الموضوع: لعنة الشمال؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 26 / 02 / 2008, 26 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
هشام البرجاوي
ضيف
 


لعنة الشمال؟

[align=justify]

عندما بدأت الولايات المتحدة و بريطانيا و حلفاؤهما غزو العراق، كان الحزبان الكرديان في طليعة العراقيين الذين ساندوا المشروع الإمبريالي و قبل ذلك بسنين عديدة، استغل الكرد انهماك الجيش العراقي في الدفاع عن وطنه ضد الأطماع الإيرانية لإعلان تمرد مباغت، انتهى إلى تهافت البرزاني و طالباني على نظام صدام حسين ليصارع كل منها الآخر. إن القضية الكردية في مدلولها الإنساني لم تشغل اهتمام السياسيين الكرد المشتركين حاليا في العملية السياسية، فقد اشتهرت علاقاتهما بالاحتراب غير المنقطع من أجل مناطق النفوذ في كردستان العراق و لم يبرز شعار الحرية و نضال الشعب الكردي إلا بعد استفحال الفوضى في العاصمة بغداد، حيث تحول الشمال إلى إقليم مستقل يمارس نفس الصلاحيات التي منحت له ضمن خطة الحكم الذاتي التوافقية مع نظام الرئيس صدام حسين، فقد كان النفط مؤمما و خصصت مداخيله لتطوير القطاعات الحيوية دون تمييز بين الطوائف و القوميات العراقية. بيد أن السياسيين الكرد استغلوا تأييدهم للغزو للحصول على الاستقلال السياسي و الإداري الشاملين و بإضافته إلى الحرية الثقافية السابقة تتشكل دولة كاملة الأركان . ما يوجد في شمال العراق حزبان سياسيان تصفدهما روابط مع الولايات المتحدة استثمرت لإزالة تاريخهما الإيجابي في معالمه الكبرى مع النظام السابق الموصوف بالدموية و السادية. إن لجوء مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى شمال العراق يكشف عن عمليات تنسيق و تكامل بين كرد العراق و كرد تركيا، و مما يبدو بديهيا في مثل هذه البيئة الأخوية العملية أن كرد العراق كانوا مستفيدين من نظام صدام حسين على المستويين العسكري و الثقافي.
إن العراقي غير الكردي الذي يرغب في زيارة كردستان يحتاج إلى جواز مرور و كفالة مواطن كردي و إقامة محدودة و كأن الاقليم دولة أجنبية. غير أن الإسهاب في نشر أباطيل مظلومية الشيعة و الكرد خلال عهد حزب البعث العربي الاشتراكي ضروري لمواصلة التبرير الفاشل لديمقراطية الرعب الأمريكية. و السياسة الانفصالية الواضحة للكرد تبين أن العراقيين الذين مجدوا الاحتلال ورطوا العرب السنة و الشيعة المعتنقين للاتجاه العروبي في الجرائم المزعومة المنسوبة للنظام السابق.
أحد أهم المواقف التي تظهر الطبيعة الكانتونية للمشروع الكردي الذي يتزعمه الحزبان،و قد آخى بينهما تأييد الغزو و الاستمرار في الهتاف له رغم المآسي التي حملها للعراقيين، هو استثمار الوضع الحالي للدولة العراقية من أجل الإنفراد بتدبير شؤون منطقة تابعة للعراق وفق كل الموازين القانونية و التاريخية. لكن اتهامات الإعجاب بالدكتاتورية و الإرهاب و كراهية الديمقراطية جاهزة لصد كل محاولات إنصاف تاريخ الحركة العربية القومية في علاقته بالمطالب الكردية و الأمازيغية و التركمانية و كل القوميات التي جمعها التاريخ و الجغرافيا و الطموح مع العرب على امتداد يمتلك مقومات الإقلاع الحضاري.
