عرض مشاركة واحدة
قديم 05 / 02 / 2010, 27 : 03 AM   رقم المشاركة : [7]
عبدالله الخطيب
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





عبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond repute

رد: نفحات من كتابات كنفاني

(6)

[grade="ff0000 000000 008000 ff0000 000000"]الرسالة التي وصلت بعد 32 سَنة[/grade]
*
*
*

أخذت أم سعد تتذكر، يومها، أياماً بدت بعيدة، وتحدثت عن رجل اسمه "فضل"، تراه قتل في 1948 أم
بعد ذلك؟ إنها لا تذكر بالضبط، ولكن ذلك لم يكن مهماً تماماً، فقد كان الأمر كله منذ البدء يتعلق برجل
آخر.
جاءت يومها مهمومة، وأخذت تدور في أنحاء الدار غير عارفة ماذا يتعين عليها أن تفعل بالضبط،
وبدت لي ضائعة لا تسمع ما أقوله، ثم غابت في الشرفة منصرفة إلى عمل ما لم يبد لها، ولا لي،
ضرورياً أبداً، وقالت زوجتي: " ثمة شيء ما يجثم بالهم على كتفيّ أم سعد."
وأنا الذي أعرف أن أم سعد صندوق مغلق على همه، لا يبوح لأحد إذا ما ضجت أصوات التعب والقلق
والخوف من المجهول، وكدت أمضي إلى شأني لو لم تسألني عما إذا كنت أعرف فلاحاً من الغبسية كان
اسمه " فضل "، أو عما إذا كنت سمعت عنه.
وحين قلت لها إنني لم أسمع عنه زمت شفتيها محتارة، ثن سألتني إن كنت أعرف رجلاً اسمه " عبد
المولى."..
كان من قرية تقع إلى الشرق من الغبسية:
-أهو الرجل الذي يشتغل مع الإسرائيليين وقد صار عندهم نائباً في البرلمان؟
-هو بعينه.
-وما الذي جعلك تتذكرينه؟
وبدت محتارة، والى حد غامض بائسة وتعسة وغير راغبة في الكلام، وأخذت أستحثها يدفعني فضول
لمعرفة معنى ذلك الانبثاق الغريب لأناس ظلوا غائبين عنها وعن ذاكرتها عشرين سنة، وأخيراً اعترفت
بصوت كالهمس أن " عبد المولى" قتل " فضل."
قالتها باختصار مدهش، ومع ذلك فقد صار الأمر أكثر غموضاً وتعقيداً، ومضت تحوم مثل دوري يشعر
بالبرد ويفتش عن ملجأ.
-أحدث مكروه لسعد؟
-بعيد الشر، وأمس فقط بعث لي خبراً، والصحيح يا ابن العم إنني محتارة؟
-ماذا حدث يا أم سعد؟
ومن صدرها أرجت ورقة مطوية معلوكة ودفعتها نحوي:
-قرأها لي حسن، ومن ساعتها وأنا مهمومة.
كنت أعرف خط سعد، وقد كان خطه، بقلم رصاص سميك الرأس. يتحدث عن رفيق له اسمه "ليث" وقع
في الأسر، وعلم سعد أن أهله قد يبعثون إلى " عبد المولى" طالبين منه بحكم علاقات عائليه قديمة
تربطهم به أن يتوسط لابنهم الأسير، وحاولت أن أمضي في قراءة تلك الرسالة الغريبة، إلا أن الخط بدا
مشوشاً وغائباً في ثنيات الورقة واهترائها.
-وما الذي يقلقك أنت يا أم سعد؟
-سعد يقول لي أن أذهب إلى أمه، وان أقول لها لا.
-وهل ذهبت؟
-مررت في الصباح قرب بيتهم في المخيم، وتحيرت أمام الباب. هذا شيء صعب. يا ابن العم، صعب .أنت
في هذه الحالة تقول لهؤلاء الناس، مهما قلت " تفو عليكم."
-وما علاقة سعد بهذه القصة؟
-انه يعرف " ليث " منذ كانا صغيرين، وأنا أظن أن ليث قد أوصى سعد .لماذا أكذب عليك؟ ليث قال
لسعد انه إذا حدث له شيء، وحاول أهله الكتابة لابن عمهم عبد المولى، فما على سعد إلا أن يطخهم.
وجلست على المقعد مثلما يسقط الشيء من تلقائه، واضعه راحتيها فوق بعضها في تلك الحركة الفريدة
التي تشبه عناق طيرين، وكان بالوسع رؤية رسالة سعد تطل بطرفها الأبيض من بين راحتيها، ذات
صوت نائح قادم من بعيد وليس بالوسع رده أو طيه، وفجأة أحست أنها نقلت إليّ همها كله وأسقطته
على كتفي، ثم قالت:
-أنا اعرف سعد، سيفعل.
-وهل تأكدت أن أهل ليث كتبوا إلى عبد المولى؟
-لا لم أتأكد، وعلي أن أفعل، هذا هو الشيء الصعب..ماذا تعتقد؟ لو كنت متأكدة من شيء لما ترددت
في شيء، ولكن أن اذهب إلى أم ليث، وأقول لها: صباح الخير يا أم ليث، يا فتاح يا عليم، سعد يقول
لكم..لا.
-ذلك شيء لا يستطيع الإنسان أن يفعله بسهولة، ومنذ ليلة أمس وأنا كمن يحمل على ظهره كيس
بلان..أقول لك الصحيح، منذ أن سمعت اسم عبد المولى يقرأه لي حسن تزرزع بدني كمن ركبته
العفاريت..هذا الرجل يا سبحان الله كنت اتوغوش منه منذ زمان، من أيام فلسطين."
سألت، بدافع الفضول الذي كان ما يزال يمتلكني:
-قبل ان يموت فضل؟
-تذكرت فضل على الفور. أنت لا تستطيع أن تتذكر عبد المولى مفصولاً عن فضل، وقد جاء الاثنان
معاً على رسالة سعد.
-قلت أن عبد المولى قتل فضل؟
-ليس تماماً. يعني انه لم يحمل باروده ويطخه.
-كيف إذن؟
-عبد المولى كان متزعماً حمولته، رجل عنده أرزاق ويشغل الفلاحين ويملك زيتوناً وتبغاً يبيعه لشركة
قرمان.. أنت لا تذكر تلك الأيام، وطبعاً أنت لا تعرف فضل، فضل فلاح من حالاتنا، لا ارض ولا مَيِّ،
وفي سنه ال 36 طلع فضل إلى الجبل. كان حافي القدمين، وحمل مرتينة وغاب طويلاً.
***
كانت أم سعد ما تزال صبية آنذاك في مطلع عمرها، تسمع عن الأمور ولا تدركها تماماً، تتحدث عن
إضراب ال 6 أشهر وعن الفلاحين الذين حملوا السلاح وطلعوا إلى الجبل:
-وبعدين جاء المكتوب من ملوك العرب، ونزل الرجال إلى بيوتهم، وأنا لا اذكر الأشياء تماماً، وإذا
سألتني الآن كيف..لما عرفت، ولكنني اذكر الأشياء تماماً حادثاً واحداً، فقد قالوا أن القرية الفلانية
ستقيم احتفالاً. يا حسرة! احتفال لماذا؟ على كل حال يومها قالوا لنا أن نذهب إلى هناك، وكان الذهاب
ببلاش، فرحنا نتفرج.
وعاد فضل، مع من عاد، إلى القرية: نزل من التلال حافي القدمين كما صعد إليها وكما عاش فيها،
ويبدو أن الطريق كانت طويلة فوصل إلى الساحة مع آخر من وصل من القرى المجاورة، ممزق القدمين
والثياب ومتعباً ومستنزفاً حتى آخر أنفاسه، ولم يجد فضل مكاناً في الساحة المحتشدة بالناس غير عتبة
دار تقع في آخرها، فجلس يهدئ أنفاسه ويتدبر أمر قدميه الممزقتين المحشوتين بالتراب والشوك
والدماء.
-كنت واقفة مع النسوان غير بعيدة عنه، وفي البدء لم أنتبه إلى وجوده لولا أن سمعت امرأة تقول
لأخرى انه فضل الذي يعمل في المعاصر والذي كان من أول الذين طلعوا إلى الجبل. و اخذ الناس
يصفقون، ونظرنا إلى الأمام فرأينا عبد المولى يصعد إلى الطاولة ويبدأ بالحكي، وهات يا تصفيق. لست
أذكر الآن عما تحدث يومها، ولكن لا شك انه حكى عن الثورة والانتصار والانكليز واليهود، ولا أعرف
لماذا في تلك اللحظة نظرت إلى فضل، فرأيته يمد ذراعه مشيراً إلى الناس ويقول شيئاً، لأول وهلة
حسبت انه يطلب شربة ماء أو أكلاً، فذهبت نحوه علني أساعده، ولكنني عرفت حين صرت قربه انه
كان كمن يحدث نفسه، ولم اعد أنسى ذلك أبداً. الصحيح يا ابن العم ان كل شيء أعرفه عن فضل.
-وماذا كان يقول؟
-سمعته يقول " :ولكو، إ سّا أنا الذي تمزعت قدماه، وهذا الذي تصفقون له"؟ ولا أعرف لماذا ظلت هذه
الجملة في رأسي طول الوقت. أنت تعرف، لم أكن أذكرها كل يوم، ولكنها كانت في رأسي، وحين جاء
مكتوب سعد جاء الاثنان معاً، عبد المولى وفضل..
وعادت ففرشت الورقة البيضاء التي هرأها الطي أمام عيني. ورأيت فيها على صغرها واختصارها
رواية طويلة لا تكاد تصدق، ومضت أم سعد تقول:
-والآن، عبدا لمولى مرة أخرى بعد عشرين سنة، هل تتصور ذلك يا ابن العم؟ كيف يمكن لذلك أن
يحدث؟ إنني لا أتحدث عن "ليث" ، ولكن فضل..هل تفهم ماذا أقصد؟ فضل مات بعد ذلك، بعضهم يقول
انه مات مسلولاً في المعصرة، وبعضهم يقول انه زلق ووقع في الوادي، وبعضهم يقول، انه قتل في
حرب ال 48 ، بل إن بعضهم يقول انه طلع من فلسطين في ال 49 وعاد إليها فقتلوه في الطريق، ولكن
ذلك ليس هو الموضوع. أنا أتصوره دائماً جالساً على العتبة والدم ينزف ممزوجاً بالتراب والغبار من
قدميه، و أتصوره ميتاً، وفي نفس الوقت اسمع أصوات التصفيق والتهاني والزغاريد..وعبد المولى،
مثلما قلت، صار مهماً هناك، خاين ولذلك مهم عندهم. في البرلمان، كما قلت. يا حيف!
وقامت، وأخذت تحوم من جديد وكأنها مربوطة إلى تلك الورقة التي كتبها سعد في مكان مجهول، ( ربما
أسندها إلى جذع شجرة، أو إلى ذراع سلاحه، لذلك بدت الخطوط خشنة سميكة مقطعة ) وقلت لها:
-وما الذي ستفعلينه الآن يا أم سعد؟
ومضت تهز رأسها محتارة، ثم اهتدت إلى أول الخيط:

