[وليد مروك]

تبدأ الأحداث هكذا متتابعة بصمته المعهود .. تتراقص الزنابق على الجداول بنسمة الريح الخفيفة لتخرج له أصداءا تبهج و أخبارا تفرح .. هو ما تعود أن ينتظر كثيرا و يسأل عن موعد رحلته القادمة .. يفاجئه صوت أخيه الأصغر من بعيد يلهث و يلهث مناديا : سعيد جاءتك رسالة .
تتبدد كل أفكاره هذه المرة عنوة ويقول في نفسه : أي رسالة التي انتظرها مليا .. أي رسالة تلك التي ما أراد ان يراها .. أن يقرأها وهو ما قرر أن يترك وراءه كل علامات الاستفهام و التعجب .. هو ما أراد أن يرحل دون أن يقدم تعازيه لأهل القرية التي ما فارقها يوما .. مات شيخ القرية ممسكا بيده .. مات ووصاياه ما زالت تدق أركانه : لا تفرط يا عزيزي مهما كان حجم الذي يريدون .. من فرط مرة عاش منكسرا و مات مذموما .. لم يكن يدري لما كل هذه الأفكار التي تتبعثر و تتجسد وهويقطع وجه الغدير قافلا الى بيته ..
تسابق خطوات الأخ الصغير خطواته و هو ما زال يفكر في فحوى الرسالة .. ترى هل تكون المبتغى أم تكون المبتدى ؟؟
وبين هل و هل أهلت أمه ترمقه ترمقه بلهفة غير معتادة .. تنظر اليه و الى سكة الطريق وراءه علها تتساءل هل سيغادر الآن ؟
بين الكلمات و المآقي و الزفرات حكاية كانت .. لا تذهب بني .. لا تترك مكانك للذين يتربصون و الذين يتقمصون دور الشجاعة بالتلصص كي يصلون .. لا تترك للجبن طريقا .. مات الشيخ وفي البداية لم يمت الحلم .. لم يمت الأمل .. لا تقتل كل هذا ..
يدخل من الباب الأمامي نحو الطاولة ينظر الى وجه أخيه الصغير يضحك و يدور حوله و يقول : هيا افتحها الم تنتظرها طويلا .. هيا هيا .. ما أشد لهفة الصغار على استباق الأشياء .. ما أحلى أن تذوب في برائتهم بدون عنوان ..
تناول سعيد الرسالة ويديه ترتعشان رعشة الموت المباغت كأنه لم يردها .. بل أرادها .. لم يردها .. يفتح .. يبدأ بالقراءة :
السيد / سعيد .................... تحية طيبة وبعد
بناءا عى قرار .....................تم اعفاءك من أداء الخدمة الوطنية دفعة .................. نرجو التقدم لأقرب جهة كي تكمل اجراءات الاعفاء .
سقطت الرسالة .. أشرق وجه سعيد .. سيبقى لأن كل ما في الأرض يناديه .. سيبقى لأنه ما أراد أن يرحل لمن يناديه .. سيبقى متأهبا لأولئك الذين يخطفون الدفء من كل العيون التائبة .. سيبقى كي لا يفرط .. سيبقى كي لا يترك .. سيبقى سعيد