منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الجغرافيا والسياحة العربية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=13401)

أسماء بوستة 18 / 12 / 2009 04 : 03 AM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناهد شما (المشاركة 53737)
هناك مثل عندنا ( يلي ما تعرفه تجهله )
حقاً عزيزتي أستاذة أسماء ( القيروان مدينة رائعة وأذكر انني تعرفت عليها من خلال دراستي فقط ) لكن بالحقيقة الدراسة لا تغني عن زيارة هذه المدينة الجميلة , حقاً أتمنى زيارة تونس كلها وتكوني برفقتي وتعريفي على كل الأماكن الرائعة
ويسعدني ذلك وربما نتفق أنا والحبيبة بوران برحلة سياحية لتونس الخضراء وشكراً لك لتعريفنا بمدينة القيروان
دمت بخير

غاليتي أستاذة ناهد
شكراعلى كلماتك و صور القيروان عزيزتي...أهلا و سهلا بك ضيفة عزيزة مبجلة على القيروان و على تونس
و أنا تحت أمرك و أمر العزيزة الأستاذة بوران
أنتم تشرفوا و تآنسوا
محبتي

أسماء بوستة 18 / 12 / 2009 18 : 04 AM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
[align=justify] أعلام القيروان

كان الفتح الإسلامي في بلاد المغرب فتحا فكريا صاغه الإيمان وأنار شهرته أعلام خالدون هم أسد بن الفرات والإمام سحنون أئمّة المدرسة الدينية والقانونية السنيّة بالقيروان والطبيب الكبير ابن الجزار الذي سرعان ما ترجم إلى اللاتينية ورائدي النقد الأدبي ابن رشيق وابن شرف وغيرهم ممن تساووا مع الملوك والأمراء في كتابة تاريخ القيروان.

الأديب محمد الحليوي

(1907/ 1978)

هو محّمد بن عبد السلام بن أحمد الحليوي
من أعلام الأدب الحديث ومن روّاد التجديد
ولد بالقيروان يوم 3أوت 1907 وتوفي يوم 1 سبتمبر1978
وبعد تعلّمه الابتدائي بها ، انتقل إلى مدرسة ترشيح المعلمين بتونس العاصمة.
وفي سنة 1927 أحرز على شهادة انتهاء الدروس ثم دخل المدرسة العليا للّغة والآداب العربية.
وفي سنة 1930 أحرز على شهادة البروفي العربي.
وفي سنة 1940 تحصّل على الديبلوم الأعلى للغة والآداب العربية ،اشتغل بالتعليم في عدّة مدن وقرى من البلاد التونسية ثم تحوّل إلى التدريس في المعهد الثانوي بالقيروان.
وأصبح في سنة 1956 مديرا لهذا المعهد إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1970.
اضطلع بعبء الإنتاج في مختلف ميادينه وقد عالج الشعر والمقالة والترجمة، وعني خاصة بمعالجة النقد، وكان من أبرز أدباء تونس ومن أصدقاء أبي القاسم الشابي.
نشر في معظم الصحف والمجلاّت،( العالم العربي والمباحث والثريّا والجامعة والندوة والفكر).
كما نشر قصائده الشعرية في مجلّة " أبو لو "و" الرسالة". كما تولّى تحرير مجلّة التعليم العربي بداية من جانفي 1931، وتولّى من 1957 إلى 1959 رئاسة بلدية القيروان، وأصبح في سنة 1965 عضوا بلجنتها الثقافية .

مــن كـتبـه:
في الأدب التونسي – تونس 1969
رسائل الشابي – تونس 1966
مع الشابي- من سلسلة كتاب البعث 1955
القيروان في التاريخ والأدب :
كتاب محمد الحليوي ناقدا وأديبا 1984

عبد الّلطيف الطّوير

(ت. 1199 هـ / 1785 )

هذا الشاعر لم ينل حظّه من الشّهرة كشعراء القيروان الآخرين. وبالرغم من هذا الغبن الذي في العصر الحديث فهو من المترجمين في "إتحاف أهل الزّمان" لا بن أبي الضّياف والمذكورين في "مجمع الدّواوين التونسية" لمحمّد مخلوف و "تاريخ قضاء القيروان" لمحمّد الجودي.
نشأ بالقيروان وأخذ عن شيوخ كثيرين مثل الشّيخ عبد اللّه السّويسي الذي وفد من المغرب واستوطن القيروان ولازم علي باشا الحسيني.
اشتغل بالتّدريس في مدينة تونس ثم رجع إلى القيروان حيث تخرّج عنه أئمّة أعلام.
فقيه ونحويّ وبارع في علم الفرائض.
تولّى القضاء والإفتاء بالقيروان.

كانت له علاقة بالشاعر علي الغراب الصفاقسي إذ كانا يتراسلان أهمّ أخباره في "الكتاب الباشي" لحمّودة بن عبد العزيز.
شكا في شعره ما لحق القيروان وأهلها من أذى على أيدي حزب علي باشا بسبب مساندتها لعمّه حسين بن علي.
حاذق بالنظم، قادر على المطوّلات مجيد في شعر المناسبات.
نشر له ديوان بتحقيق أحمد الطويلي وصدر عن الدّار العربيّة للكتاب سنة 1981.

رثـاء القيـروان

بيد لها شقّوا (جيوب) ملابس *** صبغت بصبغ عتوّها وسمودهـا
لم تخش أهوال المعاد كأنّهـا *** بيـن المعـاد مقـرّة بجمودهـا
هجموا ببغيهم ديار عصابـة *** ألقـت قيـاد السّلـم بعد نهودها
فترى الكواعب بينهم وكأنّها الـ *** غـزلان بين قرودها وفهودهـا
هاتيك صارخة بأعلى صوتها *** فكأنّهـا فجعـت بنعـي ودودها
حنقوا عليها فانبروا لخناقهـا *** فأرتهـم المقصور من ممدودها
قد شفّها الرّوع المقيم فلم تزل *** ترتـاع حال قيامهـا وقعودهـا
أجرت عيون عيونها إذ قبّلوا *** باللّطـم والتخميش ورد خدودها
يـاليتهم لـو أمهلوها ريثما *** في نزعها تجري على معهودها
ما إن كفاهم كلّ ذاك فأدخلوا *** في نزعها تجري على معهودها
ما إن كفاهم كلّ ذالك فأدخلوا الـ *** أيدي إلى تفتيش حشو برودهـا


محمّـد مزهـود

(1929 - 2003 )

من فحول شعراء القيروان وأبرز ممثّلي المدرسة الكلاسيكيّة العربيّة فيها، نشأ بمدينة القيروان حيث تلقّى تعليمه الابتدائي بمدرسة الفتح التي أصبح فيما بعد من أشهر معلّميها، وواصل دراسته بجامع الزّيتونة بتونس حيث أحرز على شهادة "التّحصيل" سنة 1950.
لمع نجمه بإحرازه على الجائزة الثّالثة في مسابقة العيد الأوّل للاستقلال، ثمّ كان له حضور بارز في المناسبات الوطنيّة. وقـد نسج محمّد مزهود في شعره الوطني على منوال شعراء العربيّة الكبار ولا سيّما المتنبّي الذي كان شاعره المفضّل، فجاءت قصائده متنوّعة الأغراض ثريّة المعاني.
فإذا بالمديح يمتزج بوصف الطّبيعة والتغنّي بالوطن والبوح بذات النّفس ممّا يجعل قصيدة مزهود تشتطّ في الطّول رغم بحورها الصّعبة كالمنسرح وقوافيها المستعصية كحرف الطّاء ويمتاز الشيخ مزهود بأنّه واصل سنّة قيروانية قديمة اشتهر بها خاصّة إبراهيم الحصري وهي رعاية شباب الشعراء وتدريبهم على صناعة النظم وكان في ذلك معلّما بارعا وصناعا معلما.
شديـد في المحاسبة على صفاء اللّغة العربيّة ونقاوتها ممّا جعله لا يصطفي من الشعراء إلا القلّة التي تستجيب لشروطه النّخبويّـة، كما يظهر في مقدّمة قصيدته القافية حيث يهاجـم "المحدثين" ويصف منهجه في الشّعر. وهو من أطرف الأدباء في مجالسه الخاصّة، له أشعار كثيرة في الإخوانيّات ووصف المجالس، لأنّه سريع الارتجال، ولا يستنكف في هذا اللّون من الشّعر من المزج بين العاميّة والفصحى، له ديوان ضخم مازال ينتظر النّشر.

من إخوانيّاتــه:

مـازال للشّعـر هـاهنا ألـق *** وللشّذى في رحابـه عبـق
وللقوافـي الجلال مـا بقيـت *** في هذه الأرض ألسن نطق
تفضـي بأسرارهـا قوافلهـا *** وباسم سحر البيان تنطلـق
وهّاجـة النّـور عقـد لؤلئها *** يـرى بجيد الزّمان يأتلـق
قـد همت بالشّعر في روائعه *** يجلـى وريّا فحـواه تنتشق
تحيا بأنفاسه المشاعر لا الـ *** مطمـع يوحي به ولا الملق
تسمو بنفسي أسرار نفحتـه *** ويغمر الرّوح فيضه الغـدق
ينبوعه الثّرّ في اختلاجتـه *** ومـن بديع الإلهـام ينبثـق


حنيــن

يـا قيرواني منك شعّ هـدى *** ما كان يطمس فجره الكفر
يمتـدّ في الآفـاق منتشـرا *** لا البرّ يحرمه ولا البحـر
جرّي ذيول الفخر وابتهجـي *** ما زال يعمر ساحك الخير
وتحـدّي الدّنيـا على قـدر *** كبرا وما في خلقك الكبـر
تغـري بما تغري مباهجهـا *** ويقيـم في آفاقهـا الفكـر
السّحـر والإلهـام يذرؤهـا *** يـا بورك الإلهام والسّحر


محمّد الفائز القيرواني

(1902 هـ / 1953 )
يمكن اعتباره مثل صالح سويسي، شاعرا مخضرما، بمعنى أنّه همزة وصل بين عهدين رغم تزامنه، فترة من حياته، مع الشاذلي عطاء اللّه والناصر الصدام ومحمّد مزهود. إلاّ أنّه توفّي قبل الاستقلال الذي كان له أثر كبير في سيرتهم الشّعرية.
باشر التّعليم ثم تولّى إدارة مدرسة بالأسواق كانت تعرف بالمدرسة الصغيرة مقارنة ، بـ "مدرسة الفتح ".
يمتاز شعر الفائز برقة الديباجة وجنوحه للبحور القصيرة. ولا يعدّ الفائز من الشعراء المكثرين (انظر الدّيوان – إعداد عبد الرحمان الكبلوطي – الدّار التّونسيّة للنّشر – تونس 1977).

ذكـرى القيـروان

لا النّظم يرضينى ولا ما أنثر *** إن لـم تكن تلك الكواكب تنثـر
على أن أوفّي الزائرين حقوقهم *** وأصوغ فيهـم ما يروق ويبهـر
وقفت (مزاق) لكم كوقفتها وقد *** رجع المعـزّ لها وسيفـه مشهر
قامت تحيّيكـم بلابلهـا على *** تلك الطّلـول الدّارسات وتشكـر
حتّى ( زرود ) حيالها مترنم *** وعرفتـم الفضـل الذي لا ينكـر
صونوا ثراها أن يداس فإنّـه *** ضـمّ الألى فتحوا البلاد وعمّـروا


ذكرى ابن رشيـق

رأيتك في القرون الغابـرات *** تحلّق في سماء المعجـزات
تسـاق إليك أبكار المعانـي *** فتختار العذاري الساحـرات
وتكسوها من الإبداع ثوبـا *** قشيبـا من نسيج النيّـرات
شرعت لنا طريقا لو سلكنـا *** سواها ما اهتدينـا للنجـاة
حفظت الشّعر في سفر كريم *** غدا كالحقّ في أيدي الهـداة
بنيـت به قصورا شامخـات *** وحسبك بالقصور الشامخات
أقمت به عروس الشّعر كيما *** تصان عن الأكفّ العابثـات
عميـد الشّعر والشّعراء هيّا *** لمجلسـك الممتّـع بالغـداة
إلى دار المعزّ نجـدّ سيرا *** حثيثـا فوق متن الصافنـات


القــزّاز

محمد بن جعفر القزّاز التميمي، أبو عبد الله، والقزّاز نسبة إلى عمل القزّ وبيعه، وكانت من الحرف الشائعة في إفريقية.
مولده بالقيروان حوالي سنة 345هـ ، وقرأ بها العربية على فحول نحاتها ولغوييها وبرع في العلوم، ثم انتقل إلى المشرق فاجتمع بأيمة اللغة والأدب، وفي مقدمتهم أبو علي الحسين بن ابراهيم الآمدي تلميذ ابن دريد والأخفش، وحمل عنهم، وقد أورد لنا القزاز روايته في كتابه "ضرائر الشعر" حيث قال " حدثنا أبو علي الحسين بن إبراهيم الآمدي، قال حدثنا أبو الحسين علي بن سليمان الأخفش، قال أخبرنا محمد بن يزيد المبرّد قال ...."( ص 6 من ضرائر الشعر ( كما أورد لنا تلميذه ابن رشيق سنده في رواية اللغة وأخبار الشعراء حيث يقول في غير ما موضع من العمدة : "أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي، عن أبي علي الآمدي، عن علي بن سليمان الأخفش، عن محمد بن يزيد المبرّد " ومنهـا : " أنشدنا أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي عن أبي علي الحسين بن إبراهيم الآمدي عن ابن دريد، عن حاتم السجستاني عن أبي زيد الأنصاري".

ومن هنا يتّضح لك كيف انتقلت رواية الأخبار والأشعار من جهابذة رواة المشرق إلى أبناء إفريقية والمغرب وأقام القزّاز مدة ليست بالقصيرة في مصر، كان في خلالها يخدم بعمله وقلمه الأمراء الفاطميين ولاسيما الأمير العزيـز بن المعز لدين الله. روى ابن خلكـان – بالنقل عن أبي القاسم بن الصيرفي- أن القزّاز كان في خدمة العزيز بن المعز صاحب مصر وصنف له كتبا.

وذكر الأمير المختار المعروف بالمسبّحي في تاريخه الكبير أن العزيز ابن المعز العبيدي تقدّم إلى القزّاز أن يؤلّف له كتابا يجمع فيه سائر الحروف التي ذكر النحويون من أن الكلام كله إسم وفعل وحرف جاء لمعنى، وأن يقصد في تأليفه إلى ذكر الحرف الذي جاء لمعنى، وأن يجري ما ألفه من ذلك على حروف المعجم، فسارع أبو عبد الله القزّاز إلى ما أمره العزيز به، وجمع المتفّرق من الكتب النفيسة في هذا المعنى على أقصد سبيل، وأقرب مأخذ، وأوضح طريق.

