رد: قصيدة النثر والتواجد الثرّ
الأستاذ طلعت سقيرق...
قصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة
كما تعلم وأعلم شروطها«لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً لا قطعة نثر فنية، أو محملة بالشعر، شروط ثلاثة: الايجاز والتوهج والمجانية»
(قصيدة النثر) لا (قصيدة الشِعر). كيف يُجَدَّد الشِّعرُ عبر النثر؟! إن غلاة المتعصبين لقصيدة النثر واقعون في ورطة المصطلح نفسه، الذي كان عليه مأخذٌ في ما مضى لأنه
مصطلح أعرج، وعرجه يتعلّق بصدره، "قصيدة"، ثم هم اليوم لم يعودوا يعترفون بتلفيق المصطلح من مفردتين ذاتَي دلالتين متنافرتين، بل اشرأب مسعاهم الفوضويّ إلى إنكار عجزه: "نثر"، ليُسقطوا هذا المضاف إليه؛ كي يسمّوا هذا النوع من النصوص"قصيدة شِعر"، لا "قصيدة نثر"! وهذا تطوّر سافر الافتراء، اصطلاحيًّا ونوعيًّا معًا؛ من حيث هم لم يعودوا يحترمون الدلالة اللغويّة لكلمة "نثر"
أحببت أن أقدم لك قصائد نثرية وجدتها في أحد المنتديات بقلم..فخري رطروط
-1-
أنا و أنت
و مطر نيكاراغوا
ايمان في زمن الردة
-2-
فيك فرح العالم
و في حزنه
-3-
أنا و أنت
آخر اثنين في سلالة
تجري في دمها
المدن
و الغابات
و الأمواج المنتحرة
-4-
قبليني
كي ينهار
هذا الكون
-5-
قبلة واحدة
و يغادرني
بؤس العالم
كانت تلك ا"لقصيدة النثرية" لها ألحان موجزة مستقلة يعتمد فيها الشاعر على فن يحفظ به هويته نجده نوع من أنواع التلاعب بالقافية المقفاة قد أتمايل عليها قد تعجبني وتروي شاعريتي، قد تثيرني وتبث أحزاني.. لكني ما زلت على قناعة أنها تنتمي لقبيلة ما أو مذهب ما .. ربما لأني لا أكتبها...ربما لأني أقرأ وأكتب و النثر... الذي ألبسه ثوبي في كل عمل أدبي لي ...!
الاضطراب الذوقيّ، إنتاجًا وحُكمًا،وصلنا به إلى درجة العَبَث اللغويّ لتمرير أيّ شيءٍ باسم شيءٍ آخر، عن طريق استخدام المفردات اللغويّة بنقائض معانيها!
قصيدة النثر- عند التمحيص- تطويرٌ للنثر العربيّ نفسه أو تجديد فيه، فضلاً عن أن يكون فيها أيّ ابتكار؟! ذلك أن نماذجها كانت موجودة منذ أكثر من ألف عام، أي منذ العصر العباسيّ! غير أن هناك من لا يقرأ التراث، ولا يعرف التراث، وذلك شأنه؛ فإذا هو يظنّ أن الأدب العربيّ لم يولد إلاّ على يديه الكريمتين ومن بنات كلماته! وليس العجب من هؤلاء، فهم من أهل الأعذار، لكن العجب كلّ العجب ممّن هو على اطّلاع على التراث النثريّ العربيّ ومع ذلك يزعم أن قصيدة النثر تجربةٌ جديدةٌ وُلدت في القرن العشرين! كأنه لم يقرأ مثلاً لدى المتصوّفة أو غيرهم ما كانوا يسمّونه: المواقف، أو المخاطبات، أو المناجيات، أو الخواطر، أو الإشراقات! وهي قِطَع من الكتابات أروع أدبيّةً، وأعمق رمزيّةً، وأشعر نسجًا، وأبلغ لغةً، بما لا يقاس من كتابات هؤلاء المتهوّكين الجُدد، التي تغلب عليها الركاكة والجهل بأبجديّات اللغة والتعبير العربيّ السليم. إن جديدهم لا يعدو إذن الجرأة على الادّعاء، ونزق التخليط في المصطلح، والاستخفاف الذهنيّ والفنّي معًا، زعمًا بأن النثر قد بات تجديدًا في الشِّعر!
وإن موضوعك الذي ذكرته إنما هو شائع ...وأنا معك أن لكل عمل أدبي له فن، وإني أقصد بالاستقلالية... كأن أقول :"قصة روائية " أو "خاطرة قصصية" ..فكل فن له مسمى ... ربما سُمي بذلك لأنه ملحن بشكل موسيقي بسيط ..موجز، منتشر في الفنون الغنائية ..!
تحياتي وتقدري لأدبك الراقي
خولة الراشد
|