الموضوع: الضيف الثقيل
عرض مشاركة واحدة
قديم 01 / 01 / 2008, 53 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
قاسم فرحات
أديب وشاعر فلسطيني ( صيدلي ) مشرف سابق في نور الأدب

 الصورة الرمزية قاسم فرحات
 




قاسم فرحات is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين

الضيف الثقيل

الضيف الثقيل
بعد يوم طويل من الأخذ والرد ، والسير على دروب الحياة المضنية، عاد إلى منزله.
فتح الباب،خلع حذائه الأسود، جلس على الأريكة وأسند رأسه إلى الحائط،ثم استرخى، وراح يطلق تنهدات حارة، كأنها خارجة من فوهة بركان.
كانت هذه هي الطقوس اليومية التي اعتاد سمير – وهذا هو اسمه – أن يمارسها، لكي ينزع عنه ثوب التعب والإرهاق الذي لازمه يوماً كاملاً.
بعد أن تتسلل الراحة إلى جسده،يتجه إلى كرسي صغير كان وضعه أمام طاولة حشبية، في زاوية الغرفة، وهذا كان مكتبه المنزلي الذي اعتاد أن يلجأ إليه مساء كل يوم لكي يكتب ما تمليه عليه قريحته من شعر تارةً ومن نثر تارة أخرى.

ألقى الكاتب الشاب بجسده النحيل على كرسيه الخشبي، أمسك قلمه، ثم بدأ بالكتابة ، و ما هي إلا برهة قليلة حتى اتجفت يده وتسرب الشك إلى صدره، ثم أطرق ساهماً.
في البداية لم يكترث للأمر فعاد إلى الكتابة، و ماهي إلا دقائق قليلة، حتى عاد للشرود والشك، عرف أن ضيفاً قديماً عاد ليزوره في هذه الليلة.
صرخ بصوت مسموع: " رجعت حليمة لعادتها القديمة، يالهذه الليلة، كيف أستطيع الاحتمال؟ ... "
اعتاد سمير في السابق أن يتخبط بين شكه ويقينه، فتتهافت عليه طيوف الأسئلة من كل حدب وصوب.
حينما يزوره ذلك الضيف الثقيل يبدأ بعزف سيمفونية " هل ؟ .. " وهل هذه تعني بالنسبة له قائمة طويلة ... عريضة، إلى حد الجنون أحياناً.
- هل فعلتُ هكذا ؟
- ربما لم أفعل ..
- هل وضعت ذلك الشيء مكانه ؟
- ربما نعم، وربما لا ...
- هل أغلقتُ الباب جيداً؟
- ربما نسيته مفتوحاً ..
- هل؟
- ربما ...
- هل؟
- هل؟
- ربما ...
وتستمر القائمة طويلاً حتى تنجلي الغيمة السوداء عنه، ويعود إلى نعمة الهدوء، وقد تسربت الثقة إلى نفسه من جديد.
تلك كانت حالته في هذه الليلة، لم يدر ماذا يفعل، ما إن يعاوده الهدوء، حتى تساوره الريبة.

آه و آه صاح الشاب وقد كان يتبادر إلى ذهنه كل شيء إلا الطمأنينة ، باتت بعيدة عنه هذه الليلة... !
لم يدر ماذا يستطيع أن يفعل لكي يستطيع الإفلات من دوامة الأفكار التي كانت تأخذه شرقاً وغرباً...
يحاول الهرب من شكه إلى جهة ما .. فيجد الشك أكبر في الجهة الأخرى، وهكذا يجد نفسه عالقاً في شبكة ليس لها بداية من نهاية،كأنها خيوط العنكبوت تكاد تخنقه .
بعدما قضى الساعات الأولى من ليلته مع ضيفه، توجه إلى سريره ببطء كما لو كان يجرّ بقدميه سلسلة عظيمة، فقد أوردته سهرته هذه موارد التعب والهذيان.
عندما وصل إلى سريره، وضع رأسه على الوسادة التي اشتاق إليها بعد يوم طويل.
في البداية لم يستطع سمير النوم، وما هي إلا لحظات قليلة، حتى غلبه النعاس، وراح يغط في نوم عميق.
في الصباح استيقظ وقد شعر بأثقال اللية السابقة تتسلل من جسده، نزل عن السرير، فتح باب الغرفة، شرع بارتداء ملابسه، ثم راح يبحث عن حذائه الأسود.
- أين وضعته في الليلة السابقة يا ترى ؟ ...
وماهي إلا لحظات قليلة حتي دخل في دوامة الأفكار من جديد.
19 / 2 /2007

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
قاسم فرحات غير متصل   رد مع اقتباس