رد: واقع يلفه الحلم
.............................ارضك ما بدها صلا ............................
يبتسم العم ابو جميل وهو - البستاني العتيق - ويردد رواية
على ذمته، قال :
- الى جوار بستاني هذا / بستانا آخر كما تعلمون ، يعود بملكيته
الى كاهن البلدة - كان قد ورثه عن والده الذي مات في منتصف القرن الماضي .
وكان هذا الكاهن شابا في مقتبل العمر لا يعلم عن أمور الزراعة
شيء ولا يريد أن يَسأل ... !
- " أليس هو الكاهن .. وهو الذي يجب تسأله الناس ؟! "
وكان صاحبنا - يضيف العم أبو جميل متهكما
يأتي كل يوم الى بستانه وهو يحمل مبخرة
تتصاعد منها روائح عطرية تمجد الخالق ... ثم يقوم " بفلح "
البستان بقدميه ذهابا وإيابا وهو يتمتم ويتلو بصلاة بعد صلاة .
ثم يقوم بتبخير شجيراته القزمة القصيرة شجرة شجرة
لعلها تنموا وتعلوا لتصبح بمستوى أشجاري..!
يضيف العم ابو جميل قائلا :
- كنت أشفق عليه واردد في نفسي جملة كنت اخشي البوح بها
احتراما لرتبته الكهنوتية من جهة ، ولسوء فهمه ربما في
ما أريد قوله من جهة ثانية ..!
تتسع ابتسامته للحاضرين ثم يكمل :
- في يوم ، كنت اعمل لجهة الحدود المشتركة بيننا .
تلك الحدود التي كان يقطعها سياج شائك بين بستانينا
وكنت اكره هذا السياج ؛ هذا العائق الذي كان يصر على ترميمه
كلما تهاوى ، ولا يترك حتى ثغرة ليمر منها إنسان ضاقت به المساحات
يريد قضاء حاجته تحت شجرة من شجراته..!
مر بجانبي وكأني لم اطرح عليه السلام فتجاهلته على مضض
وتركته يبرطم بصلواته وأدعيته وهو لا ينفك يلوّح بالمبخرة
ويدفعها بيده في كل الاتجاهات لتغطي حتى أوراق الأعشاب ... !
ولا اخفي عنكم - يقول ابو جميل -
فان " الأبونا " يحمل في قلبه غيرة مني وحسدا على
بستاني دون ان يستطيع إخفاء ذلك ، بل انه كان يلمح الى
بعض معارفي إلى عدم عمق إيماني وقال انه كان يلاحظ ذلك
عندما اذهب لصلاة يوم الأحد فأقضى نصف وقت موعظته نائما
على حد زعمه ولا أُقدم على فعل " الاعتراف " في خلوته ..! .
أما أنا ، فكنت ألاحظ ، لا بل اشعر بضغينته تجاهي في أعماقي ؛
خصوصا عندما كانت يده تقترب من فمي أثناء" المناولة " بعد انتهاء الصلاة ...
وكنت اشعر انه كان يتقصد إفساد صلاتي لحرماني من نعمة رضا الرب .
مع إني كنت لم أوفر مناسبة إلا وحاولت فيها تقديم النصح له فيما
خصّ الزراعة ، لعله يغيّر موقفه اتجاهي ويشملني برعايته ودعواته المباركة ،
ولكنه كان كاهنا يتّبع النصوص - ولا أخفي عنكم - دون ان يفهمها ؛
فهو على اعتقاد راسخ ان الرب عاجلا أم آجلا سيُحل ببركته على الأرض
ولن يُخيّب رجاءه ..لذا .. فهو لا يستمع حتى إلى نصيحة احد .. فربما
باعتقاده قد تكون تلك ، ضلالة !!
مع انني من المؤمنين وأقرأ " الكتاب المقدس " ولكني لم أجد فيه إرشاد زراعي
ومع ذلك .. فأنا ثابت على إيماني .. وقد ترعرع بستاني ..!
وقد قررت في ذلك النهار - يضيف العم ابو جميل - أن أبُقّ البحصة من فمي
وأوصل إليه " الرسالة " وليحدث ما يحدث ...!
فما ان اقترب من الحدود المشتركة حتى تصنعت السعال ، وبدأت أهش
عن وجهي رائحة البخور ، وحاولت أن أبين له ان البخور " بخوره " على ما يبدو
كان فاسدا أوهو من النوع الرخيص!
ثم تطلعت اليه وخاطبته بنبرة عصبية غاضبة وقلت :
" يا بونا ... ! يا سيدنا ...! اسمعني مليح ولا تفهمني غلط ..
أرضك هذه ، بدها " ... " وما بدها صلا ! "
:
ضحك معظم الحاضرين إلا العم ابو جميل فقد سكت .
ثم نظر إلى معظم وجوه الأشخاص كأنه يقرأها .. فالسكوت
عند هذا الحد لا يعني أن روايته قد انتهت ..!
لأنه كان يعتقد ان بعضهم – أي الحاضرين - لم يكونوا ليفهموا
او ليستوعبوا ما كان يقصد .فان العم ابو جميل كان يريد التخفيف من
زحمة الوافدين الى بستانه ولا يريد مزيدا من الضغط
عليه " فالشيء إن زاد عن حده نقصّ " على حد قوله
وأراد أن تتوزع " بلاوي " الناس لتشمل بستان " الأبونا "
هو الآخر .. فمن جهة يفيد ومن جهة يستفيد " /
إستدرك العم أبو جميل ابتسم وقال : " بستانه طبعا " ..!
:
:
بالرغم من تكرار القصة على لسانه مرارا فإنه لا يملّ من ترديدها امام جيرانه
وزواره وقصده كان واضحا ويجب أن يفهموا ولكن دون إحراج ، بأن عليهم
التوجه نحو بستان " الأبونا " ليثبت نظريته حيث كان
يشترط انه و في غضون سنة واحدة ستتساوى أشجاره كاهن القرية
مع اشجاره دون جدال .
وفي أغلب الأحيان يغادر العم الياس " ابو جميل " المكان والإبتسامة المرة
لا تفارق شفتاه مع تميمته " اللآزمة " التي كان ما انفك يرددها وهو
يستدير واضعا يداه بشكل متشابك خلف ظهره ويقول : يلعن بَيّ اللي هجّركم بقر ..!
|