رد: زمن البوح الجميل / رسائل بين الأديبة ليلى مقدسي والشاعر طلعت سقيرق
[align=justify]" للتأمل غموضه "
يقول القديس ـ اغناطيوس ـ:إن ساعة تأمل واحدة ، علمته حقائق كثيرة ، أكثر مما أفادته تعاليم رجال الدين جميعاً ..
تأملت الإنسانية ، وشعرت برعشة من الخوف لا أدري كنهها ، لأني وجدت أنها مبنية على خوف الإنسان من الموت ، فكأن بالإنسان يتأمل الموت فيعي الحياة ، ويخيل لي أن الموت لن يحدث إلا للذين هم خارج نطاق محبتي ، أما ما يعانقه حبي سيبقى إلى الأبد ..
" وعلى ضوء النجوم أفقت من تأملاتي وقد تبدى لي تمثال ـ الزهرة ـ آلهة الحب واقفة بين الشجر وقد سقط على انحناءة كتفها شعاع أزرق ، وعلى إحدى ذراعيها من الضوء مما جعلها تبدو كغصن يابس منحن ، ولكنها ساكنة سكونها الأبدي " .
وكان جمع من العشاق في ملابس زاهية اللون ، وزورق ينتظر صعود العشاق ، وزهور مجهولة الأسماء تعوم حول الزورق ثم تتفتح أوراقها لتقود سفينة العشاق ..
يبدو أنني حين أدخل أزمنة البوح بعد أن أكون خرجت منها لفترات. وفترات متباعدة .. أو متواصلة أحياناً ، أكتب بشكل لا واع لأني لا أفكر بألوان الصور التي يسلسلها الفكر التأملي، وبشكل لا واع أيضاً أنتقي الألفاظ ، وربما تكون أفكارنا اللاواعية أدق وأعمق لأنها حين تدخل المدرسة التحليلية تتعثر .. وتضطرب .
وقد قال ـ شاتوبريان ـ" يجب أن تكون طبيعة المبدعين قادرة على الالهام والحركة . فالأولى تولد الفكرة ، والثانية تحققها " .
أليست الفنون مترابطة ولا انفصال بينها ، إنما كل شيء لم يقل بعد وكل شيء لم نعبر عنه بعد..
لماذا تورطت معي للدخول إلى هذه الأزمنة الفوضوية ؟
وورطتك هذه جعلتك ملزماً أن تسمعني وأنا أتنقل في قاعات الأفكار ، والتأملات ، فنولّد فكرة . وننسى أخرى ، ونتعثر في التعبير أحياناً .. ونهاجر من أزمنة بوحنا أحياناً أخرى ويتجمد الصمت على شفاهنا ..
أحس هذه الأيام وأنا أترع كؤوس وحدتي ، وأشرب حتى الثمالة نخب الألم من مقلتي ، أنني فرع نخيل منعزل في صحراء والأعاصير تهزني بعنف ، وتتفتح على رمال المفاجآت من كل جانب ، فأحمل أمتعتي من المتاعب الزائدة وأنثرها في غياهب هذه الصحراء اللامتناهية ، لأثبت لنفسي أني أستطيع العيش بمفردي ، أليس هذا يعني أني أتمتع بحرية حزينة يا صديقي ، لأن الحياة التي حولي خلت من الشجيرات غير المتراصة ، غير المتماسكة بأرض الصداقة. ومعاني الإنسانية ، وما الصداقة التي يعيشها الآخرون إلا حالة من النفاق الاجتماعي ، لأن الشكل غير متناسق ومنسجم مع المضمون ، وكأن في هذا الزمن القلوب تحجرت ، والروح تجف وتذبل..
وقد قال أحد الحكماء :البوم يشبه الإنسان كثيراً ، مخالبه مخبأة تحت ريشه فالإنسان بشرِّه المخبأ تحت قناع تهذيبه الاجتماعي هو انعكاس لصورتنا في مرآة الحياة الحيوانية ، وفي الطبيعة لذا نكرهه ، ونحبه ، بآن واحد ..
وقد كان البوم في بعض العصور رمزاً ـ للحكمة ـ منذ / 2500 / سنة وقد صك اليونان صورة البوم المقدس على عملتهم مقروناً بأثينا ـ ربة الحكمة .. والبوم يملك أكثر العيون جاذبية وغموضاً وإثارة في العالم.
[/align]
|