عرض مشاركة واحدة
قديم 31 / 12 / 2009, 38 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
زياد صيدم
مهندس / أديب وقاص

 الصورة الرمزية زياد صيدم
 




زياد صيدم is a splendid one to beholdزياد صيدم is a splendid one to beholdزياد صيدم is a splendid one to beholdزياد صيدم is a splendid one to beholdزياد صيدم is a splendid one to beholdزياد صيدم is a splendid one to behold

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين / غزة

صخب الموانئ (3)،(4)

3
كان إبراهيم يتوق إليها منذ أن بدأ قلبه في الخفقان، خاصة عندما ذكرت له اسمها لأول مرة.. وكأن القدر عاد ليفتح ذراعيه له من جديد.. سرى اسم حنان رعشات هزت جسده - حنان اسم جميل أعاده مرة أخرى عليها ليتأكد أكثر وليطمأن قلبه، - نعم إبراهيم اسمي حنان أجابته باستغراب ودهشة !- ألا يعجبك اسمي تساءلت!.. فصمت مطرقا الخيال لفكره : أتكون هي الحنان الذي انتظره من شهور طويلة ؟ حدث نفسه .. أيعقل بان يكون القدر كريما رءوفا و إلى جانبي هذه المرة ؟..انتبه على إرسالها إشارة تنبيه .. - لا أبدا، على العكس تماما، انه أجمل وارق اسم عرفته يا حناني الحاضر والمستقبل.. أجابها ونبضاته تتسارع بوتيرة اشد، وقد ارتسمت عليه ابتسامة رضي وأمل، بتغيير كلى قادم في حياته، بدأت بشائره واضحة في داخل نفسه ...
انقطع التيار الكهربائي فجأة.. نجم عنه قطع في الشبكة العنكبوتية ، مما أربكه واحتار ماذا يفعل؟ وكيف السبيل ليعاود التواصل؟ وماذا ستفكر الآن؟ وهل ستعطيه مبررا ؟ وكيف ستعي وتدرك بوقوع خلل فادح، ولم يكن هروبا مفاجئا منه ..أصبح يدور في الغرفة يمينا و شمالا، فهو لا يعرف رقم تلفونها الخاص كي يعلمها بالأمر على الأقل، مما زاد من ارتباكه .. تساؤلات وقعت على رأسه كصخب يلاحقه.. يشابه وصول إحدى سفن الشحن العملاقة حين تبدأ في تفريغ حمولتها، ويصبح المكان ضجيجا وعراكا وصراخا .. تسرب بهدوء وخفه على ضوء كشاف صغيرة يضعه بالجوار دوما، تأهبا لهذه الحالات المتكررة، يسير بخفة وحذر باتجاه فانوس يعمل بالغاز فيشعله، و يضعه في مكان معين في الصالة.. ثم يفتح أبواب غرف نوم أبنائه ليدخل إليها بصيص من أشعة تنسل على حياء .. وكذلك لم ينس شق باب غرفة الشغالة أم سعد...
يعود إلى غرفته يحاول النوم.. يتململ، يسرح فكره هنا وهناك، يستذكر حاله وما كان عليه وما آلت له أحواله الأسرية .. يكاد ينفطر كبده حزنا على زوجته وأبنائه، إنهم سر قلقه الدائم وحيرته وتشتت أفكاره، فقد عجز حتى الآن في إيجاد حل يخلصه من همومه المتفاقمة ..يذهب فكره باتجاه زوجته وحبيبته المغيبة عن البيت قسرا ؟.. والذي فقد دفء وجودها وركنا أساسيا منه ..يتذكرها حين كانت تسارع إلى إشعال فانوس الغاز في مثل هذه الحالة القائمة وهم نيام، لا يشعرون بخطواتها، فقد كانت حريصة على راحته، لاسيما وانه يستيقظ مبكرا إلى عمله، ولابد وان يكون مرتاحا ونشيطا، بحكم منصبه المرموق ومسئولياته في سلطة الموانئ ..
كانت تتحرك بهدوء تام و خطوات حانية حتى لا تزعج أحدا.. قبل أن تقع ضحية مرض خطير والذي علم تفاصيله المحزنة من الطبيب المختص، والمتابع لحالتها منذ شهور طويلة .. إنها تعانى من انفصام خطير في الشخصية.. يؤدى إلى العيش بشخصيتين معا.. الأولى تتلبسها في النهار، والثانية تأتيها في الليل.. وأحيانا تمتزج الحالتان معا، وهنا كانت تسوء حالتها للغاية من تمازج الشخصيتين مع بعضهما البعض، مما يوقعها في حالة من الجنون والهلوسة.. يشرح له الطبيب المعالج في المصحة الخاصة لاحقا تفاصيل حالتها.. فهي تعيش حياة كاتبة وأديبة عظيمة، تعمل على كتابة روايتها من واقع معاش!.. فتتقمص كل الشخصيات التي تتخيلها.. وبالتالي هذا كان يفسر علاقاتها المشوهة وعدم منطقيتها .. فلا تعي كونها زوجة وأم وحبيبة بالنسبة له، إلا في أوقات الليل حيث تعود شخصيتها الهلامية الخيالية الثانية، لتحاول صياغة شخصياتها المحورية في روايتها الموعودة داخل أسرتها!.. فتكون في صراع من اختلاق الأحداث، والتي تمثل لها فصولا في عقلها المتهالك، وكأنها تضع بنفسها سيناريو لفيلم يتخذ من روايتها المنشودة مشاهده المثيرة .. فيدب في البيت حالة من متاعب ومشاكل وخلافات،يمتزج فيها الحزن والألم والمعاناة معا.. وتذكر تلك المرة التي لحق بها في آخر لحظة، بعد خروجها بغير هدف من البيت بعد منتصف الليل!.. يستذكر أخر أيام ساءت فيها حالتها.. فكان القرار الصعب والذي لابد منه، بأن وضعها في مصحة علاجية خاصة، ينفق عليها جل مرتبه، وكان يخفى هذا عن الأولاد بحجة سفرها إلى دورة تعليمية طويلة، كبعثة دراسية حيث أرسلوها تقديرا لها.. وأنها ستعود قريبا لتحتضنهم من جديد.. كان يعتقد بان شفائها قريب وأنها مسألة وقت لن يطول .. أو هكذا تهيأ له، إلا أن الوقت مر ثقيلا متباطئا.. لا خبر يفرحه، لا ابتسامة تغمر وجوه أبنائه المساكين حتى الآن .. مضت أكثر من سنة على ذلك دون إحراز أي تقدم في العلاج، أو المتابعة الحثيثة لها في أرقى المراكز المتخصصة ...كان شريطا من ذكريات مرت على فكره، وهو مستلقي على سريره، وضوء خافت يتسلل إليه من باب غرفته المفتوح، قادما من الصالة حيث يقبع فانوس الغاز..
في هذه اللحظات من نهاية شريط مر بذاكرته.. أحس بألم يعتصر قلبه..وبدموع وحسرات تنتابه وتتملكه، فكانت له خلاصا وراحة بال وسكينة لاحقا.. فغاب هروبا في نوم عميق...
وصل سائقه في السابعة والنصف صباحا كالعادة، كان إبراهيم مستعدا للخروج ليستقبل يوما جديدا على أمل في غد أجمل.. ولم يعلم بان واقعة كبيرة في انتظاره هذا اليوم ؟..سيرتجف لها قلبه المشغول ما بين زوجة مريضه تنعدم فرص شفائها، و بيته حيث أبنائه الصغار من ناحية.. وبين حياته العملية في الميناء، والتي يحرص عليها بذكائه وفطنته، وبين قلبه وخفقانه بحب جارف، لاشك قادم مع حنان من الناحية الأخرى، حيث بدأت تغزو قلبه، فيستقبله بنثر زهور الياسمين احتفاء، فهي تعيد له إحساسه المفقود كرجل.. ما يزال يصرخ بأعلى صوته: أريد الحياة..!!
يتبع..
4
تناول إبراهيم فطوره الصباحي، وارتشف قليلا من فنجان قهوته التي أعدتها له أم سعد، عندما وصل سائقه على السابعة والنصف ليقله إلى عمله، في الطريق يفتح حقيبته، يسترجع بعض الأوراق في ملف هام يتابعه شخصيا، والذي سيكون قفزة نوعية للمؤسسة فهو من اكبر المشاريع التي ستنفذها دائرة المشروعات بصفته المسؤول الأول عنها مباشرة، دخل المبنى بخطواته السريعة متجها إلى مكتبه. – صباح الخير باش مهندس، إنها روان تلقى عليه تحيتها الصباحية المعتادة، بابتسامة مهذبه رقيقة، كانت تحمل بيدها ملف أوراق ومستندات جاهزة للتوقيع، تركته على مكتبه قبل أن تطلب له قهوته المفضلة، يشعل سيجارته ويبدأ في تفحص الملف المعد، بدأ يعطى توجهاته الشفوية لها، وهى تدون ما يقوله كما ويكتب ملاحظاته الهامة بقلم أحمر على صفحات بعض الأوراق أمامه. - متى تحدد موعد الاجتماع مع طاقم الإدارة لهذا اليوم ؟ - عند العاشرة والنصف باش مهندس، أجابته، ما أن انتهى وأغلق الملف حتى تناولته وهمت بالانصراف. - لحظة من فضلك روان، استفسر عن سر تغير مذاق القهوة هذا الصباح ؟ – لك ذوقا مميزا باش مهندس بالقهوة حقا، و أردفت قائلة: انه صهيب ابن المراسل الذي حضر اليوم بدلا عن والده حيث يعانى وعكة صحية مفاجئة، هز برأسه وأشار لها بالانصراف...