ويظهر أن القزّاز فارق مصر بعد وفاة مخدومه العزيز بالله – سنة 386- وعاد إلى بلده ومسقط رأسه القيروان واستقر به إلى آخر حياته وتصدّر لتدريس العربية، والأدب، فتخّرج عليه مشاهير أدباء الطبقة الزاهرة حسبما يأتي.

وكانت طريقة القزّاز في مجالس دروسه أن يلقي على طلبته مشكلات المسائل اللغوية، ويطرح عليهم أبيات الشعر العويصة ويطلب منهم فك معانيها وتفسير ألفاظها...ولا يخفى ما في مثل الفكاهات والملح الأدبية في عرض الدروس وسيلة لتشحيذ قريحة الطالب وإيقاظ همته من الملل، علاوة على ما في ذلك من المباسطة المحمودة والمؤانسة اللطيفة التي تربط أيما ارتباط التلميذ بشيخه.

ويؤكده مامدحه به تلاميذه من القصائد الكثيرة، فمن ذلك قول يعلى بن إبراهيم الأربسي من أبيات :

نسجت شعاعا بيننا منها فبتـ *** نا جميعا تحت ثوب مذهب
فمزجتها من فيه ثم شربتها*** ولثمته برضاب ثغر أشنب
في ليلة للدهر كانت غرّة *** يرنو إليها الخطب كالمتعجّب
فتّ الأنام بها كما فت الورى*** سبقا محمد بالفخار الأغلب
أبدا على طرف السؤال جوابه*** فكأنما هو دفعة من صيّب
يغدو مساجلة بغرّة صافح*** ويروح معترفا بذلة مذنب
فالأبعد النائي عليه في الذي*** يفتر كالداني إليه الأقرب

وكان القزّاز معجبا بهذه الكلمة ويقول : ما مدحت بأحبّ إليّ منها.

وإليك بعض ما وصفه به تلميذه الكبير ابن رشيق حينما ترجمه في الأنموذج، قال : "فضح أبو عبد الله (القزّاز) المتقدمين، وقطع ألسنة المتأخرين، كان مهيبا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس، محبوبا عند العامة، قليل الخوض إلاّ في علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكا شديدا." ثم ذكر شعره ومنزلته من الأدب، فقال "وله شعر مطبوع مصنوع بما جآء به مفاكهة وممالحة من غير تحقر ولا تحفل، يبالغ بالرفق والدعة، على الرحب والسعة، أقصى مايحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعاني وتوكيد المباني، علما بتفاصيل الكلام، وفواصل النظام".

وساق له ابن رشيق في الأنموذج مقاطع كثيرة، ثم قال : "وشعر أبي عبد الله أحسن مما ذكرت لكني لم أتمكن من روايته" كما أورد له أبياتا متفرقة في غضون العمدة، وكلما ذكره فيها إلا ويقول: قال شيخنا مما يدل على عظيم إجلاله لأستاذه ورفيع منزلته عنده.

ولا غرابة أن عدّ القزّاز أكبر إمام أنبتته التربة الإفريقية في اللغة والأدب، فإن تعليمه العالي وتأثيره على طلبة العلم أنتج غير واحد من مشاهير الأدباء والكتّاب البلغاء الذين فاخرت بهم البلاد التونسية في عصر فيض التمدّن الإسلامي.
ولا بأس أن نذكر بعض الآخذين عنه ممّن عرفوا بالأدب الرفيع، فمنهم الحسن بن رشيق وقد تقدمت الإشارة لأخذه عنه، ومنهم يعلى بن إبراهيم الأربسي، ومحمد بن شرف، والحسن بن محمد بن الربيب، قال ابن رشيق : "وكان شيخنا القزّاز معنيا به محبّا له فبلغ به النهاية في الأدب وعلم الخبر والنسب". ومنهم عبد الرحمان المطرّز الشاعر الظريف، ومن كبار تلاميذه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي المشهور في علم القراءات، وسواهم كثير.

وتوفي القزّاز بالقيروان عن سنّ عالية قيل عن سبعين وقيل عن تسعين عاما والأول أرجح عندي- وذلك في خلال سنة 412 كما أثبته ابن رشيق. وترك القزّاز ابنا اسمه عبد الله سلك مسلك أبيه في العلم والأدب.

وللقزّاز من التآليف:

1. "جامع اللغة " ويسمى "الجامع" مجرّدا، معجم لغوي من أهم الكتب الكبار المختارة، مرتّب على حروف المعجم ، قال ياقوت: هو كتاب كبير حسن متقن يقارب "التهذيب" لأبي منصور الأزهري. اعتمده سائر أصحاب المعجمات اللغوية الذين جاؤا من بعده كابن منظور الإفريقي في (لسان العرب)، والفيروزابادي في (القاموس المحيط)وغيرهما. ومن دواعي الأسف الشديد أن يضيع مثل هذا الأصل الثمين الذي يعدّه أهل الفن من اللغويين من الأمّهات المعتمدة.
وذكر الصفدي كتاب "الجامع" في ترجمة القزّاز وقال: "هو كتاب كبير يقال إنه ما صنّف مثله" ثم قال: "وفي وقف الفاضل بالقاهرة نسخة منه" فدلّ على أن "الجامع" كان موجودا في عصره في مصر.
ويحتمل أن يكون المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 343 غير المنسوب إلى مؤلف لسقوط الورقة الأولى منه هو "الجامع" للقزّاز، فليحرّر.

2. "الحروف" في النحو، وقد سبقت الإشارة إلى سبب وضعه وإلى طريقته، في عدة مجلدات – قيل في ألف ورقة- قال ابن الجزّار القيرواني : " وماعلمت أن نحويا ألّف شيئا في النحو على نحو هذا التأليف" وذكره أبو بكر بن خير من ضمن مروياته وكان يعرفه وجعله من كتب اللغة.

3. "الضاد والظاء" في 3 أجزاء.

4. "التعويض، فيما يدور بين الناس في كلامهم من المعاريض" كذا ضبطه ابن خلكان، وسمّاه الصفدي وغيره "التعريض والتصريح" ولا أدري إن كانا واحدا أو هو كتاب ثان. في مجلد.

5. "ضرائر الشعر" ويسمّى أيضا "ما يجوز للشاعر استعماله في ضرورة الشعر". قال القزاز في مقدمته : هذا كتاب أذكر فيه – إن شاء الله – ما يجوز للشاعر عند الضرورة من الزيادة والنقصان والاتساع في سائر المعاني من التقديم والتأخير، والقلب والإبدال، وما يتصل بذلك من الحجج عليـه، وتبين ما يمّر من معانيه،الخ . منه نسخة قديمة جليلة بدار الكتب بمصـر(رقم 1830) أخذت عن نسخة تلميذه عبد الرحمن بن عبد الله المعافري المطرّز الشاعر القيرواني، فرغ من نسخها في 10 ربيع الآخر سنة431 – ومنه نسخة بالتصوير الشمسي في مكتبتي الخصوصية، تخرج في 130 ص ، وما أحوج عالم الأدب العربي إلى طبع هذا الأثر النفيس الذي لا يقوم مقامه أيّ كتاب من مؤلفات المتأخرين.

6. " إعراب الدّريدية " وشرحها، وهي القصيدة المشهورة بمقصورة ابن دريد التي مدح بها الشاه ابن ميكال، وأولها :
أما ترى رأسي حاكى لونه *** طرّة صبح تحت أذيال الدجى؟

7 . " المثلّث " وقيل " المثلثات " في اللغة من وضع القزّاز وليس هو شرح " المثلث" المشهور لقطرب النحوي كما زعم الحاجي خليفة في كشف الظنون (2: 673 ) ويؤيد ما ذهبنا إليه أن أبا جعفر أحمد بن أبي الحجاج يوسف اللبلي الأندلسي- المتوفى بتونس سنة 691 – في شرحه المسمى " تحفة المجد الصريح، في شرح كتاب الفصيح" أي فصيح ثعلب، ينقل كثيرا عن "جامع اللغة" وعن "المثلث" للقزّاز، وكان هذا الكتاب الأخير في ملكه بخط مؤلفه، فيقول : " قال القزّاز في (مثلّثه) ونقلته من خطه".

8- " شرح رسالة البلاغة " في عدة مجلدات، ولا ندري ماهي الرسالة.

9- " ما أخذ على المتنبي من اللحن والغلط " في جزء.

10- " أبيات المعاني في شعر المتنبي" جـزء، ينقل عنه ابن السيد البطليوسي في كتابـه( الاقتضاب ) وسماه " معاني الشعر " ولا ندري إن كان هو كتاب آخر مستقل.

11- " أدب السلطان والتأدّب له " من نوع المحاضرات، في 10 أجزاء.

12- " الحلى والشيات " جمع حلية، وهي أوصاف الآدميين ونعوت أعضاء أبدانهم، وكأنه جعله خصيصا في نعت الرقيق عند بيعهم وشرائهم ليستعين به الكتّاب والشهود عند كتب رسوم التملك للرقيق، وهي رسالة غريبة في بابها، قال في مقدمتها : ونحن نصف الغلام ليقاس عليه سائر الصفات من المتبائعين من الجند والرقيق وغيرهم" وذكره العبدري في رحلته، وطبع في صيدا (الشام) سنة 1341 – 1922 بعناية وتعليق طاهر النعساني وأحمد قدري الكيلاني.

13- " العشرات " في اللغة، ذكر فيه اللفظة ومعانيها المترادفة ويزيد في بعضها على العشرة، ونقل الصفدي أن في آخره قال القزّاز :
"وعقيبها أجهّز كتاب المئات" ومنه نسخة بمكتبة سليم آغا باسطنبول وفي دار الكتب المصرية، وطبع بصيدا سنة 1344.
ولا نشك أن للقزّاز غير ما ذكرنا من المؤلفات اللغوية والأدبية القيمة.

المصدر : كتـــاب "ورقــات" للمؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب

الشيخ محمد النخلي القيرواني

1285-1342 هـ / 1868 – 1924 م

العالم المستـنير:
علم من أعلام الزيتونة الأفذاذ، له من سعة الإطلاع ودقة البحث وحرية التفكير، ما أهّله ليكون من الروّاد الأول في تركيز حركة الإصلاح، والتوعية والدعوة إلى إعمال الفكر، والإقبال على العلوم قصد التطور والتقدم. وقد كان له التأثير العميق على تلامذته والذين من بينهم عبد الحميد بن باديس، والطاهر الحداد، وغيرهما من رجالات الزيتونة ، ومن كان لهم إشعاع على الثقافة بربوعنا التونسية حاملين طيّ جوانبهم وجوارحهم فكرة البحث النزيه والنظر إلى الإسلام بكونه الدين الحنيف الصالح لكل زمان ومكان، يتماشى وواقع كل عصر، بما يحويه من تأمّلات في المعاملات البشرية الخاصة منها والعامة.
كان الشيخ محمد النخلي مثالا للجد والعمل الدائب، وإن رائده دائما حرية التفكير في نزاهة العالم الصادق والمخلص في مهنته، لا تأخذه في الحق لومة لائم ، ينظر بمنظار الوعي الدقيق للأشياء، ولا يترك مسألة تمرّ وقد أبدى فيها الأقدمون أحكامهم دون أن يكون له موقفه الخاص منها بالتأييد أو المخالفة، مستدلا بالحجة والبرهان، ومقدّما أقوم الحلول وأقربها إلى المنطق والصواب.

النخلي رائد الاجتهـاد:
كانت حياته خصبة معطاء، بفضل هذا الذكاء النادر الذي اتسم به، وبفضل عصاميته وكفاحه ... ولم يكن الشيخ النخلي متمّيزا بهذا الجانب العلمي في رحاب الزيتونة من حيث اتساع دائرته في تفسيره للقرآن الكريم بل كان له الباع الطويل في ميدان الشعر والأدب والفصاحة والبيان، وقد وقف هذه الطاقة لخدمة الأغراض الوطنية وبالأحرى خدمة بلاده، فكان من أول الشعراء الذين تفطنوا لذاك الغزو الحضاري الداخل على البلاد منذ أواخر القرن التاسع عشر، فكانت له المواقف والآراء التي تقرّب الشقة بين الأخذ بأسباب الحضارة والثورة على القديم البالي الذي لا يفيد.
- يؤرخ له الشيخ محمد مخلوف في كتابه الشهير " شجرة النور الزكية" بقوله : " كان نقادا خبيرا، ميّالا لتحقيق المباحث، اشتهر بالذكاء والصراحة في أقواله، التحق بجامع الزيتونة سنة 1304 هـ حيث درس على الشيخ سالم بوحاجب ومحمود بن محمود ومحمد النجار وغيرهم .... كان يقول الشعر ويجيده، تولى خطة التدريس من الطبقة الأولى، توفي وبتونس في رجب 1342هـ وكانت جنازته مشهودة، حيث إرادة حمل جسده للقيروان، وكذلك بالقيروان، ودفن بالجناح الأخضر، ورثاه بعض طلبته بقصائد فرائد".
- ويعرّف به الطاهر الحداد في حديثه عن الإجتهاد وحال العلوم بجامع الزيتونة في عهده:
- "غير أنهم (الشيوخ) ويا للأسف قد جروا على خلاف ذلك، فأيدوا الروح الموروث عن شيوخهم ، وحرموا رائحة التفكير المستقل في عامة العلوم وأغروا تلاميذهم بالتشنيع على من يتظاهر من الشيوخ بشيء من الرأي المخالف للمألوف بالمعهد، حتى ولو كان موافقا لرأي قديم اختاره بعض العلماء السالفين، فقد عاش المرحوم محمد النخلي جزءا من حياته بالمعهد (الزيتوني) وهو مطعون في عقيدته، بما أضاع كثيرا من نشاطه في الدروس، وجعله يقرئ دروسه بعد كعمل ميكانيكي يفرضه عليه الوظيف، وكذلك طعن على المرحوم الشيخ سعد السطيفي حتى مات مدحورا في بيته المظلم الصغير بمدرسة النخلة حذوا الجامع الأعظم ...

شعــــره:
من شعر الشيخ النخلي قصيد رائع يستنهض الهمم والعزائم وقد نشره بجريدة الحاضرة في 18 محرم 1318 هـ / 30 أفريل 1901، يقول فيه:

هو المجد في الإسلام أثله العلم*** على مقتضى دين به انقشع الوهم
تعال نبارك روض آثاره التي *** على صحف التاريخ يبدو لها رسم


وانظر في هذا الرثاء المؤثر الذي دبّجه حسرة على الأستاذ الإمام الراحل محمد عبده يقول في مطلع القصيد:

مصاب به الإسلام باك موجع *** وخطب به الإصلاح ركن مزعزع
إلى أن يقــول:
أبان لهم العلوم وإن نمت *** الصديق لهذا الدين بل منه تكرع
محمد من يجلو حقائق دينه *** منصة تبيان بها الفكر يقنع


تلك عينات من شعر النخلي سواء في الدعوة إلى الإصلاح، أو تأثره بوفاة رائد من رواده، في فترة كان العالم العربي والإسلامي في أشد الحاجة إلى مثل هذا المرشد والإمام.
إن النخلي عاش عصره، بكل ما فيه من أحداث، وانعكست العديد من العوامل والمؤثرات على شعره، فكان بحقّ من المجيدين الأول في مطلع هذا القرن.

