منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصة (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=425)
-   -   مذكرات سحاب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=17430)

بوران شما 15 / 10 / 2010 18 : 11 PM

رد: مذكرات سحاب
 
الأخت العزيزة الأديبة الأستاذة زاهية بنت البحر
اسمحي لي أن أسجل تقديري وإعجابي بهذه القصة "مذكرات سحاب"
وهذا السرد الجميل والأسلوب الشيّق , وهذه المعاناة الاجتماعية التي
يعانيها شريحة كبيرة من أطفالنا , للأسف بسبب حالات الطلاق الكثيرة
هذه الأيام .
بانتظار الحلقات الجديدة , تقبلي فائق تقديري واحترامي ومحبتي .

زاهية بنت البحر 15 / 10 / 2010 39 : 11 PM

رد: مذكرات سحاب
 

http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg
مذكرات سحاب

11
أخبرتني جدتي لأبي اليوم بأن عمتي مهجة قد أنجبت بنتًا شقراء تشبهني.. فرحتُ كثيرًا بل طرت من الفرح، وطلبت من جدتي أن ترسل من يحضرني إليهم لأرى ابنة عمتي.. عمتي مهجة هي التي تعهدت تربيتي بعد أن أخذوني من أمي، لم تكن في ذلك الوقت قد تزوجت، فخصَّتني بحنانها وعطفها، وكنت أناديها بأمي، وبقيت معها في بيت جدتي إلى أن تزوجت، فأخذني والدي للعيش معه في بيته حيث سها وهدى ولم يكن سامح قد ولد بعد.. بكيت كثيرًا عندما أخذوا مني عمتي مهجة، فقد كانت صدر الحنان الذي عوضني فقدان الأم وحنانها، لم تشعرني عمتي مهجة بأنني عبء عليهم بل كانت تدللني وتحضر لي الحلويات والملابس الجميلة، وتصحبني معها أينما ذهبت، فبقيت مع جدتي العجوز وجدي إلى أن قرروا إلحاقي ببيت والدي.. أحس بأن الجميع يحبني ولكنه حب شفقة لما أنا فيه من وضع لاأحسد عليه.. أسرعي ياجدتي أريد رؤية ابنة عمتي مهجة سأحبها كما أحب سها وهدى وسامح.. وعندما رأيتها لاأدري لماذا انتابتني نوبة بكاء أخافت عمتي، فضمتني إلى صدرها وقالت لي: سحاب، نسمة هذه أختك الصغيرة، وسأحبكما معًا، رغم أنك سبقتِ نسمة بسكنى قلبي..
12
فكرت اليوم بترك كتابة مذكراتي فقد مللت منها، وتعبت من تذكر أحداثها المؤلمة، وسألت نفسي عن الفائدة التي سأكسبها من وراء كتابتها فهي ستظل سجينة الدفتر، ولن يقرأها أحد غير معلمتي، ولكنني سأكون في موقف حرج إن رأتها زوجة أبي، وقرأت ما كتبته فيها عنها، فإنها ستقيم الدنيا فوق رأسي، وستنتف شعري، ولن تسامحني أبدًا، ولكن ربما يشفع لي عندها عدم ذكري لما فعلته بي يوم حبستني في البلكونة مع الصرصور الطيار، وأنا أصرخ خائفة، وهو يحلق كسوبر مان في أجواء البلكونة الضيقة.. كان يومًا قاسيًا كدت أفقد فيه عقلي، بل كدت أموت خوفًا من هذا الصرصور الكبير الحجم كجراده.. كانت تشاهدني من خلف زجاج الباب، وتشير لي تسألني إن أنا وافقت على جلي الصحون دون احتجاج، فأشرت لها بالموافقة، فأدخلتني إلى البيت قبل أن تخرج روحي من صدري على أن لاأخبر والدي بما حدث وإلا فإنها ستضربني، فوعدتها ألا أفعل، ولو انكسر ظهري من الوقوف على الكرسي أمام المجلى، وظل الدم يسيل من يديَّ بسبب التشقق الذي أحدثه فيهما معجون الجلي وقتًا طويلا لم يلحظ أبي منه شيئًا..
13
