كوخ و بطاقة انتخاب صالحة المفعول
[align=justify]كنت في حاضر الأزمان أجاور ألف كوخ يعطرني في كل صباح برائحة الحطب ، لا غاز كي أطبخ عليه وجبات الجمبري الممزوجة بالفواكه الاستوائية ، لا كهرباء كي أتنقل عبر الأقمار الاصطناعية على كثرتها فأمتع ناظري بحلقات مسلسل أخوة التراب و مسابقات " اتصل و حتما لا تربح "، حتى كلبي الألماني " بوبي "هرب ذات ليلة ماطرة ، لم يقاوم رائحة العظام المرمية ، تمنى أن يجد يوما عظما عليه بقية من اللحم ، لم يتحمل أكوام الطين المتكدسة فوق جلدهشعره الناعم ، عندما ولد في مدينة بون لم يلقن كيفية التعامل مع مستجدات الحياة التعيسة .
و لأنني متفائل حبة زيادة ، كنت في كل ليلة أتمتع بلون القمر الذي يرقب تعاستنا ، يدون مذكرة الشفقة على حالنا و أحوالنا ، طبعا و أكتب قصيدة قاتمة بحبر أسود .
بين كل كوخ و كوخ بركة من المياه العذبة – عفوا الضحلة - و لأننا و جرثومة "التفويد" من نفس التصنيف المحلي كنا نشرب منها و نغسل الأجساد النصف صدئة ، نبلل أطرافنا عند كل وضوء و نتيمم عندما يرفض المطر زيارتنا في الشتاء ، أحيانا كثيرة أشتري زجاجة بعد خصمها من قوت أطفالي ، و لأنها مثل المحرمات في حينا أدسها تحت إبطي مثلما يفعل السكير بزجاجة خمره .
الغبار يسكننا في كل نقطة من كوخنا ، يجر أواني الطبخ المتواضعة – قدر و بعض الملاعق – يزين الجدران بلون العتمة ، يسامرني عندما تصر الرياح على الصفير المتواصل .
سألني زائر لنا ذات مساء قائلا :
لما تصر على العيش في هذا المكان ؟
أجبته و الضحكة تتراقص على لساني
هل يوجد مكان فارغ في المدينة لأشباهنا ؟
نكس رأسه و تابع شرب كأس الشاي المنعنع
ولأنه سخر من كوخي الجميل سقطت عنكبوت في كأسه الساخن فقلت :
اشرب و تمتع بذوق الشاي بلحم العنكبوت .
أنا أشفق لحال من جلس على كرسيه يشرع - عفوا نائم في البرلمان- يرفع كلتا يديه مصوتا ، يوقع شهادات موتنا في أعالي البنيات الشاهقة، يركب سيارة آخر صيحة و ينفث دخان سيجارة "الماربورو" في الهواء ، يملأ بطنه بأطيب الأكلات ، و ينسى أو يتناسى أنني و كلبي لحد البارحة في الكوخ جالسين .
و لأنني أحمل بطاقة انتخاب صالحة المفعول إلى آخر العمر ، سأستقبله عند مدخل الحي بزهور الدخان . [/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|