رد: هل يجري الصراع على لبنان أم من أجله ؟!
قالوا :
لقد عاشت تلك الأقليات عبر مئات السنين في تقلب دائم ؛ تخضع للسلطة الحاكمة
في حال قوتها وسيادتها وتتمرد عليها في حال ضعفها ، أو تذهب بعيدا فتتآمر
عليها وتتعاون مع أي أجنبي او أي قوة جديدة فتدفع الثمن في كثير من الأحوال ،
خصوصا الأقلية " المارونية " التي " ارتبطت بالغرب فكرا وعقيدة " !
فمنذ نشأتها وفي خضم الصراع الكنسي الدامي حول مفهوم " طبيعة المسيح
" انحازت هذه الطائفة الى الكنيسة الرومانية الغربية في روما ، والتي كانت تسيطر على قسم كبير من
القارة الأوروبية في نفس الوقت الذي كانت فيه الكنيسة الرومانية " البيزنطية " تحكم من " القسطنطينية /
وتسيطر على الشرق وفي القلب منه : بلاد الشام ؛ فإننا هنا أمام مجموعة
تدين بالولاء لكنيسة الغرب في حين إنها تسكن في الشرق وتحت سلطة
مختلفة بل سلطة معادية تتصرف حسب مصلحتها على الدوام .
استمر هذا الوضع حتى الحروب " الصليبية " فانحازت تلك الفئة
إلى جانب هذا الغربي قبل بدئ الحروب وأثناءها وبعدها ..
أما الأقليات الأخرى فلم تجد لها نصيرا تلتقي معه بالمبدأ والعقيدة ولا حتى بالمصلحة فعاشت بين مناطق
المسيحيين واختلطت معها ؛ ولهذا فلا تعجب إن زرت لبنان قبل الحرب ووجدت القرى المختلطة :
شيعة ومسيحيين ، او دروزا ومسيحيين ، وقلما تجد قرية فيها شيعة ودروز
أو سنة ودروز أو سنة وشيعة إلا فيما ندر وبسبب تحوّل بعض
العائلات إلى دين او مذهب آخر لضرورات أمنية ! فالتداخل الذي نشأ ما بين الأقليات - خاصة الدروز والمسيحيين -
قد خلق مع مرور الزمن مجموعة من المتناقضات عمل على توسيعها التدخلات الأجنبية التي كانت تعمل على خلق
بؤر للتوتر بين القليات تلك لتبرير تدخلها بالفعل .
فالدول الغربية بدأت تُعد العدة لوراثة ما أطلقوا عليه " الرجل المريض "
وأخذت كل من بريطانيا العظمى وفرنسا الدولتان الاستعماريتان تتعجلان القضاء على السلطنة
العثمانية فاستعانتا بالأقليات باكرا من ضمن عوامل عديدة سوف تظهر تباعا ؛
ولما كانت الدول الاستعمارية تمتلك ألأساطيل القوية ، لم تعد الطرق البرية تشكل
ذات الأهمية التي كانت في زمن الحروب الصليبية لغزو الشرق العربي .. ولما كان
شرقي البحر المتوسط الممتد من " العريش " عند الحدود مع مصر حتى " كليكيا "
عند الحدود مع تركيا يعج بالأقليات فالتقرب منها والتحالف معها ودعمها يعني
بالنسبة للمستعمر : امتلاكه لمفتاح الشرق كله عبر بلاد الشام ...
ولكن أولا وقبل كل شيء كان يجب على ذلك المستعمر تغذية الانقسامات الدينية ثم تحريض
الجميع على " الاستقلال " عن العثمانيين ؛ فالصدامات الأولى كانت ما بين الدروز
والمسيحيين في منطقة جبل لبنان عام 1841 وكانت نتيجتها آلاف القتلى والمشردين
وهدم عشرات القرى ولم تتوقف تلك المجازر إلا بعد انعقاد " مؤتمر دولي " قرر أن يفصل
ما بين الدروز والمسيحيين - أغلبيتهم من الموارنة - وقسم خلالها جبل لبنان الى
منطقتين ؛شمالية للمسحيين يحكمها مسيحي وجنوبية يحكمها قائم مقام درزي ؛ واعتبرت ان
طريق بيروت- دمشق هو الخط الفاصل ما بين القائمقاميتين .
إن هذا النظام " الإداري " المدعوم دوليا لم يحل مشكلة التعايش ما بين النصارى والدروز بل
ان صراعا درزيا – درزيا تاريخيا عاد ليطفوا على السطح وان صراعا آخر مسيحيا – مسيحيا في
المنطقة الشمالية بين العائلات الإقطاعية وبين الفقراء المُستغلين ...!!
وفي أقل من عشرين عاما ، وتحديدا في العام 1860 عادت الحرب من جديد ما بين الدروز والنصارى و
كانت اشد هولا من سابقاتها ولكن هذه المرة وصلت شرارتها إلى قلب دمشق والى مناطق حوران
وحاصبيا وغيرها من المناطق الداخلية لسوريا وتنتج عنها ردات فعل طائفية مقيتة ..!
وسوف نلاحظ ان التدخل الدولي الغربي كانيُحمّل السلطات العثمانية تبعات كل الأحداث
ففي حين كانت فرنسا تدعم الموارنة كانت روسيا تدعم الأرثوذكس وبريطانيا تدعم الدروز ؛
بعد تلك " المذابح " قامت فرنسا بالدعوة الى " مؤتمر دولي " لم تستطيع
السلطنة العثمانية رفضه بل انها حضرته بمشاركة كل من : بريطانيا ،
روسيا ، النمسا ، وبروسيا واتفقوا على : تشكيل قوة ( ردع ) !
مؤلفة من13 ألف جندي لإفادها إلى لبنان من اجل وقف المعارك ؛ غير ان فرنسا وحدها نفذت القرار
وأرسلت سبعة آلاف جندي بقيادة الجنرال " بوفور دوتوبل " !!
( وهذا يذكرنا بمؤتمريّ الرياض السداسي والقمة العربية في العام 1976 والمدعومان دوليا من أجل
تشكيل قوة ردع عربية مؤلفة من 40 ألف جندي فوحدها دمشق نفذت القرار وتراجعت الدول المتبرعة
بعد إرسالها لعدد من جنودها ثم سحبتهم تحت جنح الظلام بعد أشهر قليلة..! وسوف نأتي على ذكر ذلك لاحقا )
لقد سمحت تركيا للفرنسيين - لقاء صفقة ما - بترتيب ليس الوضع في جبل لبنان فقط بل ترتيب الأوضاع
في سوريا كلها ابتداء من جبل لبنان حيث قام الجنرال المذكور أعلاه بإلغاء نظام
القائمقاميتين وتم تعيين مسيحي حاكما على جبل لبنان وبدأت حملة " الإرساليات " الدينية الأجنبية بالانتشار سريعا !
انه نظام المتصرفية . هو ذا النظام الإداري الجديد في الجبل اللبناني الذي اقترحه الفرنسيون ووافقت عليه تركيا ،
والذي دام العمل به طويلا .. ولقد تمّ تعيين أول حاكم تركي من قبل الباب العالي في إستانبول ومسئولا أمامها
و يرأس مجلسا مكوّنا من 12 عشر عضوا ممثلين مختلف الطوائف الدينية على الشكل التالي:
اثنان عن الموارنة، اثنان عن الدروز، اثنان عن الأرثوذكس، اثنان عن السنة، اثنان عن الشيعة واثنان عن الكاثوليك.
وقُسّم جبل لبنان إلى سبعة أقضية . كل قضاء على رأسه قائم مقام .
(راجع كتاب اسد رستم : لبنان في عهد المتصرفية)
عند دخول القوات الدولية الى لبنان لوقف المعارك
وتثبيت النظام الجديد ! لم تلتزم الدول المشاركة الأخرى بما تعهدت
به بإستثناء فرنسا وقبضت على هذا القسم من سوريا ولم
تغادره إلا بعد ثمانين عاما تقريبا وذلك من تاريخ 1861 حتى 1943
وبعد ان ثبّتت إنفصال هذا الجزء عن الكيان السوري وأنشأت فيه
كيانا سياسيا يحكم فيه الموارنة بشكل رئيسي .
لكن السؤال : ألم يكن ذاك اللبنان كيانا سياسيا مستقلا كما يدّعي بعض اللبنانيون ؟ !
بالعودة الى تاريخ الدول ونشأتها ، وبالعودة الى أخبار الكرة الأرضية
عبر التاريخ كله ، لم يرد أن لبنانكان كيانا سياسيا قبل العام 1920 على الإطلاق .!
ولكن .. ماذا كان عبر التاريخ إذن ..؟ انه جزء من بلاد الشام لا أقل ولا أكثر .
أما فكرة الاستقلال السياسي ( عن سوريا ) فقد كانت تحث الخطى ، ودأب مجلس " المتصرفية "
على حث المتصرف ليطلب من الباب العالي توسيع حدود المتصرفية في الجبل لتشمل مناطق
ساحلية ، مما يعني ان المجلس المذكور وبتحريض من فرنسا كان يسعى
الى الإنتقال من الحدود الإدارية - اقل من حكم ذاتي محدود -
إلى نظام سياسي اقتصادي مستقل يمتلك منفذا بحريا ليصبح كيانا مستقلا !
ولم تكن ممانعة الباب العالي هي المعوق الوحيد لتحقيق ذلك الأمر وحسب ،
بل ان السكان المسلمون ( سكان الساحل السوري ) كانوا يرتابون في الأمر، ويعبرون تعبيرا واضحا
وصريحا عن رفضهم سلخ اي جزء عن الوطن الأم تحت اي ذريعة ... بل انهم كانوا على يقين أن سكان
جبل لبنان هم من غير مواطنيه أصلا ... فالموارنة قدموا من شمال سوريا في بداية القرن السابع الميلادي
وبعد الفتح العربي الإسلامي لبلاد الشام ؛ وان شفيعهم " مار مارون " ولد
وعاش ومات في شمال سوريا وبالقرب من مدينة حمص إذ لا يمكنك ان تجد اي اثر
لكنيسة في جبل لبنان تعود الى ما قبل هذا التاريخ ؛ تاريخ الفتح العربي !
فالموارنة هم الذين طلبوا حماية معاوية بن ابي سفيان ثم هجروا كنائسهم
ومكان شفيعهم في الشمال السوري وأتوا للسكن في تلك الجبال النائية !!
( يجري الحديث هنا عن الطائفة المارونية الكريمة وجغرافيا محدده
وليس عن باقي الطوائف المسيحية المتجذرة في مدن وقرى الساحل السوري )
مع انهيار السلطنة العثمانية في بداية القرن العشرين حتى نفذ الفرنسيون والإنكليز اتفاقهما في معاهدة
( سايكس – بيكو ) فتوسع الإحتلال الفرنسي ليشمل القسم الشمالي والشمالي الغربي من سوريا اما القسم الجنوبي
منها والذي ضم شرقي الأردن وغربيه / فأنشأ البريطانيون حين " إمارة شرق الأردن " وخرج الى العلن
وعد " بلفور " المشئوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين سيُعمل على حمايته منذ البداية ..
ففي الجنوب سينشأ كيانا في شرق الأردن يحكمه الأمير عبدالله ابن فيصل ؛ وسينشأ الكيان اللبناني ويُذهب ابعد من ذلك
نحو إنشاء كيان درزي يمتد من السويداء ( من حدود إمارة الأردن ) ويمر في الجولان حتى منطقة حاصبيا وصولا
حتى ساحل بلدة الدامور .. و كيانا " علويا " في شمال سوريا ويشمل مدينة اللاذقية الى جانب كيان للأقليات
ويشمل مدينة حلب ويضم الأكراد والأرمن وغيرهم من الأقليات كالكلدان والأشوريون .!
لا يحتاج المرئ الى سوق الكثير من الوثائق التي تُثبت ، ان المستعمرون الجدد
كانوا يدفعون الأموال من اجل إقناع كل منطقة تسكنها الأقليات على الجهر بطلبها من اجل " الإستقلال " الذاتي
فنجح الأمر مع الموارنة في جبل لبنان لكن الدروز في السويداء وجبل العرب بزعامة " سلطان باشا الأطرش "
والشيعة في جبل عامل بزعامة " أدهم خنجر " والعلويون بزعامة " صالح العلي " رفضوا التقسيم
وقاموا بثورات ضد المحتلين الفرنسيين وأفشلوه تماما .
فالموارنة في جبل لبنان فقد حصلوا على ضمانات من فرنسا ليس
فقط باستقلال ذلك الجبل ؛ إنما توسيع حدوده الجغرافية أيضا ...!
فتحقق لهم حلما في إقامة كيان سياسي مستقل لم يرفضه دروز الجزء " الكردي " / المستعربون /
لكن أمرا غريبا قد وجدناه قد يدعو للدهشة والاستغراب ، وهو ان رجال الدين الموارنة يريدون الأرض بدون سكانها المسلمون ؟!!
ففي اللحظة التي خط فيها الجنرال الفرنسي " غورو " خريطة لبنان الكبير "
احتج بطرك الموارنة " الحويك " على ان تكون مدينة طرابلس الشام ضمن حدود لبنان بحجة ان
عدد سكانها من المسلمين كُثُر فأقنعهم بتلك الحدود . لكن البطريرك وقف صارخا ( كما يقول كمال الصليبي )
عندما مرر الجنرال الفرنسي قلمه الرصاص على خارطة سوريا وهو يضع حدود هذا اللبنان فضم مدينة
دمشق لتدخل ضمن اراضي الكيان المزمع وقال : االا يكفينا طرابلس وصور
وبيروت وصيدا بمسلميها حتى تُدخلون دمشق ضمن خارطة لبناننا هذا ...؟!!
فقام الجنرال الفرنسي بتعديل الخط على الخارطة لتبدو عليها دمشق كنتوء
داخل الكيان الجديد وليبدو لبنان كله في خارطة الجسم السوري كجنين صغير في جسم الوطن الأم .
ومنذ ذلك التاريخ .. وإخوتنا الموارنة يعتبرون أن هذا اللبنان كان لهم بحدوده منذ ستة آلاف عام – هكذا -
لكنهم شكروا فرنسا ( أمهم الحنون ) التي أعادت الحق إلى اصحابه .. !
فهل سكت المسلمون خاصة " السنّة " عن عملية الانفصال عن سوريا ..؟!
|