الضجيج يملأ بيتنا الليلة، فقد تجمع عندنا أهل زوجة أبي كلهم كبارًا وصغارًا، جاءوا ليحتفلوا بعودة سها من المستشفى بعد إجراء عملية استئصال الزائدة الدودية.. قامت خالتي بتحضير بعض المأكولات والحلويات في البيت إضافة لما اشتراه والدي من السوق.. زينتْ الغرفة التي سيتم فيها الاحتفال بالبالونات وأوراق الزينة، وأشترت لسها فستانًا جديدًا وآخر لهدى، أما أنا فقد أرسلت لي عمتي هيفاء فستان ابنتها لمى لألبسه في الاحتفال.. حزنت عندما وجدت الفستان واسعًا وطويلا جدا، لمى تكبرني بثلاثة أعوام، وفستانها لايليق بي لاختلاف المقاس.. نظرت في المرآة فوجدت كتفَي الفستان أعرض من كتفيَّ، والخصر واسع جدا، فشددت الحزام وربطته كي يبدو الفستان مناسبًا لخصري.. جاءت رحاب أخت خالتي، وسرحت لي شعري الأشقر، وعقصته بشكلة كبيرة تناسب الفستان الذي أرتديه.. وقفت مع المحتفلين بهذه المناسبة أشاهد مايجري، ولكن خالتي كانت تناديني كل دقيقة، وتطلب مني خدمة الحضور، أو الذهاب إلى قرب أخي الذي لم يهدأ طوال مدة الاحتفال، وبعدما ذهب الجميع ساعدتها بترتيب البيت، وتنظيفه وجلي الصحون بينما ذهب الجميع إلى النوم.. أحسست بالجوع يقرص معدتي، فأخرجت بعض الطعام من الثلاجة، وعندما وضعت أول لقمة في فمي دخلت خالتي المطبخ، ونظرت إلي بغضب وقالت: ألا تشبعين يابنت؟ ألا تعلمين بأن أهل والدك سيأتون غدًا وسنقدم لهم هذا الطعام؟ أجبتها: هذه أول لقمة أتناولها منذ الغداء، ونحن الآن بعد منتصف الليل، قالت بغضب: أتتهمينني بالكذب ؟ وقبل أن أجيبها كانت يدها تصفع خدي فتخرج اللقمة من فمي، وعيناي تذرفان الدموع ..
14
جلست منزوية هذه الليلة على غير عادتي بوجود أهلي لأبي عندنا في البيت.. حاولت جدتي إخراجي من صمتي المقلق فلم تنجح، فاقتربت مني عمتي مهجة وسألتني بصوت منخفض عما بي فلم أجبها. ملأت لي صحنًا من الطعام الذي أحبه، فرفضت أخذه منها.. سألني والدي عما بي فلم أنطق بكلمة، حاول جدي العجوز إضحاكي ببعض النكات فلم أضحك.. كانت زوجة أبي ترمقني خلسة من بعيد، وعندما تلتقي عيوننا كنت أطبق جفوني.. اقتربت مني بهدوء، ولكزتني بكوعها في خاصرتي وهي تبتسم للحضور، فتعمدت الصراخ أمام الجميع كي أعلمهم بما فعلت بي.. أصاب أهلي القلق من جراء صراخي المفاجئ، فأسرعت عمتي مهجة وضمتني إليها وسألتني عما بي، فقلت لها بصوتٍ مرتفع وأنا أجهش بالبكاء: لكزتني في خاصرتني فآلمني قلبي.. فتعالت أصوات الاستنكار وكلمات التوبيخ لها مما جعلها تترك المكان إلى غرفتها، وكان أبي في موقف حرج لايحسد عليه محتارًا بين زوجته وتوجعي وأهله ..
15
لن أسكت لها بعد اليوم فماتفعله بي لايحتمل.. لاأدري لماذا لاتعامل ابنتها كما تعاملني ونحن متقاربتان سنًا، أنا لست خادمة لها ولا لأولادها. صحيح أنا أحب سها وهدى وسامح، ولكني لست خادمة لهم، ولسوف أتحداها كما فعلتُ اليوم إن هي عادت لمضايقتي.. سمعتها ذات يوم تطلب من والدي أن يعيدني إلى بيت جدتي، ولكنه رفض فهو لايريد أن يربي أولاده متفرقين، ليتك قبلت عرضها هذا ياأبي ليتك.. كنت سأتفرغ حينئذ لدراستي لالجلي الصحون وتنظيف أرض البيت بمكنسة تقارب طول جسدي الصغير. لقد طلبت مني ذات مرة أن أكوي بعض ملابس هدى فاحترق فستانها الأخضر، وعاقبتني بحرماني من مصروف المدرسة رغم أن أبي كان يضع النقود في يدي قبل أن أذهب إلى المدرسة، فكانت تلحق بي إلى باب البيت وتعطيني لفافة خبز فيها زعتروزيت، وتسترجع مني المصروف، وهددتني بالضرب إن أنا أخبرت والدي بذلك فلم أفعل.. ياربي أحس بالألم يقطع قلبي كلما فكرت بما أنا فيه.. وكثيرا ما أتمنى أن أكون مثل بقية الأطفال الذين يعيشون بين أبويهم فلا ينكد حياتهم مايزعجهم..
16
جهزت ثيابي وكتبي في حقيبة صغيرة أخذتها معي إلى بيت جدتي بعد أن عادت زوجة ابي إلى البيت بشرط ألا أكون فيه، اضطر والدي للرضوخ لما تريد من أجل سها وهدى وسامح، فقد رفضت جدتي لأبي العناية بهم، فهي امرأة متقدمة في السن وصحتها لاتسمح لها بذلك. أخبرني أبي ونحن في طريق ذهابنا إلى بيت جدتي، بأن بقائي عندها لن يدوم طويلا، وسيعيدني إلى البيت عندما تهدأ أمي وتنتهي المشاكل التي حصلت بسبب سوء التفاهم بيننا.. أبي يقول بأنه سوء تفاهم، ولكن هل يستمر سوء التفاهم بين امرأة طويلة و طفلة صغيرة مثلي سنواتٍ تقارب نصف عمرها ؟هذا ماأذكره من تصرفاتها معي، وما جهلته ربنا وحده يعلم به.. فرحت وأنا أدخل بيت جدتي التي استقبلتي بأحضانها الحنونة وحمدت ربي أن خلَّصني من ظلم زوجة أبي.
عندما رآني جدي في البيت زيَّنت ابتسامته وجهه المتعب، فهو يعاني من المرض منذ أكثر من شهرين..روعند الغداء وصلت عمتي بهيجة، ومها ابنتها الجميلة بسمة وجلسنا نتناول غداءنا الذي أحضرته معها من الطعام الذي أحبه، فهي تعلم بأن الملوخية هي أحب الطعام إلي.. مضى النهار وأنا ألاعب بسمة التي تشبه عمتي بهيجة، وسمعتهم أكثر من مرة يقولون بأنني أشبه إلى حدٍّ كبير عمتي..
17
حكت لي صديقتي نهاد سالم قصة عجيبة تحدثت فيها عن فتاة شابة كانت تحب قراءة القصص كثيرًا، ومما قرأته قصة عن ظلم زوجة أب لابنة زوجها، فكانت هذه الشابة تبكي بحزن شديد على الطفلة المظلومة، فقررت أن تتزوج من رجل ماتت زوجته، وتركت له طفلة صغيرة كي تربيها وتعطف عليها، ومرت الأيام وحقق الله لها أمنيتها، فقد تقدمت بها السن ولم تتزوج إلى أن خطبها رجل توفيت زوجته، وهي تلد ابنتها، فرحت كثيرًا وحمدت الله لأنه حقق لها رغبتها، وسوف تقوم بتربية الفتاة أحسن تربية، وتعطيها من وقتها واهتمامها الشيء الكثير، وكان لها ذلك فقد أحبت الصغيرة ودللتها كثيرًا إلى أن أنجبت ابنتها الأولى، فبدأت تنفر من ابنة زوجها رويدا رويدا، وتبدلت معاملتها لها من المحبة واللطف، إلى القسوة والضرب، والفتاة صابرة حتى أن أهل زوجة الأب كانوا يشفقون على الصغيرة أكثر من ابنتهم، وظلت تذيقها مرَّ العذاب إلى أن تزوجت، فأراحها الله من زوجة أبيها الظالمة التي لم تتق الله.. عندما سمعت هذه القصة من صديقتي نهاد التي كانت تواسيني ونفسها سألتها: لماذا تغيرت معاملة زوجة الأب للصغيرة بعد أن أنجبت طفلتها الأولى؟
فقالت لي نهاد: لاأدري رغم أنها هي التي تمنت الزواج من رجل له طفلة أمها ماتت..
ظل هذا السؤال يشغلني ومازال وأنا أحاول أن أجد له جوابًا يريح قلبي من الحيرة .
18
وقفتُ أمام المرآة وأنا أمشط شعري الذهبي في بيت جدتي لأمي.. كنت سعيدة جدااليوم، لأن اجتماع خالاتي وأولادهم تقرر أن يكون يوم حضوري إليهم .. صحبتني جدتي إلى السوق، واشترت لي فستانًا جميلا كي أرتديه اليوم.. أحببته جدا فأنا التي إخترته شخصيًا بلونه الأبيض والزهري الساحر، كما اشترت لي شرائط من الساتان الزهري، فرحت أضعها فوق شعري أزين بها رأسي. مازلت أنظر في المرآة بإعجاب وفرح، ودون قصدٍ مني وقع نظري على صورة معلقة على الحائط المقابل للمرآة.. نظرت إليها فرأيت وجهي والصورة داخل المرآة.. رحت أنقل النظر بين أنا وصورة والدتي تلك.. لاحظت أنني أشبه أمي إلى حد كبير.. ما أجملك ياأمي وما أرق قلبك.. لاأدري لماذا خطر ببالي أن كره زوجة أبي لي، ربما كان بسبب هذا التشابه الكبير بيني وبين والدتي.. نعم ولمَ لايكون كذلك، فوجودي عند أبي سيذكره بأمي دائما، وهي تخشى أن يعود إليها ثانية قبل أن تتزوج.. يااااه ماأذكاني من فتاة.. سأعود إلى بيت أبي مهما كان الثمن، فقد أستطيع إعادة أمي إليه عندما لاتغيب صورتها بي عن ناظريه، خاصة وأنه كما سمعت من جدتي لأبي بأنه أرغم على طلاقها وهو مازال يحبها ..
