عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 05 / 2010, 24 : 09 PM   رقم المشاركة : [1]
بوران شما
مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني


 الصورة الرمزية بوران شما
 





بوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond reputeبوران شما has a reputation beyond repute

جيش الجهاد المقدس (من مواد الموسوعة الفلسطينية - القسم الأول- المجلد الثاني)

جيش الجهاد المقدس (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول- المجلد الثاني ):
بعد ثورة 1929 اتضحت سياسة بريطانيا المنحازة إلى الصهيونية عن طريق تسليحها الصهيونيين . واشتراك الجنود البريطانيين في الأحداث, وعن طريق تيسير الهجرة اليهودية وتسهيل عملية شراء الأراضي . كل هذه الأمور أدّت إلى اتساع النظرة العربية العدائية لتشمل , مع الصهيونية, بريطانيا باعتبارها أساس البلاء.
في عام 1933 أصبح الوضع في فلسطين جد مضطرب نتيجة قيام المظاهرات والإضرابات الداعية إلى سقوط وعد بلفور وإلى تغيير منحى السياسة البريطانية . وقد وصف خليل السكاكيني الحالة بقوله:" لقد كانت فلسطين أمس واليوم ساحة حرب , مظاهرات في كل مكان , هجوم على مراكز البوليس (الشرطة) , ومحطات سكك الحديد قتلى وجرحى بالمئات , المستشفيات غاصّة, والنفوس تضطرم غضباً". وقد عجلت تلك الأحداث في تنظيم الشباب وتشكيل "جيش الجهاد المقدس" بالإضافة إلى التنظيمات الأخرى الموجودة كالحلقات الجهادية التابعة للشيخ عز الدين القسّام, وفرق الكشافة , أمثال فرقة خالد ابن الوليد وفرقة أبي عبيدة بن الجراح.
وفي عامي 1934و 1935 كان العمل منصبّاً على إيجاد مجموعات معبأة للعمل العسكري المستقبلي ضد سلطات الانتداب . وبعد تأزم الأوضاع في آذار 1936 شملت الإضرابات مدن وقرى فلسطين كافة , وتمّ تشكيل اللجنة العربية العليا لفلسطين التي أعلنت مواصلة الإضراب إلى أن تغيّر الحكومة البريطانية سياستها , وتعدّل خطتها الرامية لتحقيق الوطن القومي اليهودي.
وفي ظل هذا الغليان الوطني تنادى قادة التنظيمات السرية, وقرروا لمّ صفوفها في جيش واحد أطلق عليه اسم " جيش الجهاد المقدس" وعهد برئاسته إلى الشهيد عبد القادر الحسيني .
وفي ليلة 6-7/5/1936 خرجت قوات جيش الجهاد المقدس إلى أماكن جبلية اختيرت لتكون مراكز لانطلاقتها. وفي فجر 7 أيار أطلق عبد القادر الحسيني الرصاصة الأولى إيذاناً ببدء الثورة , وكان ذلك في قرية بيت سوريك شمالي غرب القدس حيث انقضّ المجاهدون على ثكنة قريبة للجيش البريطاني , ودمروا مركز الرادار فيها. ثم توجهوا إلى منطقة القسطل لقطع طريق المواصلات الرئيسة بين يافا والقدس . كذلك اندفعت قوات جيش الجهاد المقدس المعسكرة في قالونية وعين كارم وساريس وأبوديس وقطنه وصوبا والعيسوية وغيرها من قرى قضاء القدس , اندفعت تهاجم ثكنات الجيش البريطاني ومراكز الشرطة وحرس المعسكرات . هذا بالإضافة إلى فرقة التدمير بقيادة فوزي القطب التي نسفت الجسور والعبّارات وخطوط السكة الحديدية وبعض طرق المواصلات , وعطّلت خطوط الهاتف وأنبوب نفط العراق الواصل إلى حيفا .
ولما اتّسع نطاق الثورة وبدأت الأخبار تنتقل إلى البلدان العربية سارع المناضلون للانضمام إلى جيش الجهاد المقدس , مما ساعد على رفع معنوياته وطاقته القتالية. وظهر ذلك في معركة الخضر في 4/10/19936 , عندما شنّت القوات الإنكليزية هجوماً على جبال قرية الخضر(قضاء بيت لحم) حيث كانت تعسكر بعض فصائل الجهاد المقدس . وقد امتدّ القتال عدة ساعات , واستخدمت فيه الطائرات لقصف مواقع الثوار. وبالرغم من عدم تكافؤ العدة والعدد بين الطرفين استبسل الثوار أمام القوات البريطانية , وكانت النتيجة استشهاد المناضل العربي السوري سعيد العاص , وإصابة القائد عبد القادر الحسيني بجروح نقل على أثرها إلى المستشفى العسكري في القدس ليحاكم فيما بعد, ولكنه استطاع الفرار واللجوء إلى دمشق .
توقف القتال , وفك الإضراب بعد تدخل الملوك والرؤساء العرب مقابل وعود بريطانيا بمراجعة موقفها على ضوء تقرير تقدمه لها لجنة خاصة تزور فلسطين للوقوف على أسباب الثورة . ولكن خيبة آمال العرب نتيجة اقتراح التقسيم الصادر عن اللجنة الملكية عام 1937 كانت كبيرة, الأمر الذي جعل عرب فلسطين يعلنون الثورة من جديد بقيادة جيش الجهاد المقدس , ولكن بأسلوب أقوى وأجدى , تمثّل في تكوين الخلايا السرية داخل البلاد وخارجها. واستطاع جيش الجهاد المقدس أن يسيطر على الريف الفلسطيني, وعلى الكثير من المدن الرئيسة , ومنها القدس القديمة عاصمة البلاد.
وفي أول أيار عام 1938 هاجمت مجموعة من جيش الجهاد المقدس مستعمرة فيجان اليهودية الواقعة جنوبي مدينة القدس , واستطاعت قتل بعض أفراد الشرطة اليهودية وحرّاس المستعمرة ثم انسحبت بدون خسائر . كذلك هاجمت قوات الجهاد المقدس مستعمرة رامات راحيل , ونصبت الكمائن للقوات البريطانية , وكبدّتها خسائر كبيرة .
صمّمت بريطانيا , نتيجة تعاظم قوة المجاهدين , على الخلاص منهم بكل ما لديها من إمكانات , فجهزت قوة من خمسة آلاف جندي , وضربت طوقاً حول معاقل الثوار في منطقة بني نعيم بين بيت لحم والخليل . وانتشر المناضلون ولكن الطائرات استدلت على أمكنتهم فقصفتهم بنيرانها, وزحف المشاة لضربهم , ونشبت معركة بين الفريقين المتحاربين استبسل فيها جنود جيش الجهاد المقدس , وطلبوا النجدة من القرى المجاورة فانجدهم القائد عبد الحليم الجولاني مع مائة من إخوانه المناضلين , مما رفع معنويات المقاتلين. واستمرت المعركة زهاء عشر ساعات أسقطت من خلالها ثلاث طائرات . ولكن خسائر العرب كانت كبيرة , وسقط منهم عشرات الشهداء .
تضعضعت الثورة بعد هذه المعركة واستشهد بعض كبار قادتها أمثال عبد الرحيم الحاج محمد وعلي الحسيني, وتسلل بعضهم عبر الحدود إلى الأقطار العربية المجاورة. إلاّّ أن الثورة استمرت حتى عام 1939 حين صدر الكتاب الأبيض وهبّت رياح الحرب العالمية الثانية , فأدّى ذلك إلى توقفها .
وإثر صدور قرار التقسيم عام 1947 نظم عبد القادر الحسيني في قرية صوريف من أعمال الخليل قوة من الشباب تقدّر بخمسة وعشرين مجاهداً من أجل متابعة الجهاد لمقاومة التقسيم وللدفاع عن عروبة فلسطين , ثم انتشرت هذه التنظيمات في معظم مدن فلسطين . وحملت كلها اسم " قوات الجهاد المقدس ". وباركت الهيئة العربية العليا هذا التنظيم الذي أصبح تابعاً لها. وقد اختيرت مدينة القدس مقراً للرئاسة . وأما القيادة فتشكلت من : عبد القادر الحسني رئيساً, وكامل عريقات نائباً للرئيس, وقاسم الريماوي لأميناً للسر, ومفتشين للشؤون العسكرية والإدارية . وقد عيّن لكل قطاع قائد يتلقى أوامره من القيادة المذكورة , ومن هؤلاء القادة الشهيد حسن سلامة والشهيد إبراهيم أبو ديّة , بالإضافة إلى عدد من الضباط السوريين والعراقيين واللبنانيين .
ولما اشتدّ النزاع بين العرب والصهيونيين شكّلت الهيئة العربية العليا في كل قرية ومدينة في فلسطين لجنة محلية للمقاومة انبثق منها لجنة مركزية سميت اللجنة القومية العامة , وتشعّبت عنها لجان فرعية لجمع الأموال والسلاح, وأخرى للدعاية لصالح قوات المجاهدين , وانخرط عدد كبير من أبناء البلاد العربية , بالإضافة إلى أبناء فلسطين , في صفوف المجاهدين .
صنّف المجاهدون العاملون باسم قوات الجهاد المقدس في الفئات التالية :
1) المجنّدون المقاتلون: وهم من الفلسطينيين والمتطوعين العرب, ومهمتهم نشر الثورة , وقطع طرق المواصلات, ومواجهة أعمال الإرهاب الصهيوني. وكانت الهيئة العربية العليا تؤمن لهم السلاح والعتاد وتدفع لهم رواتب شهرية . وتألف الفصيل من 8-10 مقاتلين .
2) المجنّدون المرابطون : وهم من المواطنين المقيمين في القرى. وقد تولّوا الدفاع عن قراهم والمناطق المجاورة لهم. وقدّر عددهم بأكثر من 18 ألف مجاهد متوسطي التسليح والتدريب. وكانت الهيئة العربية تؤمن لهم بعض الأسلحة والعتاد والأموال اللازمة .
3) فصيل التدمير : تألف من المجنّدين المختصين بعمليات النسف والتدمير. وقد شهدت هذه الفئة تقدماً ملموساً , بفضل انضمام العناصر المدرّبة والمجندين الفلسطينيين الذين كانوا قد خاضوا غمار الحرب العالمية الثانية إلى جانب القوات البريطانية بالإضافة إلى الذين تدربوا على يد الخبراء الألمان .
4) فصيل الاغتيال : انتخب من العناصر الفلسطينية المتحمّسة. وكانت مهمته الأساسية اغتيال الخونة والسماسرة وباعة الأرض لليهود, والقضاء على العناصر الإنكليزية المعادية لعروبة فلسطين . وأحدث هذا الفصيل إرباكاً في البلاد, خاصة بعد اغتيال الحاكم الإنكليزي أندروز. ومما يجدر ذكره أن قوى الثورة المضادة قامت باغتيال أناس لا غبار عليهم لتشويه سمعة قوات الجهاد المقدس .
لم تكن أعداد المجاهدين أو مرتباتهم ثابتة , بل متغيرة تبعاً للظروف والأحوال المدنية التي كانت تمر بها الهيئة العربية العليا , فقد زاد عدد مجاهدي الفئة الأولى في بعض الأحيان على عشرة آلاف , وتراوح عدد أفراد الفئة الثانية مابين خمسة عشر ألفً
وعشرين ألفا .
ومن المشاكل الرئيسة التي كانت تعانيها قوات الجهاد المقدس مسألة التسلّح, فقد أوفدت الهيئة العربية العليا لهذا الغرض مبعوثها إلى لبنان وسورية , بل ذهب بعضهم إلى حدود تركيا لشراء السلاح من المهربين. ثم أرسلت رسلها إلى ليبيا لشراء السلاح المتخلف من معارك الحرب العالمية الثانية في صحراء السلوم والعلمين, ثم إصلاحه وتجهيزه للاستعمال. كذلك بعثت الهيئة العربية العليا مندوبيها إلى فرنسا وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا للغرض نفسه. لكن جميع المساعي فشلت تقريباً بسبب عراقيل اليهود والاستعمار حيناً, وبسبب نقص المال أحياناً أخرى . ومن ذلك الإخفاق في إتمام صفقة شراء 8,000 بندقية وسبعة ملايين طلقة و200 مسدس اتفق عليها مع مصانع سكودا التشيكوسلوفاكية في 27/11/1947 باسم الحكومة السورية .
وأنشأت الهيئة العربية العليا مصنعاً لإصلاح قطع السلاح وصيانتها في إحدى ضواحي القاهرة , وورشة فنية في مرسى مطروح, وثلاثة مصانع في القاهرة , الأول للقنابل, والثاني للأعتدة, والثالث لإصلاح السلاح. وأنشأت الهيئة أيضاً مصنعاً لتعبئة الذخيرة في دمشق, ومستودعين للذخيرة في كل من بيروت ودمشق, ومستودعات للذخيرة في صيدا والسلوم ومرسى مطروح والعريش والقاهرة .
وقدّرت كمية ما اشترته الهيئة العربية العليا من الأسلحة لقوات الجهاد المقدس خلال عامي 1947-1948 بما يلي :
"5,396 بندقية, و499 مدفعاً رشاشاً , و364 رشاشة تومي ورشاشة ستن و309 مسدسات , و 124 مدفع بوير ضد المصفحات , و23 مدفع هاون و 60 ألف قنبلة متنوعة , و160 صندوق متفجرات , و46,740 قنبلة يدوية , و3,867 لغماً جاهزاً, وكميات من المعدات الكهربائية . وقد دفعت الهيئة ثمناً لهذه الأسلحة وصيانتها ونقلها مبلغ 330,800 جنيه". هذا بالإضافة إلى التجهيزات العسكرية من ملابس وأحذية وبطانيات ومشمّعات ومناظير ميدان ومقصّات للأسلاك وخرائط حربية وبوصلات وخوذات عسكرية وبعض السيارات المصفحة والسيارات المتنوعة .
وبالرغم من محاولات الهيئة العربية العليا تأمين السلاح لقوات الجهاد المقدس بقي السلاح قليل العدد إذا قيس بما توافر للعدو الصهيوني بمساعدة بريطانيا وبتسخير أموال الحركة الصهيونية . ويرى منير أبو فاضل مفتش الشؤون العسكرية في قوات الجهاد المقدس أنه كان بإمكان الدول العربية أن تسدّ ثغرة نقص السلاح , وأنها لم تلتزم بتنفيذ توصية اللجنة العسكرية المجتمعة بدمشق في عام 1947 التي تضمنت ما يلي :
" يجب أن يُمدّ عرب فلسطين بما لا يقل عن عشرة آلاف بندقية, وبمقادير كافية من الرشاشات , والقنابل اليدوية , والمتفجرات وما إلى ذلك من الأسلحة .. يجب حشد أقصى ما يمكن من الطائرات المقاتلة والقاصفة في المطارات القريبة من الساحل الشرقي للبحر المتوسط لمراقبة المواصلات البحرية والحيلولة دون وصول النجدات إلى اليهود من وراء البحار".
توزعت قوات الجهاد المقدس على الشكل التالي :
1) منطقة القدس : قائدها (الشهيد) عبد القادر الحسيني. وضمّت قواتها النظامية أربع سرايا متحركة , وأربع سرايا تدمير , ووحدة طبية , وعدة مفارز دفاعية موزعة في أنحاء القدس . ثم انضمت مفارز أخرى من المناضلين للدفاع عن القدس القديمة .
2) منطقة بيت لحم: تألفت من خمس سرايا متحركة وعدة مفارز دفاعية . وكانت مكلّفة الدفاع عن بيت جالا وجبل المكبر والقاهرية ووادي القفا وأرنا العروب وصوريف وبيت عام وبيت عولا ونوبا والسموع وبني نعيم .
3) منطقة رام الله: كان فيها سريتان من مجاهدي الفئة الأولى , وست سرايا من المتطوعين , وجماعات من الفئة الثانية . وقد توزعت هذه القوات على خط يمتد من شعفاط وبيت فوريك إلى باب الواد على طريق يافا- القدس , وشمل عملها شعفاط وبيت فوريك وعين كارم وقالونيا والقسطل وباب الواد وبيت نول ودير العرب وغيرها.
4) المنطقة الغربية الوسطى: بقيادة (الشهيد) حسن سلامة , وهي مؤلفة من أقضية يافا والرملة واللد والمجدل . وقد تولى قيادة قضاء المجدل محمد طارق الإفريقي الذي خاض بمن معه عشر معارك غنموا فيها سبع مصفحات يهودية . وقد استطاع المجاهدون الاحتفاظ بهذه الأقضية حتى بعد دخول الجيوش العربية عام 1948 .
5) المنطقة الجنوبية : كان فيها سريتان وفصيل تدمير واحد وعدة مفارز دفاعية . وقد توزعت هذه القوات على المدن والقرى التالية: غزة وجبل منطار وعراق سويدان وخان يونس ودير البلح والمجدل وبير السبع .
6) المنطقة الغربية : ضمت قواتها عدة مفارز لا يتجاوز أفرادها سريتين . وأما مناطق دفاعها فشملت قلقيلية وطولكرم وجنين وبيار عدس وعلاّر وقاقون وزيتا وعنبتا وأم الفحم وزرعين ورمانة وقرى اللجون وغيرها .
7) المناطق الشمالية : تألفت قواتها من أربع سرايا متحركة , وثلاث سرايا تدمير , ووحدة طبية , ومن ثلاثين إلى خمس وثلاثين مفرزة , وأربعة فصائل تدمير . وشملت أماكن هذه القوات حيفا وعكا ويافا والناصرة وطبرية وبيسان , ونحو مائة وخمسين قرية . وقد ظلت هذه المناطق في أيدي قوات الجهاد المقدس إلى حين انسحبت الجيوش العربية .
خاضت قوات الجهاد المقدس معارك كثيرة وناجحة , أوقعت فيها باليهود وبالقوات البريطانية خسائر كبيرة , منها معارك بربرة الأولى والثانية والثالثة في آذار ونيسان 1948 . وفي 12/4/1948 خاضت معركة جوليس التي استشهد فيها المجاهد عزة حقي . وفي اليوم التالي ثأر له المناضلون في معركة جوليس الثانية , وكبّدوا العدو خسائر مضاعفة . ثم نشبت معركتا النبي داود الأولى والثانية اللتان لم يستطع الصهيونيون فيهما التقدم شبراً واحداً بالرغم من استعدادهم وبدئهم المعركة . ولم تقع في المعركتين أية إصابة في صفوف المناضلين العرب , وكذلك الحال في معركة دير أبي طور الثانية في 26/7/1948 , ومعركة النبي داود الرابعة في 11/8/1948.
أما أشهر المعارك التي خاضتها قوات الجهاد المقدس في منطقة الجليل فهي معركة أبو شريتح (غربي ترشيحا) قرب جدّين , ومعركة مجد الكروم , ومعركة الكابري, ومعركة البروة , وأبلت فيها جميعاً البلاء الحسن , بالإضافة إلى المعارك التي خاضتها القوات مع جيش الإنقاذ .
وقد أظهرت قوات الجهاد المقدس في جميع هذه المعارك شتى أنواع البطولة , ولا سيما في معركة بيت سوريك , ومعركة الماصيون , ومعركة ميكور حاييم ومعارك الطرق , ودلّت على قدرة في التخطيط وجرأة في العمل , مما جعل كريستوفر سايكس مؤلف كتاب " مفارق الطرق إلى إسرائيل " يقول :" بدأ العرب في نهاية شهر شباط 1948 في وضع عسكري أحسن مما عليه اليهود . وكان العرب يهاجمون المستعمرتين اليهوديتين الواقعتين إلى شمال وجنوب مدينة القدس . وبالرغم من أن العرب لم يحتلوا إحداهما, إلا أن الهجوم الذي قام به عبد القادر الحسيني على مستعمرة كفار عصيون الجنوبية أدّى إلى إبادة جميع القوة الصهيونية الضاربة المعروفة بالبالماخ التي أرسلت لنجدتها ". ويقول جون كمشي:" إن هذه الحادثة أثرت تأثيرا نفسيا سيئا في يهود فلسطين ". وتحدث عبد الله التل في مذكراته عن قائد قوات الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني ووصف بطولته في معركة القسطل التي استشهد فيها بقوله:" وهاجم تلاً عاليا حصينا, وقاد بنفسه جنوده مخالفا بذلك قوانين الحرب التي تحتم بقاء القادة الكبار في مؤخرة الجنود حرصا على سلامتهم . وانتصر البطل وحقق معجزة حربية ".
وقد طوّرت قوات الجهاد المقدس أسلحتها , واستعملت راجمات الصواريخ التي صنعها المواطن علي جبر من أنبوبة محشوة بالمواد المتفجرة , تقذف بجهاز خاص , وتصل إلى بعد مئات الأمتار , وتدمر الحصن الذي تسقط فيه. ومفعولها أقوى من مفعول المدافع الثقيلة .وقد أحدث هذا الاختراع انهياراً في معنويات اليهود لشدة فتكه. وهذا ما ساعد القوات الفلسطينية على احتلال مستعمرة هاتكفا اليهودية التي لم يستطع الصهيونيون استردادها إلاّ بعد تدخل القوات البريطانية .
وكان لرجال فصيل التدمير في قوات الجهاد المقدس باع طويل في العمل العسكري , فقد ردّوا على المتفجرات اليهودية في بابي العامود والخليل بأعمال أكثر جرأة حين زوّدوا سيارة نقل بريطانية عسكرية بمتفجرات تزن طنا ونصف طن من مادة "ت .ن.ت" وفجروها في شارع هاسوليل داخل الأحياء اليهودية في القدس الجديدة فدمرت
ثماني بنايات من بينها بناية جريدة بالستين بوست وجريدتي عل همشمار وهامشكيفا وقتلت وجرحت المئات من اليهود, ونشرت الذعر بينهم .
وفي 22/2/1948 قاد الضابط عزمي الجاعوني قافلة من ثلاث سيارات بريطانية مجهزة بمتفجرات موقوتة , وأوقفها في شارع بن يهودا, أكبر الشوارع اليهودية في القدس . وقد انفجرت سيارتان من السيارات الثلاث, وكانت النتيجة إصابة أكثر من ألفين بين قتيل وجريح , وقدّرت الخسائر المادية يومذاك بعشرة ملايين جنيه .
سبّب هذا الرد العربي العنيف مظاهرات يهودية طالبت زعماء اليهود بالاستسلام , وتقدمت الجموع اليهودية رافعة الأعلام البيضاء تعلن عجزها عن إقامة دولة يهودية في فلسطين. وتدخل الجيش البريطاني , كالعادة لحمايتها .
كذلك نسف معمل "السبيرتو" اليهودي قرب مستعمرة نيتر في مدخل مدينة يافا , ومعمل النجارة الكبير قرب ضاحية أبو كبير في مدخل شارع هرتزل الرئيس في تل أبيب . ونسف أيضا معمل الجير والإسمنت في مجدل صادق , ونسف سكة حديد حيفا , ودار شركة "سوليل بونيه" اليهودية .
عندما توقف القتال إثر الهدنة بين الدول العربية و(إسرائيل) , وضعفت الإمكانات العسكرية للهيئة العربية العليا, اضطرت عناصرها أن تنضّم إلى الجيوش العربية , وتوزعت في عام 1948 على النحو التالي: مع الجيش الأردني: في القدس 611جنديا, وفي بيت لحم : 548 جندياً, وفي رام الله 279 جندياً. ومع الجيش العراقي : في بيرزيت 156 عنصراً, وفي قرى السامرة 120 عنصراً. ومع الجيش المصري: في غزة 150 عنصراً. ومع جيش الإنقاذ في الخليل 600 عنصر .
ظلت قوات الجهاد المقدس قائمة إلى أن صدر الأمر من عمّان بحلّها في 18/12/1948 . ولكنها بقيت ترابط في أماكنها حتى أتاها أمر الحل من الهيئة العربية العليا في القاهرة في 15/5/1949 .
كتب الكثير عن بطولات قوات الجهاد المقدس يمكن أن يذكر شاهدان عليها: أولهما ما كتبه قائد بريطاني كان يقود لواء لغزو موقع باب الواد بين القدس ويافا الذي أغلقه المجاهدون الفلسطينيون في وجه القوافل اليهودية والقوات البريطانية التي كانت تقوم بحمايتها صيف عام 1936 , إذ استمرت المعركة ثلاثة أيام , ولمّا انتهت نقل البريطانيون جثث الشهداء العرب إلى مدخل باب الواد بعد أن جمعوا أسلحتهم وذخائرهم , وقال القائد:" إن هؤلاء الأبطال أوقفونا ثلاثة أيام على كثرتنا وقلتهم, وعظم الفرق بين أسلحتنا وأسلحتهم , ووسائلنا ووسائلهم ... إني أطلب إليكم تقدير هذه البطولة واحترامها . وعندئذ وقف الجنود وأطلقوا النار في الهواء من بنادقهم تحية عسكرية لأولئك الشهداء الأبطال".
أما الشهادة الثانية فهي من الضابط المصري المقدم (البكباشي) عبد الجواد طبّالة الذي كان رئيس القوات الخفيفة جنوبي القدس , فقد بعث رسالة إلى المفتش العسكري العام لقوات الجهاد المقدس منير أبو فاضل جاء فيها :
" لا يسعني إلاّ أن أعبّر لكم عن مزيد تقديري للمقدرة التامة التي حاربت بها قوات الجهاد المقدس وروح التضحية وضروب الشجاعة النادرة التي لا يتسع المجال لتعدادها ... ولن أنسى أن أذكر بالتقدير الروح العالية التي كانت رائدكم في العمل معي جنباً إلى جنب في كل الأمور , ولن أنسى ملازمتكم في الظروف العصيبة التي مرّت بنا, والتي في اعتقادي أن وجودكن بجواري ومجهودكم الجبّار الذي بذلتموه كان من الأسباب القوية التي ردّت اليهود على أعقابهم في تلك المنطقة المقدسة ".

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع بوران شما
 بيننا حب أمامنا درب وفي قلوبنا أنت يارب
بوران شما غير متصل   رد مع اقتباس