عرض مشاركة واحدة
قديم 19 / 02 / 2010, 41 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
ميساء البشيتي
شاعر نور أدبي

 الصورة الرمزية ميساء البشيتي
 





ميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: القدس الشريف / فلسطين

ما كتب عن غسان كنفاني


ذكريات عن غسان
هذه الأيام، كم نفتقدك يا غسان...
ونحن في حلبة الصراع مع قوى الغباء والتسلط، التخلف والجريمة...
من لم يعرف غسان كنفاني، في الستينيات، لكأنه لم يعرفه أبدا..
تلك الأيام، لم يكن المجال رحيبا أمامه. وكان فتيا، وناحلا، ومشفا، تملأه الأحلام والرؤى، يحاول جاهدا أن يقفز فوق المراحل، في سباق محرور مع الزمن.
في العام 1962، أقامت مجلة <<المعارف>> مسابقة للقصة، شارك فيها كتاب شباب من عدة أقطار عربية، وبلغ عدد المشاركين مئتين وخمسين قاصا. وقد كان لغسان عصا السبق فيها، ففاز بالجائزة الأولى. ونلت الثانية وحجبت الثالثة.
مع بداية العام 63 صدر له السرير رقم 12، ولي 13 قصة.
ورغم وثيق الوشائج التي كانت تربطني به، فقد تناول مجموعتي بمقال في الحرية، عدد 8 تموز 1963، تحت عنوان <<خالف تعرف أو تعرف>>. وقد تميز ذلك المقال بشيء كثير من الحدة وعدم المداراة. ولقد استطاع، في ما كتبه يومها، أن يضع يده، على مفاصل الوجع. ولم يترك شاردة أو واردة، إلا أحاط بها بثاقب رؤيته النقدية.
وأذكر يومها، أنني رددت عليه في <<المحرر>> الأسبوعية، بمقال طويل أيضا تحت عنوان: <<الصدق هو الالتزام الوحيد>>.
بعد أكثر من خمسة عشر عاما، عدت الى تينك المقالتين، فاكتشفت أن الحق كان مع غسان. هكذا بكل بساطة.. بهذا الاعتراف المتأخر، أردت أن أقول كلمتي بغسان كنفاني الناقد...
في تلك المرحلة، جمعتنا <<المحرر>> الأسبوعية، <<شلة>> غنية وطريفة. كان كل منا يكتب في أكثر من مكان، الأسبوع العربي، والحرية، وشهرزاد، و... ولكننا جميعا، كنا <<نلتم>> في المحرر، وكانت قد صدرت حديثا. وكل مكاتبها غرفتان، صالة وغرفة صاحبها.
أظن أن عددنا بلغ اثني عشر كاتبا، أذكر منهم: غسان، رفيق خوري، علي الجندي، نور سلمان، ليلى عسيران، لور غريب، ليلى بعلبكي، إبراهيم سلامة، رياض الريس، وأنا. وقد كثر النذر حول اجتماعنا، لو أخذناه بجدية أكثر، لكان منه مدرسة أدبية نادرة. وكل ما عملناه، أننا، وبعضنا كان يطلق على <<الشلة>> لقب جماعة <<النقاد الكلبيين>>، على طريقة المدرسة اليونانية المعروفة.
كنا نجتمع بما يشبه الصدفة، لنتفرق دون ناظم أو تنظيم، حين يجتمع أكثر من اثنين، في تلك الصالة العجيبة (البناية المركزية) كانت ضجتنا تصل الى الشارع. ولطالما ضايقنا دار الطليعة، والدكتور مجذوب في الجوار.
ومن خلال تلك الجلسات، كانت تمتلئ <<المحرر>> بالمقالات النقدية، التي تميزت بالحدة، والجدية، وشيء من العمق ليس بقليل. ولو طالت الرحلة، لكانت تلك الجريدة الأسبوعية قد استقطبت اهتمام الأوساط الأدبية، لا في لبنان وحسب، بل وفي الوطن العربي.
وفجأة أخذ غسان يزداد توهجا، يفرد جناحيه، وسع القضية الفلسطينية، لكأنه كان يحس بأن الزمن لن يعطيه الفرصة التي يريد ليقول كل ما عنده. والغريب أنه كان يحسب أن المرض هو الذي سيختطفه، ولم يكن يخطر له ببال، إلا لماما، إن رحلته ستكون على الشكل الذي تمت فيه.
أخذ يصدر في كل سنة كتابا أو أكثر. أذكر أننا، قبيل غيابه بعام ونيف، عددنا كتبه فكانت اثني عشر كتابا. وذلك خلال تسع سنوات، أو أقل بقليل.
هو أول من نشر وكتب في <<الحرية>>، ثم في كتاب مستقل، عن شعراء الأرض المحتلة.
وهو أول من عرفنا على محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وسواهم.
وكان أول، من أمعن في الرحلة، في أعماق <<الأدبيات الصهيونية>>، وعاد إلينا بكتابه الفذ عن أدب الصهاينة، أو الأدب في خدمة الصهيونية.
كان ما يترك لنا فرصة لنلتقط أنفاسنا، ونحن نتابعه في مسيرة نتاجه الثر. إذ كان على الواحد منا أن يكتب عن كل كتاب يصدر له. وكانت تتابع كتبه، أرض البرتقال الحزين، مسرحية الباب، رجال في الشمس، و... حتى لم يكن في مقدرونا أن نعرف أيها صدر قبل الآخر.
في مجال الصحافة، أيضا كان يصعب عليك أن تحصر نشاطاته المتعددة.
أذكر، في إحدى الليالي، أنه هتف لي في <<الديار>> اليومية، العام 1964، قائلاً: اترك كل شيء وتعال. كانت <<المحرر>> قد تحولت الى يومية، يترأس تحرير ملحقها الفلسطيني، ويمارس عمليا، نوعا من رئاسة التحرير فيها. وقد نقلت مكاتبها الى اللعازارية، الطابق السادس، كما أذكر.
جئت إليه، كانت يده تتحرك على الأوراق البيضاء، فتتطاير من تحتها، وقد امتلأت بالأفكار، والصور، والكلمات الساخنة.
<<خذ طاولة، واكتب خاطرة أدبية، بلا طق حنك>>.
وأسرعت أنفذ ما طلب. وبدقائق، ناولته إياها. وضحك.. كن من المعروف عنه، أنه أسرعنا كتابة. وقد أعجبه أنني حاولت مجاراته في سرعته.
قلت: <<يا أخي حيّرتنا. أنت في الحرية، في المحرر، ملحق فلسطين، الصياد، الأنوار، و... ربك ما بيعرف وين كمان>>.
شد على يدي ضاحكا، مشيرا بضرورة الانصراف، كي لا أعطله. وكان ثمة حزن شفيف يطوف في نسمة عينيه، لكأنه يعتذر عن تقصيره!!...
مضت على غيابه ست سنوات، وفي كل عام، حين تحين المناسبة، أجدني، حيث كنت، أكتب عنه، ودائما من الذاكرة، وأشياء شخصية. وأحيانا أكثر من كلمة أو مقال. وكلما أمسكت القلم، في ذكراه، أجد أنه ما يزال لديّ الكثير الكثير لأكتبه عنه. هكذا يكون الفنان الحق، معينا لا ينضب للناهلين في حياضه...
وإن غساناً ليشكل نوعاً من الرد الدامغ، على القائلين بعدم إمكانية تعدد المواهب، وتعدد مجالات العطاء.
في النقد، كان المؤلفون <<يعدون للعشرة>> قبل أن يصدر لواحدهم كتاب.. لأنهم يعرفون أنه سيقع بين يديه.
أما في الصحافة، فكان يكتب في السياسة، في الأدب، في الفن. فإن غاب أي محرر في الجريدة أو المجلة التي يعمل فيها. سارع الى ملء فراغه برغم كثرة مهامه، حتى ولو كان ذلك المحرر مسؤولا عن الرياضة، أو المجتمع، أو ركن التسلية والحظ.
الغريب، أنه الى جانب كل ما أسلفت، كان يجد لديه الوقت، يقرأ، يترجم، يرسم، يكتب الرواية والقصة الطويلة والقصيرة والمسرحية والشعر أحيانا.
ويسألونك، كيف تستطيع أن تكتب عن غسان في كل ذكرى تمر، وأنك دائما تجد ما تكتبه عنه.
حتى في مجال تنسيق الكتب والمكتبات، كان له مزاجه الخاص، فنه الخاص.
أذكر أننا ذهبنا نزوره <<زيارة غلاظة>> في بيته الجديد، فوق صيدلية المدينة في الحمراء. وكان قد تزوج من آني. فوجدناه قد أحضر عدة ألواح خشبية بسيطة، لا تكلف غاليا، وجعل منها مكتبة، مع أحجار القرميد الأحمر.
<<ديكور>> بسيط وجميل ولا يكلف ماديا، ولم تمض سنة، إلا وكانت شقق وبيوت الأدباء تمتلئ بذلك النوع من المكتبات.
كان يحب جلسة المقهى، حد العشق. مقهى الجلسة والحديث الأدبي والسياسي والنكتة اللاذعة. <<الأنكل سام>>، <<فيصل>>. وخاصة <<الدولتشي فيتا>>. ولكنه في أواسط الستينيات، أخذ يقلل من ارتياده لتلك الأماكن، إما بسبب انها تحولت الى نوع من التكايا الأدبية السياسية، وهو ما لم يكن يرضاه، وإما لأن مشاغله الكثيرة أخذت تصرفه عنها، خاصة بعد أن أصدر <<الهدف>>، وكثرت مسؤولياته السياسية والتنظيمية. ولكنه لم يأل جهدا، بين حين وآخر، في أن يمر علينا، ويتفقد جلساتنا، ليطمئن على <<الندامى>> ثم يغيب.
في السنوات الأخيرة، صارت لقاءاتنا به شبه نادرة. فوجئت به مرة، في العام 72، يجلس في غرفة مغلقة في <<الدستور>> يأتي ليحرر بعض المواضيع، بتواقيع عدة، ويمضي. فتحت عليه الباب برغم <<التنبيهات المشددة>> بعدم الاقتراب من تلك الغرفة وقلت ضاحكا: <<وصلت مواصيلك الى هنا>>..
وكانت بضع لحظات. اختصرنا فيها سنوات، نكاتا، وتعليقات، وتركته مستغرقا في عمله.
كانت تواقيع غسان المتعددة، وما تزال، مشكلة المشاكل. باعتقادي أن الكثير من نتاجه، لم يجمع بعد، هو شبه ضائع في <<غابة التوقيعات>> تلك، التي كان من أبرزها فارس فارس. وكان مرغما على ذلك، لضرورات أمنية أو صحافية أحيانا وأحيانا كثيرة، لأنه لا يجوز أن تصدر له في اليوم الواحد، عدة مقالات وتعليقات، في أكثر من مكان، وبتوقيع واحد.
هل أبالغ، هل يجنح بي الخيال وأنا أحكي عن الغالي غسان...
على العكس، كلما كتبت عنه أكثر، أحسست أنني مقصر أكثر. فهو عالم، عوالم متعددة الإمكانات، حافلة بالغنى، والقدرة الهائلة على العطاء، جمعت في واحد.
ولكنه غاب وهو في السادسة والثلاثين (عمر غياب اللورد بايرون، الذي كان يعتقد أن الفنان يجب أن يغيب فيه، وأن أية أمجاد بعد هذه السن، لا معنى لها، لأنه ريعان الشباب).
هل نستطيع أن نتصور، كم كان سيعطي، لو استمرت رحلته الى الخمسين أو الستين، وأية آفاق كان سيبلغ، وأية مجاهل كان سيفض أختامها؟!!
لقد اجتمع عليه داءان مزعجان، السكري والنقرس، و<<بضعة>> أدواء أخرى <<لا تستحق الذكر>>.. وكان عليه أن يأخذ نوعا من الإبر لا أفهم في الكيمياء فإنه لم يجد من يعطيه إياها، حين تزور العلة، كان مرغما أن يعطيها لنفسه، بكل ما في ذلك من مشقة وألم.
هكذا، كان المرض، سيف ديموقليطس المصلت على مسيرة نضاله الأدبي والسياسي، ولكنه، لا هو ولا الآخرون، كان يعتقد، ان الضربة ستأتيه عن طريق تلك الشحنة اللعينة، على مشارف الحازمية.
إن يغب غسان، فإن نتاجه باق، بقاء القضية التي ناضل من أجلها، وقدم حياته قربانا سخيا على مذبحها.
إنه باق بيننا أبدا، بضحكته الصافية، المطلة علينا خللا أو شالا مغيبا دامع العينين، بحجم صداقته وإخائه، بعظمة الإنسان وطفولة الفنان فيه.
سيظل غسان، القصة، تحشرج في أعماق كل من عرفه، وكلما اصطدم رفاقه في الكلمة، بحاجز جديد، بسلطة غبية غاشمة، كان هو العزاء، وكان هو النبراس والمثل والنموذج. في وقفاته، وفي صراعاته، وفي قدرته العجيبة على مقارعة قوى التسلط والغباء والشر...
وفي هذه الأيام بالذات، كم نفتقدك يا غسان، كم كنا بحاجة إليك، والنخاسون.. المجوس، يجوسون داخل أبهاء الهيكل، محاولين تمزيق عذريته، وتشويه حرمته.
ولكن لا بأس، فإن خليتنا وارتحلت، فإنه ما يزال فينا بقية من قدرة على الصراع، وسنطرد المجوس، وستنتصر دائما، الكلمة الصدق، الصراح، والتي هي كحد السيف، رقة، وعذوبة، والتماعا، واستقامة، وقدرة على إسالة دم .الأعداء
عاصم الجندي

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع ميساء البشيتي
 [BIMG]http://i21.servimg.com/u/f21/14/42/89/14/oi_oay10.jpg[/BIMG]
ميساء البشيتي غير متصل   رد مع اقتباس