أغنيات على الماشي !!..
[align=justify]
قمت دون مقدمات إلى شحرور الغندور وهممت بضربه على قرعته، لولا أن فر ووقف في الزاوية لاهثا مأخوذا يضرب كفا بكف وهو يقول: «لا إله إلا الله.. ما بك أيها الكاتب الصاحب وماذا جرى لحضرتك؟؟ قبل قليل كنت ـ ما شاء الله ـ بكامل عقلك.. فماذا جرى»؟؟ صحت غاضبا حانقا: «يا شحرور صرعتني وضيعت صفاء ذهني بهذه الأغنيات.. حرام عليك يا شحرور.. ما هذا الكلام المائع المعوج، وما هذه الخلاعة.. كيف تستطيع أن تسمع أغنيات كهذه بالله عليك؟؟ هل انحدر ذوقك إلى هذا الحد..؟؟.. صحبتك يا شحرور ما عادت تناسبني إذا كنت على هذا المستوى من الذوق الهابط.. ثم أريد أن أسألك من كتب هذه الكلمات التي تشبه الكلمات المتقاطعة»؟؟.
ضحك شحرور الغندور، وترك الزاوية وجلس قبالتي وقال بعد أن هز رأسه هزات تدل على الأسف: «مسكين أيها الكاتب الصاحب.. ما كنت أعرف أنك متخلف إلى هذا الحد.. هذه الأغنيات يا رجل أحدث أغنيات العصر في المنطقة العربية، وهناك شباب كثيرون يذوبون وجدا وهياما بها وبكل مطربيها.. يبدو أنك لم تنتبه جيدا إلى الانسجام الهرموني المنفتح على شعشعة الموسيقى الآيلة إلى التوهج»..!!..
قلت: «لا حول ولا قوة إلا بالله، ضاع شحرور وتاه..!!.. ما هذا الكلام يا ولد.. وماذا تقول؟؟ هل نسيت اللغة العربية؟؟ هل تريد حقا أن تبلبل أفكاري.. يا ولد حرام عليك.. كلامك هذا مثل أغنياتك لا طعم له ولا لون ولا رائحة.. بودي أن أخلع أذنيك حتى تستريح روحك من سماع هذه الخزعبلات»..!!..
وضع شحرور الغندور رجلا على رجل وقال: «تمهل أيها الكاتب الصاحب.. لماذا تريد أن تقف في وجه رغبات الشباب.. هذه أغنيات تناسب الشباب وتطيب لهم.. فما دخلك أنت بعد أن غزا الشيب مفرقك؟؟ هل تريد فرض وصايتك على أذواق الشباب.. كتاب آخر زمان»؟؟..
ضبطت أعصابي، ورسمت ابتسامة كابية على الشفتين، وبقي الحزن مطلا من عيني وأنا أقول: «أي شباب يا ولد؟؟ وأي أذواق.. أي شاب يمكن أن يرضى بهذا الخراب والتخريب للذوق..؟؟ الأغنية يا ولد تخاطب المشاعر والروح والأحاسيس والعقل.. فهل من المنطق في شيء أن نملأ الصدور والرؤوس بما هب ودب من كلام لا معنى ولا طعم.. من أين أتينا بأغنيات نصف الكم هذه.. الشباب واعون، ولا يمكن أن يطربوا للتفاهة.. لكن فكر يا شحرور بهؤلاء المطربين الذين يقدمون كل شيء إلا الطرب.. يا ولد علينا أن نحارب كل ما هو هابط.. علينا أن نضع الإصبع على الجرح.. كفانا لوما واتهاما للشباب.. نحن نقدم لهم أغنيات لا روح فيها ولا معنى، ثم نتهمهم ونلومهم ونكاد نحملهم أسباب كل الأشياء التي وصلت في تدنيها إلى الحضيض.. ننسى دائما أن الشباب في البداية والنهاية، يشربون من نبع أوجدناه نحن وأجرينا ماءه.. ارجع قليلا إلى الوراء يا شحرور.. حاول أن تسمع أغنيات الماضي القريب الممتدة في الحاضر.. هناك وجدان وعاطفة وجماليات رائعة يا شحرور.. الشباب الآن يسمعون هذه الأغنيات ويطربون لها ويعيشون أرقى الحالات الوجدانية.. ماذا تقول عن كل ذلك..؟؟ لماذا نتهم الشباب دائما؟؟ لماذا لا نقدم لهم أغنية راقية جميلة تخاطب الأحاسيس والمشاعر بتميز..؟؟ بالله عليك هل سيقولون لك لماذا تقدم لنا الأشياء الجميلة الرائعة»؟؟!!..
على ما يبدو اقتنع شحرور الغندور بما قدمت من حجج، لأنه نظر إلى اليمين واليسار، وفرك أرنبة أنفه، وحك حلمة أذنه، وهذه علامات تدل على موافقته كما أعلم.. لكنه من باب الجدل ليس إلا، قال: «أنت تريد أيها الكاتب الصاحب أغنيات تطول وتأخذ بطريقها الساعات.. أتظن أن الشباب، وهم في فورة الحماس والنشاط، سيقفون هكذا ساعة أو ساعتين وهم يسمعون أغنية واحدة.. هل هذا معقول»؟؟..
قلت وأنا أبتسم هذه المرة: «لا يا شحرور الغندور أرجوك.. أولا أنا لم أقل إنني أريد أغنيات طويلة أو قصيرة.. هات أغنية من النوع الذي حدثتك عنه ولتكن في دقيقتين.. ما المانع؟؟ المهم عندي يا شحرور الغندور أن تكون الأغنية راقية بكلماتها وموسيقاها وصوت مطربها.. أما المدة الزمنية، فهذا شيء آخر.. كل أغنية لها زمنها وامتداد وقعه حسب الموضوع والمحتوى.. وحتى لا تسأل عن لون الموسيقى ورتمها، أو السرعة والبطء فيها، أقول لك لا مانع من أن تأخذ الأغنية الموسيقى التي تناسب روحها.. صدقني يا شحرور، أنت وكل الشحارير الغنادير، لا شيء يبقى ويدوم مع الزمن إن لم يكن أصيلا جميلا رائعا.. أما هذا التهريج الغنائي، فلن يدوم ولن يقوى على الصمود.. الزمن لا يرحم ولا يقبل الغث في دورته.. والشباب يا طيب القلب يا شحرور ينتظرون دائما أن نقدم لهم الغذاء الروحي والثقافي الجيد، ولن يرفضوا في يوم من الأيام أغنية راقية جميلة عذبة.. والدليل موجود.. هناك مطربون يقدمون الأغنية الجيدة، وإن كانوا قلة، ودائما يلقون الإعجاب والتشجيع والحب والانتشار والذيوع.. هؤلاء يجب أن يشكلوا القاعدة، أما البقية فيجب أن يكونوا الاستثناء المرفوض منا ومن الشباب.. ولا أريد أن أسألك أنت.. لكنني أسأل الشباب: ألستم معي في ذلك.. مجرد سؤال؟؟....
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|