نشد الغرب عله يفتح باباً بمصراعيه، ويحظى بفرصة عمره لينتشل نفسه من إملاق يطارده ويهدد صغاره. لسنوات طوال، بنى أحلاماً وردية وآمال لازوردية، حملها في جعبته لتكون زاد غربته، وماأن حط به الرحال ، حتى قذفته وأحلامه وآماله رياح عاتية ، صدمته وعائلته بواقع أمر من العلقم، تحسر ساعتها على أيامه الخوالي. ولكنه لم ينكسر ولم ييأس، بل نهض يصارع الريح بلا هوادة إلى أن هدأت هدوء العاصفة.
مر به عابر سبيل، حز في نفسه مارآه من مشهد رجل يصارع الريح . دنا منه وهمس في أذنيه بضعة كلمات ليقوده بعدها لدرب حافل بالشوك والأفاعي. تردد في المسيربادئ ذي بدء، ولكن سرعان ماإستجمع قواه ليواصل المسير. وعصفت به وبأهله ريح ضروس، ولكنهم جابهوها كجلمود صخر إجتث من جبل عتيد.
رأفت به السماء ، فروت عطشه بجرعة ماء. رفع كلتا يديه شاكراً رب العباد، بعد أن أرقه السهاد. عمل الجميع ليل نهار، صيف شتاء، ماكسبوه كان لسد الرمق والكف عن السؤال.
فاجأه عابر السبيل بليلة مقمرة مستفسراً عن حلمه القديم. ضحك بسخرية وتنهد بحرقة كادت تنهش ضلوعه. إشتم عابر السبيل رائحة فطيرة ، فقرر أن يخطفها من أيدي صغاره. قدم له عرضاً مغرياً ورقماً ساحراً، وتمكن من رسم حلم جديد بثوب جديد لرجل بات يتشبث بقشه ، مع علمه التام بأن هذه القشة ربما تقصم ظهره. وتعلق بهذا الحلم ، وغدا أسيره وطوع بنانه. إستدرج لتحقيق مكاسب للغير، وهيئ على أنه سيكون من عداد الفائزين في نهاية سباق لم تعرف بدايته لتعرف نهايته. ووظف وصغاره لخدمة حفنة من مصاصي الدماء، وطفقت الأرض تخفس بهم إلى أن وجدوا بأن الحلم قد ضاع. .. حلم ببيت صغير يأويه وفلذات أكباده ... حلم بلقمة هنية تشبع جوع سنينه وتسكت صغاره .... حلم إستكثر قساة القلوب عليه أن يحلمه، فعملوا على أن يسحقوه إلى أن تلاشى الحلم وخارت القوى وسقط منكباً على وجهه، ليهوم في القفار، باحثاً عن أمل جديد لا عن حلم ضائع.