إن لم نقل متحدياً لهيبتها وسياساتها. وربما يعزز ذلك الإيحاء عودة "المستوطنين" إلى اتخاذ المبادرة في أعمال إرهابية مدوية من قبيل مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل وإطلاق النار على سوق المدينة نفسها قبيل أيام من التوصل إلى اتفاق إعادة الانتشار بها.
وتتجه أنشطة "المستوطنين" الإرهابية إلى التبلور مرة أخرى في أشكال تنظيمية بعد فترة سابقة من الكمون ورغم قرار الحكومة "الإسرائيلية" حظر جماعتي كاخ وكاهاناحي، فإن اسمي هاتين الجماعتين وقيادتيهما يعود إلى الظهور في أعمال إرهابية متفرقة ضد الفلسطينيين.
ولعل أوضح الأشكال التنظيمية حضوراً بعد اتفاق أوسلو هو ما يُسمَّى "بلجنة الأمن على الطرق" والتي تعود أصلاً إلى عام 1988. ولكنها لم تظهر بقوة سوى بعد سبتمبر 1993. ويبدو دور هذا التنظيم "الاستيطاني" الذي يتكون من مجموعات شبه مستقلة عن بعضها متمماً لصيغة الطرق الالتفافية وآلية "الحصار الجماعي".
ومن الواضح أن مجموعات الأمن على الطرق تحاول بث أقصى درجات الفزع بين الفلسطينيين لإجبارهم على التزام حالة من الوجود الهامشي حيث يتعين عليهم تحت تأثير الفزع التحرك في هامش بالغ الضيق داخل مناطق الحكم الذاتي وحولها. وتعتبر هذه المجموعات أن غايتها هي تكثيف شعور الفلسطينيين بانعدام الأمن والسلامة خارج مناطق أو معازل الحكم الذاتي وتأكيد انفصال هذه (المناطق/ المعازل) عن بعضها البعض.
وتتغاضى الحكومات الصهيونية بقيادة حزبي العمل والليكود عن النشاط الإرهابي لمجموعات الأمن على الطرق. ويدلي قادة هذه المجموعات بتصريحات متكررة عن أنشطتهم الإرهابية لوسائل الإعلام الصهيونية دون أن يتلقوا إشارة ردع من السلطات. بل إن هذه التصريحات تحمل الطابع التفاخري الذي بات شهيراً في تاريخ الإرهاب الصهيوني.
وإذ كان هناك تصور يقضي بأن "المستوطنين" يمارسون ضغوطاً على الحكومة الصهيونية لقطع الطريق على احتمال إخلاء "المستوطنات" وأن هذه الضغوط وصلت إلى حد التهديد بالعصيان ضد الحكومة نفسها، فإن علاقة إرهاب "المستوطنين" بالدولة تظل تميل إلى كونها أقرب إلى علاقات التعاون والتكامل في إطار ثوابت المشروع الصهيوني.
وبعد مرور سنوات على اتفاق أوسلو المشؤوم فإن الدولة الصهيونية تُبقي على قوانينها التمييزية العنصرية لصالح مشروعية إرهاب "المستوطنين" الموجه إلى الفلسطينيين.
كما أن الحكومات الصهيونية بقيادة حزبي الليكود أو العمل لم تقترب مطلقاً من محاولة التفكير في المساس بصورة "المستوطن" اليهودي المسلح. ورغم مذبحة الخليل فإن السلطات الصهيونية لم تسع مطلقاً لنزع سلاح "المستوطنين"، بل يحق التساؤل عن وجود تخطيط مسبق في قرار اتخذته الحكومة الصهيونية قبل أسابيع معدودة من اتفاق أوسلو يقضي بتحديث تسليح "المستوطنين" والسماح بحرية حركة مطلقة في تجولهم بأسلحتهم بالضفة وغزة (القرار صدر في مارس 1993).
ويؤكد المفكر الباحث الصهيوني إسرائيل شاهالو أن ثمة علاقة وثيقة بين الدولة والجيش و"المستوطنين" في القضايا الأمنية بعد اتفاق أوسلو. كما يرصد التحول في خصائص "المستوطن" اليهودي من أجل الكيبوتس بوصفه "مزارعاً أو عاملاً مسلحاً" إلى رجل "المستوطنات" الأمنية والدينية بوصفه "موظفاً ومجنداً لدى جهاز الدولة". فأعتى "المستوطنين" اليهود تطرفاً هم بالأساس يعملون كموظفين مدنيين أو عسكريين يعيشون على أموال ودعم الحكومة الصهيونية. وتقدَّر مع حلول النصف الثاني من التسعينيات نسبة الموظفين التابعين لأنشطة الدولة بين "المستوطنين" بأكثر من الثلثين.
والحكومة الصهيونية تبدو بعد أوسلو رهينة لميول "المستوطنين" المتطرفة والإرهابية ولذا فإنها لم تبد بعد أي استعداد لتخفف بجدية من بعض مهامها القمعية والإرهابية الرسمية ضد الفلسطينيين في ظل التفاوض مع قيادتهم.
ومن الواضح أن عمليات الإرهاب المؤسسية، أي التي تقوم بها أجهزة الدولة الصهيونية، لا تزال نشيطة لأقصى درجة، الأمر الذي يتضح في اغتيال الشهيد "المهندس" يحيى عياش، وفي محاولة اغتيال خالد مشعل، من خلال استخدام سلاح لا تزال هويته غير معروفة، وإن كان يبدو أنه من الأسلحة الميكروبية التي تحظر هيئة الأمم استخدامها.
وما تلاها من اغتيالات طالت قادة الصف الأول في حركة المقاومة الوطنية والإسلامية.
وفي ضوء خبرة ما بعد أوسلو يمكن القول بأن حدود وأشكال الإرهاب الصهيوني قد انحسرت جزئياً على رقعة الجغرافيا وذلك بحكم تسلُّم الحكم الذاتي لسلطاته في أكثر من بقعة بالضفة والقطاع، ولكن يبقى صحيحاً أن الدوافع التاريخية المزمنة لهذا الإرهاب لم تنتف بعد.
ويجب أيضاً أن نرى التشدُّد باعتباره تعبيراً عن أزمة حقيقية وعميقة، فالصهاينة كما أسلفنا على استعداد لإظهار قدر كبير من التسامح حيال العربي إذا قبل هذا بالتطبيع وبأن يكون قطعة غيار يمكنه استخدامها وتوظيفها. حينئذ يمكن أن يُمنَح العربي كثيراً من الحقوق المدنية وبعض الحقوق السياسية ويمكنه أن يلعب ما شاء من الطاولة أو حتى تنس الطاولة، أي أن يمارس هواياته إذا كان بلا هوية.
إن غاب العربي، وإن قنع وخنع ولم يتحد الشرعية الصهيونية، فبوسع الصهيوني أن يتخذ موقفاً معتدلاً تجاه دجاج عربي مستأنس تم تطبيعه، أما إن تحوَّل العربي إلى صقر ذي هوية يهاجم دفاعاًَ عنها فإن الاعتدال يختفي ويتخلى العدو عن ديموقراطيته الغريبة المزعومة، ويضرب بيد من حديد. وما عدوانه الوحشي النازي على قطاع غزة في شهر يناير الماضي إلا دليلاً قاطعاً على صحة قولنا.[/align]
|