رد: عش رشيد الميموني الدافئ
[align=justify]
ما أعجب هذا الليل وما ألذه و السكون يسري بين ثناياه ليضفي عليه هالة من الغموض . سكون تحس معه بأصوات تأتي من عوالم أخرى .. ترانيم وأناشيد شجية تبعث في النفس مزيجا من المشاعر .. وهذا السحر الذي يبدأ مخاضه ليعلن بعد قليل عن ولادة نهار جديد .. يتضوع شذا و عبيرا ..
هذا السحر .. تتيه النفس وترتمي بين أحضانه منتشية بسهومه لتسرح معه في دنيا الخيال اللذيذ .. قد أكون الوحيد من بين الأحياء وأنا أجوب هذا المنحنى الذي ظللته الكروم و غشاه الضباب .. قد أكون الوحيد وأنا أتفقد كل ما أحببته وأسكنته قلبي و جوارحي . وربما يكون الجدول استثناء و هو لا يهدأ .. بل إن حركته و انسياب ماءه الرقراق في سكينة يشعرني أنه ساكن يتأمل مثلي .. أشعر أنه يعيش حبا سرمديا و هو يعانق الضفاف اللامتناهية . كل يعيش عشقه و شوقه ، ويحضن من يحب في ألفة وود قل نظيرهما .. تلك الشجرة الفارعة تنعم باحتضان أعشاش و أوكار لفها الدفء .. وذاك المرج الأخضر يستلقي أمامي في دعة و صدى نقيق الضفادع عند المساء الحالم لا يزال يتردد بين جنباته .. وحين أعرج على الصخرة لأجلس عليها من جديد أراها تنظر إلي بدلال .. وأتساءل : هل لهذه السعادة الغامرة التي أحس بها تملأ كياني حد ؟ هل يأتي يوم أتذكر في حسرة هذه اللحظات و روحي تنعم بسكينة قلما شعرت بها من قبل ؟ هل هذا من أثر الحب ؟ أهكذا يفعل الحب بضحاياه ؟ إذا كان ذاك حقا فما أسعدني من ضحية ، ولكم أتمنى أن أبقى رهين شباكه إلى الأبد .
حدثوني عن الحب وويلاته و آلامه و عذابه .. ولكني لم أجد لحد هذه اللحظة و أنا أوغل في السحر ، جالسا على صخرتي المفضلة وقد جللها الندى ، أي أثر لذلك العذاب و لذاك الألم .. هل يكون حبي نشازا لما هو متعارف عليه ؟
يلفني ضباب الصباح وهو يصحو متثائبا بين الربا ، وتشملني قشعريرة فيدفئني العشب المتسلل بين ثناياها . وأنظر ناحية البيت فتتراءى لي حليمة وهي في سباتها وقد انفرجت أساريرها عن ابتسامة عذبة .. ابتسامة حليمة عفوية لا تتغير بالزمان ولا بالمكان . مثلها مثل نظرتها البهية الحزينة .. أحلام حليمة بريئة براءة الصبا .. لا تتعدى ما حولها . تعيش حاضرها بكل عفوية وشغف دون أن تنظر إلى الماضي ولا ما سيأتي من الأيام .
آليت على نفسي أن أهيم على وجهي في البراري وقت السحر، لأعد لحليمة ما تتلهف لسماعه كل يوم .. أستشف ذلك في عينيها . ألمسه في نظراتها المفعمة بالحب البريء . نظرة تجعلني أنظر بنشوة و فرح صبياني إلى توالي الفصول الأربعة .. وها نحن نواكب الصيف في إيقاعه البطيء المتكاسل تحت شمس حارقة لا يلطفها إلا ظلال الأشجار المحيطة بالعش .. فلنعش الصيف بكل مباهجه وطقوسه التي لا تنتهي .
[/align]
|