رد:الأديبة الشاعرة أمل طنانة في حوار مفتوح بالصالون الأدبي يحاورها الشاعر يسين عرعار
[frame="15 98"]
العزيز يسين:
أعود معك إلى متابعة الحوار:
تسألني عن طفولتي ياعزيزي
فأخبرك عن فترة من حياتي مازالت تعشّش في ذاكرتي وتضيء على مراحل حياتي حتّى الآن..
أعترف لك أنّي مازلت متعلّقة بتلك الفترة إلى حدّ التّماهي.. أرفض أن أكبر..
كلّ شيء في ذاكرتي قابل للمسح إلاّ ذلك البيت الرّيفيّ الجميل، منزل جدّي لوالدتي - رحمه الله - في منطقة التّلّ في ريف دمشق..
هناك قضيت سنوات حياتي الثّلاث الأولى، وهناك كنت أغفو وأصحو على صوت جدّي الرّخيم وهو يرتّل آيات القرآن الكريم، فتطرب روحي، وتغمرني سكينة فريدة..
مازلت أركض خلف دجاجات جدّتي إلى الآن، وأنثر لها حبّات القمح وفتات الخبز، ومازلت أرافقها لحلب نعجتها المدلّلة وقطف حبّات الكرز والمشمش المكتنزة..
ومازال النّهر ينحدر من أمام البيت مرسلاً تأوّهاته، موزّعاً نقيق ضفادع اللّيل في كلّ الأنحاء..
بالله عليك: كيف لمن عاش في ذلك المكان أن لايكون شاعراً؟؟
عشت في بيت جدّتي أجمل سنوات حياتي لانشغال والدتي بعملها، إذ كانت مديرة لمدرسة إبتدائيّة.. ومن بعدها عدتُ إلى منزل والديّ في قلب المدينة لأتحوّل إلى تلميذة وأنا في الرّابعة من عمري.
في المدرسة الابتدائيّة عانيت كثيراً من كوني بنت مديرة المدرسة الّتي لايمكنها أن تقع في أيّ خطا أو إهمال، لأنّ المفروض في نظر والدتي أن أكون قدوة لتلميذات المدرسة ونموذجاً مشرقاً تفخر وتعتزّ به..
والحقيقة إنّي لم أخذلها في جانب التّفوّق العلميّ.. لكنّني كثيراً ما كنت أخذلها في الجانب السّلوكي!!
كانت سلسلة الممنوعات عند والدتي لا حصر لها..
فررت من المواجهة إلى الخجل والانطواء..
وانزويت عن الأطفال الّذين هم في مثل عمري، فلم أعثر إلاّ على الكتاب.
كانت المكافآت الدّائمة في جميع الإنجازات، من والدتيّ إليّ: القصص والمسرحيّات الشّعريّة !!
وهو الأمر الّذي لم يزعجني يوماً، بل على العكس..
تفوّقي في المدرسة ساعدني على معايشة عقدة الخجل والانطواء نوعاً ما، إضافة إلى تشجيع والدتي ووالدي - رحمهما الله - على المشاركة في المخيّمات الكشفيّة الصّيفيّة.. مع ذلك.. ظلّ الكتاب شغفي ومازال إلى اليوم..
الدّمى والألعاب والرّياضة كانت تلذّ لي بعض الأحيان، وظلّت تستهويني لبعض الوقت، لكن في الشّكل العام لطفولتي: لم أعشها كبقيّة الأطفال، ولا كما شاءت والدتي كذلك أن أكون!!
كنت بين بين....
الأشخاص الّذين كان لهم اثر على حياتي الإبداعيّة في الطّفولة أقولها لك بملء الفمّ:
والدتي ثمّ والدتي ثمّ والدتي...
آمنت بي في سنّ مبكرة وأمسكت بيدي، وآثرتني على نفسها وعلى راحتها..
رسمت لحياتي خطّها الصّحيح المناسب لقدراتي واحتوت جنوني بيديها، وقلّمت أغصاني الممتدّة يميناً وشمالاً..
ظلّت (نوره رمضان) تدافع عن جنوني حتّى آخر يوم من حياتها، ومازالت حتّى بعد وفاتها، تزيل الغبار عن كلّ ما أخفاه الزّمن والوقت عن عيون الحياة من جماليّات حروفي..
والدتي ياعزيزي يسين: كانت تسهر معي على كتبي حتّى وأنا طالبة جامعيّة، تطلب منّي أن أقرأ بصوت عال لتشاركني كلّ نبضة من نبضات الشّعر والحياة.
لاشيء أنا لولاها.. لاشيء...
الشّعر ياصديقي بالنّسبة لي عكس ماتراه، وقريب لما تراه:
هو ورطتك ونبضك..
هو بالنّسبة لي الأوكسجين الّذي يمكّنني من أن أتنفّس في أعماق الحبّ فلا أختنق..
ولذا فهو مخلّصي من كلّ ورطة، وهو كذلك مايوقعني في كلّ ورطة!!!
لكنّها مهنة الشّعر ياعزيزي: أن يوقع ويخلّص.. ويخلّص ويوقع..
هكذا يتناغم مع الحياة، وهكذا يصير شبيهاً بالحبّ..
يُبكي ويُضحك... إلى نهاية الزّمان..
أمّا شعراً فأقول لك:
أنا من تُرابٍ طوى جنّةً
لأوردةٍ لم تزلْ تنـزِفُ
وترسمُ أقدارَها عنوةً
وفنّانُها عاشقٌ مدنفُ
إذا أوكأَتْهُ خدودَ الرّبى
تجودُ بخُضرتِها رَفْرَفُ
وتُمضي الحياةَ على شأنِهِ
فتُجري لهُ الدّهرَ أو توقفُ!
[/frame]
|