طبيعة الثقافة الصهيونية ـــ أ.د.حسين جمعة
رسخت الثقافة الصهيونية في نفوس اليهود عامة والصهاينة خاصة فكرة (الدولة اليهودية) أو (إسرائيل الدولة) وإنشائها في فلسطين دون غيرها من بقاع العالم، وأخذت تعنى بلمّ شملهم مما يعرف بأرض الشتات ـ لديهم ـ. وبناء على هذا الوعي شرعت تضخ في نفوسهم ثقافة منهجية لاستئصال الفلسطينيين من أرضهم، وربّت فيهم قيم التوحش والعداء للعرب والتخويف منهم، بعد أن كانت تؤصل مشاعر الكراهية للبشرية كافة حين تبنت مبدأ (الغيتو) أو العزلة عنها... وتعد فكرة توطين اليهود مكان الفلسطينيين وربطها بفكرة (أرض الميعاد) وبمبدأ التهجير القسري المدروس، ومبدأ الاستيلاء على الممتلكات أبرز الأسس التي تقوم عليها الثقافة الصهيونية مستندة ـ كما قلنا ـ إلى أوهام وخرافات دينية وأخبار ملفقة... ولعل هذه الأفكار لا تقل في تأثيراتها عن المصطلحات والمفاهيم، التي اصطنعتها لتدعيم هذه الثقافة مثل معاداة السامية، وبناء الهيكل. ثم أسست في المجتمع الصهيوني سلوك اليهودي المطارد بثقافة الاضطهاد والقهر فتبنت فكرة (الهولوكوست) ثم صارت الهولوكوست رمزاً للاضطهاد اليهودي في زعم الثقافة الصهيونية فازداد مجتمعهم حقداً على البشرية، وكذلك زرعت فيه ثقافة الانعزال والتمسك بإقامة دولته القومية... ولهذا نشأت فكرة الثقافة العنصرية الجماعية التي تجذَّرت في أذهان الصهاينة فرأوا أنهم مستهدفون من العرب ما أدى إلى اعتناق مفهوم التطهير للأغيار مبدأ أصيلاً فيها لا يزيده وحشية إلا ثقافة التعذيب التي مارسها اليهود الصهاينة بحق الآخر، الذي تعلم منهم فنون التعذيب كما حدث ويحدث من الأمريكان والبريطانيين في العراق. فالصهاينة تفننوا باختراع ثقافة التعذيب لقهر العرب الجبارين سواء بالتجويع والحصار أم بكسر الأيدي وكل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي أم بالاغتصاب وإهدار الكرامة البشرية، أم بالترويع بالكلاب وغيرها.
وإذا كان بعض اليهود قد اكتشفوا زيف ذلك كله، مثل المؤرخ الإسرائيلي (شلوموساند) في كتابه (اختراع الشعب اليهودي ـ The Invention the Jeuishpeople) الصادر في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن ـ الذي فضح أكاذيب الصهيونية العنصرية فإن هناك عدداً غير قليل من العرب لم يستطيعوا أن يكتشفوا ذلك، ولاسيما على الصعيد الرسمي، لم يستطع هؤلاء اكتشاف فتاوى الحاخامات التي تشرع قتل الأغيار من العرب؛ وهي فتاوى تستشري في الكتب المنشورة في داخل الكيان الصهيوني وخارجه. ولا شيء أدل عليه مما كشفت عنه صحيفة (معاريف) الإسرائيلية وتناولته الصحف العالمية (كالحياة اللندنية) في (10/11/2009م) بقلم أسعد تلحمي، أو بقلم حلمي موسى في (السفير) البيروتية بالتاريخ نفسه. ونشر موقع (كلنا شركاء) المقالين بتاريخ (11/11/2009). ومما ورد في فتوى الحاخام (يوسي اليتسور) قوله: "الأغيار الذين يطالبون بأن تكون الأرض لهم أولئك الذين يُضعفون بكلامهم حقنا في ملكية الأرض، مصيرهم الموت".
وهذه الفتاوى تطابق ما كان أجدادهم قد فعلوه، فكل "من يتبع للشعب العدو" عدوّ لا بد من سفك دمه في الحرب أو غيرها.
أما اليهودي اليميني المتطرف (فلاديمير جابوتنسكي) فقد رفض في كتابه (الجدار الحديدي ـ The Iron Wall) المنشور عام (1923م) أي تسوية مع العرب، ولا بد من تحقيق دولة يهودية بوساطة قوة الاستعمار الصهيوني الاستيطاني وهو الذي زعم أن التوراة نزلت محفورة على حد السيف.
وإذا كان (جابوتنسكي) قد مارس التطهير العرقي وفق الثقافة الصهيونية التي ورثها من (تيودور هرتزل) فإن ديفيد بن غوريون أحد مؤسسي دولة الكيان أكد عام (1937م): "أن التهجير الإجباري للعرب من سهول الدولة اليهودية المقترحة سوف يعطينا شيئاً لم يكن لدينا مطلقاً، ولا حتى خلال فترة الهيكل الأول والثاني". ثم أعلن في رسالة لابنه في العام نفسه أنه "يجب علينا طرد العرب وأخذ مكانهم، وإذا كان المطلوب استعمال القوة فلدينا القوة الكافية لاستيطان أراضيهم". ثم كتب في مذكراته عام (1948م) قائلاً: "يجب علينا أن نضرب الضربة القاضية إما تدمير المدن وإما طرد السكان لكي يأخذ شعبنا مكانهم". فالحيثيات التي تعتمدها الثقافة الصهيونية، ويتبناها الصهاينة هي حيثيات عبثية دموية، ودينية عنصرية أشد بطشاً وفتكاً من أي أيديولوجية نازية عرفها التاريخ، وبن غوريون نفسه يقول: "بالدم والنار سقطت يهودا وبهما وحدهما سوف تقوم"، وكذا قال مناحيم بيغن: "أنا أحارب إذاً أنا موجود".
لهذا كله لا نعجب إذا وقع الاعتراف من بعض الصهاينة حين يصفون الكيان الصهيوني بالفاشية والعنصرية كما رأيناه عند رئيس الكنيست الأسبق (أبراهام بورغ) إذ شبه إسرائيل بالشيطان في محاضرة في بلدة (مسغاف) في الجليل داخل الخط الأخضر له. ورأى أن إسرائيل ما زالت تعيش على رؤى الثقافة القديمة بوصف فلسطين (أرضاً بلا شعب، واليهود شعب بلا أرض) على الرغم من أن العالم والصهاينة أنفسهم تأكد لهم عدم صحة ذلك.
هكذا برزت الثقافة الصهيونية النفسية اليهودية في منهجها وآراء قادتها، لقد وحدت المجتمع الصهيوني على سحق الأغيار والقضاء عليهم بكل قوة دون أن تأخذ اليهودي الصهيوني شفقة ولا رحمة...
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|