نـثـــره:
لم يكن قلمه وقفا على الشعر، بل تجاوزه إلى النثر، وكم كان لمترجمنا العديد من المواقف، سواء في الصحف أو المجلات، وانبرى في الكثير منها يكتب ويخطّ ما يملي عليه الظرف وما يملي عليه ضميره من توجيه سديد بآراء صائبة رائدة.
وقد كتب في الأدب والتاريخ، والعلم والدين والاجتماع، وفي كل ما له اتصال بمقومات الشخصية العربية الإسلامية الحقة، زد على ذلك، ما كان له من باع في ميدان الخطابة، وتأثيره على سامعيه، فكلامه يقع على العقل والقلب معا، بلا تكلّف أو صنعة... وإذا السامع يخرج بزاد ثريّ من المعاني السامية الجليلة، والإرشاد القيم الوجيه..

تلامــيذه:
هذا وقد كان من بين تلامذة الأستاذ محمد النخلي الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وهما "من روّاد النهضة الفكرية والإصلاحية بتونس في العصر الحديث كما يعتبران من أبرز أتباع مدرسة الإمام محمد عبده والعاملين على نشرها".

تأسيس الجامعة الزيتونيـة:
هذا ويعتبر الشيخ النخلي ضمن مؤسسي جمعية الجامعة الزيتونية، وقد كان مزمعا على إلقاء محاضرة بقاعة الخلدونية في اليوم الرابع من محّرم سنة 1325هـ .على مسامع من استدعتهم الجامعة لبيان مقاصد الجمعية، وما تبغي تحقيقه في مجال النهضة العلمية بجامع الزيتونة ، إلا أن ظروفا عائقة حالت دون ذلك، وقد نشرت مجلة المنار المصرية هذه المحاضرة وعلقت عليها بما يلي:
"نحيي الجمعية الزيتونية ونحمد الله أن وجد في علمائنا مثل هذا الخطيب، وعسى أن يكون لطلاّب الأزهر جمعية مثلها" وقد استهل الشيخ محاضرته بالبيت التالي:
ليس الحداثة في سن بمانعة *** قد يوجد الحلم في الشبان والشيب

تــآليفـه:
أما من حيث التأليف ، فإن الشيخ محمد النخلي لم يترك أثرا مطبوعا سوى نشرية في اثنتي عشرة صفحة بعنوان : حياة اللغة العربية، مطبعة النهضة – تونس، بدون تاريخ- وقد قدّم لها ابنه السيد عبد المنعم النخلي.
- محرّر مختصر في مسألة الناقص بالفصاحة .
- رسالة في تراجم شيوخه على طريقة الفتح بن خاقان في كتابه قلائد العقيان.
- ألفية في الجغرافية
- رجز في العروض والقوافي.
- دراسة في تفسير قوله تعالى: "ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكنا"
- دراسة في تفسير قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
- دراسة في تفسير قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، ويذهب الأستاذ المدني إلى أن هذه الدراسة من أهم ما خطت يد الشيخ الأديب.
- دراسة تاريخية فلسفية في دول الوليد بن عبد الحكم الأموي، والمأمون، وأبي جعفر المنصور، العباسيين صدّرها بمقدمة في دول الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم إلى دولة الوليد، وأملى معظمها في مسامرات بنادي الصادقية سنة 1324هـ.

من خلال ما تقدم ذكره من دراسات لم تنشر، نستكشف أن الشيخ محمد النخلي كان له نشاط غزير، سواء في مجال المسامرات والمساهمة في النهضة الفكرية مطلع القرن العشرين، أو في هذه التحقيقات والتحارير التي دبجتها براعته....لقد عاش النخلي للعلم والتعليم وليس غير سواهما، وحتى في سنين مرضه العضال الذي أودى بحياته رحمه الله كان يبحث ويطالع شتى المؤلفات قديمها وحديثها، وفي أي مادة كانت ويحادث طلبته وخلانه في مواضيعها المختلفة مبديا آراءه ومواقفه فيعترف له القوم بهذا النبوغ وهذه العبقرية التي قلما يوجد الزمان بمثلها.

المصدر : دائرة المعارف التونسية (الكراس 5/ 1995)
الأستاذ: محمد أنور بوسنينه


[يتبع][/align]

حسن الحاجبي 18 / 12 / 2009 52 : 11 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
الغالية : أسماء بوستة
سيصبح لزاما عليك من الآن أن تستعدي لمرافقة عدد كبير من أعضاء نور الأدب في رحلة مشوقة للقيروان , المدينة العبقة بعطر التاريخ .
وأنا الآخر أسجل إسمي في قائمة الزوار خلال الصيف القادم بإذن الله تعالى .
شكرا جزيلا لك على المجهود الجبار . ودمت بكل المودة والتقدير .

أسماء بوستة 27 / 12 / 2009 14 : 04 AM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن الحاجبي (المشاركة 53865)
الغالية : أسماء بوستة
سيصبح لزاما عليك من الآن أن تستعدي لمرافقة عدد كبير من أعضاء نور الأدب في رحلة مشوقة للقيروان , المدينة العبقة بعطر التاريخ .
وأنا الآخر أسجل إسمي في قائمة الزوار خلال الصيف القادم بإذن الله تعالى .
شكرا جزيلا لك على المجهود الجبار . ودمت بكل المودة والتقدير .

أستاذي الغالي حسن الحاجبي
آسفة جدا للتأخر في الرد فقد كنت في إجازة سفر
مرورك شرفني و أنا تحت أمرك و أمر كل أحبتي في نور الأدب
أهلا و سهلا بكم ضيوفا مبجلين في تونس
دمت و سلمت أستاذي العزيز

امال حسين 27 / 12 / 2009 57 : 05 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
أختى أسماء

مقالك رائع عرفنا على مدينة جميلة معروفة بأنها سياحية والصور رائعة

ومشرفة فالسمع ليس كالرؤية


كل الشكر أختى على تقديمك القيم


:nic47:

أسماء بوستة 27 / 12 / 2009 20 : 06 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امال حسين (المشاركة 54920)
أختى أسماء
مقالك رائع عرفنا على مدينة جميلة معروفة بأنها سياحية والصور رائعة
ومشرفة فالسمع ليس كالرؤية
كل الشكر أختى على تقديمك القيم
:nic47:

الغالية آمال
شكرا لمرورك و كلماتك عزيزتي
أرجو أن تتابعي معي بقية البحث عن القيروان
تحياتي

أسماء بوستة 27 / 12 / 2009 11 : 11 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
1 مرفق
[align=justify]الدبّــاغ : سليل أسرة من مشاهير الأنصار

( 605 – 699 هـ / 1208-1300م )

هو أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن علي بن عبد الله الأنصاري الأسيدي. ولد سنة 605 هـ/1208 م . وتوفي" في سنة 699 هـ/1300 م. وكان حسب قول العبدري – الذي أدلى بشهادة عيان لوطر كان يقضيه بدون شكّ – فريد عصره بين علماء القيروان.

وإذا ما اعتمدنا الخبر الذي يقول إنّه مدين بلقب الدبّاغ لتنكّر جذّ أبيه في زيّ دبّاغ جلود قصد الإفلات من مهام القضاء، فإنّه يكون منتسبا إلى أسرة عريقة من فقهاء القيروان. وقد كان العبدري، الذي زاره في سنة 688 هـ/1289م وحصل منه على إجازة عامة في كلّ تآليفه، يثني على كرمه وحسن هيئته وطيب معاشرته وصفاء ذهنه وسعة معارفه. فقد كان متضلّعا في جميع العلوم الإسلامية التقليدية، وكان يقرض الشعر، وكان متقدّما في علوم الحديث.

وقد أخذ عن كثرة من الشيوخ ( يزيدون على الثمانين ) وخصّهم – على سنّة عصره – ب " برنامج " أو دليل لم يصل إلينا. وألّف مصنّفا في الحديث سمّاه "كتاب الأحاديث الأربعين في عموم رحمة الله لسائر العالمين" ، وكتابا في التاريخ بعنوان "تاريخ ملوك الإسلام" ، وكتابا في المناقب سماه " جلاء الأبصار في مناقب الأنصار ". ولم يصل إلينا أيّ واحد من هذه المؤلفات. لكنّ شهرة الدبّاغ تعود إلى كتاب "الطبقات" الذي خصّ به العلماء والأولياء الصالحين الذين عاشوا بالقيروان أو زاروها.
وقد رتبه ترتيبا يعتمد التدرّج الزمني لتواريخ الوفيات. وقد كان عنوان هذا الكتاب فيما ذكره العبدري معالم الإيمان وروضة الرضوان في مناقب المشهورين من صلحاء القيروان. وهو يتألّف من مجلّدين وكان الدبّاغ يقتبس كثيرا من مؤلفات سابقة، ولا سيّما طبقات أبي العرب ورياض النفوس للمالكي.

وقد جرت مراجعة كتاب الدبّاغ بدوره والتوسّع فيه من قبل إبراهيم العوّاني ( المتوفى حوالي سنة 719هـ/1320م ) . أوّلا ثمّ وبالخصوص من قبل قيرواني أخر وهو ابن ناجي الذي أكمل الكتاب بإضافة أخبار حياة علماء عصره وبالتدخّل في ثنايا النصوص التي سبقته بزيادة ملاحظاته الشخصيّة التي يستهلّها في الغالب بفعل " قلت " وبذلك فإنّ مصنّف الدبّاغ لم يصل إلينا إلاّ في هذا الشكل النهائي – أربعة المجلّدات – الذي صاغه فيه ابن ناجي بعنوان معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان . وهذا الكتاب هو في الحقيقة مؤلّف جماعي يحيى أمام أنظارنا – بواسطة النوادر والأخبار والعبر المقدّمة في شكل طبقات متتالية – عالم الصلاّح والفقه الشديد التنوّع.

وكانت الطبعة المنشورة بتونس ( سنة 1320 – 1325 هـ ) كثيرة الضعف والرداءة. وقد أعاد طبع الكتاب بأسلوب أقرب إلى الطريقة النقدية الأستاذ إبراهيم شبوح ( مجلّد I القاهرة، 1968 ). لكنّ هذه الطبعة وقفت عند حدّ هذا الجزء الأوّل...
وقام الأستاذ محمد الحبيب الهيلة من جهته بوضع فهارس مفيدة جدّا. غير أنها بقيت من سوء الحظّ مسحوبة بالآلة الراقنة وقليلة الانتشار.
وينبغي أن نضيف أنّ الدباّغ قد دفن بالقيروان بجوار باب تونس في تربة أجداده التي كان يطلق عليها اسم سلسلة الذهب. وقد كان فعلا سليل أسرة من مشاهير الأنصار.

دائرة المعارف التونسية : الكراس 4/1994
الأستاذ محمد العربي عبد الرزاق



المقريء الشيخ علي البـــرّاق

( 1891 - 1981 )


الشيخ علي البرّاق يعدّ من أبرز أركان الثقافة العربية الأصيلة بمدينة القيروان باعتبار رفعة منزلته كمقرئ للقرآن الكريم تجويدا وترتيلا بالقراءات السبع.
والشيخ علي البرّاق قد تحدّى في رباطة جأش إعاقة الكفيف منذ طفولته حيث ولد بالقيروان سنة 1891 وأخذ يكرع من مناهل العلم والعرفان من خلال ارتياده للروضة القرآنية أي الكـتّاب بمدينته حتى بلغ المنى في ختم تلاوة القرآن الكريم تجويدا وترتيلا بالتلاوات السبع.
كما كان الفقيد يختلف على حلقات الطرق الصوفية حتى ملأ الوطاب مما لذّ وطاب من المدائح والأذكار وأسرار صناعة الإنشاد الطرقي.
فلما قدم إلى العاصمة في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين انضّم إلى طريقة السلامية التي كان من مريديها الشيخ محمد بن محمود والد المرحوم عبد العزيز بن محمود الذي كانت له حصة إذاعية انضمّ إليها علي البرّاق وقد اشتهر إذاعة باسم محمود عزيز وجماعته.
وكانت تلك الفرقة المدحية الصوفية التي بعثها الشيخ سليمان بن محمود عميد آل بن محمود قد تفردت في الحلبة الإنشادية لطريقة السلامية نسبة إلى اعتبارها سيدي عبد السلام الأسمر الفيتوري دفين مدينة زليطن بالقطر الليبي الشقيق، حيث توفي عميد المسرح الغنائي محمد عبد العزيز العقربي سنة 1968، وهو من روّاده ومرتلي بحوره.

وقصّة دخوله الإذاعة يرويها الموسيقار العميد محمد التريكي ( 1899-1998) حيث كان كلما التقى الشيخ علي البرّاق سأله هل هو ذاهب إلى الإذاعة التي كان مقرّها بساحة العملة سابقا ساحة علي الزواوي حاليا، فإذا ردّ عليه بالإيجاب ناشده أن يقرأ له " الفاتحة " عند باب البناية . ويوضح التريكي القول : إن البرّاق كان يريد أن تفتح الإذاعة أبوابها في وجهه من خلال تلاوة الفاتحة حتى استجاب المولى عزّ وجل لطلبه من خلال دعوة مديرها الأول العلامة عثمان الكعاك ( 1976-1903).

لكن تراتيل البرّاق لم يبق منها شيء لأنها لم تكن مسجلة باعتبار أن الشريط المغناطيسي لم يكن متداولا في مطلع الثلاثينات إلى غاية الخمسينات حين انتقلت الإذاعة من مقرها القديم ساحة غاريبالدي إلى مقرها الجديد بشارع باريس سابقا شارع الحرية حاليا.
نال الشيخ علي البرّاق إعجاب المعتمرين والحجيج الميامين عندما رتل آيات من القرآن الكريم في رحاب الحرمين الشريفين في حجته الأولى سنة 1950 وحجته الثانية سنة 1963.

وإنه لمن حسن الطالع أن تحتفظ بكنز ثمين يتمثل في تساجيل الشيخ علي البرّاق في خزينة الإذاعة وخزينة التلفزة التونسيتين.
فقد شاءت الأقدار أن يعاصر علي البرّاق انبعاث التلفزة سنة 1966 وسجل صوتا وصورة عدّة تراتيل في مختلف الطبوع التونسية لعل أبرزها طبع رصد الذيل وهو الذي يبحر في يمّه المقامي الشيخ علي البرّاق خاصة في أذان شهر رمضان وقديما قيل "لكل مقام مقال".

وهكـذا ظل الشيخ علي البرّاق يبادر بإحياء الاحتفالات الدينية رفقة الشيخ المصري أمين حسنين والتونسي عبد العزيز بن محمود، فضلا عن تساجيله الثرية إذاعة وتلفزة إلى أن لبىّ نداء ربّه يوم 4 ديسمبر 1981 .

عـن مجلة التلفزة التونسيــة
العدد 1504 – بتاريخ 22 أوت 2009



ابن الرقيق القيرواني

( توفي بعد 418 هـ/ 1028 م )

ابن الرقيق أو كذلك الرقيق أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم الكاتب القيرواني، كان كاتبا للزيريين منذ ما يقارب ربع القرن، حين كان ابن رشيق بصدد تأليف كتابه "العمدة". وكان ابن الرقيق خاصة أديبا و إخباريا بارعا.
ويعترف ابن رشيق له بشيء من الموهبة الشعرية، على الرغم من أن طريقته كانت خاصة طريق الكتاب، واحتفظ لنا ياقوت(معجم الأدباء) بقطع طويلة من قصائده.


وندين لنشاطه الأدبي كذلك بأثر عنوانه: كتاب قطب السرور.
لكنّ ابن الرقيق في نظر معاصريه وأيضا في نظر من أتوا بعده، يعتبر خاصة مؤرخا لا نظير له.
ويعتبره ابن خلدون مؤرخ إفريقية والدول التي كانت بالقيروان ويستحق ابن الرقيق هذه الشهرة بصفة واسعة.

فقد كان كتابه "تاريخ إفريقية والمغرب" عمدة أعمال ابن شدّاد وابن الأثير و ابن الأبّار والتجاني وخاصة ابن عذاري والنويري وابن خلدون والمقريزي و يبدو أنّ السخاوي و الشمّاخي وحتى الوزير السرّاج (الحلل السندسية): ينقلون عنه مباشرة.
إلاّ أنّ تاريخ ابن الرقيق، في أيّامنا، يبقى في الواقع مفقودا، على الرغم من الإشارة بلا انقطاع إلى وجوده في بعض المكتبات الخاصة بالبلاد التونسية.
أمّا القطعة غير المنسوبة، من تاريخ المغرب، من حكم عقبة بن نافع إلى عهد إبراهيم الأوّل، والتي هي ناقصة الأول، منعدمة اللصاق. وقد وقع اكتشافها في الرباط على يد السيد المنوني ونشرها بتونس الدكتور المنجي الكعبي (1968)، ونسبها إلى ابن الرقيق.

ونسجّل أخيرا قصد الاستعمال الحسن للمقاطع المأخوذة من ابن الرقيق، أن أثره، على الرغم من أنه مجموع أو مؤلّف بكثير من الوعي والعناية، تطبعه ميول صاحبه الشيعية، وهو ما يبدو أنّ الجامعيين الذين احتفظوا لنا بقطع مطوّلة منه قد نسوه أو أهملوه.

و يبدو أنّ ابن الرقيق، الذي قام سنة 388 هـ /998 م باسم الأمير الزيري باديس بمهمة ديبلوماسية لدى أمير مصر الحاكم، حسب قصيدة احتفظ بها ياقوت، قد أقام مدّة طويلة بالقاهرة، التي يتغنّى بملاذها في حنين أخّاذ. ونذكر ضمن آثاره التي لم تقع الإشارة إليها بعد: كتاب النساء، والرّاح والارتياح، والأغاني، ونظم السلوك في مسامرات الملوك.

عن دائرة المعارف التونسية
بيت الحكمة – قرطاج – 1994


[ يتبع ][/align]

أسماء بوستة 27 / 12 / 2009 56 : 11 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
[align=justify]أبو الحسن علي الحصري القيرواني

أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري الحصري الشاعر الضّرير،هو ابن أخت أبي إسحاق إبراهيم الحصري صاحب "زهر الآداب "ويقال إنّه ابن خالته كما ذهب إلى ذلك ابن خلّكان في وفيات الأعيان" وهو ما يستبعد لبعد التاريخ بينهما.

ولد أبو الحسن علي الحصري القيرواني حوالي سنة 420هـ بالقيروان ونشأ فيها وتضلّع من علم القراءات وفنّ القريض. وفي سنّ الشباب بعد أن تجاوز العشرين سنة بقليل من عمره هاجر من القيروان بسبب الغزوة الهلالية وتخريب بني هلال وسليم وزغب مسقط رأسه وقصد سبتة، وانتصب بها يدرّس. ثم نزح إلى الأندلس حيث مدح ملوك الطوائف ونال صلاتهم، وقد سبقته شهرته الأدبية " فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض للنسيم وتنافسوا فيه تنافس الديار بالأنس المقيم." حسب تعبير ابن بسّام في الذخيرة "ومّمن اتصل بهم علي الحصري المعتمد بن عبّاد صاحب إشبيلية ، والمعتصم بن صمادح صاحب المريّة، وأعيان بلنسية ودانية ومالقة، مدحهم بغرّ القصائد، لكن علي الحصري لم يبق طويلا بالأندلس، غادرها إثر تغلّب المرابطين على ملوك الطوائف سنة 483 هـ ،وقصد طنجة واستقرّ بها إلى وفاته سنة 488هـ .

كانت مشاعر الغربة لا تفارقه وعاطفة الحنين إلى إفريقية تختلج في باطنه، وكانت نار الفراق تضطرم اضطراما في داخله وهي نار فراق ا لأوطان والأحبّاء.
وكان علي الحصري يعتدّ بشعره، ويفاخر بأدبه خاصّة في رسائله.

ومن شعره في الفخر وهو يأسف لفراقه القيروان وجوازه إلى الأندلس:

في كل أرض مـــــــــــــوطن *** يعــرف فيه جـــــاهنـــــا
وإنـّمــــــــــــــــــا ألجــأنــــا *** إلـــــى هنـــــا إلا هنـــــا


علي الحصري الغريب عن الوطن:

يلمس قارئ ديوان علي الحصري "اقتراح القريح واجتراح الجريح" صلة وطيدة بين الشاعر وبين بلده القيروان، فهو يصوّر هذه الرابطة العجيبة التي تربط القيروان بأبنائها ، فيصفها بالجنة عندما يتحدث عن ابنه عبد الغني المتوفى ويقول:

نسيت به جنتي *** وعشت به ناعما في لظى

وهو يمدح القيروان بحنين وعارم شوق إليها، مفضّلا أدباءها على أدباء المشرق والأندلس، مصوّرا حضارتها المتألقة، مشيرا إلى ثروتها وفضائلها وازدهارها في القديم.

قيروان جدّك *** لا منبر كمنبرها
تاج مصر معقده *** كـــان تحت خنصرها
شاعر العراق كبا *** عن مدى شويعرها
... والملوك عاجزة *** عن نضار موسرها

ويتغنّى علي الحصري بفضائل القيروان معبّرا عن حنينه إلى مسقط رأسه وقد نزح عنه إلى الأندلس فالمغرب الأقصى:

أيا سقى الله أرض القيروان حيّا *** كأنّه عبراتي المستهلات
وكفّ عنها أيادي المفسدين لها *** ولا عدتها من الخيرات عبادات
فإنّها لدة الأحباب، تربتها *** مسكيّة وحصا ها جوهريات
أرض بها الخير مجموع، مباركة *** لله فيها براهين وآيات

ويشير إلى خلاء القيروان وخرابها على أيدي بني هلال فيقول:

مغتو بالدّمع مغترب *** ماله مال ولا ولد
عثت الأعراب في بلد *** فاكتسى ثوب البلى البلد
آحد يا برق السحاب له *** من جفوني ما رسا أحد


ويفتخر ببلده القيروان ويأسى على فراقها مناجيا روح ابنه:

والقيروان حمى أبيك منأى *** إلا وربع القيروان دريس
نحن البدور النيرات ومصرنا *** فلك بشهب رماحنا محروس


علي الحصري شاعر الحنين إلى الوطن:

لنا إشارات عديدة عن حياة علي الحصري في القيروان خاصة في قصيدته التائية التي أوّلها:

موت الكرام حياة في مواطنها *** فإن هم اغتربوا ماتوا وما ماتوا

وقصيدته الرائية التي أوّلها:

على العدوة القصوى وإن عفت الدّار *** سلام غريب لا يؤوب فيزدار

ففي الأولى يلمّح إلى حياة اللهو التي كان يحياها، ومجالس الأنس والطرب التي كان يشارك فيها، يقول ذاكرا إياها وهو بالأندلس، فيختلج قلبه بمشاعر الشوق والحنين:

كأنّني لم أذق بالقيروان جنى *** ولم أقل: ها لأحبابي ولاهاتوا
ولم تشقني الخدود الحمر في يقق *** ولا العيون المراض البابليات


لذلك يحنّ إلى بلده، يستقصي أخباره، وهو بعيد عنه، وينتظر إحدى الرسائل تأتيه من حبيبة من حبيباته الكثيرات:

أبعد أيامنا البيض التي سلفت *** تروقني غدوات أو عشيات ؟
... واسأل السفن عن أخباره طمعا *** وأنثني وبقلبي منه لوعات
هل من رسالة حب أستعين بها *** على سقامي فقد تشفي الرسالات ؟


ويناجي بلده رغم بعد المسافة، ويتمنى أن لو يرجع إلى أرض صبرة ليشفيه ماؤها القراح:

أيا يا بروقا لحن من نحو صبرة *** وليس لها إلاّ دموعي أمطار
عسى فيك من ماء الحبيبات شربة *** ولو مثل ما يوعي من الماء منقار


ويصف لنا علي الحصري القيروان في صورة بهيجة، منمّقة، قد ازدهرت فيها الحضارة وبلغت أوجها في مختلف الفنون والعلوم، وصارت عند الشاعر جنة، مسكية الثرى، جوهرية الحصى، مباركة الهوى، قدسيّة التربة، أهاليها أسخياء الأيدي، كرماء النفوس، والحبيبات فيها آيات من الحسن والجمال، كأن وجوههنّ روضات أنس وأريج مالئ الدنيا:

ألا سقى الله أرض القيروان حبا *** كانه عبراتي المستهلات
فإنها لدة الجنّات تربتها *** مسكية وحصاها جوهريات
إلاّ تكن في رباها روضة أنف *** فإنّما أوجه الأحباب روضات


إقتراح القريح واجتراح الجريح

يضمّ هذا الديوان 2591 بيتا، وهو ديوان في رثاء الشاعر لابنه، وتقدم كل قصيدة فيه الجديد عنهما وعن حياتهما في الغربة، بنفس متجدّد في صيغ قشيبة، مؤثرة في النفوس، تكتسي جزالة في التعبير، ونلمس فيها أصداء لما كان يحدث بالأندلس، ومواقف الشاعر مما يحدث من أحداث في هذه البلاد.

ولهذا الديوان ثلاث مقدمات: الأولى خالية الحروف من النّقط، والثانية منقوطة الكلمات" خرج فيها عن الرسم، عن المألوف"، والثالثة منقوطة وخالية من النقط، ضمّنها كثيرا من الأمثال والحكم التي ابتدعها.
التزم الحصري في ديوانه هذه حروف المعجم، وتبدأ كل قصيدة بحرف القافية السّابقة، وتضم كلّ قصيدة خمسة عشر بيتا.

ومن المهمّ في هذا الديوان أنّ الشاعر يعرّفنا بحياته الخاصة التي قلما نجد آثارها في التّراجم، إذ يمكن أن نعدّ قصائد "اقتراح القريح" من أدب الاعترافات، إذ يعلمنا الشّاعر عن زوجته الخائنة التي تخلت عنه وعن ابنه وفرّت مع شاب بربري فخلّفت في قلبه الأحزان، وفي فكره الهموم، وفي نفسه اليأس والخيبة المرّة.
ويعلمنا كذلك عن الإماء اللاّتي كنّ أحطن بابنه عبد الغنيّ، والجواري الفاتنات اللاّتي كنّ رعينه، ويسجّل لنا الحصري في كتابه هذا خاصة أوهامه وهواجسه وتخيّلاته، ويصرّح لنا برأيه في قضايا عديدة بالأندلس، وما وقع فيها من فتن وحروب، ويذكر القيروان وما منيت به من خراب على أيدي عتاة بني هلال ومختلف القبائل التي وفدت عليها كالجراد المنتشر من المشرق.

يقول متأسفا على حلوله بالأندلس، ولولا النّكبة الهلالية لما رحل إليها، ولما كانت رحلته عبر البحر.

لولا رياح لم أك أمتطي *** ذا الأخضر الطّامي وذلك الأحوصا
وطن بغير غنى أحبّ إلى الفتى *** من غربة تغنيه إذ لا مخلصا


ويدل عنوان هذا الديوان"اقتراح القريح واجتراح الجريح" على الأحزان التي استوطنت قلب الشاعر، وعلى الجروح التي لم تلتئم في صدره، فهذه القصائد التي تضمّها دفتا الديوان آهات متتالية، ونقشات متصاعدة، وشكاوى مرّة تعبّر عن الأبوّة الموجوعة في فقد قرّة العينين، زينة الحياة الدنيا... لذلك قرّر الشاعر تأبين ابنه عبد الغني بديوان كامل يقول :

زد وأبّنه يا فمي *** أمل ما شئت ينسخ

ويقول:

فحسبى مراث له *** أردّد إنشادها

ويعتبر ديوان "اقتراح القريح" ظاهرة فريدة في الأدب العربي تدلّ على تضلّع من الشّعر، ونبوغ في قرض المعاني المتجدّدة، فلنتابع مرض ابنه عبد الغني ووفاته ورحيله إلى مثواه الأخير في بلد الغربة كما يبدو ذلك في هذا الديوان. لقد حار الأطباء في مرضه بعد أن التجأ إليهم الأب في أمكنة عديدة من المدن الأندلسية، لكن دون جدوى، ودون شفاء:

جعلت أداوي علتيك تعلّة *** عسى الدّم يرقا والتورّم ينفشّ
سألت أطباء المريّة عنهما *** وقرطبة حتى الذي داره ألّشُ


المعشـــّرات

هي قصائد على حروف المعجم، كلّ منها يحتوي على عشرة أبيات مبدوءة بحرف القافية، وهي ذات موضوع واحد، وهو التّغزّل بامرأة والشّاعر هو السابق لاختراع هذا النوع الشعري، إذ جرى على منواله فيه كثير من الشّعراء، وهو المبتكر لالتزام طريقة معّينة في النّظم محدودة الأبيات.
وقصائد المعشّرات هي رسائل حبّ وجهها علي الحصري إلى حبيبته، وتفيض بمشاعر الشّوق والحنين، مضمّخة بالشكوى من الغربة والزمان الجائر:

دهتنا اللّيالي بالنّوى فتفرّقت *** جآذر كانت تلتقي وأسود
دوائر ذي الدّنيا تدور بأهلها *** فتنقص أحوال الفتى وتزيد


يخلّد الشاعر في ديوان المعشّرات لحظات العشق التي عاشها فيحنّ إلى حبيبته بأسى وحزن دفين، ويرسم معاني الفراق وحرقة الغربة ومشاعر الأمل القويّ في العودة إلى موطنه:

عفا الله عن ذا الدهر إن ردّ شملنا *** وشعّب منا كل قلب مصدّع

يا ليل الصبّ متى غده؟

جاءت هذه القصيدة في 99 بيتا، في بحر الخبب بقافية الدال، وهي متكوّنة من جزأين اثنين: جزء غزلي في 22 بيتا، وجزء في 77 بيتا في مدح صاحب مرسية، وشكوى الحال، والمدافعة عن النفس، وتبرير الموقف، وردّ التّهم التي اتهم بها الشاعر لدى الملك. أمّا الخاتمة فتضمّ معنى الافتخار بالنّسب والحسب والتفوّق في قرض الشعر، إلاّ أن المشتهر من هذه القصيدة الاثنان والعشرون بيتا الأولى، وهي تحتوي على معان غزلية ابتدعها علي الحصري فصارت متّبعة، مقلّدة، ومعارضة، وهي أشهر من نار على علم، عارضها عشرات وعشرات من الشّعراء بالمشرق والأندلس والمغرب.

تبتدئ القصيدة بمخاطبة اللّيل والتساؤل عن موعد الفجر، لقد أبق النّوم من عينيّ الشاعر الصّب المدنف، السّاهر مع خيال الحبيب الشارد عنه حتّى رقّت له النجوم، وندبت حبّه المكسوف، وخيّم الحزن على ظلمة اللّيل، واشتدّت معاناة الشّاعر للحبّ المضني، وطال السّهر، بينما رقد كلّ السّمّار يتمتعون بلذيذ المنام، وممتع الأحلام، وهو أرق مسهّد، يائس من النّوم، بعيد عن الحبيب، وقد تخلّت عنه الأماني والآمال:

ياليل الصّبّ متى غده *** أقيام الساعة موعده؟
رقد السّمارُ فأرّقه *** أسف للبين يردّده
فبكاه النجم ورقّ له *** ممّا يرعاه ويرصده


يتغزّل الشّاعر بغزاله، لكنه لا يصوّره لنا بصورة حسّية مباشرة وإنّما يصوّره عبر أحاسيسه وأفكاره وخيالاته، فالشّاعر يصطاد صورة حبيبته في النّوم أو الخيال، وإذا بالصياد الماهر يذهب ضحيّة صيده، وإذا بالعملية تنقلب فجأة فيصبح الغزال هو الآسر، والشاعر يقع في الشّرك، وهنا يكمن سرّ جمال الصّورة البديعة، دون جوان يجني في الأخير إثم ما اقترفت يداه، ويبوء بعذاب نفسيّ شديد، لكنّه يتلذّذ لأنه يتمتّع بجمال الحبيب، ويبرّئه من أيّ ذنب، لأن الحبّ يشفع في كلّ الذنوب. ويبوح الحصري لنا بقصّة حبّه لهذا الشارد القاسي الذي لا يجرح بعينيه الجميلتين ولكن يريق دم العاشق الولهان مدرارا :

كلف بغزال ذي هيف *** خوف الواشين يشرّده
نصبت عيناي له شركا *** في النّوم فعزّ تصيّده
وكفى عجبا أنّي قنص *** للسّرب سباني أغيده
ينضو من مقلته سيفا *** وكأنّ نعاسا يغمده
كلاّ لا ذنب لمن قتلت *** عيناه ولم تقتل يده


والحصري هو الشاعر الفقيه القاضي الذي يصدر حكمه العادل في هذه القضيّة، ونجد في البيت الأخير تورية لذيذة، والحكم الباتّ الذي يصدره هو أنّه لا حرج على العيون إذا قتلت العاشقين. وكما خاطب الشّاعر اللّيل في مستهل القصيدة باحثا عن السلوى والعزاء، يناجي حبيبته طالبا الوصال، واصفا حالته وهي حالة الغريب العاشق، البعيد عن الوطن موطن الحبّ والهوى والشباب والأمل المنشود.

يامن جحدت عيناه دمي *** وعلى خدّيه تورّده
خدّاك قد اعترفا بدمي *** فعلام جفونك تجحده؟
إنّي لأعيذك من قتلي *** وأظنّك لا تتعمّده
بالله هب المشتاق كرى *** فلعلّ خيالك يسعده
ما ضرّك لو داويت ضنى *** صبّ يدنيك وتبعده
لم يبق هواك له رمقا *** فليبك عليه عوّده
وغدا يقضي أو بعد غد *** هل من نظر يتزوّده؟


ويبدو لنا العاشق في آخر هذه القصيدة، في مظهر الباكي المتجلّد المشتاق الذي يعاني من البعد، ويشكو من الدهر وظروفه القاسية عليه:

يا أهل الشوق بنا شرق *** بالدّمع يفيض مورده
يهوى المشتاق لقاءكم *** وظروف الدهر تبعّده
ما أحلى الوصل وأعذبه *** لولا الأيّام تنكّده


معارضات قصيدة "ياليل الصبّ"

تعدّ معارضات قصيدة "ياليل الصبّ" بالعشرات، لكنها تتفاوت جودة وحسنا، من أحسنها قصيدة أحمد شوقي :

مضناك جفاه مرقده *** وبكاه ورحّم عوّده

وقصيدة أبي القاسم الشابي التي يبيّن فيها تأثير حبّه في نفسه، وشجاه لموت حبيبته، فيبكيها بوحشة وشجن كبيرين :

غنّاه الأمس وأطربه *** وشجاه اليوم فما غده؟

ومن أحسنها أيضا معارضة بشارة الخوري :

النّجم بثغرك أرصده *** واللّيل بشعرك أعبده

ويكمن سرّ جمال معارضة أحمد شوقي في أنّه لزم معاني علي الحصري وتفنّن في أدائها من جديد، فهي تقاسيم على نفس الأفكار والرّؤى، ومواصلة لقصيدة علي الحصري، فكأنّها من نفس القريحة، وتوأم "ياليل الصبّ".

ونشير إلى معارضة مصطفي خريف التي بدأها بقوله :

العهد هلمّ نجدّده *** فالدهر قد انبسطت يده

فهي قصيدة بالفرح والسّعادة، تؤطّرها الطّبيعة الجميلة الخلاّبة بإحدى واحات الجنوب التونسي.

وهكذا فإن أبا الحسن علي الحصري القيرواني هو من أنجب شعراء إفريقية في العهد الزيري، بل هو شاعر القيروان الأوّل، ولقّب بشاعر الزمان وقصيدته "ياليل الصبّ " هي من أجمل القصائد في الأدب العربي وأروعها بها افتتن الشّعراء وأولع المغنّون لما فيها من الصّور والمعاني والنّغم.

وهو صاحب التّائية في رثاء القيروان عند النّكبة الهلاليّة، وصاحب ديوان "اقتراح القريح واجتراح الجريح" في رثاء ابنه عبد الغني، وهو ديوان يصوّر الأبوّة الملتاعة بفقد فلذة الكبد.
وهو صاحب الرّائية في 212 بيتا في قراءة نافع، وتسمّى القصيدة الحصريّة، وهي من الشّعر التعليميّ في فنّ القراءات.

من كتاب أبو الحسن علي الحصري
للدكتور أحمد الطويلي (بتصّرف)

[يتبع][/align]

أسماء بوستة 29 / 12 / 2009 59 : 09 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
[align=justify]خديجة بنت الإمام سحنون

هي خديجة بنت الإمام سحنون بن سعيد التنّوخي حامل لواء مذهب مالك بالمغرب .

قال عياض: كانت خديجة عاقلة عالمة ذات صيانة ودين " وكان أبوها يحبّها حبّا شديدا ويستشيرها في مهمّات أموره حتّى أنه لما عرض عليه القضاء، لم يقبله إلاّ بعد أخذ رأيها. وكذا كان يفعل أخوها محمّد بعد وفاة أبيها ، اتصفت خديجة بالعلم كما ذكر عياض، وطبيعة أنها استمدّت معارفها من والدها. وقد كان نساء زمانها يستفتينها في مسائل الدين ويقتدين بها في معضلات الأمور لما منحها الخالق جلّ ثناؤه من كمال العقل والمدارك العالية.
قال أبو داود العطار : أرسلني أبو جعفر أحمد بن لبدة ابن أخي سحنون لأخطب له خديجة من أبيها، وكانت من أحسن النساء وأعقلهنّ، فذكرت ذلك لسحنون فقال لي: هممت بذلك، وسكت ، ثم أتاه ابنه محمد فاستشاره ولم يجب الخطبة.

وتوفّي سحنون فأرسلني ابن لبدة إلى محمد ، فذكرت ذلك له فقال : كيف أتجاسر على ما لم يضعه أبي، فسكت عنه حتى توفي محمد ، فأرسلني إليها فقالت لي : "ما لم يفعل أبي وأخي أنا أصنعه؟ لا أفعل أبدا" لعمرك إنما منع خديجة من الزواج بقريبها العالم الحياء والحشمة التي فطرت عليها وكأنها أرادت احترام نيّة والدها وأخيها ولو أدّى ذلك الانقباض إلى تضحية شبابها والاقتصار على أشغال حياتها، بما يرضي الربّ من صلاة وعبادة ونصيحة وإفادة، حتى ماتت وهي بكر في حدود سنـ270ـة هـ، ودفنت حذو أبيها وأخيها بمقبرتهم المشهورة بهم خارج مدينة القيروان.


ابن شـرف القيروانـي

(368 -460 هـ / 1000 -1067)
( أبو عبد اللّه محمّد )

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي سعيد بن شرف الجذامي القيرواني. وصفه ياقوت بالأديب الكاتب الشّاعر. تتلمذ لأبي الحسن القابسي وأبي عبد اللّه محمّد بن جعفر القزّاز، وأبي إسحاق إبراهيم الحصري. وكان مع ابن رشيق من المتقدّمين عند المعزّ بن باديس أمير إفريقية، متنافسين ومتهاجيين. وذكر ياقوت في ترجمة ابن رشيق أنّه كانت بينهما "مناقضات ومحاقدات".ومن طريف ذلك أنّ ابن رشيق كان أحول وابن شرف كان أعور فقال ابن رشيق :

لابدّ في العور من تيه ومن صلف *** لأنهم يبصرون النّاس أنصافا
وكلّ أحول يلفى ذا مكارمة *** لأنهم ينظرون النّاس أضعافا


غادر القيروان مع المعزّ بعد سقوطها بأيدي الهلاليين فأقام مدّة بالمهديّة ثمّ غادر إلى صقلّية حيث مكث مدّة مع ابن رشيق، ثمّ خرج إلى الأندلس مخالفا صاحبه ابن رشيق الذي فضّل الهجرة بصقلية قائـلا:

ممّا يزهدني في أرض أندلس *** أسماء مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد


فأجابه ابن شرف بقوله :

إن ترمك الغربة في معشر *** قد جبر الطبع على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم *** وأرضهم ما دمت في أرضهم


جاء في "معالم الإيمان" في تقديم هذه الأبيات: (فمن ذلك ما قال أبو عبد اللّه محمّد بن شرف في قصيدة وصف ما كان من صيانة الحريم فيها، ثم ما صارت إليه من الانكسار في الحلّ والتّرحال، وركوب ظهور الخطوب والأهوال).

وكانت له حياة بالأندلس، حيث تردّد على ملوك الطّوائف، وتوفي بإشبيلية 460 هـ/ 1067. ومن رائق شعره قوله في ليلة أنس باردة ممطرة :

ولقد نعمت بليلة جمد الحيا *** في الأرض فيها والسماء تذوب
جمع العشاءين المصلّي وانزوى *** فيها الرقيب كأنّه مرقوب
والكأس كاسية القميص يديرها *** ساق كخوذ كفّه مخضوب
هي وردة في خدّه وبكأسها *** الدريّ منها عسجد مصبوب
منّي إليه ومن يديه على يدي *** الشّمس تطلع تارة وتغيب


من أعمالـه "مسائل الانتقـاد" نشرها شارل بللا "Charles Pellat" مع ترجمة فرنسيّـة (الجزائر 1953) وكان عبد العزيز الميمني نشر بعضا من شعره في كتابه "النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف" ( القاهرة 1924 ) .

يقول في مقدّمة "مسائل الانتقـاد":
(هذه أحاديث صغتها مختلفة الأنواع، مؤتلفة في الأسماع، عربيّات المواشم، غربيات التّراجم، واختلقت فيها أخبارا فصيحات الكلام، بديعات النظام،لها مقاصد ظراف، وأسانيد طراف يروق الصغير معناها و الكبير مغزاها).

وهي مقامات في النقد الادبي، منها قوله في ابن هاني الأندلسي: (وأما ابن هاني محمّد الأندلسي ولادة، القيرواني وفادة وإفادة، فرعديّ الكلام، سرديّ النظام، متين المباني غير مكين المعاني، يجفو بعطنها عن الأوهام، حتى تكون كنقطة النظام، إلاّ أنّه إذا ظهرت معانيه في جزالة مبانيه، رمى عن منجنيق يؤثر في النّيق. وله غزال قفري لا عذري، لا يقنع فيه بالطيف، ولا يشفع فيه لغير السيف، وقد نوّه به ملك الزّاب وعظّم شأنه بأجزل الثّواب، وكان سيف دولته في إعلاء منزلته، من رجل يستعين على صلاح دنياه بفساد أخراه، لرداءة عقله ورقّة دينه، وضعف يقينه، ولو عقل لم تضق عليه معاني الشعر يستعين عليه بالكفـر).

مـن أهـمّ مؤلفـات ابـن شـرف:
- أبكـار الأفكـار
- أعـلام الكـلام
- مسائـل الانتقـاد
- ديـوان ابن شرف القيرواني

عن كتاب: القيروان في قلوب الشعراء
بيت الحكمة 2009


أسماء بنت أسد بن الفرات

أسماء بنت أسد بن الفرات عالم إفريقية و قاضيها وصاحب الإمامين أبي يوسف يعقوب ومالك بن انس.
نشأت أسماء بين يدي أبيها – ولم يكن له سواها – فأحسن تهذيبها وثقّـف ذهنها علمًا وحكمة وكانت تحضر مجالسه العلمية في داره وتشارك في السؤال والمناظرة حتى اشتهرت بالفضيلة ورواية الحديث والفقه على رأس أهل العراق أصحاب أبي حنيفة.

ولما تقلّد أسد إمارة الجيش المعدّ لفتح جزيرة صقلية على عهد زيادة الله الأول، و هرع الناس لتشييعه وقد نُشرت البنود والألوية وضربت الطبول والأبواق خرجت أسماء لوداع أبيها وأوصلته إلى سوسة حتى ركبت الأجناد الأساطيل العربية وبقيت معه إلى أن غادرت السفن المرسى باسم الله مجراها ومرساها.

وأتاح الله للقاضي الأمير أسد من النصر العزيز والفقه المبين في قلاع تلك الجزيرة وحصولها ماخلّد له في التاريخ أعظم فخر وأشرف ذكر.
واستشهد أسد – سنة 213 هـ وهو محاصر لمدينة سرقوسة عاصمة الروم بصقلية واللواء بيده اليسرى والسيف مسلول باليمنى و هو يتلو قول الله تعالى: "إذا جاء نصر الله".

وبعد وفاة أسد تزوّجت أسماء بأحد تلاميذ أبيها وهو محمـد بن أبي الجـواد الذي خلف أستـاذه في خطـة القضاء و تولّى رئاسة المشيخة الحنفية بالبـلاد الإفريقيـة سنة 225 هـ. ثمّ تخلّى عن القضاء ولحقته محنة من خليفته إذ، اتهمه بمال الودائع وسجنه وبينما ابن الجواد في محبسه، إذ جاءت زوجه أسماء للقاضي الجديد وقالت له:
"أنا أهب هذا المال المزعوم يقضيه عن نفسه " فقال القاضي: إن أقرّ أن ذلك هو المال أو بدل منه أطلقته.
فامتنع ابن أبي الجواد من الاعتراف و أبى القاضي إطلاقه.
ثم بعد حين عزل ذلك القاضي وعاد زوج أسماء إلى منصبه الأول ولم يؤاخذ سلفه بما فعل معه منّةً منه وتكرّما.
ولم تزل أسماء الأسدية معظّمة معزّزة عند الخاص و العام من بيئة عصرها، إلى أن توفّيت في حدود سنة 250 هـ.


أم البنين الفهرية

بينما كان بنو الأغــلب يواصلون السعي في مدّ سلطانهم على إفريـقية الشمالية و جزائر البحر المتوسط إذ ظهرت بالمغرب الأقصى دولة عربية توصّلت إلى فصل تلك البلاد عن ملك الأغالبة و استقلت بها و هم: الأدارسة العلويون: و لمّا توطّد الأمر لأفراد هذه الأسرة، رغبوا في جلب بعض البيوتات العربية تعزيزا لجنابهم واستئناسا بقربهم...

ففي أيام إدريس الأصغر قـصَدت المغرب الأقصى وفود من عرب إفريقية و الأندلس نازحين إليه و ملتفّين عليه فسُرّ بوفادتهم... و لم تزل الوفود تتوارد على هذا الأمير حتى ضاقت مدينة (وليلي) – و كانت عاصمته – فأراد أنّ يتّخذ مدينة لسكناه و نزول خاصّته فاختطّ مدينة فاس – سنة 192 هـ – و جعلها قسمين يفصل بينهما نهر سبو. و سمّى القسم الأول (عدوة القرويين) نزول العرب الوافدين من القيروان بها وكانوا زهاء 300 بيت، و دعا القسم الثاني (عدوة الأندلس) و انتقل إدريس لسكنى عدوة القرويين...

أم البنين الفهرية: بانية مسجد القرويين بفاس


و من بين العرب النازحين إلى المغرب الأقصى مع تلك الوفود إمرأة صالحة من أهل القيروان تسمّى"فاطمة بنت محمّد الفهري"، و تكنّى "أم البنين" نزلت في أهل بيتها بعدوة القرويين على عهد إدريس الثاني، و بعد مدّة مات زوجها و إخوتها فورثت منهم مالا جسيما، و كان من الحلال الطيّب، فتعلّقت همّتها الشمّاء بصرفه في أعمال البرّ، و عزمت على بناء مسجد تجد ثوابه عند الله في الآخرة ("يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا")، فاشترت أرضا بيضاء قرب منزلها بالقرويين، كان أقطعها الأمير إلى رجل من هوّارة و شرعت في حفر أساس المسجد و بناء جدرانه بالطابية و الكذّان. و كانت الطريقة التي سلكتها في بنائه أنها إلتزمت أن لا تأخذ التراب و غيره من مادة البناء إلاّ من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها ممّا هو خارج عن مساحتها، فحفرت كهوفا في أعماقها و جعلت تستخرج الرمل الأصفر الجيّد و الحجر الكذّان و الجصّ و تبني به، تحرّيا منها أنّ تدخل شبهة في تشييد المسجد، ثم أنها انبطت بصحنـه بئـرا حلـوة للبنـاء و الشراب. فجـاء المسجـد محكـم البنـاء، فسيح الأرجاء، ذا رونق و بهــاء، و لم تزل فاطمة القيروانية صائمة من يوم شرع في بنائه إلى أنّ تمّ، و صلّت فيه شكرًا لله تعالى و امتنانا لفضله الكريم الذي وفقها لأعمال الخير و ذلك يوم السبت فاتح رمضان من سنة 245 هـ. قال ابن خلدون: "فكأنّما نبّهت عزائم الملوك من بعدها"، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

و قـد عـادت بركة نيـّتها الصالحة و ورعـها علـى هذا المسجد حتى كان منه ما تـرى اليوم، إذ هو (جامع القرويين) الشهير و المعهد الديني المعتبر، أكبر كليّة عربية في البلاد المراكشية.

و قال ابن أبي زرع: هما أختان فاطمة أم البنين و مريم أم القاسم بنتا محمد الفهري القيرواني، بَـنَـت فاطمة (جامع القرويين) المذكور و بَـنَـت مريم (جامع الأندلس) من مال حلال طيب موروث عن أبيهما و إخوتهما. فلم يزل المسجدان على ما بنتهما الأختان بقية أيام الأدارسة حتى انقضت أيامهما...
إنّ هذه التقوى و هذا الزهد، و إن كان أليق بمثل الأختين القيروانيتين وأجدر بمن كان حيّا في العصر الإسلامي الأول، إلاّ أنّ في عملهما المبرور عظة و عبرة لو تذكّرها الخلف، نظر الله وجههما و شكر صالح سعيهما بمنّه وكرمه.

عن كتاب "شهيرات تونسيات" لـحسـن حسني عبد الوهاب.

إبراهيم بن الأغلب

إبراهيم بن الأغلب بن سالم التميمي هو مؤسّس أوّل سلالة حاكمة مسلمة بإفريقيّة. وقد دام حكمها أكثر من قرن، من 800 إلى 909.وهو من تميم،وهي قبيلة من شمال الجزيرة العربيّة. وقد كان والده حاكما على إفريقيّة سنة 765.

وقد تابع تعليما جيّدا ملائما في الفقه ولكنّه فضّل مهنة الجيش وفيها أصبح قائدا لامعا. وعاش إبراهيم بن الأغلب في إقليم المزاب إلى أن عيّنه الخليفة هارون الرّشيد واليا على القيروان. وقد اشترط أن يكون الحكم وراثيّا لصالح أبناءه وأجيب طلبه.

وتولّى حكم القيروان من سنة 800 إلى سنة 812 فكان يسيّر شؤون الرعيّة بكلّ ما عرف عنه من خصال العدل والرّحمة. وقد بنى على بعد ميلين من مدينة القيروان قصرا منيعا هو "العباسيّة" تحرسه حامية بها خمسة آلاف جندي أسود مهمّتهم مقاومة كلّ الثورات وحركات التمرّد المحتملة.

تميّز عهده بالسّلم. وقد خلفه أبناؤه؛ فحكم عبد الله الأوّل من سنة 812 إلى سنة 817 ثمّ زيادة الله بين سنتي 817 و 838.


عقبة بن نافع

هو قائد عربي أرسله الخليفة معاوية سنة 670 لفتح طرابلس وإفريقيّة. فأسّس القيروان و جامعها واتخذهما قاعدة عسكريّة منها تنطلق الفتوحات الجديدة. وبعد أن عزله والي مصر سنة 674، أرسله من جديد الخليفة يزيد بن معاوية إلى إفريقيّة سنة 681.

و قد قاد حملة عسكريّة وصل على إثرها شاطئ المحيط الأطلسي وهو آخر حدّ للعالم المعروف في ذلك العهد. وعند عودته من هذه الحملة العجيبة الأطوار، فتله القائد البربري كسيلة في معركة تهودا (تسمّى اليوم سيدي عقبة) قرب بسكرة عند سفح جبال الأوراس وذلك عام 683.

كان عقبة رجلا صالحا وشجاعا وبطلا مقداما ورجلا فاضلا يبني المدن ويفتح البلدان. وهو من أشهر رجال الإسلام خلال القرن الأوّل للهجرة.
إنّ موته في كمين أحاط شخصيته بهالة من التّقدير الذي يكنّه الجميع للشهيد.

أسد بن الفرات

قبل أن يشتهر أسد بن الفرات بحملته على صقلّية التي خاضها كقائد متنصر سنة 827، وعمره ستّون سنة. كان فقيها يعرف بعلمه ورأيه. وهو من أصل فارسي؛ ولد بخرسان سنة 759. وقد رافق والده وهو شاب صغير حين جاء إلى إفريقيّة سنة 766.

درس الفقه على العالم علي بن زياد (توفّي عام 799) وهو تلميذ الإمام مالك بن أنس بالمدينة ومؤسّس جامعة جامع الزيتونة الكبير ب تونس. وفي عام 788، رحل إلى الشرق حيث تلقى دروس تلامذة الإمام أبي حنيفة، صاحب المذهب الحنقي، بالعراق. وسافر بعد ذلك إلى المدينة حيث تتلمذ على الإمام مالك بن أنس نفسه.

وبعد هذه المرحلة، ألّف كتابه المشهور "الأسديّة" نسبة إلى اسمه. وهو بمثابة مدوّنة فقهيّة وعقائديّة وازنت بين المذهبين المالكي بالمدينة والحنفي بالعراق.

وبرجوعه إلى القيروان تفرّغ للتّدريس. وكانت مدرسة القيروان الفقهيّة التي أسسها تمثل النخبة الأغلبيّة الجديدة ومنها الإمام سحنون. وفي سنة 819، عيّنه الأمير زيادة الله الأوّل قاضيا أكبر على إفريقيّة.

وفي عام 827، سمّاه نفس الأمير قائدا على الجيش الذي سيقوم بحملة على صقلّية. كانت خطبة وداعه نصّا شهيرا ثبت عبر التّاريخ. وبعد أن نزل بمدزارا، استطاع أن يحتلّ بسرعة مدن جنوب صقلّية. ولم تصمد أمامه إلاّ مدينة سرقسطة. ورغم التعزيزات التي تمّ مدّه بها من تونس، فإنّ حملته تعثّرت. فقد أباد جيشه طاعون ساحق. وفي صيف 828، قضى المرض على أسد بن الفرات تحت أسوار سرقسطة أي في المكان ذاته الذي مات فيه القائد القرطاجي ماقون. وصارت له في نفوس النّاس مكانة الشهداء.

عبد الله بن أبي زيد القيرواني

310 هـ/ 922 -923 م – 386 هـ /996 م

عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمان النفزي القيرواني أبو محمد.
كانت نشأته ودراسته بالقيروان، وهي في عصره وارثه تراث العلوم الشرعية، تحتضن كثيرا من أعلام المذهب المالكي، وتخضع لسلطان العبيديين، ثم لسلطان بني زيري الصنهاجيين الذين بدأ حكمهم عندما انتقل أبو تميم المعز إلى مصر سنة 362 هـ، واستخلف بلكّين أبا الفتوح يوسف بن زيري بن مناد الصنهاجي.

تلقّى ابن أبي زيد العلم بجامع عقبة بن نافع وبغيره من المواطن التي يبث فيها شيوخ القيروان دروسهم في مختلف فنون العلم، ومنها بيوتهم الخاصة، وقد كان من أشهر شيوخه:

- أبو الفضل العباسي بن عيسى الممسي، وهو فقيه فاضل يجيد الجدل والمناظرة.
- أبو سليمان ربيع بن عطاء الله نوفل القطان، من الفقهاء النسّاك، متبحّر في علوم القرآن والحديث.
- أبو بكر محمد بن محمد بن اللبّاد القيرواني، وهو حافظ جمّاع للكتب، مع حظّ وافر من الفقه، وكان ابن أبي زيد ملازما له مختصا به.
- أبو يعرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني المؤرخ الشهير وثقة صالح، عالم بتراجم الرجال.
- أبو عبد الله محمد بن مسرور العسّال الشهير بعلمه وصلاحه.
- أبو العباس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن إسحاق الأبيّاني عالم إفريقية في زمانه وحافظ المذهب بها.
- أبو محمد عبد الله بن محمد بن مسرور التجيبي المعروف بابن الحجّام القيرواني، وهو محدّث فقيه جمّاع للكتب، مصنّف في أنواع العلوم...
وسمع ابن أبي زيد من كثير من الرواة أمثال الحسن بن نصر السوسي وعثمان بن سعيد الغرابلي وحبيب بن أبي حبيب الجزري.
ولابن أبي زيد رحلة مشرقية، أدّى فيها فريضة الحجّ وسمع فيها من بعض الأعلام، مثل ابن الأعرابي وابن المنذر وأبي علي بن أبي هلال و أحمد بن إبراهيم بن حمّاد القاضي.

وكانت له عناية بالرواية والإسناد، وقد أجازه بعض مشاهير عصره في مراكز علمية مختلفة، منهم أبو اسحاق المالكي المصري، أبو بكر الأبهري المالكي العراقي وأبو زيد المروزي وأبو سعيد الأعرابي.

وأسانيده عالية فيما رواه من أحاديث ومن الكتب الفقهية التي تعدّ من أمهات المذهب، وقد اعتمدها في كتابه "النوادر والزيادات" الذي ذكر في مقدّمته سنده إلى مؤلّفيها.
فالمستخرجة حدّثه بها أبو بكر العتبي.
والمجموعة حدّثه بها دارس بن أبي مطر عن محمد بن المواز
والواضحة رواها عن عبد الله بن حبيب.
وكتاب محمد بن سحنون سنده فيه عن محمد بن موسى عن أبيه عن ابن سحنون.
وكانت الكتابة إحدى وسائل اتصاله بالمشيخة، من ذلك أنه كتب إلى القاضي أبي بكر الباقلاني عالم العراق يستفسره في قضية الكرامات، فأجابه بتأليف خاص في هذا الموضوع، والداعي إلى هذا الاستفسار أنّ بعضهم نسب إليه نفي كرامات الأولياء، عندما ألّف في الإنكار على رجل يدّعي خوارق ويقول أشياء تنفر منها العقول، وقد تأوّل الباقلاني كلام ابن أبي زيد، وقال في صدر التأليف الذي ردّ به على الاستفسار: شيخنا أبو محمد رضي الله عنه متسع العلم في الفروع، مطلع على جمل من الأصول لاينكر كرامات الأولياء ولا يذهب مذهب المعتزلة.

وكان علماء المغرب والأندلس عندما يرحلون إلى الحرمين للحجّ والزياة يتوقفون بالقيروان لمذاكرة علمائها وتبادل الإجازة والحوار في بعض المسائل الفقهية.

و بفضل المناخ العلمي القيرواني والرحلة المشرقية لابن أبي زيد والصلات العلمية والمذاكرات، اجتمعت له ثروة زاخرة من النقول والمأثورات، ومُهّدَ له سبيل الاجتهاد الفقهي والنظر العقلي وبلغ رتبة علمية سامية، قبل أن يتجاوز العقد الثاني من عمره، ثمّ زكت ملكته الفقهية، ممّا هيّأ له أن يؤدي أكبر الخدمات لمذهبه المالكي.

وقد كان يتمتع بحظوة لدى الشيوخ، لما ظهر عليه من بوادر النبوغ، فقد كان الشيخ أبو إسحاق السبائي يتيح له أن يتذاكر بمحضره مع الطلبة والعلماء الذين كانوا يرجعون إليه، فيما أشكل عليهم من المسائل العويصة.
وكان شيخه التجيبي أهداه ثلث ما بخزائنه من الكتب الوفيرة، عندما مرض وخشي استيلاء السلطان الشيعي عليها.
وممّا يدلّ أيضا على مكانته السامية لدى شيوخه ما حلاه به أستاذه أبو العباس الإبياني، فقد قال عنه بعد أن اجتمع به وحاوره: (رأيت شابا عاقلا كاملا فاضلا، لو وزنت الجبال الرواسي بعقله لرجحها).
و قد توالت شهادات معاصريه ومن بعدهم، تمجّد خصاله وتبرز جوانب نبوغه.
وقال القاضي عياض: (كان أبو محمد أبي زيد من أهل الصلاح والورع والفضل).
وممّا اشتهر به عبد الله بن أبي زيد القيرواني، الجود والكرم وكثرة البذل للفقراء والغرباء والطلبة، وإعانة المحتاجين.
ابن أبي زيد: رائد المدرسة الفقهية المالكية
أمّا أثره في خدمة المذهب المالكي ودعمه فهو يتجلى في مجالات عديدة، كالتدريس والمذاكرة والتأليف والاجتهاد والفتوى، وقد أهّله لخوض هذه المجالات زاده الوافر من المعرفة الشرعية والثقافة الإسلامية وسعة اطلاعه على الآثار والروايات المتعلقة بالفروع المالكية والنقول عن إمام المذهب وأصحابه، ويضاف إلى ذلك فصاحة لسانه وبارع أسلوبه وحسن بيانه وغزارة حفظه.

اشتهرت في القيروان مجالس دروسه، وكانت تفتتح بأسئلة متعلقة بمسائل دقيقة عويصة، يشجّع طلبته على إلقائها، تارة ويصوغ هو بنفسه ما يتوقع منها تارة أخرى، ثم يجيب بما يشفي غليله ويقنع العقول. وكان الإقبال على هذه المجالس ملحوظا، فبالإضافة إلى طلبة القيروان وإفريقية، كانت الرحلة تشد إليها من أقطار مختلفة. فكثيرون هم طلبته الإفريقيون والصقليون ومن فاس وسجلماسة والأندلس وكانوا يحرصون على سماع مؤلفاته وحملها عنه رواية وإجازة.

ولابن أبي زيد حرص على دعم الصلة بتلاميذه بعد أخذهم عنه، فهو يفتيهم فيما يسألون عنه، ويكتب إليهم. وقد ذكر القاضي عياض من بين مؤلفاته، رسالة إلى أهل سجلماسة في تلاوة القرآن.
و مؤلفاته كان لها انتشار واسع في أقطار المغرب والأندلس، وهي في أغلبها مصنّفات فقهية تخدم المذهب المالكي وتفصّل أحكامه وتعرض آراء رجاله، ومواقف إمامه من مختلف القضايا المستجدّة، وتأويله للنصوص وأصوله المعتمدة في الاستنباط.
وتناولت بعض مصنفاته أصول الدين والقرآن الكريم والزهد والرقائق والردّ على المبتدعين.
ومن مصنفاته الفقهية ما تناول الأبواب المعهودة في العبادات والمعاملات كلّها، ومنها ما اهتم بموضوعات معيّنة يبحثها بتعمّق ويعرض أحكامها و يبدي اجتهاده في مسائلها.

و كان المعوّل في المجال الفقهي في المراكز المالكية على ثلاثة من الكتب نالت أوفر الحظّ من الدراسة والاهتمام طيلة قرون بعد عصر مؤلفّها ابن أبي زيد و هي:

- النوادر والزيادات على ما في المدّونة من غيرها من الأمهات
- مختصر المدوّنة الكبرى للإمام سحنون
- الرسالة الفقهية

فالكتاب الأول: يقول عنه ابن خلدون (جمع ابن أبي زيد جميع ما في المذهب من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب "النوادر" فاشتمل على جميع أقوال المذهب، وفروع الأمهات كلّها في هذا الكتاب).
و هكذا كان هذا الكتاب موسوعة للفقه المالكي يستفيد منها مَن تقدّمت له عناية بالفقه واتسعت له دراية، لاشتماله على اختلاف علماء المذهب، كما صرّح مؤلّفه في مقدمته.

والكتاب الثاني: لئن كان من المصنّفات العديدة التي وضعها أعلام المذهب على المدوّنة الكبرى شرحا وتلخيصا وتهذيبا وتعقيبا، فإنه كان من أهمّها وأكثرها ذيوعا في ربوع المراكز المالكية.

والكتاب الثالث: هو أشهر كتب ابن أبي زيد وأوسعها انتشارا لدى أتباع المذهب، وهو رسالة تلخص في مقدّمتها أحكام العقيدة وفي أبوابها أحكام الفقه المالكي، وهي باكورة إنتاج ابن أبي زيد ألّفها في سنّ الحداثة باقتراح الشيخ المؤدب أبي محفوظ محرز بن خلف الصدفي وجعلها للمبتدئين.
وقد استقطبت هذه الرسالة اهتمام كثير من الشرّاح من بلدان مختلفة وأنّ ذلك هيّأ لها العناية الفائقة وجعلها كتابا مدرسيا يُقبل الطلبة عليه ويقوم الشيوخ بتدريسها.
وهناك مظهر آخر للاهتمام بالرسالة يتجلّى في ترجمتها إلى لغات حيّة، كالفرنسية والانجليزية.
و كانت "الرسالة "من المقرّرات التي تدرّس بالقرويين والزيتونة وغيرها من مؤسسات التعليم الديني بالبلاد التي ينتشر فيها المذهب المالكي.

ولعبد الله بن أبي زيد مؤلفات أخرى:
الاقتداء بأهل السنّة – البيان في إعجاز القرآن – تفسير أوقات الصلاة – التنبيه على القول في أولاد المرتدّين- الثقة بالله والتوكل على الله – الذّبّ عن مذهب مالك....

وكانت وفاة ابن أبي زيد في شعبان سنة 386 هـ (سبتمبر 996 م) على الصحيح- وصلّى عليه أبو الحسن القابسي بالريحانية ودفن بداره، ومازال مقامه معروفا بالقيروان، وتضّم اليوم داره روضة لتعليم الصبيان وقد رثاه كثيرا من أدباء القيروان.

دائرة المعارف التونسية – بيت الحكمة – قرطاج –
محمد أبو الأجفان
[يتبع]
[/align]

أسماء بوستة 29 / 12 / 2009 58 : 10 PM

رد: القيروان عاصمة الأغالبة و رابع مدينة مقدّسة في الإسلام
 
[align=justify]الإمام سحنون
صاحب "المدّونة" ورائد المدرسة المالكية في إفريقية والغرب الإسلامي

160 هـ/ 776 م – 240 هـ / 854 م

سحنون – واسمه عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنّوخي أبو سعيد. ولد بالقيروان سنة 160 هـ. وتلقّى العلوم بإفريقية على البهلول بن راشد وعلى أسد بن الفرات وعلي بن زياد.
ثمّ توجه لطلب العلم إلى المشرق سنة 188 هـ، فزار مصر والشام والحجاز، وأخذ الفقه عن فطاحل تلك الأمصار مثل عبد الرحمان بن القاسم وأشهب ووكيع بن الجرّاح وغيرهم.

وعاد إلى بلده سنة 191 هـ، فأظهر علم أهل المدينة ومذهب مالك بن أنس. وهو أوّل من ركّزه بإفريقية مركزا ثابتا. وعندما اشتهر الإمام سحنون وذاع صيته راوده الأمير محمد بن الأغلب حولا كاملا على خطة القضاء، حتى قبل منه الولاية سنة 234 هـ على شروط منها : إطلاق يده في تنفيذ الأحكام الشرعية على أقاربه من بني الأغلب ورجال دولته، ومنها إلزام المتنازعين من البيت المالك بالحضور لديه مع الخصوم ، فقبل الأمير الأغلبي شروطه كلّها وانتصب سحنون وباشر الحسبة والمظالم بنفسه، ووفّى العدل حقّه إلى أن لقّب ب "سراج القيروان".
ولم يمنع سحنونَ مباشرتُهُ للأحكام من بثّ العلم ونشره ، فكان يحضر مجالسه بجامع عقبة طلبة من جميع الأقطار المغربية والأندلسية، يروون عنه أصول الدين وفروعه. وقد عُدّ له نحو سبعمائة رجل بالآفاق تخرّجوا عليه.

وتوفّي في رجب سنة 240 هـ / 854 م .ودفن بالقيروان وضريحه – رحمه الله- مشهور للخاصّ والعام.

وقد اشتهر الإمام سحنون بكتابه المرجع وعنوانه : "المدّونة الكبرى" حيث جمع فيها مسائل الفقه على مذهب مالك بن أنس وهو مذهب يقوم على مبادئ الاعتدال والتسامح والوسطية والتيسير.

وإنّ مخطوطات المدّونة كثيرة وكذلك شروحها ومختصراتها. وطبعت المدوّنة الكبرى طبعتين في سنة واحدة ( 1324 هـ)، إحداهما بعناية الحاج محمد ساسي المغربي في مطبعة السعادة،(6 مجلّدات) والأخرى بعناية عمر الخشّاب في المطبعة الخيرية (4 مجلّدات).
ونشر بوسكي ملخّصا لمسائلها بالفرنسية في حولية معهد الدراسات الشرقية بالجزائر(1958 م)و(1959م ) و(1969م ).

عن كتاب العمر في المصنّفات والمؤلفين التونسيين
تأليف العلاّمة حسن حسني عبد الوهاب
مراجعة و إكمال : محمد العروسي المطوي و بشير البكّوش


ابن رشيق القيرواني

هو حسن بن رشيق، مملوك من موالي الأزد. ولد بالمحمّدية سنة 390 هـ ونشأ بها يسيرًا. وعلّمه أبوه صنعته، وهي الصياغة، وقال الشعر قبل أن يبلغ الحلم. وتاقت نفسه إلى التزيّد من ذلك و ملاقاة أهل الأدب فرحل إلى القيروان سنة 406 هـ ، فأخذ عن جلّة علمائها، أشهرهم وأبرزهم أثرًا فيه و في مؤلفاته :

-أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي المعروف بالقزّاز.
- أبو محمّد عبد العزيز بن أبي سهل الخشيني البقّال.
- أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم الأنصاري الحصري.

كان أول اتصاله بالبلاط الصنهاجي –او علي الأصح بالأمير المعزّ بن باديس سنة 417 هـ، حين تقدّم إليه بقصيدة مدحه بها وذكر بناءً ابتناه في قصره بصبرة مطلعها:

ذمت لعينك أعين الغزلان *** قمر أقرّ لحسنه القمران

ومن هنا بدأت صلته بالبلاط الصنهاجي تتوثق وتتجذّر ويزداد المعزّ تحقيقا من مكانته الأدبية ومحلّه من قول الشعر فيُدْنيه و يقرّبه إليه، فيبادر ابن رشيق إلى امتداحه بقصيدة تكون له مدخلا إلى البلاط من بابه الواسع.

ويغيب ابن رشيق في خضمّ الأحداث والفتن التي داهمت القيروان فينشغل بها أو تشغله هي عن الناس والدنيا، حتى إذا انتقل المعزّ من القيروان إلى المهدية فارًا بأهله وحرمه وما خفّ من مال وتلاد، وكان من هول ما أصابه –ضيّق الصدر، سريع الغضب، مضطرب البال، تحيط به الفتن من كلّ جانب، فيحاول المحيطون به واللائذون بحرمه تعزيته وتسليته، فيتقدم ابن رشيق إليه بقصيدة مطلعها:

تثّبت لا يخامرك اضطراب *** فقد خضعت لعزّتك الرقاب

فيثيره أول لفظ فيها "تثّبت" ويغضبه ويخاطب منشده بقوله: متى عهدتني لا أتثبّت؟ إذا لم تجئنا إلاّ بمثل هذا فمالك لا تسكت عنّا ؟ و أمر بالرقعة التي كانت فيها القصيدة فمزّقت وأحرقت، فيتأثر ابن رشيق من هذا الصنيع ويخرج على وجهه ميمّما ما وراء البحر، وتكون وجهته صقلّية.

وتعود إلى هذه الفترة نفس قصيدته في رثاء القيروان وأوّل ما وصلنا منها:

كم كان فيها من كرامٍ سادةٍ *** بيض الوجوه شوامخ الإيمان

كما نعلم ممّا رواه القفطي في "الإنباه" أنه درّس كتاب"العمدة" في مازر، وأنّ أميرها ابن منكود- أو مطكود- تدارسه معه.
- يجزم صاحب وفيات الأعيان أنه توفي في مدينة مازر سنة 456 هت ثمّ يعقبّ عليه بذكر سنة 463 هـ و يرجحها …
- يذكر ياقوت الحموي أنه توفي بالقيروان سنة 456 هـ ويتابعه السيوطي في "بغية الوعاة" في ذلك ولا يزيد عليه.

مؤلفاته:

أ – الموجودة أو شبه الموجودة:

1* العُمْدَة في محاسن الشعر و آدابه: وهو كتاب غنيّ عن التعريف ألفه ابن رشيق برسم أحد أركان دولة المعزّ الصنهاجي أبي الحسن علي بن أبي الرجال.
وقد طبع الكتاب عدّة طبعات:
الأولى تونس سنة 1282 هت. الجزء الأول وهو ناقص
الثانية: بمطبعة السعادة بمصر (1325 هـ/ 1927 م )
الثالثة: بمطبعة أمين هندية، القاهرة (1344 هت/1925 م)
الرابعة: حققها المرحوم محمد محي الدين عبد الحميد ونشرتها المكتبة التجارية الكبرى (ط أولى 1934– ط ثانية 1955 )

2* كتاب: قراضة الذهب في نقد أشعار العرب

3* أنموذج الزمان في شعراء القيروان وهو في حكم المفقود وشبه الموجود

أمّا كتبه المفقودة فهي:
طراز الأدب
الممادح والمذام
متفق التصحيف
المنّ والفداء
تحرير الموازنة
الاتصال
غريب الأوصاف ولطائف التشبيهات لما انفرد به المحدثون
أرواح الكتب
شعراء الكتّاب
المعونة في الرخص والضرورات
و يصل عدد هذه الكتب المفقودة إلى 23 كتابا من بينها ديوان شعره.
كما أن لابن رشيق رسائل في نقد معاصره ومنافسه ابن شرف.

عن كتاب أنموذج الزمان في شعراء القيروان
جمع وتحقيق محمد العروسي المطوي وبشير البكوش


ابن الجزّار القيرواني

هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد ابن الجزّار ،قد اعتبره المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب "الدرّة الفريدة من القلادة وإحدى المفاخر الدائمة للعلوم للبلاد التونسية، بل للعالم العربي بأسره".

ولد ابن الجزّار بالقيروان حوالي سنة 284 / 898م في عائلة قد اشتهرت بالطب،إذ كان والده إبراهيم وعمّه أبو بكر ابن الجزّار طبيبين،وتتلمذ على إسحاق بن سليمان فأخذ عنه معارف كثيرة. وقد برع في علوم كثيرة وخاصة الطب والطبيعة والتاريخ والفلسفة، وقد شغله الطب بصفة خاصة ممارسة عملية وتأليفا. ومن المشهور عنه أنّه كان قد فتح في منزله عيادة لمداواة المرضى وجعل في سقيفته صيدلية. وكان يُعدّ بنفسه الأدوية والعقاقير، معتمدا في ذلك خبرته الخاصة وتجربته العلمية. وقد عاش ابن الجزّار أكثر من الثمانين سنة. فقد توفي سنة 369هـ/979 – 980 م .
ألّف ابن الجزار في ضروب شتى من العلوم والمعارف، وخاصّة في الطب والصيدلة والفلسفة والتاريخ والطبيعة والأدب، وقد ذكر له ابن أبي أصبيعة من المؤلفات سبعة وعشرين عنوانا بين كتب ورسائل.

وأوّل إحصاء شامل لكتبه قام به ح ج عبد الوهاب الذي أثبت له سبعة وثلاثين عنوانا.
وقد استدرك على هذا الثّبت الأستاذ محمد الحبيب الهيلة في مقدّمة تحقيقه كتاب "سياسة الصبيان وتدريبهم"لابن الجزّار. فأحصى كتب ابن الجزار من جديد وانتهى إلى إثبات أربعة وأربعين عنوانا منها 12 عنوانا موجودا و32 عنوانا مفقودا.

فقد نسب إلى ابن الجزّار كتابا بعنوان: "المعتمد في الأدوية المفقودة" وأيضا كتابا بعنوان "كتاب المالبخوليا" وكتاب"زاد المسافرين في علاج الفقراء والمساكين" ونريد الاكتفاء بإضافة كتابين آخرين لم يذكرهما أحد من القدماء أو المحدثين وهما كتاب في "الحيوان" وكتاب في "مصالح الأغذية"ذكرهما ابن الجزّار في خاتمة كتاب "الاعتماد" وقد ألفه في زمن الخليفة الفاطمي القائم بن المهدي الذي أهداه إليه.

قسّم ابن الجزار كتابه "الاعتماد" إلى أربع مقالات، ونهج طريقة تعتبر في عصره مستحدثة بحق، وهي ترتيب الأدوية حسب درجات قواها وهي أربع : "الأولى والثانية والثالثة والرابعة "، وهذا الترتيب يدّل – بلا شك- على مدى إدراك ابن الجزّار لقوى الأدوية ومعرفته بمختلف خصائصها بل إننا نذهب إلى اعتبار كتاب "الاعتماد" أول كتاب يؤلف بالعربية في موضوع الأدوية المفردة بطريقة منهجية ولا تخلو من تعقيد ومعاناة شديدة.
وتتمثّل أهمية ابن الجزار الطبية بدون شك في كتابه "زاد المسافر" الذي عرف شهرة كبيرة جدّا منذ فترة مبكّرة، فترجم إلى اليونانية وتعاقبت ترجماته العبريّة واللاتينية.

ولقد أطنب الباحثون في الحديث عن قيمة الكتاب وحلّلوا محتوياته وبيّنوا تأثيراته في الطبّ القديم وخاصة بأوروبا في القرون الوسطى، حتى أنه أصبح بمثابة الكتاب المدرسي المتداول (مانيال) وكأنه لا غنى لأحد من الأطباء والمتعلّمين عنه.
إن موضوع "زاد المسافر" هو الأمراض ذاتها وكيفية معالجتها بالأدوية، مفردة كانت أو مركّبة.
وقسّم ابن الجزار هذا الكتاب إلى سبع مقالات مقسّمة بدورها إلى أبواب حسب أمراض الجسم:

المقالة الأولى : وهي في "الأدواء والعلل التي تعرض في الرأس".
المقالة الثانية: وهي في "الأدواء التي تعرض في الوجه".
المقالة الثالثة: وهي في "الأدواء التي تعرض في آلات التنفّس".
المقالة الرابعة: وهي في "الأدواء التي تعرض في المعدة والأمعاء".
المقالة الخامسة: وهي في" الأدواء التي تعرض في الكبد والكلى".
المقالة السادسة: وهي" التي تعرض آلات التناسل".
المقالة السابعة وهي في "الأدواء التي تعرض في داخل الجلد".

المرجع: كتاب: "بحوث في تاريخ الطبّ والصيدلة عند العرب"
تأليف الدكتور إبراهيم بن مراد
[/align]



[align=justify]صـالـح سـويسـي الشـريف القيـروانـي

الأديـب ورائـد الإصـلاح الاجـتماعـي
( 1871- 18 ديسمبر 1941)

رجل عاش بالأدب وللأدب، واستطاع- رغم رقّة حاله – أن يرفع صوته بالدّعوة إلى الإصلاح ويسخّر قلمه لغايات نبيلة ويحقّق نجاحا لا بأس به بالنّظر ألى ظروف عصره وأحوال جيله وطبيعة تكوينه.

http://www.nooreladab.com/vb/attachm...1&d=1262131774

هو أحد أدباء القيروان المعتزّين بمدينتهم الحريصين على حمل نسبتهم أليها.
ولد صالح بن عمر سويسي سنة 1871 بالقيروان، لكنه قضى جزءا من طفولته بحاضرة تونس بعد انتقال والده أليها سنة 1876 وذكر في "الدليل " أن علي العواني الشّريف الحسيني هو جدّه للأم، وهو بذلك يعتبر نفسه من "الأشراف" . حفظ القرآن بأحد كتاتيب حاضرة تونس، ثم عاد إلى القيروان سنة 1886. ولم يعرف عنه أنه تلقى تعليما منتظما، بل درج على قراءة الكتب والمجلاّت والدّواوين الشّعرية حتى تكونت له ملكة أدبية وشغف بالكتابة وبدأ في قرض الشعر، فراسل عدّة صحف شرقيّة مثل" الإسلام " و "الفنون" وأخرى تونسية مثل " الحاضرة" و" الزهرة" و " النهضة" و "الصواب".

وقد تأثّر صالح سويسي بالحركة السّلفية للسيّد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده،وابن بلده الشيخ محمد النخلي القيرواني، فكان له منزع إصلاح لا يخلو من الجرأة، مما انجرّ عنه نفية إلى مدينة توزر بالجنوب التونسي سنة 1897 لمدة ثلاثة أشهر.

الهيفاء وسراج الليل، أول قصة ألّفت بتونس

يعتبر صالح سويسي رائد القصّة بتونس إذ نشر سنة 1906 في مجلّة "خير الدين" لمحمد الجعايبي " الهيفاء وسراج الليل" أول قصة ألفت بتونس كما قدّمتها المجلة التي نشرتها فيها، وبالرّغم من أنّها ظلت مبتورة لم تتم أحداثها، يمكن تصنيفها في الأدب الإصلاحي، إذ تروي أخبار امرأة فاضلة تركية الأب عربية الأم،اسمها "الهيفاء" ولد لها ولد في جزيرة العرب بضواحي اليمامة، يدعى "سراج الليل" مات أبوه فقامت بتربيته ووجّهته إلى مصر للتعلّم واكتساب ما يلزمه من المعارف التي يدافع بها عن وطنه ودينه.

وصالح سويسي، كما يصفه بعض الذين عايشوه من أهل بلده، كان مثال الأديب المنقطع لخدمة الأدب لم يباشر عملا قطّ ولم تكن له مهنة معروفة سوى أن " شاعر" وكان يرتزق من بشعره ولا يستكنف من تسخير موهبته لأبسط الناس، وكثيرا ما شكا الفقر وسوء حظ الأديب في شعره.

قامت جلّ قصائده على الدعوة إلى الإصلاح ونبذ التقاليد الفاسدة والبدع التي تسيء إلى الدين. ولئن اشتمل ديوانه على أهمّ الأغراض التقليديّة فقد غلب عليه التغني بمدينة القيروان وتاريخها العريق والمديح النبوي والنقد الاجتماعي، يتخلل ذلك ميل إلى الشكوى المشوي بالنفور من المدينة وتفضيل حياة البداوة.

وقد أراد صالح سويسي أن يجاري محمد الخضر حسين صاحب مجلة " السعادة العظمى " الصادرة بتونس (1904- 1905) في نظم ما سمّى آنذاك " الشعر العصري"، بالخروج أحيانا عن الإطار التقليدي والأغراض المألوفة، إلا ّ أنّه اقترب من لغة العامة، خلافا للشيخ الخضر الذي كان متين الصّنعة سليم اللّغة قويّ الأسلوب.

من أعماله المنشورة :

- زفرات الضمير" : من نظم ونثر صالح السويسي المطبعة التونسية 1911.
- كتاب " منجم التبر من النثر والشعر": المطبعة الأصلية- تونس1906.
- ديوان "صالح السويسي القيرواني" الدار التونسية للنشر 1977.
- "الهيفاء وسراج الليل": الدار التونسية للنشر1978.
- " فجائع اليتامى والمساكين". سوق البلاط- تونس 1911- الدار التونسية للنشر1990.

دلـيـل القـيـروان:

صدر " دليل القيروان "، المطبوع بسوسة، سنة 1911، وهو يشتمل على قسم عربي في 93 صفحة من القطع الصغير وقسم فرنسي هو عبارة عن تلخيص بعض أقسام الكتاب، (( ترجمة)) محمد عظوم، أحد العدول المنفذين بالقيروان، أما النص العربي فقد قسمه إلى أبواب أو أقسام أربعة أطلق على الأوّلين منها اسم" بيان"، فجاء على النحو التالي:

1- أوّل من نزل القيروان من قواد جيش الصّحابة وفيه أربعة أعلام: عبد الله بن سعد بن أبي سرح ومعاوية بن حديج وعقبة بن ثابت الفهري وعقبة بن نافع.

2- المعاهد الدينّية والمعالم والمقامات الشّهيرة وفيه ذكر أشهر المساجد والأسوار والأسواق.

3- وخصّص القسم الثالث لمشاهير عظماء مقبرة الجناح الأخضر ومقبرة باب نافع ومقبرة الحطبيّة ومقبرة باب الخوخة.

4- وجعل القسم الرابع لمقامات العلماء والصّلحاء داخل سور المدينة.

وهكذا يكون القسم الأول مدخلا تاريخيا يتّصل بالفتح وأوّل الوافدين من قوّاد الجيش العربي والمؤسّسين للحكم العربي بإفريقية، والقسم الثاني يتعلّق بالمعمار، بينما يتناول القسمان الأخيران تراجم الأعلام المدفونين بالمقابر الشهيرة في القسم الثالث، ومن هم مدفونون داخل السور في القسم الرابع. ويختم الكتاب بما سماه (( النّشيد الوطني)) بقصد تلاميذ المدارس كما قال.

وصالح سويسي يسمّى نفسه في هذا الكتاب " ملخّصا " لا مؤلّفا، لأنه انتقى معلوماته من كتب التاريخ ونقلها في كثير من الأحيان بألفاظها، إلا أنّه حين أقدم على هذا العمل إنما حقّق لنفسه رغبتين ماانفك يسعى إليهما ويجلّيهما في كل ما يكتب : الأولى إبراز حبّه القوي لمدينته القيروان، واعتزازه بتاريخها وأمجادها ، والثانية إفصاحه عن منزعه الإصلاحي . لقد انخرط صالح سويسي في الحركة الإصلاحيّة السّلفية كما ذكرنا، وكان لا يفوّت على نفسه فرصة الدّعوة إلى مبادئها ومنهجها في تحليل أوضاع العالم الإسلامي والتفكير في حلول لمشاكله القائمة . وقد يستغرب القارئ من جرأته حين ينتصب ناقدا للسّلطة السياسية ورجال الدّين ويستطرد من حين لآخر لتصويب سهامه إلى جمعية الأوقاف مثلا ، والأغنياء المترفين الذي لا يحسّون بفجائع اليتامى والمساكين كما سمّاها.

إنه يؤمن بأن علماء السّلف لم يكونوا مشدّدين في الدّين ، وأنّهم كانوا حريصين على مصالح الناس وأنهم " كانوا يقولون الحق ويموتون عليه " . وقد نشأة صالح سويسي ويتمه المبكر نسبيا ، إذ فقد أباه سنة 1886 وهو في الخامسة عشرة ، من الأسباب التي رققت قلبه على اليتامى بالخصوص ، فسخّر قلمه لاستعطاف ذوي اليسار عليهم وعلى سائر البؤساء حتى خيّم على آثاره جوّ من الحزن والكآبة لكثرة ما خاض في هذا الغرض.

وإذا علمنا أنّه كان يعيش "بأدبه" أو إن شئنا يتكسّب بشعره لا على أبواب الأمراء كما كان الشّعراء، بل حتّى لدى عامة الناس ، أدركنا في هذه المجاهرة بالنقمة والغيظ من المخاطرة والجرأة.

وإضافة إلى سبقه في الكتابة القصصيّة بـ " الهيفاء وسرج الليل " فإنّه يكتسب ريادة أخرى، هي التأليف في السياحة الثقافة من خلال كتاب " دليل القيروان".

الدكتور جعفر ماجد
مقدّمة كتاب "دليل القيروان" (بتصرّف).


[يتبع][/align]


الساعة الآن 56 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية