رد: هل يجري الصراع على لبنان أم من أجله ؟!
[align=justify]
-250 ألف فلسطيني تقريبا / في ذلك الوقت / كانوا يتوزعون على عدد كبير
من المخيمات تمتد على الأرض اللبنانية منذ العام 1948 عام " النكبة "
وهم لغاية هذا التاريخ لا يتمتعون بأي حقوق مدنية على الإطلاق ،
أكبر شهادة جامعية لا تؤهلك للعمل حتى ولو ساعي بريد ؛ فما أن دق
النفير وفتح باب التطوع " سرا " ضمن العمل الفدائي حتى هب معظم
الشيب والشباب للالتحاق بالمنظمات الفدائية ؛ ولكون السلطة في لبنان
تعتبر نفسها على الحياد " وقوة لبنان في ضعفه " – مقولة حزب الكتائب -
رأت في تدفق الشباب نحو الأراضي السورية / مركز العمل الفدائي ومنطلقه /
خطرا يهدد سلطتها .. فقامت أول الأمر بالاعتقالات لكل مشتبه بالانتساب أو مؤيد
لقوى المقاومة الفلسطينية الناشئة ..سرعان ما تطورت الأوضاع وأدت إلى صدامات
صغيرة كانت تكبر كلما كبر حجم المسلحين وزادت قوتهم ؛ وتفاقمت الأزمة واتخذت
بعدا خطيرا عندما بدأ ت أعداد كبيرة من اللبنانيين بالتطوع ضمن المنظمات الفلسطينية المختلفة ،
وسيصبح جنوب لبنان المحاذي لشمال فلسطين المنطقة الأكثر سخونة بعد أن كشف أبناء الجنوب
اللبناني أنهم الحضن الآمن للفدائيين وأنهم الخزان البشري الذي رفد معظم الأحزاب الوطنية
والفلسطينية على السواء ، وأصبحت قراهم وبساتينهم
الأحراش وسفوح الجبال ومواطن الوديان ملاجئ الفدائيين الطبيعية ، وجغرافية المنطقة تساعدهم
على التخفي والتمويه مما كان يُسهل على المقاومين الدفاع عن أنفسهم ضد غارات الجيش اللبناني
عندما تقرر قيادته السياسية إلقاء القبض على مجموعة منهم انكشفت لأعين المخابرات ، أو مجموعة
كشفت نفسها ذاتيا دون تفسير أو مبرر .. ! أو عندما سيقوم العدو الإسرائيلي بالاعتداءات المتلاحقة والدائمة !
وبدأت الصدامات تتكرر وتتوسع كلما توسع العمل الفدائي على الأرض ، حتى انفجر الوضع في خريف
العام 1969 حيث ابتدأ من إحدى قرى الجنوب هي " مجدل سِلم " ثم امتد ليشمل كل الأراضي
اللبنانية كلها ،الأمر الذي دفع الحكومة اللبنانية تحت ضغط شعبي محلي وعربي إلى عقد تسوية
كانت بمثابة الكارثة بالنسبة إلى فريق من أللبنانين وبعيدا – انتبهوا جيدا – أقول بعيدا عن رأي النظام السوري!
عرف هذا باسم " اتفاق القاهرة " الشهير .. لقد جرى توقيعه في مصر وبرعاية جمال عبد الناصر ..
وهكذا فقد شُرعت أبواب جنوب لبنان لعمل المقاومة الفلسطينية التي لم تلتزم في أي يوم بالحد الأدنى من الاتفاق
والذي كان يعني مزيدا من الصدامات المسلحة أصبحت فيها المخيمات ومحيطها اللبناني مسرحا للحروب ولزمن طويل قادم !
