رد: هل يجري الصراع على لبنان أم من أجله ؟!
في ظهيرة العاشر من رمضان الموافق السادس من اكتوبر عام 1973 /
وتحديدا في الثانية من بعد ظهر نهار السبت قامت القوات المصرية على
جبهة سيناء والقوات السورية على جبهة الجولان بهجوم عسكري واسع
وضع كيان العدو الإسرائيلي أمام مصير أسود ؛ فسارعت الإدارة الأمريكية
بمد جيش العدو بكل مستلزمات التفوق العددي والنوعي من السلاح فتغير
وجه المعركة ، وبدا النظام المصري في حالة ارتباك عطل " العقل السياسي
والعسكري وشل حركتهما بعد ايام قليلة من الحرب " / كما قال حينها الفريق سعد
الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري / مما دفع كيان العدو من تحويل الهزيمة
الى انتصار ثمرته كانت تطويق الجيوش المصرية في سيناء وعزلها فتدخلت أمريكا سياسيا
ودفعت الرئيس المصري أنور السادات إلى الموافقة على أول لقاء عسكري مباشر بين قيادتي
الجيش المصري والعدو أسفر في النهاية عن
اتفاق أولي مهد لاتفاق ثاني أطلق عليهما : " اتفاقيتي سيناء الأولى والثانية "
- قامت الدنيا في داخل مصر وفي الوطن العربي احتجاجا وتنبأ بعض رجالات مصر ومثقفيها ب أن
النظام المصري سوف يتجه نحو الصلح مع العدو ، وأنه سوف يتخلى عن واجبه تجاه القضية
الفلسطينية وأن الشعب الفلسطيني سيترك مع باقي العرب المحتلة أرضهم وحيدون لكون مصر " أم الدنيا "
الدولة الأكبر والأقدر وأنه لا مبرر أبدا لتك التنازلات التي سوف تفتت الساحة العربية وتمد من عمر كيان العدو لأجل طويل !
أما على الجبة المقاتلة الثانية التي وافقت على إطلاق النار والقرار الدولي 338 والمتضمن القرار 242
اللذان يدعوان كيان العدو للانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ولكن دون الوقوع في
فخ المحادثات المباشرة فتولى وزير خارجية أمريكا " هنري كيسنجر "
صاحب نظرية " الخطوة خطوة " على أساس شبر انسحاب ، متر صلح .. ! فاستدرك السوريون هذا المنزلق
وتم وقف المفاوضات واشتعلت جبهتهم مجددا لمدة 90 يوما حققوا بعدها أمرين في غاية الأهمية والخطورة
كشرط لوقف النار : الأول عسكري دفع بالعدو الموافقة على الانسحاب من مواقع هامة في الجولان المحتل
ولكن في المقابل كان قد تسلل إلى الأراضي اللبنانية وأحتل مزارع شبعا وكفر شوبا ومناطق في جبل الشيخ
الإستراتيجي ما زالت تحت الاحتلال . أما الأمر الثاني سياسي ، تعهدت فيه أمريكا بتنفيذ بعض الإجراءات الشكلية سنأتي على ذكرها .
كان يبدو الأمر طبيعيا بالرغم من التناحر الخفي بين النظم العربية ، فانعقدت القمة العربية في دورتها العادية
في الرباط في تشرين الأول عام 1974 وأصدرت بيانا عاديا في شكله ولكنه تضمن سطرا واحدا يقول :
" اعتبرت القمة أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني " ثم طلب البيان الرسمي للقمة كلا من :
" المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية
لوضع صيغة لتنظيم العلاقات بينها في ضوء هذه المقررات ومن أجل تنفيذها وأن تلتزم جميع الدول العربية بالحفاظ
على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعمل الفلسطيني. "
إن تلك القمة كانت - ويا للمفارقة – بدفع وتأييد أمريكي لمقرراتها ..! ولكن كيف وقفت أمريكا مع القرار الداعي
لوحدانية منظمة التحرير بأحقية تمثيلها للفلسطينيين ضد حلفاءها الأردنيين والمصريين ..؟!
وكيف تقاطع هذا الموقف الأمريكي مع الموقف السوري الداعم بقوة لهذا القرار .. ؟!
ليس مستغربا على ذاكرتي أن تحتفظ بصورة ممثلا مصر والأردن في تلك القمة وهما يهنئون وزير خارجية
سوريا حينها وليس ياسر عرفات على انتصارها في معركة تلك القمة لنزع هذا التمثيل الذي كان يشارك فيه
الأردنيون والمصريون باعتبارهما الدولتان اللتان كانتا تُفرضان حكمهما على الأراضي الفلسطينية في غزة
والضفة الغربية .. لقد وقع الفلسطينيون والسوريون بالفخ وإلا ما معنى أن تطلب تلك القمة مشاركة السوريين " في
وضع صيغة لتنظيم العلاقات بينها " كما ورد أعلاه ؟!