19
هرب النوم من عينيَّ الليلة، وراحت الهواجس والمخاوف تلعب بي كيفما اتفق، وكأن لها أيد ضخمة، وأصابع طويلة ثخينة، تعلقني بها من شعري، وتأرجحني في الفضاء، وأنا خائفة أريد أن أصرخ، فلاأستطيع.. أحس بأن فمي مطبق وشفتيَّ قد أخيطتا بالصمت الرهيب.. الوحدة مخيفة.. تأكل الأعصاب وتهدُّ الحيل، وبيت جدتي واسع تحيط به النوافذ المطلة على الحديقة.. كنت أسمع صوت شخيرها وشخيرجدي يأتي إلى مسمعي، وكأنه صوت عاصفة كالذي نسمعه في المسلسلات والأفلام، حتى أني كنت أتخيله صوت شبح مبحوح يناديني كي يقتلني، فأدفن رأسي تحت الغطاء، وأصابع يدي في أذني ثم أنهض من سرير عمي هاشم المسافر إلى أمريكا، فأتمشى في الغرفة بعد إضاءة النور فيها علني أخفف عن نفسي من وطأة الرعب هذا، أو يوقظ النور جدتي فتأتي إلي.. أخيرًا لجأت إلى دفتر مذكراتي في محاولة للهروب مما أنا فيه، وجلست أسجل مايخطر ببالي علني أسلي نفسي بالكتابة ريثما يداهمني النوم، ويريحني من ثقل الهواجس.. شعرت بالوحدة تنهشني بأنياب الغربة عمن حولي.. وحيدة أنا دون أم ولا أب، يتيمة وهما على قيد الحياة، ترى أيهما أصعب بالنسبة للأولاد، موت الوالدين أم طلاقهما؟
20
فرح أبي بعودتي إلى البيت كذلك سها وهدى، وعدت إلى جلي الصحون، وتنظيف الأرض، ولكن دون أن تطلب خالتي ذلك مني، فقد بدت لينة بعض الشيء بعد ماحصل سابقًا، ووافقت على عودتي إلى البيت بعد أن هددها أبي بالطلاق عندما طلبت منه جدتي وجدي ذلك، نزولا عند رغبتي وإلحاحي عليهما بدموعي الغزيرة التي تحزنهما. كان في رأسي بداية أن أنتقم لأمي بقهر خالتي زوجة أبي بعد أن فهمت لماذا تكرهني، وبدأت بالظهور أمامها دائما وأنا مسرحة شعري وابتسامة على وجهي دون أن أظهر لها تعبي، فوجدتها سعيدة بعكس ماكنت أتوقع، وراحت تمتدحني أمام والدي وتشيد بي وبما أقوم به من أعمال حتى أنها وعدتني بزيارة حديقة الحيوانات.. خاب ظني بي وبذكائي الذي حسبته عالي الكعب. ورحت أسأل نفسي عما إذا كانت تعرف أمي أو رأت صورتها يومًا.. لاأدري كيف سأعلم هذا، وأنا لا أستطيع معرفة ذلك منها، فقررت أن أسأل أبي هذا السؤال فهو يحبني ولن يغضب مني.
أجابني ودمعة تلوب فوق جفنه.. لاياسحاب لاتعرفها، فقد أرسلت لأمك كل صورها التي كانت عندي لأنها لم تعد زوجتي فلا يحق لي رؤية صورها بعد الطلاق.. فقلت له: ولكنها أمي وأنت أبي فلم يحرم عليك رؤية صورها؟
أجابني بهدوء: قلت لك ياابنتي إن الشرع يحرم ذلك، ولو كان لنا مئة ولد، فبعد الطلاق تصبح المرأة كالغريبة عن طليقها، ولايحق له رؤيتها دون حجاب هكذا أراد الله عزَّ وجل..
تأكد لي الآن أنني كنت واهمة وأن تعبي ضاع سدى، ولكني حمدت الله عزَّ وجل على أنني كسبت رضاها بما قمت به من أعمال بيَّضت وجهي أمامها.. سأتابع ماأنا عليه وأحمد الله أن ألهمني فعل الخير، فقد كان لغاية في نفسي، فلم تتحقق ولكنني كسبت حسنات بها بإذن الله .
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع
الحقوق محفوظة

