| 
	
		
		
			
			 
				
				وفاء...
			 
			 
			
		
		
		اغرورقت عيناها الزجاجيتان . فانبجس منهما دمع صاف كانبجاس لفظة حبّ . اندفع الدمع على خدود هي الفلّّ كان قد تشرّب من قبلات الورد . أطلت تحتاهما شفتان كانتا بمثابة معبدين نُحر عليهما تقرّبا سرب من الطير . تهزّها شهقة فتردّها وقد أطبقت الشفتان على صفين من جوهر حرّ. كان الدّمع كعصا أوركسترا كلّما تحرك هوت المعزوفة إلى أعماق الروح . تغتسل في مستنقعات الجرح  وتتنشف بسياط الوجع . 
شرعت عينيّ لكن صوتي خانني . يبدو أنّه استحى أن يبرح صدري مخافة أن يجرح جرح الدّمع أو يكلأ كلم النفس . أرقب فقط في صمت مشلول تراتيل الدمع و أصغي إلى مواويل نفس هزيل يخرج كضوء شمس في يوم غائم من فتحتي أنف جميل . كنت ما زلت تحت سلطة الدّهشة حين اجتاحني صوتها قائلا : 
- مريض أبو أبنائي .! 
فينعتق صوتي : 
- خيرا ...خيرا إن شاء الله . 
تخفض عينيها برهة ثمّ تصوبهما نحوي وقد رفعت حاجبها المخملي يمينا من تحت خمارها البني . علامة على أنّ الأمر قد انفرط وزنه . 
فيلحّ سؤالي : 
- مرض خطير ؟ 
تضغط شفتها السفلى بطرف سنّها الماسي . فتسمعك روحها معزوفة من الصّليّ قائمة في محراب الألم . حاولت عبثا أن أمرر على قطع وجهها المنصهر نسمات من الأمل حين قلت : وفاء...يا صديقتي إذا كان المرض بشعا فإنّ الله جميل . 
تزيد جملتي في انتحابها . وقد خالطت أنفاسها غصّات اهتز لها جسمها الغضّ . فتحركت مشاعري أكثر ووددت لو أضمّها لكني خشيت أن تكون برودة السنين التي فرقتنا أكبر من حضن لحظة جمعتنا بغتة . فاكتفيت بأن ربّت بهدوء طاهر على كتفها . وقد انعتق دمعي على خدي يسابق دمعها .  
تدحرجت الدموع عارية غير عابئة بالشارع ولا بعيون المارة التي كانت تتطلع الينا ثمّ سرعان ما تنحو بعيدا عنا . لأنّ الناس في مدينتي قد ملّوا الاحتكام إلى الدّمع . وقد  أحسست أنّها تريد أن تقاسمني سنين مرت بيننا صامتة حين قالت : 
- لقد انتقل للعلاج في فرنسا . وظلّ هناك ستة أشهر لكن يبدو أن المرض كان أقوى .. 
أسألها : والأبناء ؟ 
- كالجمر في الموقد .! ثمّ تضيف : آه ..لو تدرين حالي وحالهم .؟ 
ألتفت إلى الأرصفة من حولنا فأجدها باردة . و قد لجم الموقف فرس الزمن فتوقف ..ولم أدر إلاّ وصوتي يرتفع بالدّعاء : 
- أسأل الله العظيم أن يخفف عنه . و أن يرحم ضعفه  . 
فيأتي صوتها مستبشرا :  
- هو عبد تقيّ . حاج لبيت الله . لم يؤذ أحدا في حياته . الكل يدعو له بالخير . 
- خاتمة رائعة للصالحين يا عزيزتي . فهو يزكي اليوم من جسمه حتى يلق ربّا كريما . يسكنه إن شاء الله فسيح جنانه . 
و أضيف و أنا أضمّ ذراعيها بين ذراعيّ : 
- الصبر ...الصبر يا وفاء . والله إنّها خاتمة الأنبياء . 
فتضغط على نبرات صوتها وهي تقول : 
- لم أنسه يوما .!  
و يجيىء صوتي مستفهما : 
- لم تنسيه ؟! 
- نعم لأننا ...لأننا انفصلنا منذ زمن . 
يصعقني الخبر حتى كدت أسقط . و كم وددت أن أصرخ في الناس من حولي : 
- وفاء في زمن الخيانة .؟! . 
 
تنبيه : لقاء حقيقي و قصة واقعية . 
		
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
		
     |