[الشاعر الصارخ]

تراتيل لمراسم خدة التديكلتية

في ذكرى الشاعر بدر شاكر السياب

إهداء للشاعر محمد هاني

إذا حلّ جدب يثير الفناء
وشحّ المدى بهطيل السماء
و زاغتْ عيون تناجي الثرى
وفي عمقها قد تدجّى الفضاء
و نزّتْ جراح الهوى بالرؤى
تسعّر فيها اصفرار الشقاء
وبح القيثار بغصته
وذاب النشيد و جفّ النداء
و غام بعينيك هذا المدى
ورحن يحاورن فيه الرجاء
و بتن يناغين ظلّ السراب
ألا من هطيل ألا من وجاء
وهبّ النخيل على جرحه
يقاوم عنكِ رياح الفناء
فحتما أحثّ إليكِ الخطى
و أنشد فيكِ اخضرار المساء
و أحمل عنكِ صليب الرؤى
لنكتب للجيل سر البقاء
فنجواي أنتِ فلستُ أرى
سواكِ يخبئ سرّ النماء
***********************
أراكِ على سرّ ذاكَ المساء
خيالا يلوحُ كطيف السناء
مساء و ليس ككل مساء
وهل صدفة كان هذا اللقاء
أكنّا على موعد في ارتقاب
إلى قدر ساقنا في انتشاء

جلستُ إليكِ على لهب
من الشوق يفضي جوى الغرباء
وقد صادفتْ مقلتاكِ الهوى
بطرفي فولّتْ تنوء حياء
فأخبركِ الرمل أسرارنا
وبثّ لكِ البيد نجوى الدعاء
على آيسات من الليسات
يفجّرنَ في أصْغريّ الحداء
أبوح بسرّ أنا البدويّ
يخضّبني لون هذا المساء
أراكِ من العالم المستفيض
أظنّكِ مسكوبة من ضياء
فنجواي أنتِ و لستُ أرى
سواكِ حريّ بقلبي المضاء

************

دعيني أبثّكِ كيف أتيت
و ما قصتي مع آلاميا
خلقتُ على صخرة باكيا
وحيدا وظلّ الدجى ما بيا
أخبّئ للصبح فيَ الضياء
و يكبر دوح الهوى ناميا
يخدّرني الوهم في زمن
يساقي تعاويذه كاسيا
خوابي الهوى كلها نضبت
من الشوق أضحتْ رؤى خاويا
تسوق الليالي لها قصة
بكل مخاوفنا داميا
فيا للشقاء بأرض رأتْ
تهاليلها عربدتْ جانيا
أسري الهوى عن عيون الدجى
مخافة لو يرتجي شاديا

فما عاد في مستطاعي انتظار
و لستُ الذي ينتشي قاليا
فنجواي أنت و لستُ أرى
سواكِ يداري الهوى الحانيا

على ضفة الجدول المغدق
طيور تزقزق في شفق
تناشده رغم نأي الربيع
حنينا إلى العالم الأزرق
إلى مدن في المدى غربتْ
على زمن ضاع من شبق
إلى خدر سعدى و فاطمة
و دار لخولة في الغسق
تحج لها كائنات الرؤى
وتستبق الباب في نسق
وربع لخدة في جرحنا
توحّدتُ في ليله الوسق
تجشّمتُ في حبّها طرقا
فكل طريق لمفترق
تديكلتُ لولا اصفرار المدى
أطلّ على الناس من حدقي
و لولا ارتقاب عيون الخنى
سعيتُ لها بالهوى القلق
فنجواي أنتِ فمدي يداك
فأنتِ سلام الهوى العبق

**********************

لسحر عيونكِ لو تعلمين
يفيض فؤادي بما قد نوى
فأنتِ التي علمتني الحنين
كما علمتني احتراف الهوى

فهل يخبر الرمل قصتنا
لبدر السلام أظن روى
فيا ليل جرح أذاب الرؤى
ترامى على عرشه و استوى
يقاسمني الهم أطواره
و ما من كؤوس شقائي ارتوى
و في ربوة القلب أفق دجى
و في دوحة الذات غصن ذوى
أمدّ إليكِ يدا كغريق
إذا ضلّ صبح المنى أو غوى
فما العمر إلاكِ لو تسألين
أعيدي زمانا بحب انطوى
سلي القلب صبرا فحتما يصيح
صريع أنا لا أطيق النوى
فنجواي أنتِ و سرّ المنى
فلستُ أخال سواكِ الدواء

**********************

لعينيكِ ما يكتم الشفق
أيا قمرا راح يتسق
تحاوره ومضة في الفؤاد
إذا لفّها ليلنا الوسق
تعاوده الأعين الحالمات
إذا دمعها نزه الشبق
ضياء فهل تستضيء به
نفوس يحاصرها القلق
يخامرني فيكِ ألف سؤال
تضجّ به النفس و الحدق
فيذهلني حين تصلبني
عيون الورى كيف أنشرق
فتعشب أيامنا اليابسات
و تخضرّ في كفيَ الورق

