| 
	
		
		
			
			 
				
				ريشة محاسبة
			 
			 
			
		
		
		 
 
ريشة محاسبة 
 
 
خرج من البناية التي يشرف على تصميمها ليشاهد أول إنجاز له في متتالية يجزم أنها لن تنتهي ، بدأت نظراته تتجه للأعلى في محاولة لمحاكاة كل طابق من الطوابق السبع وقلبه يمتلئ فخرا بإبداعه الخلاق. 
 
وقبل أن تبدأ نظراته بالنزول تدريجيا لاحظ شيئا غريبا يسقط عليه من الأعلى ؛ ربما حجرا وربما أداة رماها أحد العمال وربما سندانا كما في الأساطير ! 
 
حاول أن يبتعد عن هذا الشيء الذي يأبى إلا أن يسقط نحوه ، لكن لشيء ما تمسمر في مكانه وكأن حبلا شوكيا التف حول قدميه ويريده أن يواجه قدره ، إما الموت أو الموت ! 
 
وبين تفكيره بالموت والحياة بعد الموت بضع ثوان ؛ استذكر فيها لحظات حياته ، حاول أن يعدّ كم مرة علا صوته على والدته وصرخ بوجهها ، و كم مرة شتم والده لأنه تدخل في خصوصياته محاولا أن يثنيه عن ارتكاب المزيد من الأخطاء ، تذكر صديق طفولته الذي لطالما وثق به فطعنه وأفشى سره الذي كاد يودي بحياته ، تذكر تلك العجوز التي كان يلهيها بطلب شيء لا يريده ويسرق من دكانها الصغير رغم ثرائه ، تذكر أطفال حارته الذين كانوا يخافونه ويختبئون كلما رأوه قادما من بعيد ؛ كم مرة ضرب أحدهم ، تذكر معاملته القاسية للعمال الذي يشتغلون في البناية ، وتذكر ذلك البائع المتجول الذي لطالما رمى أغراضه أرضا بحجة أنه لم يعرف أن ينام من صوته العالي .  
 
ندم على أنه كان دائما يحب أن يدوس على الآخرين ، أن يحطم آمالهم ، أن يصعد على حطامهم . تمنى لو كان بإمكانه أن يرمم ما فعل ، أقسم أنه لو كان يعلم ما سيحدث اليوم لكان اعتذر البارحة لكل من آلمهم ومزقهم ، لكان قبّل جبين و يدي أبويه وجثى على ركبتيه أمامهما ، لكان أحضر هدية لكل واحد من أطفال حارته و لصديق طفولته ولتلك العجوز ، لكان اشترى كل الأغراض على عربة ذلك البائع المتجول ، ولكان أعطى كل عامل مكافأة مالية ؛ لكن لم يعد هناك مجال لفعل ذلك فحياته انتهت . 
 
جلس القرفصاء ووضع جبهته على ركبتيه ، ولف ذراعيه حول رأسه في استسلام للقدر .  
 
وما هي إلا ثانية ونيف حتى دغدغت رقبته ريشة ؛ يبدو أنها لأحد النسور المهاجرة ! 
 
 
فاطمه البشر 
 
 
 
 
 
		
 نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
		
     |