وقال إنه وحتى عام 1951م كانت هناك ثلاثة أجهزة مخابرات بفلسطين المحتلة؛ الأول: جهاز المخابرات الحربية، والثاني المخابرات الداخلية المعروف باسم "الشين بيت"، أما الثالث فكان قسم المخابرات السياسية بالخارجية الإسرائيلية، حيث كان هناك صراع ملموس بين الأجهزة الثلاث، مما أثر بالتالي على أداء وطبيعة عملها.
وأضاف: في ذلك الوقت قرر رؤوفين شلواح ضابط المخابرات الإسرائيلي إنشاء جهاز "الموساد" وكان ذلك عندما جاء إلى مصر لتجنيد عناصر لخدمة الكيان الصهيوني المغتصب،وكانت ولادة الفكرة داخل المعبد اليهودي بالقاهرة، عندما قرر إنشاء جهاز جديد يعمل ضد مصر يشرف هو عليه بنفسه، وأن يكون لهذا الجهاز الكلمة العليا، بحيث يفض الاشتباكب ين الأجهزة للأبد ويمسك بيده كل خيوط العمل ضد مصر ليحركها بنفسه.
وأوضح اللواء الراوي أن بداية العمل المخابراتي الإسرائيلي كانت في إطار قنوات العمل الدبلوماسي، حيث لم يكن هناك أي فصل بين العمل السري والدبلوماسية، فوزارة الخارجية الإسرائيلية أنشأت يوم 14 أيار / مايو 1948م، أي قبل يوم واحد من إعلان "دولة إسرائيل واغتصاب فلسطين رسمياً"،وكانت تتألف من عدة أقسام أهمها القسم العربي الذي كان يرأسه ضابط المخابرات إلياهو ساسون الذي أعلن أن حرب إسرائيل الحقيقية ستكون ضد مصر، لهذا طلب من الحكومة الإسرائيلية وقتها توفير كافة الإمكانات المادية والفنية التي يمكن بها تطويق مصر فكريا ومعلوماتيا.
ومن أجل هذه المهمة اختار رجال خدمة المعلومات الذي كان جهاز المخابرات الوحيد الموجود لدى العدو الصهيوني قبل الإعلان عن مولود المخابرات الإسرائيلية الرسمية في 30 حزيران / يونيو 1948م بتل أبيب، وضم لهذا القسم الخاص بالدول العربية رؤوفين شلواح وليفي إبراهامي ويعقوب شمعوني وشمويل زليكسون الشهير باسم "ديفون" بعد قرار البدء في تنشيط الجواسيس الإسرائيليين الذين عملوا في مصر أيام الحرب العالمية الثانية.
وأكد الراوي أن ساسون وضع خطة العمل ضد مصر التي سيعمل على أساسها أجهزة القسم العربي لضرب ما يسمي بالوحدة العربية لتتاح لإسرائيل بعدها فرصة التعامل مع كل دولة على حدا، ورأي أن العمل ضد مصر لا بد أن يدار مباشرة من دولة ثالثة لا تشك فيها مصر ووقع اختياره على فرنسا كي تكون مركزا لهذا العمل،ومن باريس بدأت عملية إعادة الاتصال بجواسيس اليهود بمصر.
في ذلك، الوقت عرف ساسون أن مصر أطلقت سراح الجاسوسة بولاند هارمر في 22 أيلول /سبتمبر 1948م فسافرت إلى باريس حيث قام بإعادة تأهيلها للعمل ضد مصر، وعن طريق معارفها في مصر بدأ يحصل على المعلومات الأولية، وكان ضمن مصادر معلوماته الصحف المصرية حيث كانت صحيفة "الأهرام" أهم مصادر المعلومات الصحفية للعدو الصهيوني.
وأضاف أن ساسون تجاوز هذا إلى استغلال الصحفيين المصريين ونقل معلوماتهم المؤكدة عما يدور في الداخل كوسيلة سريعة للوصول لقلب القرار المصري قبل صدوره، ولذا سعى إليهم في القاهرة، ونجح في البداية عن طريق بولاند هارمر في الاتصال بتقي الدين الصلح مساعد عبد الرحمن عزام باشا الأمين العام لجامعة الدول العربية، كما توصل لضابط اسمه عمر حسن أحد مسئولي الأمن الكبار بالقصر الملكي، وأيضا كريم ثابت رئيس مكتب الصحافة والإعلام بالقصر،وقرر ساسون أن يستغلهما ليكونا قناة لتوصيل المعلومات المغلوطة للقصر .
وأكد الخبير الأمني أن ساسون تقابل نهاية آب / أغسطس 1948 مع محمد ألفي عطية عضو هيئة تحرير جريدة "أخبار اليوم" في باريس حيث طلب الأخير منه أن يجيبه عن عده أسئلة حول موقف العدو الصهيوني لكي ينشرها، لكنه طلب منه الدخول في نقاش عام حول ما يدور في مصر وخرج الضابط الإسرائيلي من المقابلة بمعلومات عن القصر الملكي.
كما أرسل في 22أيلول / سبتمبر 1948 الضابط "ديفون" لمقابلة حسين أبو الفتح صاحب جريدة "المصري" وفي اللقاء عرف ديفون أن أبو الفتح صديق حميم لرجال القصر فسمع منه الكثير، ثم سلمه تقريراً مغلوطا لينقله إلى القصر الملكي، ووصل ساسون بعدها إلى الدكتور محمود عزمي مستشار الوفد المصري بالأمم المتحدة وعرف من خلاله أن القصر الملكي سيكون محايدا في الحرب ضد إسرائيل وأدرك وقتها الضابط الإسرائيلي أن القصر أضعف من أن يقف لمدة طويلة في حرب ضد الكيان الصهيوني المحتل، ثم قرر مقابلة إسماعيل حقي رئيس الوزراء ومحمود فهمي النقراشي.
وذكر الراوي أنه بعد أيام قليلة من قيام ثورة يوليو 1952 أرسل رؤوفين شلواح ضابطا للقاء قياديين من حزب "الوفد" بباريس فتحدث معهما ونقل رأيه عنهما موشي شاريت وزير خارجية كيان العدو الصهيوني في آب / أغسطس 1952 حيث ألقى خطبة أمام الكنيست طلب فيها أن يستخدم هذان القياديان كقناة اتصال آمنة مع محمد نجيب، لكن النتيجة كانت أن تحول عبد الرحمن صادق إلى رجل الاتصال مع محمد نجيب.
وقال إن شلواح بعدما أسس "الموساد" في القاهرة عاد لفلسطين المحتلة فانشأ لجنة الرقابة والتنسيق لأجهزة المخابرات الإسرائيلية التي سميت بلجنة "فارش"، وعاد بعدها للقاهرة حيث وجد أن عمل ساسون يؤثر على الكيان الصهيوني المحتل دون تغيير هذا الوضع فأسقط جهاز ساسون وحل القسم السياسي بالخارجية الإسرائيلية، وأعلن عن إعادة ترتيب المخابرات الإسرائيلية وهو جهاز "الموساد" من خلال إطلاق القسم السياسي الرسمي بمؤسسة المخابرات، وكان شلواح هو أول رئيس للموساد عام 1952 واستقال في 2 أيلول / سبتمبر من العام ذاته.
منقول بتصرف مع إسقاط كلمة إسرائيل حين يكون القصد فلسطين المحتلة