رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
[align=justify]
الصورة / اللوحة وحالة الامتداد:
في قصيدة "لو يصدق الخبر" للشاعر سعيد عقبة نقرأ:"وجاءت الأخبار من شمال / بأنها مضت ولن تعود / مواسم الديدان والآفات والحسكْ / وأننا سنضرب السككْ / لموسم جديد / لو يصدق الخبر / آه لأفردت على الدروب باقي العمر / مواطئاً ليخطو الربيع والزهر"لنعايش ونلامس هذا الأمل بمعانقة لون يمكن أن يعطي الأيام شكلها الجديد الخالي من الاحتلال والحزن.. لذلك كانت هذه الإصرارية على أن الألوان القاتمة قد زالت وأنها لن تعود. ويمكن أن نلحظ في هذه المساحة، أن الشاعر يرسم لوحته بشيء من التردد والخشية، وهذا ما يدفعه إلى ربط الألوان والخطوط بقوله"لو يصدق الخبر"وكأنه مليء بالشك.. ولكن انفتاح الريشة على هذه الأمنية "لو يصدق الخبر"يجعله يتطابق مع خطوة الربيع والزهر، وكل فصول النماء..
في اتجاه آخر، نقرأ في سفر التعامل مع الألوان، قصيدة"من أغاني الخروج من الوطن"للشاعر علي الصح حيث يقول:"على سلم الموت أدركني الجليل / وكانت أريحا / دمعة في العين / تهجرني / وكان النخيل / ينزّ من زيتونة القلب / يفر من يدي أصابعاً / وكانت دوالي الخليل / تمتد من حقائبي سياجاً / على درب الرحيل"حيث هذا الانفتاح على خطوط تربط الجسد وتقربه إلى الأرض بكل شكل ممكن. وهنا لا نجد لوناً زاهياً، أو صورة مشرقة، فالشاعر في حالة ابتعاد عن أرضه – وهي حالة تصور غير حقيقية – وفيها يطرح كل الضاغط النفسي والمعنوي، لنكون أمام حالة انكفاء حاد في الألوان، فأريحا تبكي، والجليل يدرك الشاعر على سلم الموت، بينما ينز النخيل من زيتونة القلب.. وهكذا.. لنجد كل قتامة الألوان وامتدادها الضاغط..
إن توظيف اللون على هذه الشاكلة يمكن أن يعطي شكلاً آخر من أشكال الإصرار على البقاء.. فالشاعر الذي يرسم لوحة الابتعاد عن الوطن، يبين إلى أي حد يمكن أن تكون الألوان ضاغطة وقاتمة ومليئة بالسواد في مثل هذه الحال. وهذا ما يجعل الرسم ذا وظيفة إيجابية، إذ لا يراد من اللون أن يقول بسلبية وقعه، بل يراد منه أن يكون محرضاً على البقاء والثبات والتشبث بالأرض..
ننتقل إلى اتجاه آخر نقرأه في قصيدة"المسافات عيون آدمية" للشاعر سلمان مصالحة حيث يقول:"مرة كنت وكان الفجر خلف الباب / طفلاً وهدايا / مثقل الخطوات في الثوب الجديد / يسترد البسمةَ الضاعت / وأحلام الطفولة / فتعيث النسمة السكرى / وفي الخصلة يمتد النهار.." فالامتداد هنا يتجه باللون إلى مسافة الطفولة لاستحضار جمالية مفقودة وغائبة في الوقت الحاضر، ولا يرسم الشاعر مثل هذه اللوحة لمجرد التذكر أو الاستذكار، إذ لا يمكن أن تمتد الخطوط في مثل هذه الوتيرة لمجرد التذكر، هنا نعي تماماً أن الريشة تنغمس في اللون لتنقل الماضي بما يعني فقدان المعادل في الحاضر، وهذا أمر طبيعي.. فالحاضر الذي ينظر إليه الشاعر، حاضر احتلال، لذلك فهو حاضر ألوان قاتمة كئيبة مظلمة. بينما كان الارتداد إلى الماضي، وبما يفتح الباب على الطفولة ذا ألوان رائعة في جمالها ولمعانها وإشراقها.. كانت الألوان في ذلك الوقت ذات حضور خاص، ولمعان خاص، وروعة خاصة..
وإذا كان الارتداد إلى الماضي يركز على جمالية الألوان المفقودة، فإن الانتقال إلى المستقبل يقول باستحضار أو عودة مثل هذه الألوان، في ذلك نقرأ قصيدة"حين قالوا لن نساوم" للشاعر باسم الهيجاوي حيث "حين قالوا / دقّت الأجراس وانبعثت شظيهْ / أشرقت في الفجر أنوار القضيهْ / صاحت الكلمات في ثغر المناضل / سوف ترسو الريح / ترتفع السنابل / في التفاصيل النديهْ" و"إنَّ ضوءَ الفجرِ قادمْ / لا يساومْ / في احتضانِ البندقيهْ"فكما يلحظ هناك إصرار على جمال الألوان القادمة والتي ستملأ العين والقلب، والشاعر في كل ذلك مصرّ على أن ضوء الفجر لا يمكن أن يساوم، لذلك فهو قادم من خلال المقاومة والتشبث بالتحدي والصمود..
لعل الالتقاء بين خطي الارتداد إلى الماضي والانتقال إلى المستقبل، يأتي من خلال صورة الحاضر الذي يصر على المقاومة. إذ لا يمكن للماضي أن يعود، وللمستقبل أن يأتي بعيداً عن فعل الحاضر وفاعليته.هنا تكون الألوان نابعة من كل حركة في الزمن الحاضر، ومهما كان الاتجاه إلى المستقبل أو إلى الماضي بمعنى الهروب من ضغط الحاضر وظلمة وظلام الاحتلال، فإن استحضار اللون المضيء لا يمكن أن ينفصل عن فعل وفاعلية المقاومة في الزمن الراهن، لأن أي انفصال يعني وقوع كل ألوان الماضي والمستقبل في حالة بعيدة عن إمكانية التناول والرجوع.
يمكن هنا أن نختم بلوحتين من الامتداد في اللون، الأولى للشاعر فاروق مواسي بعنوان"خوف"يقول فيها"أخاف إن بكيت / أن أحرقَ التي تخبأتْ / على مدارج العيون / أخاف إن صحوت / أن أمطر التي تجمَّلَتْ / على معارج الشفاه / أخاف إن عشقت / أن يرتدي محبوبتي الوطن / وعندها / ستبتدي الصلاة" والثانية للشاعر محمد حمزة غنايم بعنوان "إلى ولدي"يقول فيها:"تأتيك الفرس بتفاصيل صوتك / الفرس البيضاء فرسك / المرتفعة في فضاء اللون / تعبر بك عتبة الرجولة / من يسمعني / أتراجع عند مسارها / أسرّ لها بثقة العاشق / إنني هالك في المدار البعيد"..
[/align]
|