رد: الركن الهادىء
رحلة من نوع آخر
أكره المرض ..
هذه حقيقة أصرح بها دائما ً .. لكن الذي لم أصرح به أبدا ً هو أنني أكره سيرة المرض .. أكره أن أصاب بالمرض .. أكره أن يصاب أحبتي بالمرض .. أكره أن يصاب اي مخلوق على وجه الأرض بالمرض .. بل أكثر من ذلك أشعر أنه إذا أحد ما في بلاد الهند أو السند عطس حتما سأصاب بالزكام أنا .
ومع ذلك أنا كثيرة المرض .. كثيرة التوجس منه .. كثيرة القلق .. كثيرة الذعر .. لكنّي بالمقابل شديدة الحرص على الشفاء بأسرع وقت .. ومع ذلك تهاوني في أخذ العلاج اللازم واستهتاري بعض الشيء جعلني أدفع ثمنا ً أغلى من كل مرة وجعلني أشعر بمرارة الألم وقسوة الوجع وحرقة انتظار الشفاء .
المرض عدا عن أنه قضاء وقدر وابتلاء من رب العالمين فهو نقمة .. المرض نقمة على المريض وعلى أهله ..
لكنه بنفس الوقت نعمة ..
هذا ما توصلت إليه في رحلتي البسيطة والقصيرة مع مرض بسيط .. جعلني أراه نهاية الدنيا .. جعلني أعيد النظر في كل ما حولي ومن حولي .. فتحت صفحة جديدة من الحسابات ..
وبدأت بمسائلة نفسي أسئلة لم تخطر في البال يوما ً ..
هل شعرت يوما ً بمن مرض قبلي وتألم وعانى بصمت أو حتى بصوت مسموع .. لو لم نسمع صراخه ؟
في الوقت الذي كنت فيه أتألم تذكرت أمي .. الحضن الدافىء الذي احتواني كل العمر وما زال يحتويني .. تذكرت آلامها وصراخها من ذات الوجع ..
ماذا فعلت لها لأخفف عنها ؟
هل شعرت بها حقا ً ؟
هل يشعر الجميع بألمي بحق ؟
هل سأبقى أنتظر أن يشعر الجميع بألمي ؟
لماذا أوصلت نفسي إلى هنا ؟
الصحة هي الحياة ويجانب الصواب من يقول غير أو يظن غير هذا .. فكيف نسمح بهدر صحتنا وعافيتنا لأتفه الأسباب ؟
أسئلة كثيرة جالت بخاطري وفكري .. رسمت مشاريعا ً على ورق .. إن شفيت سأسارع بتنفيذها .. حلمت بشوارع قديمة أشتاق إليها وأتمنى العودة لها صبية فتية تركض فيها بخطى قوية وليست مهترئة .. رأيت العالم كله أمامي كشريط متحرك ووجدت أنني ركنت إلى العزلة والهدوء أكثر من اللازم وأن الحياة هي الحياة ولا تصح بغير هذا .. أدركت أنني انغلقت على نفسي لدرجة أن مرضا ً بسيطا ً اقعدني وألزمني الفراش بل وألزمني أن أعيد النظر بكل ما هو حولي وكل من هم حولي ..
وجدت بالتلفاز صديقا ً مؤنسا ً.. وجدت بالكتاب رفيقا ً دائما ً لا يتخلى .. لا يتأخر .. متوافر دائما ً .. حتى في أحلك الأوقات .. وجدت بالزهور عالما ً من الصفاء والجمال والخيال .. وجدت بالعصافير أحبابا ً يملأون فضاء الحياة من حولي حبا ً .. فرحا ً .. صخبا ً .. اشتياقا ً دون مقابل ..
وجدت عالما ً آخر كنت أمر ّ عنه مرور الكرام أو ربما لم أمرّ به أبدا ً .
المرض كما قلت قد يكون نعمة ولكن لا أعلم في حال شفيت منه هل سأبقى بعالمي الجديد .. أم ستعود حليمة لعادتها القديمة وستنسى عالمها الجديد الذي قد لا تعود إليه إلا إذا لوح إليها المرض مجددا ً ؟
كانت رحلة من نوع آخر ..
كل ما فيها مختلف ..
وأكثر ما فيها مختلف كان أنا .
|