لقد بينت الأيام مدى قدرة المخططين ومهارتهم .. فأمريكا كانت تخطط لغسل يدي النظامين من
مسئوليتهما القانونية والأخلاقية ونهائيا تجاه القضية الفلسطينية فتوطن الفلسطينيون في الأردن
وتجنسوا دون إثارة أي ضجة ..! وانتهى النظام في مصر إلى وضع سور فولاذي لمنع دخول حتى
قارورة الغاز إلى الأراضي الفلسطينية .. ثم اعتاد قسم من الفلسطينيين على أن يلعب هذان النظامان
دور الوسيط ما بينهم وبين العدو ولا يطلبون منهما أكثر من ذلك ..!
فخطة تحييد مصر وتفتيت المشرق العربي كانا ضمن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب رمضان
ولن تنتظر أمريكا ولا إسرائيل اتفاقا آخر ما بين العرب يزيلان فجأة كيان العدو خصوصا عندما تحكّم العرب
- ولو شكليا – بأسعار النفط بعد إخضاع تصديره للسياسة .. ونجح العدو وأمريكا في إبراز أنور السادات
كمفاوض قوي لانت إسرائيل أمام مطالبه وتعهدت بالانسحاب التام من سيناء لكن الصورة الأصدق عبر
عنها أحد شعراء مصر حين قال : " يا ريس كفاية نصر خدت سينا وخسرت مصر "
وهكذا انقسم النظام العربي بين معارض ومؤيد وصامت ، والصامتون كانوا اقرب الى الموقف المصري
منه للموقف الآخر الذي قادته سوريا ؛ فتمحورت الدول " الرافضة " دون أن تفعل شيئا ..!
لقد حقق السادات مقولته الشهيرة " العرب بدون مصر صفر . "
أما السوريون فسيحصدون ثمن موقفهم الداعم للمنظمة دما وكرها وعداء ..!
لقد سيطرت منظمة التحرير سيطرة تامة على لبنان من أقصاه إلى أقصاه ، وحواجز المسلحين الفلسطينيين
امتدت لتشمل المناطق التي تسكنها الأغلبية المسيحية لوجود 3 مخيمات في تلك المناطق .. فتل الزعتر
وجسر الباشا ومخيم الضبية هما في قلب المناطق المسيحية بل في عمقها البشري ولم تكن تلك المخيمات
أقل تسليحا من تلك المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية من أجل " الحفاظ على الثورة " !
ولأن لبنان هو نقطة ضعف سوريا أشعل الأمريكيون والإسرائيليون أرضه في وجههم وعلى حدود عاصمتهم
لا بل في قلبها حين اشتعلت الجبهة السورية الداخلية نفسها بين قوى المعارضة تحت يافطة
" الأخوان " والنظام في حرب تشبه الى حد بعيد ما يجري في العراق من اغتيالات وتفجير سيارات
مفخخة امتدت إلى أكثر من مدينة و استمرت لسنوات قادمة .. !
ودون أن نُسقط ما كان يجري على الساحة الفلسطينية من تقاتل ما بين التنظيمات المختلفة تحت شعارات مختلفة
ما بين " رافض " وقابل .. للحلول السلمية .. ! فمنظمات " الرفض " كانت تدرك ان أشياء ما كانت تجري خلف
" الكواليس " لتدخل المنظمة في اطار العملية السلمية .. فنحن امام مشهد إجرامي دامي انفجرت فيه بلاد الشام
بأهلها بدأت في منطقة الضعف : لبنان بتناقضاته ، فأختلط ما هو مبيّت ما بين اللبنانيون أنفسهم ، وما هو مبيّت
ما بينهم وبين الفلسطينيون ؛ وما بين الجبهة " الرافضة " ككل يقابلهم جميع أجهزة مخابرات الدول الغربية
والعربية ولا سيما منها المصرية والأردنية .. وأنفجر الوضع المتراكم في 13 نيسان / مايو 1975 في ابشع
صورة عن حرب مجنونة / الجميع يقتل الجميع كأننا أمام مشهد يمارس فيه الانتحار الجماعي حصد في سنتيها الأول
200 ألف قتيل وجريح و 17 ألف مفقود ليصل العدد بنهاية الحرب إلى 32 الف مفقود عدا زيادة أعداد القتلى والجرحى .
ما قدمته كان لمحة موجزة عما تعيشه الساحة العربية وما آل إليه الصراع العربي الإسرائيلي عشية انفجار الأوضاع
في لبنان ابتداء من الثالث عشر من نيسان وهو التاريخ الرسمي أو المتعارف عليه لبدئ تلك الحرب ..
وما سأتحدث عنه لاحقا هو القراءة التي غفل عنها البعض أو تلك التي لم تُدون أصلا وهي إن صح التعبير
قراءة جديدة للتاريخ ولكن بشهادة رجل عادي يضع على سطورها حروفاً مغيبة لحقيقة مرة سوف تفاجئ الكثيرين
أطلب العون من الله لأضعها بين يديكم .
|