زاهية بنت البحر 16 / 10 / 2010 54 : 06 AM

رد: مذكرات سحاب
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا الطويل (المشاركة 91333)
عندما قرات اول دفعة من القصة .. احسست بشئ يجذبني لإكمال جميع اسطرها....

الغريب .. انك كتبت أسطر من المعاناة المتكررة والمشاهد التي شاهدتها بعيني منها...

فكانت تضع لي كرسيا صغيرًا لأقف فوقه كي أطال الحوض الذي أنظف فيه الصحون والكاسات، ولكن يدي صغيرة لاتستطيع تنظيف الطناجر الكبيرة،

هذا المنظر.. شاهدته..وأنا في أحد الدول الــ ** وحزنت كثيرا...على تلك الفتاة الصغيرة..

وها هو المشهد يكرر نفسه في هذه السطور التي تلامس الواقع...وكأنها تجسد معاناة تلك الفئة وتلك الطفولة الضائعة بين براثن اللا قيم ولا أخلاق..

اسمحي لي بأن أسجل اعجابي بما عبر لنا قلمك عن واقع مرير.. بقدر ما اعجبني اسلوبك السردي الشفاف.. وكأن روح طفلة قد سكنت قلمك انذاك..

اعجابي وتحياتي

أهلا ومرحبا بك أختي العزيزة أستاذة دينا الطويل
القصة التي أكتبها جلُّها من الواقع القريب منى، أعرف أكثر من طفلة
تعيش هذه الحياة فسحاب هي حقيقة أحببت أن أظهرها للجميع
ليتداركوا مغبة ماقد تصل إليه النتائج من كوارث قبل فوات الأوان
بدأ كتابة هذه المذكرات قبل ثلاث سنوات وتوقفت بعد ذلك
واليوم أحس برغبة جامحة لتكملتها .
أشكرك غاليتي على تعاطفك مع سحاب
أختك
زاهية بنت البحر

ناهد شما 17 / 10 / 2010 09 : 02 AM

رد: مذكرات سحاب
 

الأديبة الرائعة زاهية بنت البحر
كم تكررت مأساة سحاب في حياتنا
لقد لامست مثل هذه ا لقصص لعدد من الأطفال ولمدة ثماني سنوات وأنا أعمل مشرفة إجتماعية في السلك التعليمي
كان هؤلاء الأطفال يعانون من اليتم ماعاناه الكثير ومن قسوة وجور زوجة الأب وأحياناً يظهر ذلك على أجساد الأطفال
فكانت هذه الزوجة تتقرب من أبناء الزوج أولاً وما أن تصل إلى والدهم وتتزوجه حتى يقع هؤلاء الابناء في براثن
هذه الزوجة المتسلطة .و الأغرب أن الأغلبية من المتعلمين و المثقفين في مجتمعنا فليس الموضوع هو الجهل ..
ولكن ربما الابتعاد عن الدين وجوهره وما حثنا عليه .. من رحمة ورأفة وحنان
اللهم اهدي الاباء والامهات وارزقهم العدل في زينة الحياة الدنيا
قصة رائعة وطريقة السرد سلسة ومشوقة في نفس الوقت
فقلمك لا يكتب عبثاً
دمت بخير

