مذكرات روح و جراح عمر/ سلسة من الرسائل أبدأ كتابتها إلى روح أبي
[align=CENTER][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/187.gif');border:10px groove purple;"][cell="filter:;"][align=right]
إليك أبي في ذكرى رحيلك
نور أيها الغالي الحبيب يا نوراً انطفأ مبكراً و ترك العمر من بعده في ظلام وياعلّة وجودي الذي لا أجد منه غير سراب طيف وحب يسكن القلب والروح..
سراباً ملأ مدينة قلبي و نوراً انكسر مصباحه فسارت سفينتي على غير هدى في ديجور الحياة...
يا جرح عمري الملتهب الذي لا شفاء منه و ظمأ الروح الذي لا ترويه ينابيع العالم..
معظم الأبناء يا حبيبي يملكون من آبائهم رصيداً من الذكريات، يعرفونهم و يتذكرون تفاصيلهم و مفرداتهم..
أخذوا عنهم و تعلموا منهم وعاشوا تحت كنفهم حتى جمعوا رصيداً كبيراً من الذكريات لزمن الفراق يسترجعونه كلما التهب الحنين واشتدّ الشوق في الصدور، و أنت يا حبيبي رحلت قبل أن نأخذ أختي و أنا رصيداً من الذكريات نسترجعه في رحلة العمر و شاء القدر لنا أن تستقبلنا الحياة بفراق أصل حياتنا فتبتر أغصاننا الغضة في ذلك الحين عن شجرتها و يغيب نور وجهك عن أعمارنا لولا صور قليلة وميراث ملامحك التي انطبعت على وجوهنا لما تذكرنا حتى ملامحك..
منذ أن كنت صغيرة كان الجميع يخبرني أني أكثر الناس شبهاً لك بملامحي.. بنظرة عيوني و ابتسامتي و حتى بألوان الطعام التي أحب.. بمفردات لم أكتسبها بالعشرة و إنما بالفطرة و كتاب دائماً يسكن بين يديك، بانتصاب قامتك و طلتك المميزة ورثتها وأختي وكنت تعرف بها من مسافة بعيدة؛ أو كما كانت تقول والدتي طلة أمير توغر في النفوس المريضة الحقد..
الأطباع، بطول الصبر على الناس و احتمال الأذى وظلم الغيرة والغدر تطويه في صدرك المتعب دون أن تتفوه بكلمة، بطيب القلب و التسامح والحب الذي يكبر عن الكراهية والحقد...
أقتبس نورك زادي في الحياة من شفاه الناس و ذكرياتهم معك وعنك.. عشت أدور و أسأل كل من عرفك وعاصرك ليروي لي أخبارك و ليسقيني قطرة من إكسير الروح في الحديث عنك و قد اتفق كل من عرفك بعيدهم و قريبهم في وصفك:
" شاعر ملهم مذهل يرتجل شعره وخطابه ارتجالاً، سريع البديهة بصورة نادرة، إنسان نبيل بامتياز وقلب كبير يتسع لحب كل الناس حتى لمن تملؤهم ضغينة الغيرة و سواد شر الفشل أمام عبقريته و توقد الذكاء الذي يطلّ مشعاً من عينيه والكريزما التي يتمتع بها ؛ مهيب على صغر سنه بوسامة شديدة يزينها قوة الحضور وعذب الصوت و جمال مخرج حروفه..
خطيبٌ يعشقه المنبر و قائد بامتياز لأوركسترا الحروف شعراً و أدباً و خطاباً و حتى حديثاً..
يتنفس حيفا و ينزف روحه حزناً عليها و شوقاً لها لا يهدأ ولا يستكين..
يعشق فلسطين وقد كرس حياته واصلا الليل بالنهار لإنشاء منظمة التحرير...."
وقد سجلت إحدى صديقات والدتي على شريط تسجيل نعي التلفزيون اللبناني لك:
( بوفاة نورالدين الخطيب فقدت الصحافة في لبنان أحد أهم أركانها )
و قد اتفق جميع من حدثني
نور الدين الخطيب عظيمٌ لا يكرر نبوغ و موهبة نادرة..
هذا يا أبي هو الميراث الذي تركته لنا، سيرة عطرة كالمسك و وطن جريح مغتصب نتنفس همه و هاجس النضال في سبيله بالكلمة و بكل ما في نضال الحروف من متاح
ميراثك لم يكن لي و لأختي فقط و إنما ضمّ ابن شقيتك الأثير طلعت والذي كنت تراه ابنك الروحي حباً و شعراً و أدباً و الذي حمّلته أمانة هذا مذ كان طفلاً و قد حفظ حبك و حفظ أمانتك و أكمل من بعدك مسيرة الشعر كما تنبأت له
و كنا في حفظك و حفظ ميراثك ثلاثة: " بناتك وابن أختك "
و ها هو أيها الغالي الحبيب نور الأدب يحمل اسمك و صفتك و يرفع مشعلك ليكون منبر الشعراء و الأدباء و يكمل طريق الخير والحب و نصرة القضية الفلسطينية و التشبث بعروبتنا وقد أردنا طلعت و أنا و معنا كل الشرفاء و الأدباء من المخلصين أن نكون كلمة حق و راية أدب و جهاد قلم و ضمير أمة و نخوة قضية و حفظ قيّم و تراث و دين و مبادئ و كل غالِ في أمتنا يستهدفه الأعداء
باسمك و على روحك نرجو لك مثل أصحابه ثواب كل عمل إيجابي يساهم في البناء و يقف بوجه معاول الهدم..
كان الناس قديماً ينشؤون سبيلاً عن أرواح موتاهم لكن و لأن الزمن قد تغيّر و لأننا في شتات كل في بقاع و لأننا مستهدفون و ما عاد يجوز الركون، و لأنك أديب و شاعر جاهدت بقلمك و كنت مناضلا مخلصا لوطنك، أردنا أن ننشئ عن روحك صرحاً أدبياً و فكرياً نتمناه لبنة من لبنات بناء هذه الأمة و نهضتها.
و إلى اللقاء يا حبيبي في رسالة أخرى
ابنتك هدى
هدى نورالدين الخطيب
4 آذار/ مارس 2008
[/align][/cell][/table1][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|