منذ فترة تراودني رغبة بفتح هذا المنتدى للحوار حول آداب السلوك الاجتماعي وآداب السلوك التفاعلي في هذا العالم الافتراضي الالكتروني.
أعترف أني منذ دخلت هذا العالم الافتراضي منذ بضع سنوات أدهشتني الكثير من السلوكيات، لا أقصد فقط في نور الأدب، وإنما في المواقع والمنتديات ككل وبشكل عام.
سنوات طويلة في الغربة بعيداً عن الوطن العربي والاحتكاك اليومي تجعل المغترب يفاجأ بمدى التغيير الذي أصاب الناس في مجتمعاتنا العربية.
نحن العرب في الغرب نعيش على القيّم والأفكار والسلوكيات التي كان الناس عليها قبل هجرتنا ونحيط بهالة من المثاليات كل ما هو عربي.
لعل الناس في وطننا العربي لا يلاحظون مدى التغيير الذي أصابهم لأنه امتدّ تدريجياً إليهم ومن حولهم.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فأنا شخصياً عشت في مجتمع بعينه وفي الغرب كان احتكاكي بعرب من نوعي أو المتسمكون أيضاً بقيمهم التي أتوا بها، ربما لطبيعتي التي تأنف الاحتكاك بمن لا يتناسب مع طبيعتي ولأني أساساً لا أتمادى بالاختلاط وأحتفظ بحدود وبخط لا أسمح بتجاوزه بيني وبين أي إنسان.
حقيقة في زياراتي إلى لبنان كنت ألحظ التغيير في سلوكيات الناس كما في كل شيء، حتى أني ذات مرة قلت: " أتيت طرابلس مشتاقة لكني لم أجدها وافتقدتها في داخلها أكثر مما افتقدتها وأنا بعيدة عنها " وذلك لأني صدمت بالتغيير الذي طال كل شيء في المدينة وأهلها..
العرب بشكل عام مسلمون ومسيحييون متدينون بطبعهم وآداب الإسلام هي الآداب التي نشأنا عليها.
حين تتحدث لأحد عما يسمى بالاتكيت وآداب السلوك والتعامل يجيبك أحدهم: " لا يلزمنا لأن هذا من الغرب! "
قد تكون كلمة إتيكيت مفردة غربية تعودنا استعمالها للإشارة ولكن المعنى المقصود وهو: " آداب السلوك " وهذا انتقل للغرب عنا، فقد كان الغرب يعيش بأسلوب همجي حين كنا نراعي آداب السلوك ونحافظ على مكارم الأخلاق في كل شؤون حياتنا، والرسول صلى الله عليه وسلم سنّ للسلوك آداباً هي من أروع وأرقى ما عرفه الناس حتى اليوم كيف لا وهي أخلاق القرآن؟! وأخلاق رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وقد عرف قبل النبوة أنه ذروة الإيجابية مع قضايا أمته ، كان عضوا في " حلف الفضول " للدفاع عن المظلومين، ورفض كل صور الظلم، وأكل الحقوق بالباطل .. كما إنه كان حكم عدل في فض النزاعات والمشكلات التي تحدث بين القبائل والعائلات .. وكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلقًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا، وأوفاهم عهدًا.. إنه ـ ببساطة شديدة ـ كما وصفته زوجته السيّدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ ، يصل الرحم، ويحمل الكل، ويُكسب المعدوم، ويُقري الضيف، ويُعين على نوائب الدهر، فكان منذ طفولته أعظم الناس مروءة وحلماً وأمانة ، وأحسنهم جواباً، وأصدقهم حديثاً ، وأبعدهم عن الفحش حتى عرف في قومه بالصادق الأمين
كان دائم البِشر ، سهل الخلق، لين الجانب ، ليس بفظ ، ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا فاحش ولا عياب ، ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، ومالا يعنيه وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحداً ولا يعيره ، ولا يطلب عوراته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه ، كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعوا عنده الحديث من تكلم أنصتوا له ، حتى يفرغ حديثهم عنده وهو ينصت باهتمام، يضحك مما يضحكون ، ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه"
"كان سكوت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكير ، فأما تقديره ففي تسوية النظر ، والاستماع من الناس ، وأما تفكيره ففيما يبقى ، ولا يفنى وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ، ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمته ، والقيام فيما هو خير لهم ، جمع لهم خير الدنيا والآخرة.
وقد أوصى المسلم صلى الله عليه وسلم أن يكون دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه.
بل أن معظم ما نسميه اليوم بالاتيكيت الغربية إنما هي من آداب الإسلام التي وضعها لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى في الطعام والشراب، كيف نأكل مما أمامنا وليس من وسط الوعاء أومايلي غيرنا، وكيف لا ننفخ بالكوب ذلك النفخ الذي يخرج الصوت ولا نتحدث والطعام في فمنا، إلى السلوك في احترام الكبير والرفق بالصغير وعدم الاستهزاء أو المقاطعة في الحديث إلخ..
الخلاصة
توكلت على الله وفتحت هذا المنتدى (( آداب السلوك الاجتماعي )) وها قد وضعت المقدمة لحواراتنا ( ومشكلة عدم التفاعل مع الحوارات إحدى السلوكيات التي أود أن أفرد لها مساحة في هذا المنتدى) فأكثر الأمور جفاءا في السلوك المتبع من الأعضاء وإيذاءاً لنا أن نفتح المنتديات ونخدمها حتى تخدم الأقلام فيسجل العضو ويدخل فقط لينشر لنفسه ويخرج غير مكترث بأهل هذا المنتدى وحواراتهم التي يتوجهون فيها للأعضاء ولا ضيوفهم ، وإن كنا في منتديات نور الأدب لا يوجد لدينا ما في بعض المنتديات من شجارات إنما لدينا جفاء وذاتية تجعل كل عضو يدخل فقط ليكون له مساحة لكتاباته في منتدى أدبي محترم.
كل شيء في الدنيا كي يستمر يلزمه أخذ وعطاء، وربما لهذا عدد من المنتديات الجيدة أقفلت منتدياتها وحولتها إلى مجلات الكترونية تخدم أصحابها ، لأن المنتدى أساسه التفاعل وحين يصبح فقط للنشر لا تعود منتديات بل دكانة أو أرشيف.
هدى الخطيب