[طلعت سقيرق]

[align=justify]
دخل شحرور الغندور إلى الغرفة بعد أن دفع الباب دفعا وقال: عن أي شيء ستكتب أيها الكاتب الصاحب؟؟.. قلت: عن الضحك الذي ثبت علميا أنه يطيل العمر.. وأنا أحب يا شحرور كما تعلم سعادتك أن تطول أعمار الشباب وسواهم.. صاح شحرور ابن الغنادير مدلهما محتجا وهو يقول: عجيب أمرك.. لماذا تريد أن تطيل الأعمار وتمطها ألا يكفي عدد السكان الحالي وقد ضاقت بهم الكرة الأرضية أو كادت.. سامحك الله، أما سمعت عن ثقب الأوزون، والمجاعات، وأزمة السكن في كل مكان، والبطالة، والعزوف عن الزواج، والبكاء دون سبب واضح.. إضافة إلى هذا الغرق الغريب والاسترسال العجيب في التحديق الطويل بالفراغ.. هل كل هذا يدعو إلى إطالة الأعمار أم إلى قصفها؟؟ ثم كيف تريد من هذا أو ذاك أن يضحك، وعلى أي شيء..؟؟
قلت: إلى هذا الحد تكره الضحك والفرح يا شحرور؟؟ صدقا ما كنت أعرف ذلك.. بصراحة أمرك غريب..!!..
صاح وكأنه يريد أن يضربني لا أن يناقشني: اسمع أنت الغريب العجيب حقا.. فوالله لولا أنني أعرفك حق المعرفة، لقلت عنك مجنون أو نصف مجنون.. يا رجل ما هو المضحك وعلى أي شيء نضحك ولماذا؟ كل شيء يدعو إلى البكاء والنحيب.. انظر إلى ما يحيط بك وأجبني.. هل تعجبك المسلسلات.. الأغاني.. الصداقات.. الشعر.. القصة.. الموسيقى.. الوجوه التي تراها صباح مساء.. أعطني شيئا واحدا حافظ على صفائه ونقائه وجماله.. حتى الزهور صارت كلها اصطناعية لا رائحة لها ولا طعم ولا نكهة.. تستيقظ في الصباح مثل كل خلق الله، تغسل وجهك فيبقى مقلوبا، تمشط شعرك فيبقى منكوشا مستنفرا، تكوي ملابسك فتراها مكفهرة مثل خلقتك.. تخرج إلى الشارع فلا تجد من يقول لك صباح الخير، أو كيف حالك، تفتح الصحف فلا تقرأ إلا أخبار القتل والجرائم وكأن العالم صار غابة، أو كأن الصحف تحولت إلى مرآة سحرية لا تنقل إلا أخبار القتل والاغتصاب والسرقة.. لأن القراء المحترمين يحبون أن يقرؤوا عن مصائب غيرهم وأن يسمعوا نحيب سواهم!!.. أي ضحك يا رجل.. صار الواحد من بشر هذه الأيام «يريد جنازة حتى يشبع فيها لطم»!!.. أعطني صديقا واحدا تستطيع أن تستدين منه مبلغا من المال، ألا يختلق لك من الأعذار ما يكفي لاقتناعك بأن تعطيه القميص الذي تلبس شفقة ورحمة!!..
هل هذا زمن يسر أيها الكاتب.. وكيف؟؟ الأخ يبيع أخاه ويتبرأ منه إذا اقتضت مصلحته ذلك.. الصديق يخلع رقبة صديقه إذا حاول الاقتراب من منطقة مكاسبه الشخصية.. البائع يحلف ويقسم ويكاد ينوح ليقنعك أن بضاعته جيدة مع أنها سيئة… السائق يلف بك كل الشوارع ليوصلك إلى بيتك القريب كي يأخذ منك الأكثر، وعليك أن تكون كريما وتعطيه فوق ما يريد وإن نمت جائعا.. الأخبار تنقل لك كل شيء إلا الحقيقة.. فكيف تريد من الناس أن يضحكوا.. ثم لماذا يطيلون أعمارهم؟؟.. هات سببا واحدا لإطالة هذه الأعمار؟؟..
قلت: اسمع يا شحرور.. جاء دورك الآن لتسمع.. كل ما قلته صحيح.. لن أعترض على شيء.. لكن ألا ترى أنك تنظر إلى اللون الأسود وتطيل التحديق فيه..؟؟ لا أدري لما ذا أتذكر دائما بيتا لإيليا أبي ماضي يقول فيه:
قـال السـماء كئيبـة وتجهمـا قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
هل علينا يا شحرور أن نزيد مساحة السواد؟؟ هل علينا أن نقلب خلقنا وأن نسير مثل إشارات الاستفهام لتكون الأمور في أحسن حال؟؟ أرجوك يا شحرور اسمعني.. قيل «أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام» أعرف كما تعرف، وأرى كما ترى، وأعيش كما تعيش.. لكنني لا أستطيع مهما كانت الأسباب أن أتحول إلى «غراب» لا يطيب له إلا النعيق.. إذا كانت الأشياء كما تقول، فلماذا تريد أن تزيد في سوادها وحزنها و قتامها.. اضحك.. فالضحكة يا شحرور نبع مقاومة، نبع إصرار وتحد ومواجهة.. صدقني إن قلت ما أسهل أن تهزم الإنسان المصر على الكآبة.. لكن ما أصعب أن تكسر الإنسان المليء بالأمل والتفاؤل والحب والابتسامة.. هناك وقت ستحزن فيه وتتألم.. لا أستطيع أن أقول لك: هذا غير موجود، لأن الحياة تحمل اللونين.. لكن يا صاحبي الطيب يا شحرور أنا أتحدث عن تركيبة النفس والذات.. فإما أن تطبعها على التشاؤم والحزن والألم والشكوى من كل شيء. وإما أن تطبعها على التفاؤل والفرح والسعادة والأمل.. تستطيع أن تفعل هذا، وتستطيع أن تفعل ذاك.. فلماذا لا تكون مع النور والأمل بدل أن تكون مع الظلمة والتشاؤم.. مجرد سؤال يا شحرور؟؟
[/align]