الموضوع: الإعلان
عرض مشاركة واحدة
قديم 15 / 05 / 2010, 59 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
إحسان شرباتي
كاتب نور أدبي
 





إحسان شرباتي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: دمشق

الإعلان

بأنياب سوء الظن ندخل دوما أي إعلان . ولأنه في حقيقته كذب لا يرقى إليه شك ..
ندخل باستعدادنا النفسي والذهني لخدعة عرضه ..
نقرؤها مسبقًا قبل أي عرض، لتكرارها أولا ولجاهزيتنا لتقبلها ثانيًا.
تنزلق أصابعها فوق جسد لامبالاتنا، دون أن تترك فوق جلدنا أدنى بصمه وأقل خدش أو إحساس إلا المشاركة بالنظر لمهازلها.
ومع صوت التفاهة الخافت تمتد جثة الوقت أمامنا دون فكاك.
كل من يملك بضاعة عليه الترويج لها .. وهذا حق مشروع للمُعلِن وللمُعلَن عنه مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، مُهمًا أو قليل الأهمية ..أما أن يستخف بعقول المشاهد , فهذا ما يضر بإعلانه مهما بلغ شأنه.
كل عمل تلفزيوني يقطعه الإعلان المتكرر, فإن أخرسنا صوته المعلّب بموسيقى غالبا ما تأتي ضاجّة نزقة دون مبرر، وهذا ما نفعله دائمًا, إذ نقوم لبعض أعمالنا المستعجلة ..
وإن كان لدينا متّسعًا من الوقت ونظرنا نرى استخفافًا بنا يجعلنا نعدل عن الشراء .. فقط لسوء أدب الإعلان مع عقولنا.
حاولت كثيرًا أن أتعرف إلى وجهة النظر بأغلب الإعلانات، إلا أن خبرتي لم تكن كافيه للمعرفة .. وظل بيني وبينه عالمٌ زجاجي يفصل ما بيننا .
من القائم المختبئ وراء الإعلان ؟
نسمع معزوفة فنتعرف إلى مبدعها, وقبل أن نشاهد العمل الدرامي نعرف مَن كاتبه ومَن مخرجه .. أما الإعلان فلا نعرفه إلا بتكراره لا غير.
الاستخفاف بعقولنا أخذ الجانب المبهر من علاقة المعلِن بنا, ونحن نعلم مسبقًا أن لعبة الإعلان يحمل مسؤوليتها طرفين. الكمبيوتر جزء من خدعتنا .. والفنان الذي يؤدي أو الشخص المؤدي الطرف الآخر فيها.
من يكتب سيناريو هذه الأعمال ..
ومن المبدع الذي يجعل الزوجان يتقاسمان في خلاف يذكّرنا بهذيان الجنون كل أشيائهم وتاريخهم ولحظات أفراحهم وذاكرتهم, لتأتِ قطعة صغيرة من البسكويت يشتركان في أكلها, لتعود الحياة المسروقة بدفئها إلى مجراها ... تعود الحياة مدينة صغيرة كالفرح تحملهم إلى حيث يشربا نخب الحب من جديد.
وننتقل على موائد الإعلان لنرى أن مادة الزيت تعكس طعم الواقع المعاش ألا وهو السعادة الزوجية الدائمة لزوجين يتفقان على طعمه اللذيذ, وبالتالي فلم يعد هناك أي مبرر لأي خلاف ...وربما ينتفي الطلاق ما بينهما وإلى الأبد.
والعلكة تحمل نُبل المشاعر والأحاسيس .. إنها أحد أهم أسباب الفرح والرقص والنشوة ... حيث الأمل بلا حدود
أما المناديل الورقية بأنواعها ..فهي الرهان الرابح ... وليمة تحتاج للكثير من النساء ... يحتلهم الدوار والأضواء الحارة مع ابتسامات موزّعة بالتساوي لتفرحنا بهذه المناديل ...
ورغم جمالهم ننزف صمتنا بانتظار انتهاء لوحتهم الراقصة .. نرقبهم بهدوء ريثما يستبدلون لوحة بأخرى.
ونظل كما نحن , نمحو عن جلدنا ما علق به, والملل يمد يده المحشوة بالتثاؤب إلى أعيننا ليتعبها.
لا نركض إلى حيث هذه الحاجات لنشتريها .. مهما كانت حاجتنا الإستهلاكية إليها .. بل نأخذ ما توفر عند أقرب ماركت علينا ..
أما ما يقدمه الإعلان فنشعر بحاجتنا لمقاطعته، وبالحاجة لبيع المُعلن بعض الشفقة وبعض الأفكار التي قد تفيده خدمة لبضاعته من الكساد والركود.
أحيانًا نرى في الإعلان كل الجماليات ماعدا البضاعة المعلن عنها ... فالمطابخ جميلة للغاية كما يمكن للحلم أن يكون, مساحات شاسعة من الخضرة تمتد أمام أعيننا مفتوحة على الدفء والمدى ... والأناقة مفرطة على كل الأصعدة .. ونساء جميلات كما في قصور السلاطين.
أشياء كثيرة أجمل من البضاعة بكثير .. هي فقط تمنحنا متعة النظر أحيانا ولبعض الوقت.
في رمضان ما قبل الفائت ظهر في برنامج يبث على الهواء مباشرة الفنان سلوم حداد, تحدث عن الإعلان كجملة معترضة لاعلاقة لها بالبرنامج الذي استضافه .. تحدث عن الإعلان برؤية سليمة وثاقبة وتشمل وعي الأغلبية من المتفرجين.
أشعله الغضب لإحساسه بأن المُعلِن لا يحترم عقله وفكره .. وطالب الجهات المختصة بالنظر لمفهوم الإعلان وإعادة الرؤيا فيه .. كان غضبه نقيًا نزقًا كما كل المبدعين الذين يملكون حساسية عالية تجاه الخطأ .. ويقتلهم خجلاً البقاء أمامه على مرمى نظر.
كلماته ما تزال تسكن وعيي كلما مرّ أمامي إعلان متردي القيمة الفنية والجمالية والتسويقية وأضم صوتًا واهيًا إلى صوته القوي, يوم سأل بدهشة شديدة ونفاذ صبر.
من الذي ارتأى أن يقطع الإعلان أي عمل درامي ... ليغلق أمامنا متعة المتابعة ويفقدنا بعض الحماس .. ومن قال بأنه التوقيت الأنجح.
نحتاج لإعادة النظر في الإعلان وتوقيته .. رحمة بالمُشاهد, ونصرًا أكيدًا للمُعلِن الذي يدفع ثمنًا باهظًا لترويج بضاعته .. وحتى لا يكون إعلانه الباهت سببًا لمقاطعتنا.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
إحسان شرباتي غير متصل   رد مع اقتباس