رد: هل يجري الصراع على لبنان أم من أجله ؟!
من ابرز سمات المجتمع اللبناني أن مواطنه يختلف عن أي مواطن في أي بلد كان ؛
وإن انتماءه الشخصي ليس له قواعد ثابتة ، ولا دائمة .. أما الهوية ، فحدث ولا حرج .
فالانتماء ليس دائما للوطن ، لأن مفهوم الوطن عند كل شريحة من الشرائح لها مركباتها الخاصة ،
فالولاء للمرجع الروحي أولا والذي قد يُلزمه الرأي ولو كان أحيانا ضد مصلحته الشخصية!
والمراجع الروحية هي في الغالب ليست تلك التي في بيروت ، إنما في أماكن أخرى
قد تكون في النجف أو قم ، في القاهرة أو الرياض وقد تكون في " كابل " أو في روما .
ثم يأتي تعدد الولاءات والانتماءات تجاه الزعامات المحلية والتي في الغالب تعيش على إرث التاريخ ، وأي تاريخ
هو ليس تاريخ الوطن ولا حتى الكيان ..! فالوطن بالنسبة إلى الجميع يُقدس أو يُحب طبقا لقدرة أي فئة
على الإمساك بمفاصل هذا " الكيان " - فإن كانت له الهيمنة، قال في هذا أللبنان أشعارا، وأعتبر انه وجماعته
هو هذا أللبنان . وإن المواطنة " الصالحة " فيه ، إنما تخضع لمقياسه وفهمه لتلك المواطنة ..
ومن أجل ذلك فلسف التاريخ ، وركبّه ووضع نفسه في السياق – سياق التاريخ - حتى ولو كان تاريخا
مزورا كاذبا ومتناقضا مع تاريخ أو تواريخ مجموعات لبنانية أخرى ؛ لذا فلكل فئة كتابها وفهمها الخاص للتاريخ
وسوف نلاحظ مثلا ، ان كتابا يقول في الأمير " فخر الدين المعني الكبير " انه كان رجل الاستقلال
في فترة الحكم العثماني ، وكتاب آخر يقول انه كان عميلا للغرب !
من هنا، لا يمكن لأي باحث إلا أن يأخذ بالاعتبار هذه الحقائق عندما
يريد الحديث عن لبنان.. ولا يمكن لأي قراءة سياسية أن تستقيم
إن لم يُدرك صاحبها هذه الجوانب . لقد أخطأ الكثيرون من الكتاب والمحللين
العرب منهم والأجانب في الحكم على الأشياء والظواهر عبر تاريخ لبنان الحديث المليئة بالأحداث
وفشلوا نظريا في رسم أي صورة لمستقبل هذا البلد لأنهم لم يدركوا تلك العوامل التاريخية
المكونة لهذا المجتمع وباتوا أسرى لتقارير المخابرات والسفارات وما تفبركه الدعاية الصهيونية
بمختلف الوسائل ٍ.. ولا زال هذا النهج سائدا لا بل انه تعزز في مناخ الحروب والانقسامات
وغياب المحاسبة والقانون ؛ والشيء الأخطر هو إن معرفة اللبناني بتاريخ بلده هو ما " توافق عليه - سِرا –
بعض الكتّاب وأولئك المؤرخون بوحي من السادة المتسلطون .. وكان ما يُشبه الحرم الكنسي مضروبا
على تاريخ لبنان خارج تلك الحدود المرسومة بعناية فائقة "
:
وبكل تواضع أود وضع الصورة " المتناقلة " التي توضح التركيب التاريخي أو الأساس المكون لوجود
الفئات الأكثر جدلا في لبنان .. وإني لست مؤرخا إنما ناقلا لوجهات نظر مختلفة كتبت في تاريخ لبنان ..
وما الموجز الذي سوف أكتبه ما هو إلا محصلة لقراءات متواضعة أيضا أعتقد أنها ضرورية لأصل
لحديث السياسة والأحداث التي لها علاقة بأطراف " الصراع على لبنان " لذا فإني لن أدخل عميقا بل
سأتوقف أمام العناوين الهامة المرتبطة في هذا الموضوع :
- عندما حرر العرب المسلمون أخوتهم العرب الغير مسلمون في بلاد الشام
وساعدوهم للتخلص من الاحتلال البيزنطي الروماني ونشروا الدين الحنيف لم
يكرهوا الناس على تغيير عقائدهم مما ترك أثرا ايجابيا كبيرا على السكان المحليين الذين يدينون
بالمسيحية بمعظمهم ؛ والمسيحية في ذلك العصر كانت في أوج صراعاتها المذهبية فيما
بينها وتنقسم فرقا بسبب إختلافات جوهرية حول مفاهيم عقائدية ؛
الأمر الذي دعا السلطة الحاكمة – التي استقرت للأمويين – بالتدخل
- لفض تلك النزاعات - كل فرقة تريد من تلك السلطة التدخل لمصلحتها
- يا لمفارقات الزمن – !
( راجعوا كتاب " تاريخ الموارنة " للأب بولس ضو / صادر عام 1972 /
منشورات دار النهار اللبنانية )
كانت الفرق الأضعف تهرب لتنجوا بنفسها فتتخذ من المناطق النائية على
سفوح الجبال أو أسفل الوديان فتختار المنطقة الأكثر وعورة وعزلة فتسكنها طلبا للأمن ؛
فالموارنة الذين سكنوا حمص وحماة في شمال سوريا ونتيجة لظلم
" اليعقوبيين " تجاههم كانوا أول من تسلل الى الجبال المسماة جبال لبنان ..
فكانت تلك أول أقلية تسكن هذا الجبل . ( نفس المرجع )
- ونتيجة للصراعات العصبية التي اُلبست لبوس المذاهب داخل جسم
الدولة التي تحكم باسم الإسلام تسلل ايضا الى هذا الجبل عدد كبير من المسلمون " الشيعة "
فسكنوا الى جانب الموارنة - يقول كمال الصليبي ان منطقة كسروان لم يكن فيها مسيحي واحد
قبل تدمير أكثر من 73 قرية للمسلمين الشيعة على يد ابن قلاوون ثم تمدد الوجود المسيحي من
اليها أو تم " تنصير " بعض تلك القرى إتقاءً تغيّر مع الزمن .
في نفس الوقت الذي كانت فيه الطائفة الدرزية تنتشر والتي امتد وجودها من
شمال فلسطين مرورا بهضبة الجولان وجنوب سوريا وانحدروا حتى جبل لبنان .
- أما المسلمون الذين كانوا على مذهب " الدولة " فسكنوا المدن
والمناطق السهلة إذ إنهم لا يشعرون بالخوف ولم يمارس عليهم الاضطهاد
ولم يحتاجوا إلإتقاء؛ فالمضطهد والخائف على مصيره
من الزوال تُلح عليه حاجته إلى أن يُساكن الصعب من الطبيعة و يتحالف مع جهة قوية ليشعر بالأمن ،
فكانت كل أقلية من تلك ، تتحين الفرص لتتعاون إما مع السلطة الحاكمة
وإما مع سلطة خارجية قادرة على تأمين الحماية لها ؛ فنشأت تلك المجتمعات
على هذه الثقافة - ثقافة الاستقواء - ولم تفارقها لغاية هذا اليوم . راجع كتابيّ :
" تاريخ لبنان الحديث / لكمال الصليبي / و تاريخ سوريا ولبنان لفليب حِتي )
|