رد: رسالة إلى صديقة
أنا هنا يا نصيرة .. أنا هنا يا غاليتي ..
أنتظر أن تمنحيني جذوة من الأمل ..
عالقة أناعلى الشرفة بانتظار فجر جديد ترسلينه إليّ لا يحمل بطياته وخزات الألم .
ردي اليوم ليس كأي رد مما سبق .. ردٌ مسربل بالألم .. رد يئن تحت وطأة الوجع .. ردي إليك اليوم موشح بلون المرض .
تأخرت بالرد عليك ورسائلك تملأ أفقي .. تلح عليّ بسرعة الرد .. تستفز قلمي الذي يجثو بقربي كجسد خاو ٍ ..
غادرته الروح على عجل وتوسدت ظلال حروف لقيطة تسبح عكس التيار ..
حروف ليس لها وطن تبكي على صدره ولا عش يمامة تنتظر فيه عودة الحبيب حين يضنيه السفر
ويحن لحبه الأول وعشه الذي غادره بلا استئذان .
أتذكرين نصيرة رسائلنا الأولى كيف بدأناها ؟
كنا نفتش فيها عن أزقة شاردة .. عن أشجارحفرنا عليها أسماءنا هناك ونسيناها ..
كنا نتساءل بمرارة عن قسوة الحبيب وهجرانه ..
عن غدر الرفاق وغياب الوفاء من دفاتر الصداقة ..
وعن سوء الطالع وقهوة الصباح وخطوط الكف وما تحمله لنا من بشارة ؟
كتابات على قسوتها كانت بلون البنفسج .. كانت بلون الزهر .. إذا ما قيست بلون هذه اللحظات ..
أقرأ ردودك فأشعر براحة كبيرة .. راحة من تنفس الصعداء بعد أن أزيح عن صدره كابوس ثقيل هو كابوس الكلمة ..
الكلمة التي كانت تغلي في جوفي كبركان مستعر .. وعندما فتحت لها فوهة القلم لتندفع فإذا هي
عصافير ملونة وفراشات حب وسلال من الورد والفل والعبهر ..
أين اختفت الكلمات التي كانت تغلي في قلبي كالبركان ؟
كانت كتابات بلون البنفسج ..
أما اليوم فحروفي شاردة كذهني .. تنظر بقلق إلى طبيبي .. تنظر إليه بحقد شديد ..
من أين جاني الشعور بأنه سجاني ؟
سجان يرتدي الثوب الأبيض ..
لا يقرأ الطالع يا نصيرة ولا ينظر في الكف ..
لا يهمه قهوتي أبمذاق العسل كانت أم بمذاق الصبار ..
كل ما يهمه أن يرفع سبابته في وجهي منددا ً ويملي عليّ بقسوة شديدة طقوسا ً جديدة للحياة ..
لا داع لمواعدة العصافير على شرفة النافذة ولا داع لتناول قهوة المساء في الحديقة
ولا داع لقراءة أشعار نزار قباني ولا داع حتى لكتب تفسير الأحلام ..
تناولت رشفة سريعة من فنجان قهوتي قبل أن تطاله أوامر طبيبي ..
قبل أن أفقد أعصابي فأثورعلى كل شيء ..
أثور على مرضي واستسلامي ..
قبل أن أكسر الوقت الذي لا يمضي .. وأحطم عقارب الساعات .. ثم أجهش في البكاء كطفلة صغيرة خائرة القوى ..
تحتض دميتها وتحلم بالشفاء ..
أنا يا نصيرة أركض إلى ستائر المنزل أسدلها قبل أن يحين المساء ..
أغافل الشمس وهي تتبختر في عرض السماء .. ليس حبا ً في الليل ولا في ساعات المساء ..
بل طمعا ً وحلما ً بالغد .. الغد الجديد الذي ليس له صلة من قريب أو من بعيد بهذا اليوم ..
لكن الصدمة تكون بانتظاري حين تخبرني شمس النهار أننا ما زلنا في ذلك النهار ..
وتقولين لي الأمير والملك والسلطان .. وأنا لم أر إلا التماثيل تقف في بابي ..
ربما كانت تماثيلا ً تبكي ..
لكنني لطالما كفكفت لها دموعها .. لطالما احتضت وجعها .. لطالما رتبت على حزنها وهدهدته حتى يغفو بين يدي ..
وفي الصباح تنتشر كأشعة الشمس .. تبسط أجنحتها في عرض السماء وتتبخترعلى حافة النهار وفي المساء تغفو في حضن أي حسناء ..
وعندما تشعر برغبة ملحة في البكاء أجدها أمامي تتلو على مسامعي المعلقات السبع ..
وتكتبني عناوينا ً لأشعار مجهولة ..
وإهداءً رفيعا ً في هامش كتاب ..
لكن عندما أبكي أنا ..
أبكي وحدي ..
أتألم وحدي ..
أنصهر وحدي .. بينما هي تمشط جدائل النساء ..
|