تركت اللعب فجأة و توجهت نحو غرفة الإدارة مباشرة وطرقت الباب ..
لم أكن أعلم أن بعض كلمات عابرة قالها المدير ستبقى ترن في أذني وتجول في عقلي :
" العِزي" سوف يقرأ غدا جميع هذه الكتب "
: ماذا تريد يا ولد ...؟
- أريد الاشتراك بالمكتبة أستاذ .
- هل قرأت الشروط ؟
- نعم ولكني لم افهمها !
- باختصار ، إن قرأت هنا فمجانا ، وإن استعرت
ستدفع عشرة قروش عن كل كتاب تأخذه معك .
- عشرة قروش .. ؟!
- - نعم .. وفرها من مصروفك !
فمن أين آتي بالعشرة قروش دفعة واحدة .. ولكن رغبتي في القراءة كبيرة ..
فوافقت على القراءة دون استعارة .. وقلت في صيغة رجاء :
- إنني الآن لا املك سوى خمسة قروش ، فهل يمكنني المطالعة هنا مجانا عمي أبو سليم ؟
أدار لي ظهره ودخل غرفة المدير ،
فطأطأت عندها رأسي نحو الأرض وشعرت بحزن شديد ثم
بدأت بالمغادرة .. وقبل خروجي من الباب ناداني وقال :
- وين رحت .. يخرب بيتكم ، جيل فاقد الصبر ..
ألا تريد أن تقرأ ..؟
قلت بلى .. فقال : - هل اخترت كتابا ؟
- لا أدري !
- اذهب إذن واختار الكتاب الذي يعجبك .
- الكتاب الذي يعجبني ، هكذا ..؟!
توجهت مسرعا لناحية رفوف الكتب وبدأت عيناي
تستطلعان ولا أدري كيف تسمرت أمام
كتاب صغير الحجم قليل الصفحات .. رُسم على غلافه حصان خشبي عملاق في وسط
بطنه فتحة كبيرة يتدلى منها حبل يتسلقه أو ينزل منه بعض الرجال يلبسون على
رؤوسهم خوذات غريبة وبأيديهم سيوف قصيرة ؛ فتناولته وتصفحته وانبهرت بالصور المرسومة
بداخله وعلى جميع الصفحات وتحت كل صورة بعض الجُمل هي أجزاء من الحكاية ..
بدا الأمر لي كأني في حلم ؛ فهذه هي المرة الأولى التي أقف فيها محاورا ..
وها هو العم أبو سليم يقف الى جانبي ، يحاورني ، يسألني ، بل ويحثني على اختيار
كتاب دونما تدخل... فكيف أنسى هذا المشهد وتلك كانت المرة الأولى التي قمت فيها بالاختيار ؟
وكانت المرة الأولى أيضا التي لم تُلقى فيها عليّ الأوامر من احد ؛ رحمه الله لم يسألني لماذا اخترت هذا ..
ولكنه نبّهني الى ان هذه القصة هي جزء من قصص " لملحمة " شعرية لقصاص يوناني " ، ولم أكن
اعلم حينها عما كان يحدث ولكني كنت أُومئ برأسي لأختصر الوقت .. وها أنا اجلس على مقعد
خشبي صغير في إحدى الزوايا أتصفح الكتاب وحيدا والسعادة تغمرني فقرع الجرس ..
جريت بسرعة والكتاب بيدي لأسلمه " للناظر " فلم أجده هناك ، فارتبكت قليلا ..
ثم خرجت مسرعا وأنا أتصارع مع نفسي ، أأرده أم استسلم لرغبتي بمواصلة المطالعة ..!
مع ذلك فإني أقنعت شقيقتي بالاستدانة منها فوافقت بشروط أهمها هو أن اتركها
تلعب مع زميلاتها في المدرسة وأن ترافقهن في طريق العودة إلى البيت بعيدا عن
مراقبتي فلوت ذراعي ووافقت . ودفعت >> وكانت تلك أول مرة ادفع فيها من اجل كتاب .