تنفس عميقا بشهيق ملأ صدره، ثم نفث هواءه بهدوء وبطء أشعره براحة، بينما كان يطل من شباك مكتبه المشرف على البحر مباشرة، وهو يشعل سيجارته الثانية، ثم طلب رقم الطبيب المختص في المصحة التخصصية التي تقبع فيها زوجته - صباح الخير دكتور نصري ،- أهلا باش مهندس إبراهيم، سبقتني فعلا، فقد كنت سأتصل بك بعد قليل لتذكيرك بموعدنا اليوم أجابه .. – كيف لا أتذكر يا دكتور ؟، سأكون في مكتبك حال انتهائي من الاجتماع ، سأصلك قرابة الواحدة، - بانتظارك إذا ، _ إلى اللقاء ...
بينما كان اجتماعه منعقدا مع طاقمه الفني، لمناقشه مشروع تطوير حوض السفن، وإذ بضجيج وضوضاء تُسمع أصواتها من داخل غرفة الاجتماعات ؟ تشتد الأصوات وتقترب! تدخل روان بخطى حثيثة صوب إبراهيم هامسة: مسكين ابن المراسل قد ضربته رافعة تحميل، وتضرج بالدماء وفقد وعيه كليا، وقد اتصلوا بالإسعاف ...
يهرع إبراهيم على وجه السرعة مع مساعده، ليتفقد ويطمئن على أحوال الصبي، حينها كانت سيارة الإسعاف لتوها تصل المكان، تحمله على وجه السرعة إلى المستشفى... سمع بعض العمال يتهامسون بأنه فارق الحياة، وآخر سمعه يقول: كان يرمش بعينيه، ولازال يتنفس عندما نقلوه إلى داخل سيارة الإسعاف، وهنا أشار إبراهيم إلى مساعده بان يخبر سائقه بالتحرك، ليقلهما إلى المستشفى للحاق بالصبي والاطمئنان عليه فورا، إنها مسؤوليته الأولى، كما هو واجبه الأخلاقي تجاه الصبي ووالده، الذي يعمل على خدمتهم منذ أكثر من عشر سنوات، حتى أحبه الجميع لإخلاصه وأمانته ...
وصلا قسم الطوارئ، قابلا الطبيب الذي عاين حالة الصبي، كان إبراهيم متجهم الوجه، شاحب الملامح، اعتقادا بما سمعه من حديث العمال، فطمأنه الطبيب: بان حالته الأولية جيده وقد أغمى عليه نتيجة ارتطامه بالأرض، وهو يستعيد وعيه الآن، وقد ذكر اسمه صهيب وهذا مبشر على عدم حصول ارتجاج في المخ أو فقدان للذاكرة، كما أفاد: هناك بعض كسور في ساقه وذراعه سيتعافى منها في اقرب وقت، تنفس إبراهيم الصعداء وحمد الله كثيرا، طالب معاونه بالبقاء لمتابعة الإجراءات كلها وعمل وتقديم ما يلزم، استأذن الطبيب، وخرج مع سائقه وهو يتمتم بكلمات شكر ودعوات لصهيب بالشفاء العاجل...
نظر إلى ساعته التي كانت تقترب من الثانية عشرة والنصف، فأشار إلى سائقه بالتوجه إلى المصحة الخاصة، حيث موعده مع دكتور نصري الذي قرر اليوم بان يلتقيا ثلاثتهم مع زوجته، بعد فترة علاجية مركزة، حيث منع الزوج من لقائها لفترة أسبوعين متتاليين، حيث كان يتطلب علاجها ذلك ! فور وصوله مكتب الطبيب، كان بانتظاره و توجها على الفور إلى غرفة رقم: 22 حيث تقيم زوجته ..
شق طريقه في الممر الطويل الموصل إلى الغرفة، وقد أحس بان قدميه تخوران، وقد بدأ جسده في الارتعاش، فتوقف لحظات مستندا إلى الجدار، لم ينتبه الطبيب إليه، واستمر في خطواته، بينما تحامل إبراهيم على نفسه، واستعاد توازنه وبدأ في اللحاق به حيث توقف على باب الغرفة.. استدار جهته ليجده ما يزال يمشى متثاقلا نوعا ما، فابتسم له محاولا تلطيف الأمر عليه، كأنه شعر بصعوبة الموقف !! فبادله إبراهيم ابتسامة قصيرة، لم تدم طويلا على وجهه، دق باب الغرفة، حتى سمع صوتها يأذن بالدخول...
يتبع..
إلى اللقاء.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع زياد صيدم
 أقدارنا لنا مكتوبة.. ومنها ما نصنعه بأيدينا.
http://zsaidam.maktoobblog.com/
زياد صيدم غير متصل   رد مع اقتباس