عبدالكريم سمعون 18 / 10 / 2010 36 : 02 AM

رد: مذكرات سحاب
 
الصديقة والأخت الأستاذة زاهية بنت البحر وأي بحر هذا ذاك الذي أنت إبنته
بعر من العوالم الإنسانية الإبداعية العبقرية ويفيض بمكنوناته على لسانك الذي يقطر
احرفا من نور لتشكل عند المتلقي حالات من الإنتقال إلى تلك العوالم وبدون الرغبة لذلك
الأستاذة زاهية النص جميل واستغراقك في وصف جزئيات ودقائق وتفاصيل ذكاء منك لشد المتلقي
كما يزيد جمالية النص وخاصة أنه جاء على لسان طفلة
اللغة سهلة وعذبة ورائعة إلا أنني أحسست ببعض الإطالة ولا أعرف إذا كنت توافقيني الرأي
فالنص قابل للإختزال
لك إحترامي ومحبتي وتقديري
كريم سمعون

زاهية بنت البحر 18 / 10 / 2010 53 : 02 AM

رد: مذكرات سحاب
 
[frame="13 85"]
السلام عليكم
إخوتي وأخواتي الكرام
أستميحكم عذرا بالرد على الأخ المكرم عبد الكريم ، ولي عودة بالرد على ردودكم الجميلة ومتابعة نشر بقية المذكرات قبل نشرها الورقي بإذن الله. أهلا بك أستاذ عبد الكريم . أشكرك على ماتفضلت به من ثناء على ماسجلتُه من مذكرات سحاب. أما ياأخي بالنسبة للإطالة قأنا أكتب مذكرات طفلة لاتعرف فنون القص ولاالاختزال هي تسجل أحاسيسها بصدق وعفوية بالغة وسترى ذلك في المذكرات القادمة فهل من المعقول أن أختزل مثلا حادثة ما تعرضت لها ببضعة أسطر؟ هي تكتب للصغار وتحكي مع الكبار بأسلوبها المتواضع كي ينزلوا من عليائهم المصطنع لعالمها البسيط. مازالت المذكرات في بدايتها وقد تجاوزت المئة مذكرة، هي تسجلها يوما بيوم. حتى في مدونتي لم يكتمل نشرها بعد، وأفضل نقد العمل بعد اكتمال نشر المذكرات.
أهلا بك ومرحبا.
أختك
زاهية بنت البحر
[/frame]

عبدالكريم سمعون 18 / 10 / 2010 35 : 03 AM

رد: مذكرات سحاب
 
زاهية بنت البحر;92159][frame="13 85"]
السلام عليكم

إخوتي وأخواتي الكرام
أستميحكم عذرا بالرد على الأخ المكرم عبد الكريم ، ولي عودة بالرد على ردودكم الجميلة ومتابعة نشر بقية المذكرات قبل نشرها الورقي بإذن الله. أهلا بك أستاذ عبد الكريم . أشكرك على ماتفضلت به من ثناء على ماسجلتُه من مذكرات سحاب. أما ياأخي بالنسبة للإطالة قأنا أكتب مذكرات طفلة لاتعرف فنون القص ولاالاختزال هي تسجل أحاسيسها بصدق وعفوية بالغة وسترى ذلك في المذكرات القادمة فهل من المعقول أن أختزل مثلا حادثة ما تعرضت لها ببضعة أسطر؟ هي تكتب للصغار وتحكي مع الكبار بأسلوبها المتواضع كي ينزلوا من عليائهم المصطنع لعالمها البسيط. مازالت المذكرات في بدايتها وقد تجاوزت المئة مذكرة، هي تسجلها يوما بيوم. حتى في مدونتي لم يكتمل نشرها بعد، وأفضل نقد العمل بعد اكتمال نشر المذكرات.
أهلا بك ومرحبا.
أختك

زاهية بنت البحر
الأستاذة الأخت زاهية مساء الخير وصباح الخير وكل أوقاتك بإذن الله خير
أنا أعجبت كثيرا بما كتبتي وأبديت بعضا منه
وبالنسبة لموضوع الإطالة هذا رأي ليس إلا و لا يغيير شيئ من إعجابي
ولك الشكر

