رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة المقاومة:
في طأشجار البر"للشاعر ناجي ظاهر نقرأ:"وهناك حيث وقفنا ننتظر القادم / كانت أشجار البر / تعانق أشجار البر / وكان اللهب / يصير اللهب الخارج من صخر البرّ / دمنا"حيث الانفتاح على ألوان تستدعي الفعل المقاوم، وترسم الكثير من خطوطه وخطواته.. ولنا أن نرى إلى "القادم"بما يشكل من استدعاء للفعل والألوان، وهذا ما يجعل أشجار البر معبأة بصورتها التي توحي بالانتظار أيضاً، إلى جانب التفافها وعناقها بما يشكل مساراً يستطيع أن يحمي"القادم"الذي يحمل الفداء والتضحية والتصميم على مقاومة الاحتلال.
والصورة هنا لا تبتعد عن صورة الشاعرة وفاء بدوي في قصيدتها "العشق والعراء"حيث: "يا حقلي الرازح تحت العسف الغاشم / أبشر فالنور لسوف يبدد هذا الأثر القاتم / ولسوف تعج الأرض بألحان وأغان تتفجر / بزغاريد العيد الحسناوات سنسكر / بالأوف وبالموال ونفح العنبر" فاللون الأول الذي تتناوله الريشة لتضعه على مسافة ما في اللوحة يبدو قاتماً مليئاً بالسواد، لأنه لون "العسف الغاشم" و"الأثر القاتم"وطبيعي أن يكون مثل هذا اللون شديداً في ضغطه على النفس والمشاعر والأحاسيس، لأنه لا يترك فسحة من بياض أو نور.. نقترب في هذه الحال من ريشة تنقّط حزناً وألماً، ولكن هل كانت الشاعرة في صدد بناء مثل هذه الخطوط والألوان دون غيرها؟؟
طبيعي أن تكون قتامة اللون على هذا الشكل لنعايش فيما بعد كل هذا الانفتاح على الفعل"أبشر"بما يحمل من فيض يستطيع أن يبدد كل أثر قاتم. تنتقل اللوحة في هذا المسار للتفاعل مباشرة مع ألوان جديدة مغايرة تحمل ما تحمل من سرعة في الحركة وغليان في الجمال. ومثل هذا الانتقال يستطيع أن يمسح كل ما تركته الألوان السابقة من كآبة وحزن. وعلينا أن نعي هنا انفتاح اللوحة على انتظار القادم.
مع هذا القادم "تعج الأرض" بألحان وأغان تتفجر بزغاريد الحسناوات بالأوف وبالموال ونفح العنبر.. والصورة في غاية التوهج مع هذا الفعل "تعج"فهنا لا مكان لأي لون آخر، لأن الانتقال دفعة واحدة إلى كل هذا الغليان بالألحان والأغاني، وما شئت من صور الفرح، يقف مباشرة ليقول بسقوط كل ملمح آخر.. الشاعرة تضرب ريشتها ضرباً وتشبعها بألوان تفور بالضوء والنور والفرح، ثم تأخذ في إغراق لوحتها بكل هذا الإشراق، وكل هذا التفاؤل، وكل هذا التصاعد في جمالية اللون.مما يجعلنا أمام مساحة واحدة، هي مساحة هذا اللون المشبع بضوء الفجر.
إن المقاومة لا تخرج عن حالة بناء الذات في مواجهة الاحتلال، وحالة استحضار كل هذه الألوان الزاهية لرفد وتأكيد الإصرارية على المواجهة. وطبيعي أن يكون اللون الذي يرتسم في هذه اللوحة لوناً مقاوماً مليئاً بكل معاني التحدي، ولا نستغرب أن تكون الألوان قادرة على إعطاء شكل ومفهوم الفعل في المواجهة، إذ تكون بعض الألوان سلبية محايدة جافة لا تعبر عن حالة التحدي، بينما تكون الألوان الأخرى إيجابية متحركة مليئة بالقدرة على المقاومة، وهو ما رأيناه في هذه اللوحة التي رسمتها وفاء بدوي.
ننتقل إلى لوحة أخرى للشاعر حاتم جوعية تحت عنوان"من رحم المأساة ولدنا"فنقرأ:"من رحم المأساة ولدنا ورضعنا من ينابيع الفداء / ودرجنا صبية بين البراكين واللظى / والرماد / ونزعنا من عيون الأرض الشوك والقتاد / إني من الشعب الذي تعمد بالفداء" لنرى إلى ألوان تمتد بصورة دائرية لتصر على الالتقاء في النهاية كما في البداية. هنا يجدر الانتباه إلى لون يعمل على صوغ الإنسان العربي الفلسطيني وإعطائه هذه الهوية التي تجعله قوياً في التحدي والمواجهة والمجابهة..
فالشاعر يصر على الرضاعة من ينابيع الفداء، ليكون الحليب مشكلاً ومؤسساً للذات التي ترى الفداء طريقاً وحيداً، وهو ما يلتقي مباشرة مع الشعب الذي تعمد بالفداء، لنكون أمام فعلين رائعين في رسم ألوان الصوغ هما"رضعنا"و"تعمّد"وكأن الشعب الفلسطيني مسكون معجون بحب أرضه والإصرار على فدائها.
بين الفعلين"رضعنا"و"تعمّد"مسافة مليئة بالألوان الداعمة والمثبتة، فهناك "درجنا"بين البراكين واللظى، و"نزعنا"عن عيون الأرض الشوك والقتاد.. وهذا ما يجعل الشخصية المقاومة ذات حضور كبير وفاعل، تبدأ في الولادة من رحم المأساة، وترضع من ينابيع الفداء، وتدرج بين البراكين واللظى.. وهكذا..
إن الريشة التي تأخذ في تناول هذه الألوان، إنما تفتح العين بصورة رائعة على خصب في جوانب الشخصية المقاومة، إذ الألوان نتاج واقع معاش، كما الخطوط نتاج مقاومة يومية. ألا يذكرنا ذلك بقول الشاعر مالك صلالحة:
بين أوطاني وبيني منذ ميلادي اتفاق
إنَّ روحي لفداها سوف تبقى في سباق
[/align]
|