رد: المقدمات التي جعلتنا خير أمة
...........
رب قائل : إذا كان العرب بتلك الصفات الحميدة ، فلم الدعوة إذن ..؟
امن اجل " إتمام مكارم الأخلاق " فقط ؟ هذه واحده .
أو من اجل التوجه مباشرة إلى الله وليس " بالواسطة " كما كانوا يفعلون من قبل ؟
هذه ثانية. بدليل قوله تعالى :
" ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى " - الزمر 3 – ..
أم من اجل شيء اكبر وأعمق ؛ من اجل أن " تستكمل " هذه الأمة رسالتها
عبر مع مبادئ جديدة \ عناصر الإيمان بالله دون شريك \ من أجل إنارة البشرية
وهديها إلى الصراط المستقيم .. ؟
لماذا تم التركيز على أن العرب كانوا قبل الإسلام لصوصا وقطاع طرق
وأنهم لم يكونوا بناة حضارة ؛وما معنى النص القرآني الواضح ! قال تعالى :
" أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين " / الزخرف 5
فمن منكم أيها الناس من يضع أمانة في عهدة لص .. ؟!
فبالله عليكم .. تأملوا في تلك المؤسسة ا" الإبداعية " التي انتجها العقل
العربي قبل الإسلام وهو" النظام الأمني " الذي وضعت معاييره " قريش "
في زمن ما سُميّ " العصر الجاهلي " أقصد : الأشهر الحرم :
ثلاثة أشهر من أشهر السنة - متواصلة - هي أشهر :
الحادي عشر والثاني عشر والأول ..
ثم شهر رابع هو الشهر السابع / أي في منتصف السنة حيث
يعيش الناس خلالها في أمن وأمان تخيلوا .. !
ثم تأملوا في قدرتهم على إبداع من نوع آخر تجاري اقتصادي سياسي أقصد به
" إيلاف قريش " وهو يتعلق بأمان المصالح التجارية والمالية ... !
فهل وجد في التاريخ أكثر إبداعا من هكذا نظم ..؟!
فهل هذا "التنظيم " الأمني والاقتصادي وليد الساعة أو الحاجة .. ؟
أم أن له مقدمات تاريخية وإرث حضاري ضارب عميقا في الجذور ..؟!
إنها " أمة " قائمة بذاتها قد تكونت عبر التاريخ ،
ونجحت عبر التاريخ في نشأة الحضارة ..
أما في تلك اللحظة التاريخية التي سبقت " الوحيّ "
فقد كانت تعاني من الضعف والانقسام والغياب التام
عن مسرح التاريخ ؛ ولكنها تعيش إرهاصات جعلت من التغيير أمرا ممكنا ؛
فمعركة " الفيل " وانتصار العرب على "الأحباش "
وإخراجهم من جزيرة العرب .. ثم معركة " ذي قار "
يوم انتصر العرب على الفرس قد هيأت المناخ
لساعة التغيير القادمة ؛ فكان الحدث التاريخي
والانقلاب الهائل الذي غيّر وجه البشرية وصنع لها
تاريخا جديدا من أجل سعادة البشر .. !
فالنصر في معركة لا ينزل هكذا فجأة بدون مقدمات
قرأت الكثير لكتّاب قدماء معاصرين مثل " المسعودي " وابن خلدون \ محمد عبده
بطرس البستاني " وعفلق " وساطع الحصري وقسطنطين زريق وغيرهم ممن تبعوهم
وأضافوا كعصمت سيف الدولة ومحمد عماره وعبد العزيز الدوري امين هويدي
وغيرهم ممن حفظتهم الذاكرة وتناولوا بالبحث ونظّروا في الفكر القومي وفي بعض
المفاهيم والمصطلحات المرتبطة جدلا بتلك الفكرة " القومية " فتحدثوا عن مفهوم " الأمة "
والدولة والحكم وعملوا بجهد في التعريف على تلك الخصائص والسمات والمكونات لتك المفاهيم
وتعلمت منهم الكثير ولكني مع كل قراءة كنت أشعر بشيء ناقص .. شيء ، ما استطاع إقناع فئات
واسعة في مجتمعاتنا العربية.. لم يصلوا إلى عقل أفراد وجماعات الأمة التي يعملون من اجلها
بل ربما كانوا سببا من أسباب فرقتها .. وأقول أكثر .. إن الظروف الموضوعية جعلت من أتباعهم
( كما يظهر ) أعداء لفئات تتمرس خلف الدين لأن البعض المؤثر فيهم قد استولوا على سلطات الحكم ...
فالناصريون ( وهم قوميون عرب ) تصادموا مع " الإسلاميين " والبعثيون العرب سلكوا نفس الطريق
بل واعتبر بعضهم أن هؤلاء الإسلاميون عقبة في سبيل التطور والتقدم .. وفي الجانب الآخر
– جانب الإسلاميين - فقد جعلوا من العروبة عقيدة وفكر ، لتبدو متناقضة مع عقيدة الإسلام ليسهل
عليهم اتهام العروبيون بالكفر والزندقة وفي الحد الأدنى " بالضلالة " وقالوا فيما قالوا :
أن الرب قال كل شيء، وهو أيضا ، قد قرر كل شيء يتعلق بكم وعنكم ، فافعلوا كما نوجهكم ،
لأننا نحن المكلفون من عنده فإن أغضبتمونا أغضبتموه
فأدخلونا في جدل طويل وعقيم ، واشغلونا بقضايا هامشية فاستبد بنا الخلاف
وقاتلنا بعضنا البعض فلا" الإسلامي " أستطاع توحيدنا .. ولا القومي نجح في بناء دولة عصرية بل
أن شارعه تآكل وتقدم عليه " المتطرفون " فاستجلب عليهم الأعداء والمترصدين
ولعبت الأمم بمصير أمتنا في حين أن جميع الأمم قد حسمت موضوع هويتها وثقافتها وبنت دولها على أحدث النُظم .
وإنني كفرد من أفراد هذه الأمة تساءلت مرارا وتكرارا عن أصل المشكلة في هذا الانفصام
الذي نعيشه .. واقتنعت منذ زمن بعيد أننا نعيش أزمة مفاهيم وبشكل مفجع ..
وما هذا الذي أكتب فيه خير دليل على ذلك ..كل فرد من أفراد أمم الأرض يعتز بإنتماءه القومي
ولا يرى تناقضا ما بين ما يؤمن به من دين إلا نحن العرب .. فالعربي هو الإنسان الوحيد على
هذا الكوكب الذي يراد منه " التف " على قوميته .. أليس هذا مستغرب بأي حال ؟!
يتبع
|