زاهية بنت البحر 18 / 10 / 2010 46 : 06 AM

رد: مذكرات سحاب
 

http://www.alamuae.com/gallery/data/...alamuae-65.jpg
مذكرات سحاب
21
رافقت خالتي وسها إلى سوق الحميدية لشراء بعض الأغراض الضرورية من هناك.. هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها السوق.. دهشت وأنا أتنقل بين المحلات التي تبيع الملابس والأحذية والعباءات المطرزة بخيوط القصب، والعطور الرائعة الرائحة.. كانت السوق تغص بالناس من كل الجنسيات العربية والأجنبية ..رأيت الأجانب يشترون الملابس الشرقية المزركشة، ويفرحون بها وبعضهم كان يرتديها ويأخذون بها الصور التذكارية بين الناس بواسطة كاميرات التصوير والفيديو، صورني أحدهم وأنا أبتسم له، وكانت البالونات تملأ سماء السوق المسقوفة.. ياااه ما أشد ارتفاع السقف، لاأدري كيف استطاعوا بناءه.. يبدو أنه قديم جدًا.. رأيت الأعمدة الأثرية تزين جنبات أبواب المحلات التجارية، وعندما مررنا من قرب أحد المحلات التي تبيع البوظة وكشكة الفقراء والكاتو، طلبت من خالتي أن تشتري لي بوري بوظة ففعلت ذلك، فرحت وهدى نأكلها بشهية إلى أن وصلنا إلى قرب الجامع الأموي الكبير، وكان المؤذنون قد بدأوا بالأذان.. ياالله ما أجمل صوت الأذان قرب الجامع حيث شعرت بدقات قلبي تزاد وإحساس غريب يخفق بنبضي.. طلبت من خالتي أن تدخلنا إلى المسجد ففعلت لأنها كانت تريد أداء صلاة الظهر.. وعندما دخلت المسجد دهشت وتركت يدها، ورحت أركض بفرح باتجاه الحَمام الكثير الذي كان يلتقط حبوب القمح في أرض صحن المسجد الخارجي، وعندما اقتربت منه فرَّ طائرًا بينما انزلقت رجلي فوق الحبوب، فوقت على وجهي، وأنا أصرخ من الألم، والدم ينزف من أنفي..
22
كانت خالتي بعيدة عني وأنا مرميَّة فوق حبوب القمح، أبكي ألمًا وخوفًا من الدم الذي ملأ وجهي ويدي بشكل مرعب، فأسرع نحوي بعض الرجال الذين كانوا يتوضأون في صحن الجامع لنجدتي، فأمسك أحدهم بيدي وهو يستعين بالله ويهون علي، فرفعني عن الأرض، ومضى بي إلى الموضأ القريب، فغسل وجهي بيده، وأخرج منديلا ورقيًا من جيبه، وضغط به فوق أنفي النازف ريثما وصلت خالتي إلي على عجل قبل أن تدخل بهو الجامع للصلاة، فأخذتني جانبًا، وأنبتني على ماقمت به من طيش تسبب في وقوعي فوق الأرض، فازددت بكاءً، ولم أهدأ حتى وصلنا إلى البيت، فأسرعت إلى الحمام، وغيرت ملابسي المتسخة بالدم.. كان وجه أختي سها مصفرًا طوال الوقت خوفًا من منظر وجهي الملطخ بالدماء، ورغم ماألم بي من أوجاع فإنني لاأنكر أن مشوار اليوم كان جميلا، ومدهشًا لولا أن انتهي بنزف أنفي المفزع.. ما أجمل بلدي الحبيبة، وما أروع آثارها الخلابة، سأطلب من خالتي أن تأخذنا ثانية إلى سوق الحميدية، والجامع الأموي على أن لا أركض فيه للقبض على الحمام الأليف الذي يملأ صحن الجامع وسطوحه ومآذنه العالية، إنه يزيد من روعة المكان فيشعر الواحد منا بالأمن مادامت الطيور آمنة.. أحببتُ المآذن كثيرًا وبخاصة مئذنة العروس التي لم تعرف خالتي لماذا أطلق عليها هذا الاسم..
23
ظل اسم مئذنة العروس يشغل تفكيري مدة من الزمن إلى أن سألت أبي ذات يوم، ونحن نشرب الشاي بعد الغداء :أبي ماسبب تسمية إحدى مآذن الأموي بمئذنة العروس؟ هل كان ذلك بسبب صعود العروس للأذان. ضحك والدي حتى ملأت دموعه عينيه.. ضمني إليه وهو يقول: لاياسحاب لا العروس ولا غيرها يجوز لهن أن يؤذنَّ، فالأذان خاص بالرجال وصوت المرأة ياابنتي عورة خاصة إن كان بشيء من الحنان أو الدلع أو الغناء، فلا يجوز أن يسمعه الرجل الغريب غير المحرِم .