-لو ذهبت عند أم ليث وذكرتها بحكاية فضل وعبد المولى، أينفع ذلك شيئاً؟
-ربما، ولكن لماذا تتحدثين وكأنك متأكدة من أن أهل ليث يفكرون في الكتابة لعبد المولى؟
-لا..أنا لست متأكدة من شيء، ولكن لا بد من أن أفعل شيئاً..آه يا ابن العم! لو يومها قام فضل عن
العتبة وطخ عبد المولى، أما كانت هذه المشكلة قد انتهت؟
التزمت الصمت، فقد كدت أقول لها انه لو حدث ذلك لما حدثت أشياء كثيرة، ولما أمضت هي عشرين
سنة في المخيم، ولكنني عدت فقلت:
-لو فعل ذلك لقتله الناس.
-صحيح، يومها، لقتله الناس..كان أحسن له أن يظل في الجبل..ولا يحضر تلك الحفلة.
-لو ظل بالجبل، يا أم سعد، لما استطاع عبد المولى أن يقيم الحفلة.
-صحيح، لو ظلوا كلهم، ولكن ماذا حدث؟ المسكين فضل ركبوا على ظهره، في المعصرة وفي الجبل،
ثم في المعصرة، ولو جاء إلى المخيم لركبوا أيضاً على ظهره.
-لذلك يريد سعد أن يمنع ذلك، وهل عرفت الآن، انه يريد ألا يجعل من ليث"فضلاً" آخر..
استدارت، ونظرت إليّ مباشرة: ذلك الرمح الذي تسدده في لحظات النبوؤة بسرعة الرصاصة وتصويب
الحقيقة، ومدت نحوي بذراع بطيئة ولكن صلبة تلك الورقة المهترئة البيضاء التي تشبه طائر طريد قادم
من مكان يعبق برائحة الموت والصمود، جاءت كلماتها مشدودة كأنها القصف:
-لم يقل أحد ذلك كله لفضل المسكين..فلماذا لا تقوله أنت الآن، أنت تعلمت من الكتب والمدارس، لماذا
لا يقوله لأهل ليث؟ .
*******************
توقيع عبدالله الخطيب
 [frame="3 98"][frame="2 98"]
لاَ تَشك ُ للنّاس ِ جرحا ً أنتَ صاحبُه .... لا يُؤْلم الجرحُ إلاَّ مَنْ بهِ ألم
don't cry your pain out to any one
No body will suffer for you
You..! who is suffering
[/frame]
[/frame]
الثورة تتكلم عربي
عبدالله الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس