الموضوع: بائع السبح
عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 01 / 2010, 06 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
هدير الجميلي
كاتب نور شديد الفاعلية

 الصورة الرمزية هدير الجميلي
 





هدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond reputeهدير الجميلي has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: ؟

:more61: بائع السبح

[align=justify]
....كان يتحسس الأرض بثقل خطاه..يجرُ ظلهُ معه...؟
وفي يده يحمل صندوقا من الكارتون المقوى..ممنوع اللمس..!!

نظرتُ له فوجدتهُ أقرب إلى الذين تراهم يرددون التسبيح أمام الجنازة..يرتدي ملابس بالية,ضمت في حناياها جسداً ضامراً ذاوياً..كان يرتعش وعيناهُ غائرتان ذابلتان ..وأقلام الزمن خطت علامات الشيخوخة ... أبصرتهُ يمد يدهُ ويخرج المسابح ,بعدما جهز طاولة خشبية وبدأ بترتيب السّبح عليها..ما أدهشني هو اهتمامه الذي فاق التصور..!
كان يعاين تلك الخرزات وكأنها اللؤلؤ المكنون ..بقيت أرقبهُ , وأحدثُ نفسي ..؟ كيف سيبيعها إن كان مهتما لهذا الحد .وكأنها فلذات كبده..؟
وبعد أن انتهى من ترتيبها , بدأ الناس يقبلون عليه . كان يرفض أن يلمس أحدٌ السّبح ..! ويرفض أن يبيع..!
قضيت ساعات النهار والشمس سقطت علي كأنها تريد الانصراف..وبعد أن تعبت من الانتظار,حدثتني سريرتي أن أساله ؟ ما هو سر رفضهُ للمس و البيع..!
فضّلت أن أعُود إلى الدار . كدتُ أنسى الرجل، حتى أخذتني قدماي في اليوم التالي إلى نفس المكان , وجدتهُ جالسا وبين أصابعه التي تتراءى لك أنها غصون شجرة تيبست ..تربعت سيجارة لفها بيده تحمل ذكريات الزمن الصعب ورائحة الحزن الصامت.. وهي ترتعش مع الجسد النحيل ولا تعرف هل ترقص لمداعبة هذا الكهل لها ، أم تشاركهُ ذكرياته ...؟
وبدأتُ أترقب غير بعيد عن مكان الرجل ,والناس يتوافدون عليه. لكن لم يكن أحدٌ مسرورا؛ فالرجل يرفض البيع أوالمس ..دون تعليل السبب.
وصّمتُ لحظة مع نفسي وألح عليها السؤال : ما الذي يدفعني لمراقبة هذا الرجل؟ أهو مصاب بالخرف؟ أم أن به مس..؟!
ونفضتُ الفكرة عن رأسي...قلت فلأذهب وأتحدث معه علي أعرف ما حكايته...؟
ألقيت التحية..فرد السلام...
رحت أستخدم حيلتي لمعرف ما يُشبع فضولي..كنت أسأل عن نوعيات السبّح وأصنافها ومم تصنع ...وهو يجيبني..كان حسن الحديث وحكيم العقل...فصارحته بما جال في خاطري وحيرتي...
صمت لبرهة وقال: كان لي تسعُ إناث ولم يرزقني الله بصبي...حتى يعينني
ويكون عصاي التي أتوكأ عليها ..توفيت زوجتي..وزاد الحملُ , كبرت البنات وكنت حريصاً على أن لا يراهُنّ أحد ولا يفتحن باب الدار حتى لو قامت القيامة.. مرت السنون وأنا أبيع السّبح ولم يتغير الحال .أعيلُ بناتي وأحرص على حفظهنّ للقرآن الكريم ..كبُرن ولم يتقدم أحد للزواج بواحدة ..
وفي يوم كنت جالسا كعادتي في نفس هذا المكان أتأمل المارة وأداعب بالأفكار سيجارتي وأحاكي خرزات مسّابحي ...أتاني طفل بعمر الحادية عشرة مذهولا ومصفر الوجه كأنه رأى شبحا..قال يا عم دارك تحترق..
طار غطاءُ رأسي من الفزع..!!
أطلقت للريّح قدمي ,وعندما وصلت كان كل شيء متفحما وموشحا بالسواد..حاولت أن أبحث بين الحطام عن ما يهّدىء فزعي فلم أسمع حتى أنين أحداهن ؟
لم أعترض على تصريف القدر..؟!!
وكأن الذي حدث كان حلما ..أفقت فإذا بنفسي طريح الفراش وصريع الصدمة..وبعضُ أقاربي ملتفون حولي , اخبروني بأنه مر أسبوع وأنا على هذا الحال ..وأنّ بناتي متن وهن يحفظن وصيتي بعدم الخروج من الدار..!!
وأصبحت من ذلك اليوم إلى هذا اليوم ..اخرج بالمسّابح وأرجع دون أن ينقصن أو يزدن.
[/align]



نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
هدير الجميلي غير متصل   رد مع اقتباس