حدث أن
استيقظت ليلة أمس على غير عادتي، فأنا لم أشعر بالبرد ولم أشعر بحاجتي للذهاب للحمام، بل على العكس شعرت بدفء غير طبيعي، وحميمية فقدتها منذ زمن.
اغرب من هذا أني لم أضطر إلى إضاءة الشاحن كي أرى أمامي رغم أن الكهرباء كعادتها مقطوعة ، حتى أنني رأيت كل شيء في غرفتي واضحا كنور الشمس .
رأيت كتبي المبعثرة على اليمين، ورأيت فوقي بقايا عمر مضى، وعلى يساري رأيت الثياب التي أرميها عندما أخلعها وقد اختلطت مع الثياب التي بحاجة للغسيل، وأهم من هذا أنني رأيت العنكبوت وهو ينسج خيوطه في زاوية الغرفة العلوية.
أمسكت علبة السكائر، أخرجت واحدة من العلبة، وضعتها بفمي أشعلتها، وخرجت من غرفتي.
لم أجد القطط كعادتهم يستيقظون كلما استيقظت ويموؤون من الجوع، حتى قطي "لولو" لم أجده، ولم يقفز على كتفي مثل عادته، لكنني على غير عادتي لم أكترث .
وجدت نفسي في شارع عريض جداً، رملّي ، على جوانبه ورد منوع وأشجار، وكانت السماء صافية ومضيئة، ولم أعرف إن كانت الدنيا نهار هي أم إنها ليل، لكنني وجدت الشمس مضيئة وغير حادة، حتى أنني نظرت إليها، فوجدت لهب النار تخرج منها كأنها فقاعات صابون، أو كأنها ألعاب نارية، ووجدت حول الشمس ثمانية أقمار ونجمة واحدة.
وجدت صبية جميلة تلبس البدلة العسكرية، وتذكرتها: إنها نفس الفتاة التي عرفتها عندما كنت في الثانوية، يوم كانت لمسة يدها تساوي الدنيا والليالي العشر، هرعت لها كي اخبرها أن طعم نهدها يوم قبلته مرة لم أذق مثله، وأن كل النساء اللواتي عرفتهن كانت حلماتهن جافة وجرداء، لكنها لم تكترث لكل هذا بل اكتفت برمي عشر ليرات حديدية لذاك المتسول الذي يجلس على حواف الطريق، اﻷشيب ذو اﻷسنان المكسرة والذي ضيعه الزمان.
نظرت للأعلى:
وجدت على احدى الشرفات امرأة جميلة، إنها نفس المرأة المخمرة ، والتي لا يعرف شكل وجهها إلا زوجها وأهلها وأنا .
لا أعرف كيف وصلت شرفتها العالية، لكنها لم تكترث لي، بل اكتفت بوضع نتف الخبز على حواف الشرفة، وصحن ماء، أما أنا فكنت جائعا أكلت الخبز، وشربت الماء، وشكرتها وحلقت بعيدا بعبدا بعيدا.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|