لم تكن السلطة اللبنانية بطبيعة الحال سلطة مدركة للأخطار القادمة فسياسيوها انقسموا ما بين مؤيد
للعمل الفدائي وبين معارض بل أن بعض القيادات " السنية " كانت تتبجح بالقول بأن الفلسطينيون
هم جيش المسلمون في إشارات إلى ما كان يجري على جبهة حزب الموارنة – حزب السلطة - " الكتائب أللبنانية "
ومما فاقم الوضع سوءا تلك الصدامات المسلحة التي جرت في الأردن .. لقد عزم الملك حسين
على التخلص من خطرين يهددان نظامه : الحركة الوطنية الأردنية وأحزابها والمسلحين الفلسطينيين
وحلفاءهم الذين انتشروا في كل حيّ وزقاق فحقق الملك نجاحا باهرا في التخلص من الفدائيين بالرغم
من تورط الجيش السوري في المعارك وقيامه باحتلال أجزاء من شمال الأردن الأمر الذي دفع بالأمريكيين
إلى التهديد باستنفار أسلحتهم الذرية إن لم يضغط " السوفييت " - حلفاء سوريا - عليها من أجل
انسحابها وفورا . ثم سارعت مصر عبد الناصر مرة جديدة إلى عقد مؤتمر للقمة العربية لم تحضره
سوريا فأقفل الستار على جبهة أقفلت ، وفتح على جبهة سيمتد فيها الصراع طويلا هي جبهة لبنان .
رب سائل : أهل كان ذلك سيتم لولا مساعدة النظام السوري في انتقال الفدائيين إلى لبنان ؟!
ما كان ليتم إلا لدوافع تاريخية ومصالح سوف تظهر في المستقبل قدمنا إليها أعلاه وبشكل موجز ..
ولكن عند هذا التاريخ والذي سوف يكون تاريخا مفصليا في حياة لبنان وسوريا وفلسطين شيء آخر ؟
نعم ، شيء لا يأتي احد على ذكره أحد ! وهو إحدى أهم الخفايا للصراع المستتر والذي سوف
يَكشف مع الأيام تلك التعقيدات في علاقة كلّ من رئيس " المنظمة " بسوريا ويكشف أيضا الصراع
الخفي ما بين نظامي مصر وسوريا على أرض لبنان !!
ففي ذلك التاريخ 1969 – 1970 استفاقت الحكومة السورية على اتفاقين اجريا من وراء ظهرها :
الأول هو " اتفاق القاهرة " الذي نظّم ( كما هو مفترض ) العلاقة ما بين السلطة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية
بعيدا عن رأي سوريا ؛ وعدم حضورها لقمة القاهرة كان لغضب النظام وشعوره بأن وقع في شرك من الخداع ..
فحصار لبنان وإقفال الحدود المشتركة وخلق أزمة ما بين الحكومتان اللبنانية والسورية ودفع المئات من المقاتلين
بعد تزويدهم بالسلاح لمساعدة إخوانهم في المخيمات ومساعدة الأحزاب اللبنانية الوطنية ووضع النظام المتأزم
عربيا ودوليا وبسبب ما يفعله أو يقدّمه ..! ومع ذلك ، فإن حلفاءه في منظمة التحرير ساهموا في زيادة عزلته
عندما ذهبرئيس المنظمة ووقّع اتفاق القاهرة بعيدا عنهم .
أما الاتفاق الثاني - وهو الأخطر - هو الاتفاق الذي جرى ما بين الملك حسين ورئيس منظمة التحرير
قبل انعقاد مؤتمر قمة القاهر أو إثناءها عام 70 والذي تم بموجبه سحب المقاومة من المدن والقرى
الأردنية ووضعها في أماكن نائية في أحراش جرش وعجلون مما سهّل على جيش النظام تصفيتها
بالكامل ودفعها إلى الأراضي السورية على الحدود التي أصبحت بيد قاصفي الصواريخ من المنظمات
الغاضبة ، فالتدخل العسكري المباشر للنظام السوري في الأردن قد أتى على خلفيات عقائدية وعاطفية
أكثر مما كان تخطيطا مبرمجا له مراحل وأهداف .. فعشرات البرقيات المستغيثة والمعلنة كانت تأتي
من معظم التنظيمات سيما التنظيمات الكبرى منها والتي تحث النظام على التدخل " لحماية " المقاومة
ولوقف " المذبحة " التي يقوم فيها الملك وحكومته " ؛ ومع ذلك ، فتورطها هناك لم يأتي بأي نتيجة
في أي حال .. فلا بقيت قواتها ولا بقيت المقاومة ! ومع ذلك ، فقد تم تجاهل رأيها تماما عندما اتفق الملك
والرئيس برعاية مصرية وضعت المملكة الأردنية على طريق مختلف أو إنها أعادت لنظام الأردن دوره الطبيعي !
سوف نلاحظ هنا ، أن تغييرا " تكتيكيا " سيحدث في إدارة نفس الأزمات القائمة من قِبل النظام في سوريا :
لقد تغيّر النظام فيها ،أو لنقل لقد تم حسم الصراع الداخلي في النظام نفسه لمصلحة الأقوى
واعتبر أن الذي حدث ما هو إلا حركة تصحيح داخل النظام .. ولو أن المجال لا يتسع هنا للتفصيل
ولكن من الضروري تبيان الصورة ولو بغير تكبير :
فمنذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي وسوريا على تماس مباشر بقضية الصراع
وكيان العدو كان يخشى دائما من تلك الجبة "القلقة" بحكم الجغرافيا والتاريخ .
فسوريا على عكس مصر . جبهتها الداخلية في حالة تهديد مستمر
ولم تكن تتمتع بحكومة مركزية قوية ولا متماسكة ...فالانقلابات العسكرية كانت تطيح بكل عناصر قوتها
وان معظم الانقلابات كانت لا تطيح بالحكم فقط ، وإنما بالكادر العسكري و بأي منجز اقتصادي
بفعل قوانين التأميم و قوانين " الثورية الاشتراكية " .. أوقف التطوير في بناها التحتية .. ومع ذلك
فالصراع عليها كان يجري ما بين الهاشميين والمصرين والسعوديين ومن خلفهم !
ومع ذلك الانقلاب أو " التصحيح " برزت شخصية قيادية تتمتع بالصفات القيادية كما شهد
لها العدو قبل الصديق ، فحافظ الأسد عمل ونجح في تحويل ذلك البلد القلق بلدا مستقرا ودولة
مركزية صار يُحسب لها ألف حساب .. وبقيت قضية الصراع مع العدو قضية أساسية ولكن ليس
بنفس الأسلوب " المتهور " الذي أدى إلى تقهقر الجيش السوري وعجزه عن حماية المقاومة في الأردن
وليس بسوريا التابع والمتصارع عليها .. وليس بسوريا الضعيفة المُغيّبة الدور .. فالرئيس الجديد يؤمن
أن عدد سكان سوريا ومساحتها الجغرافية الصغيرة لا يتناسبان مع دورها عبر التاريخ منذ " إبلا " مرورا
بحكم الأمويين .. هكذا يقول بعض أشهر الكتّاب والمؤرخون امثال لوسيان بيترلان ، أريك رولو ، باتريك سيل وغيرهم ؛
فبدأ يضع الحدود " للتنظيمات الفلسطينية " لتكفّ عن ارتكاب الأخطاء وحتى لا تتحول دمشق كما كانت عمان .. ومع ذلك
فقواعدها كانت تُعزز على كل الأصعدة وعلى المستويات الشعبية وتحظى بالرعاية الرسمية
ومقاتليها يتسللون إلى لبنان فالتقى كما يقولون بذلك مع ياسر عرفات على نفس الطريق ولكن
لكلّ منهما هدف مختلف ؛ فعرفات يريد مقرا مستقلا بعد أن خسر عمان ..
وحافظ الأسد كما معظم السوريين يريد " السيطرة " على لبنان بعد أن كان الأخير مقرا
وممرا لمعظم أعداء سوريا فساعد عرفات بشكل غير مباشر بالسيطرة على هذا البلد
بالرغم من توجسه الدائم من ارتباط هذا الأخير بالنظام المصري وبالرغم من شعاره " القاتل "
: " القرار الفلسطيني المستقل " حيث شعر حافظ الأسد أن المقصود هو ب " مستقل " عن سوريا فقط
حتى لو آل هذا القرار إلى ما آل إليه !!
[/align]
|