فيخبرني النجم عن وجهتيك
إذا ضلّ قلبي فأنطلق
لعينيكِ سرّ إذا تشعرين
تذوب له النفس تنعتق
فنجواي أنتِ إذا تسألين
فيا قمرا كيف نفترق
******************
خيالكِ كالمبهم المشتهى
طوى حلما في مغيب السهى
فها يستدير الزمان بنا
و عن ذاتنا كل شيء سها
و ها شمسنا في الهوى كورتْ
وبارحها ضوءها عمـــه
حنانيك فالكون شاختْ رؤاه
وفارقه حسنه إذ شبــــه
سيفنى كما الصب عن ذاته
لتبقين ذاتا بلا منتهى
فطلي على دمعة عشقتْ
يقينا فخالفها المشتهى
جحيم هي الأرض لو تعلمين
خراب سفاها الدم السفه
جحيم بذاتي يراودني
فيؤسرها فيك لطف النهى
فجودي خيالا بذاكرتي
وجودي سلاما يعللها
فنجواي أنتِ وكل المنى
فلستُ الذي عن هواك لها
*******************
لعينيكِ ذكرى من العاشقين
وحلم تمدّد فيه الكرى

ودنيا من الحب أطيافها
تحوم على خفق هذا الورى
فحتما سيحملني قدري
إلى وجهة ضيّعتْ عمرا
فهذا دمي بات يسكنه
خيال لخدة بنت القرى
وخلف المراعي لنا قصة
نشى الليل من دمعها فافترى
سنمحو زمانا يفرقنا
بصفو زمان وثيق العرى
أقلتِ يخالفني زمني
فأنّى له أن يرى ما أرى
لئن كان وصلك يبغي الفداء
فلن أبرح الجرح مهما جرى
وأن كان دون هواك الجحيم
أبيتُ الرجوع إلى القهقرى
فنجواي أنتِ ولستُ أرى
سواكِ يناشد عشق الثرى
*******************
لنبض السواقي حنين الرباب
يبثّكِ قلبي لحون الإياب
و أوقد جرحي لدنيا النخيل
يضيء لكِ الدرب رغم الضباب
فهل تذكرين لقاء الهوى
على موقد النار عند الرحاب
مع السامرين بقصتهم
تهاوى لها النجم خلف الهضاب
فلاح عليكِ الشعاع الأخير
و تاهتْ بكِ الذكريات العِذاب
ولاحت لديكِ شموس الرجاء
تمسّح فيّ دموع الرباب

وسار بكِ الوجد في غفلة
لساقية الحب رغم العتاب
تبثينها قصة للحياة
بدنيا من الشر تهدي العذاب
ويصغي لكِ الطير في خفته
يساءل أوكاره في ارتياب
فنجواي أنتِ فحتما سنمضي
وحيدين نهفو لشط الإياب
***********************
أسير إلى وجهة و المدى
يذكرني فيكِ حفظ العهود
فأحمل وشما بذاكرتي
تنكّره فكر هذا البليد
ففي ملتي واعتقادي هواكِ
يغسّل روحي بطيب النشيد
فإنّي أضعتُ بهذي الرحاب
مواويل جدي وبيت القصيد
ولكن حبي إليكِ غدا
يهادن فيكِ صباحا وليد
كقصة جدي وسرّ أبي
فمن جرحنا يستفيق الوجود
كدنيا من الحلم في مغرب
تناولها شفق في شرود
يحاور عينيكِ في نشوة
فتهتزّ في خافقيّ البنود
فنجواي أنتِ ولستُ أرى
سواكِ قمين بحفظ العهود
*******************


تزمّل بالجرح هذا الزمان
وتاه بنا في كهوف الوجل
فعاندتُ فيكِ اصطخاب الرؤى
وأوقفتُ فيكِ انتحار الزجل
بعمري أمدُّ سنين الهوى
إذا قلتِ حقّا أقول أجل
فيحملنا الحب في صمتنا
إلى سدرة الحلم حيث نزل
وتخضرّ في الذات أشواقها
ويأفل نجم رعاه الدجل
كلانا يناصر إنسانه
كلانا يمسّحُ وجه الأمل
كلانا يغالب أقداره
بأحلامه رغم وهْم الأجل
فهذا الزمان استدار بنا
وما منتهاه اختصار الأزل
فأودع فيكِ احتراق النشيد
وأوقد فيّ قصيد الهبل
فنجواي أنتِ ولستُ أرى
سواكِ يدين بدنيا المثل