ثلاثية العذاب والفرح والخلاص
للشاعر: جبرا حنونة
(الوجه الأول)
قادمة مثل هدير الرعد..
مجلجلة حمراء.. تحدق في الأشياء بنظرات غاضبة
تنتفض من الأعماق..
وتزحف كالإعصار الجارف.. كالطوفان..
تقطع أيدي الشر..
تقاتل عفن الأيام المتراكم
تفتح أبواب التاريخ المظلم للأجيال..
وتصهر بالشرر المتطاير من عينيها حلقات الأصفاد
يدب الرعب بأسراب الغربان
فتملأ رحم الأرض صراخاً.. ونعيقاً
لن تنكرها حين تجيئك صارخة غضبى..
فتهيأ ملك الشجعان..
(الوجه الآخر)
تلمع كالبرق..
كحدّ السيف القاطع كالسكين
تتجلى عارية في وجه الشمس – وفي إشعاع الصبح
النافذة من كوّة كوخٍ
في ضحكة فلاح مسكين..
تزهو في الأفق مهللة
تتمايل بين حقول القمح.. تعانق أسراب السمّان المذعورة
تحضنها.. ترقص بين النرجس والنسرين..
طيبة مثل رحيق الزهرة..
صافية كمياه الجدول.. زاهية كالورد الأحمر في نيسان
وساذجة كالطفلة في عمر الأزهار..
كصوت فيروزي النغمة… يصدح..
تستقطر حزن الأيام.. وتعب المصلوبين
يتألق في عينيها فرح الأم الثكلى
تزهو أحلام الأطفال المسحوقين..
(اللقيا)
ظامئة يا ولدي للقائك منذ سنين
لم يعرف جفني طعم النوم
ولم أهنأ بطعام أو بشراب
لم يعرف قلبي الفرحة مذ غادرت البيت…
ولم تتكحل عيني
والأغراب على الساحات
وحول جدار الغرفة منتشرين….
يا ولدي.. نار الشوق القاتل أنقت كل عظامي
نور العينين خبا..
وسراج الزيت انطفأ فأشجار الزيتون احترقت
لكن يا ولدي جذر الزيتون المتعمق في جوف الأرض
سيبقى
والأشجار ستبقى واقفة "حتى لو ماتت"
آه يا ولدي.. كل مساء أغمض عينيّ
فأحلم أنك جئت تدق الباب
فأنهض كي أحضنك برمش العين.. أقبّل خديك
وأرمي هذا الوجه المثقل بالأحزان على صدرك
فتزول جميع سنيّ العمر المكدودة..
يا ولدي، حين يطوّقني زنداك وأغفو
لكن يا ولدي مهما ذقت من الحرمان
ورغم عذابي.. رغم شقائي.. رغم جميع الأحزان
ما زالت أحلامي ترقب يوم اللقيا
ما زالت مني النفس بصبح مشرق
حين الآهات تصير مواويلا
حين أراك بصدر البيت مشعاً.. كالفجر الريان
فيزهو وجه الصحراء المتعطش في صدري منذ الأزمان
(ملاحظة بسيطة جداً)
نستنتج من مجرى الأحداث
بأنا في عصر السرعة نحيا
في عصر الخطوات المتلاحقة.. وتغيير الألوان…
وتقول الجدّة أن دوام الحال محال
وتلمّح بعض تقارير الأخبار بأن حريقاً شبّ
ولن تقوى الإطفائيات على حصر النيران
* * *