لقد كان صدام حسين الزعيم الوحيد الذي اعترف بالحقوق الكردية، و على الأقل فموقفه أفضل من مواقف الحكومات الإيرانية و التركية و السورية، و كان العراق أول من قدم للكرد استقلالا ثقافيا داخل حدود الدولة العراقية الموحدة ضمن سياق الحركة التقدمية، فيما يعانون في إيران و سوريا و تركيا من الإقصاء في اللغة و التعبير عن الرأي و الحرمان من ممارسة الثقافة، غير أن العالم لا يأبه بمعاناة الكرد إلا في العراق و تحديدا أيام الرئيس صدام حسين. العالم يرى بمنظار انتقائي، الكرد في كل المناطق التي ينتشرون فيها يرفلون في النعيم و الديمقراطية باستثناء العراق في عهد الرئيس صدام حسين.
إن من الجلي أن اقتراح الحكم الذاتي و تطبيقه انجاز متقدم للحكومة العراقية السابقة، و يتجاوز الإنجاز إلى التأسيس الاستراتيجي لاستمرارية وحدة العراق و تجانس أطياف مجتمعه باسترجاع مساهمة الجيش العراقي في حماية الحدود و المنطقة الشماليتين من التورط في رهانات تقوض الخطة التنموية التي ركز عليها النظام العراقي السابق.
إننا ننظر إلى قضية الكرد كقضية نضال شرعية، غير أن الصورة التي كونها الحزبان عنها تحولها إلى خطة انفصال تخدم الاحتلال، فالمشهد الأمني في وسط و جنوب العراق غير مستقر و من البديهي أن تحصل الولايات المتحدة و حلفاؤها على النفط من اقليم كردستان المستقر بالمقدار الذي يضمن امتصاص مخزونه النفطي العائد إلى العراقيين حتى الوقت الراهن، فقانون النفط المستحدث(السرقة الواضحة لمستحقات العراقيين) لم يصادق البرلمان عليه بعد، و قانونيا فإن التأميم لا يزال ساري المفعول. و طبيعي أن لا تمس الحكومة الحالية الإطار المعنوي للتأميم بعد أن أسهبت في خرقه على الواقع، فرعاية الوجود المعنوي لقانون التأميم يؤثر على الانعكاس الجماهيري شبه العدمي لحكومة الاحتلال الرابعة.
إن السيرة التاريخية للحزبين الكرديين لا تشير إلى ارتباطهما بثوابت قضية نضال و إنما تتأسس على صراعات شبه متواصلة بهدف توزيع مسؤوليات الحكم الذاتي الذي ضمنته بغداد، قبل سقوطها، لكردستان و لاقتسام السيادة على دولة كردستان التي صنعها الاحتلال الأمريكي. و كي لا نستغرق في استعادة المحطات التاريخية للحزبين، فإننا بالتزامن مع متابعة مستجدات الحملة التركية على الشمال العراقي، نتابع المفارقة الجسيمة في خطاب البرزاني حيث ناشد الرئيس بوش للتوسط شخصيا من أجل إيقاف العملية العسكرية للأتراك و هو يرفض طرد مسلحي حزب العمال. هل يريد أن يقنعنا بأن سيطرته على الاقليم لا تشمل نشاطات المتمردين؟ هل يعتقد البرزاني أن أمريكا ستضحي بحليف استراتيجي ثقيل كتركيا لمساندة سياسيين يرتبط وجودهم بوجود الاحتلال؟ أمريكا دعمت صعود رفاق أردوغان لإضفاء السمة الإسلامية على السلطة السياسية التركية و تكون النتيجة حرمانها من الالتحاق بالتكتل الأوروبي الرافض للعديد من مناحي خطة مكافحة الإرهاب الأمريكية. أم أن إطالة الصراع مع الطرف التركي يجذب الإعلام و المجتمع الدولي عن التركيز على العملية العسكرية الواسعة التي يشنها الجيش الأمريكي و أعوانه في محافظة نينوى و بخاصة في مدينة الموصل حيث اندلعت جرائم فظيعة بحق الشعب العراقي، و فيما يؤكد الموصليون أن مليشيات البيشمركة هي المسؤولة عن الكارثة الإنسانية التي وقعت في الزنجيلي و غيره من الأحياء الموصلية مرتفعة الكثافة السكانية، يردد الإعلام الحكومي اتهامه المعتاد للقاعدة و التكفيريين و الصداميين
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس