12 / 03 / 2010, 49 : 07 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
المدير العام وعميد نور الأدب- شاعر أديب وقاص وناقد وصحفي
|
المتنبي كان ينام على وسادتي كل ليلة
[align=justify]
الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق ل" بيان الكتب ": المتنبي كان ينام على وسادتي كل ليلة
مولعا بالمرأة و الوطن خط الكاتب الفلسطيني طلعت سقيرق تضاريس تجربته الكتابية التي بدأت في أوائل السبعينيات مع مجموعته الشعرية الأولى (لحن على أوتار الهوى) ثم نمت و توزعت ما بين القصة و الرواية و النقد الأدبي.. و سقيرق من مواليد لبنان عام 1953 عاش في دمشق و في جامعتها حاز على إجازة في الأدب العربي..عمل في مجال الصحافة و هو المسؤول الثقافي في مجلة صوت فلسطين منذ عام 1979 من كتبه الكثيرة (أحاديث الولد مسعود) و دراسة " الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني" و مجموعة القصص (احتمالات) و مجموعته الشعرية (طائر الليلك المستحيل) حول علاقته بالكتاب و طقوسه في القراءة ..... قال طلعت سقيرق لبيان الكتب:
كان الكتاب رفيقي منذ الصغر فتحت عيني على الكلمة لأن أخوالي كانوا يعملون في الصحافة فلم يكن غريبا أن أتعامل مع الكتاب و كأنه توأم روحي الشعر من هذا المنحى كان الأقرب كتابة و سماعا فكلما فتحت ديوانا من الشعر كنت أجد فيه صورتي و نفسي و شيئا من دمي على الصفحات .. كنا نستأجر الكتاب بدراهم قليلة و نقرأه بساعات قصيرة ..و شيئا فشيئا اتسعت ساحة الاهتمام أخذنا نشتري الكتاب و نعتبره الأجمل من أي شيء في الوجود و لا تستغربي حين أقول إن الكتاب كان ينام إلى جانبي و كأنه حبيبي فالوسادة التي كنت أضع رأسي عليها كان المتنبي يضع رأسه عليها و هو يسمعني أجمل الأشعار.. نمت الذاكرة و كبرت.. كنا في المرحلة الابتدائية و الإعدادية و أخذت أشكل مكتبة صغيرة أوفر ثمنها من مصروفي القليل..
والدي كان عاملا بسيطا و كان علينا أن نعمل خلال الصيف أعمالا كثيرة نجمع فيها بعض الليرات لنشاهد فيلما سينمائيا أو نشتري كتابا أو مجلة ..
المكتبة أخذت تنمو و تتسع و كنت أظن دائما أن الكاتب يقف على ظهر غيمة و يبتعد بعيدا جدا في السماء و أحاول جاهدا أن أجد ملامحه في الكتاب الذي أقرأ و مهما شطح بي الخيال كان الكاتب في ذهني أكبر و أجمل من أي خيال..
*** عبر القراءة تنشأ علاقة وحيدة الجانب بين القارئ و الكاتب قد تدفعه إلى تخيل أشكال مختلفة من اللقاء و الحوار مع كاتبه المفضل و قد يحث هذا بالفعل فهل واجهتك حالة من هذا النوع في سنوات شبابك المبكر؟؟..
*سؤالك يعيدني الآن إلى أيام الطفولة ربما آلى أيام المرحلة الإعدادية أذكر أنني قرأت كتابا للأديب الراحل سعد صائب هذا الأديب الذي سكنني و جعلني أتمنى فعلا أن أراه ذات يوم و كنت أظن أن رغبتي ستظل محض حلم لأن الأدباء الذين من هذا النوع لا يمشون على الأرض كما كنت أعتقد كبرت و أخذت ألاحق سعد صائب فهالني هذا الكم الكبير من الكتب و استغربت كيف و متى استطاع هذا الأديب أن يكتب كل ما كتب ..
وأتيحت لي الفرصة عندما عملت في الصافة مسؤولا ثقافيا أن أتصل به و أن أسمع صوته مرتعشا للمرة الأولى كان الارتعاش من قلبي طبعا و تواعدنا أن نلتقي و حين دخلت بيته و رأيت كم الكتب التي ألفها ذهلت أكثر فهذا الإنسان نشر ستة و ثمانين كتابا و ترك من المخطوطات ما يقارب المائة و عندما جلست معه خائفا مرتعشا و كنت وقتها جديدا في عالم الصحافة أذهلني كثيرا تواضعه و حبه و محاولته أن يضم كل قارئ إليه ..
سنوات مضت و أنا أزور هذا الأديب الكبير و كل يوم كنت أزداد إعجابا به فالأدباء الكبار فعلا لا يمكن إلا أن يكونوا كبارا في كل زمان ..
مع سعد صائب تعرفت على كثيرين معرفة شخصية منهم الأستاذ عبد المعين الملوحي و الشاعر حسن البحيري و الدكتور عبد السلام العجيلي والدكتور بديع حقي والشاعر عبد الوهاب البياتي والشاعر سميح القاسم والأستاذ نصري الجوزي هؤلاء الكبار كتابة و معنى و إنسانية علموني أن الحرف لا يمكن أن يكون إلا شريانا و فكرا و اتصالا بنبض القلب..
*** هل أثرت القراءة على تجربتك الشعرية فيما بعد و بأي الشعراء تأثرت؟؟..
*أكثر شاعر كان قريبا إلي و ما زال هو المتنبي هذا الشاعر الذي استطاع أن يختصر الشعر و أن يسكبه في حالة من الحالات الإنسانية و الاستثنائية ليكون شعره نبعا لا يجف مع الزمن فقد كان شاعرا بحق و الشاعر الحقيقي لا يغادر الذاكرة الزمنية مهما مضت الأيام أذكر أنني كنت في الثانوية عندما طلب استاذنا أن نكتب موضوعا عن المتنبي فكتبت ستين صفحة جعلت أستاذ العربية يحتار ماذا يكتب من ملاحظات و أذكر أنه كتب مما كتب أتمنى يا طلعت أن تكون ذات يوم شاعرا يستطيع أن يملأ الدنيا مثل المتنبي.. لكن يبقى المتنبي نجما لامعا يصعب اللحاق به.. طبعا أعجبت بكثيرين غير المتنبي فأنا معجب بالشاعر محمد الماغوط و ذكرته قاصدا لأقول أنني لا أقف كثيرا عند الشكل في الشعر فالشعر روح و نبض وغليان و ليس ثوبا خارجيا تلبسه القصيدة لذلك أنا مع القصيدة العمودية و مع قصيدة النثر ما دامت القصيدة تحمل كما شعريا يتجاوز الممكن فالنظم شيء و الشعر شيئا آخر..
***هل لديك طقوس خاصة بالقراءة ؟؟..
*القراءة عالم غريب بالنسبة لي يشبه في كثير من الأحيان كتابتي للشعر فأنا مثلا لا أقرأ الكتاب دفعة واحدة بل أنتقل بين كتاب و آخر و كأنني النحلة التي تصر على الانتقال بين الزهور ..
حالة أستغربها و لكنها حالتي التي لا أستطيع الخلاص منها عندما أقرأ أنسى الوجود تماما و تسكنني الحروف و تجتاحني في أحيان كثيرة و تحاول أن تراقصني في أحيان كثيرة و أعتقد أنه من الصعب أن نتخلى عن الكلمة المطبوعة مهما كانت الأسباب فأنا تأخذني رائحة الورق إلى عالم سحري رائع و كلما كان الحرف جميلا كلما كانت رائحته الورق أجمل.. الحروف تعتق مع الأيام لتصير أروع و أجمل..
***أي الأجناس الأدبية تفضل قراءتها؟.؟.
*تتعدد الأجناس الأدبية و تتنوع كالزهور و كنت أجد أن الأديب في كليته واحد و لكن تسرقني القصة القصيرة و تسيطر على زمني حين تكون قصة جميلة مليئة بالأحداث و الوصف القادر على التطور حدثيا و وصفيا و تغتالني القصة التي لا تعرف كيف تعالج موضوعها أنا عاشق للقصة القصيرة و العاشق يكره أن تكون حبيبته على غير ما يشتهي..
هذا المعشوق الذي أحبه أن يكون في أجمل مظهر يتقنه قلة منهم: القاص الرائع زكريا تامر هذا الإنسان الذي يكتب بحروف من جمر فتتوهج القصةى و تكاد الحروف تقفز من الصفحات لـكون الشخصيات أحيانا أمام العينين و أيضا هناك قصص لمحفوظ و سباعي و سواهم لكن يبقى بالنسبة لي زكريا تامر هو الأقرب و كلمة حق أريد أن أقولها بهذه المحبوبة فهي أخذت تنمو و تكبر في خليجنا العربي على يد كتاب و كاتبات أعطوها الكثير فأخذت عندهم تضع بصمة تضيف شيئا يذكر لعالم القصة القصيرة ..
***و ماذا تقول عن مستقبل الكتاب الذي بات يهدده عالم الصور و التقانات الحديثة و يأخذ منه جمهوره المعتاد ؟؟..
*كتبت ذات مرة في زاوية صحفية صغيرة أن العلم يتسارع ساعتين في الساعة الواحدة أي أن العلم يتطرو بشكل مذهل و كل هذا إيجابي و لا نستطيع أن نقف منه موقفا سلبيا بأي شكل من الأشكال فالثقافة تفيد و لا تضر و هذا يتوقف علينا نحن البشر الذين قد نجعل منها مجالا للفائدة أو الدمار و ولنأخذ مثالا للفائدة التي قد تقدمها الثقافات الحديثة الكمبيوتر لأي باحث لكي يخرج كتابه بالشكل الأمثل و في الوقت ذاته ماذا نقول عن أولئك الذين يجلسون أمام الانترنت ساعات طويلة يلاحقون أشياء لا نود ذكرها هنا لنجدهم بعد حين و قد انفصلوا عن كل شيء عن أسرهم و مجتمعاتهم أو ملامحهم و ماذا أفادتهم الثقافة هنا ؟؟..
أعرف أنك تسألينني عن مصير الكتاب و أؤكد أنه من الصعب أن يتخلى الإنسان ذات يوم عن رائحة الورق فنحن نثمل بها ،و بها ترقص خلايانا و لا يمكن أن يموت الكتاب و لننظر إلى المعارض إن حجم مبيعات الكتب العادية أكثر بكثير من الكتب الليزرية فأن نجلس أمام الشاشة شيء و أن نحمل الكتاب المطبوع على الورق بين القلب و القلب أو في اليد مسافرين أو جالسين في منازلنا فهذا شيء آخر و متعة لا يمكن أن يأخذ مكانها أي ابتكار جديد.
· جريدة البيان / 10 إبريل 2000/ ..
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|