فسألته: وهل للصوت عينان قلعت إحداهما فصارت عورة؟!!
عاد أبي للضحك وهو يقول: العورة ياابنتي غير أعور فالأعور والعوراء من قلعت عينه أما العورة فهي تعني أنها محرمة على غير الأهل رؤيتها أو سماعها .
فسألته وهل لي عورة ياأبي ؟
فأجابني: نعم ياسحاب وعندما تصبحين في سن البلوغ فيجب أن تتسري كأمك تماما. وعورتك الآن ماتخجلين بإظهارها أمام الناس وحتى أمام والديك.
احمر وجهي خجلا من أبي وزوجته وراحت هدى تضحك وقد أخفت وجهها براحتي كفيها
فقلت له هروبًا من الحرج: ولكن لم تخبرني لماذا سميت المئذنة بمئذنة العروس ؟
قال والدي وهو يتحدث بفخر عن بلدنا، وعن حضارتنا الإسلامية التي بت أفكر بها كثيرًا وأتمنى أن أعرف عنها كل شيء، فهاهم الأجانب يقلدوننا، ويرتدون ثيابنا الشرقية، ونحن للأسف نجري وراء أزيائهم التي لاتناسبنا كما قالت معلمتي في المدرسة.. ابتسم والدي وهو يقول: قرأت ذات يوم في كتاب لم أعد أذكر اسمه مافيه تعريف بهذه المئذة ( تقع المئذنة في الواجهة الشمالية للجامع الأموي، وهي معروفة باسم “مئذنة العروس”، لأنها تضيء في الليل فتظهر كالعروس، وينتهي رأس هذه المئذنة بساعة تُضبطُ على دقاتِها أوقاتُ مساجد دمشق كلها ومواعيدُ الأذان، وقد أقامها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وطلاها بالذهب، وغدت في ما بعد أنموذجاً للمآذن في سورية وشمالي أفريقية، ونقل طرازها الى الأندلس، وتعد أقدم مئذنة إسلامية ما زالت قائمة.
وتابع والدي الكلام قائلا: ولكن هناك رواية أخرى غير هذه تحكي لماذا سميت بهذا الاسم. سألته عنها فرفض أن يرويها لنا رغم إلحاحي و خالتي بالطلب، وترك الأمر لي كي أبحث عنه في بعض الكتب الموجودة في مكتبتنا ،لأحصل على معلومات أخرى وأنا أبحث عنها. لله ماأذكاك ياوالدي تريد أن تعلمني حب القراءة والبحث.. حسنًا سأقوم بذلك، ثم سأروي لكم أنا سبب التسمية هذه، فانتظرني ريثما أجد الكتاب، وإن لم أجده فسأسأل معلمتي في المدرسة عنها، فهي بلا شك تعرف ذلك أوليست هي معلمة وتعرف كل شيء؟
24
بحثت في الكتب التاريخية فلم أجد شيئًا يدلني على سبب تسمية مئذنة العروس بهذا الاسم غير الذي ذكره أبي، وعندما سألت معلمتي في المدرسة أخبرتني بما أخبرني به أبي، ولم تزد شيئًا، فاضطررت للعودة إلى أبي ليحدثني عن ذلك.. وعدني خيرًا، وفي المساء عندما كنا نشرب الشاي بعد تناول العشاء، ونحن ملتفون حول المدفأة قال أبي: سأخبركم بسبب تسمية المئذنة الشمالية للجامع الأموي بمئذنة العروس ..
فرحت كثيرًا وجلست وكلي آذان صاغية، بينما كانت خالتي غير مهتمة بالأمر، وأختي سها كذلك.. قال أبي: ذكرت بعض كتب التاريخ مايلي( أقام المئذنة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وأراد أن يدعمها بالرصاص خشية الزلازل والحرائق، فوضع البناءون كل الرصاص الذي تملكه الدولة فيها، واشتروا من الأسواق كل الرصاص أيضًا، ولكن ذلك لم يكفِ فراحوا يشتكون للخليفة حاجتهم الملحة للرصاص، وأخبروه أن أحد التجار في دمشق عنده مايكفي، ولكنه توفي وورثته ابنته الوحيدة، وهي ترفض أن تبيع لهم الرصاص، فطلب إليهم أن يدفعوا لها ماتريد من المال، فعادوا إليه يخبرونه بأنها تطلب أكثر مما يعرضون عليها، فقدم الخليفة أموال الخزينة كلها، فقالت أريد أكثر، فـحارَ الخليفة وسألها ماهو الأكثر الذي تريدينه فأجابت: رضا الله. وقدمت كل الرصاص مجانًا لبناء المئذنة، فأعجب الخليفة بالفتاة وزوجها لأحد الأمراء من أبنائه، ولذلك سميت بمئذنة العروس.
25
ظلَّت قصة بناء مئذنة العروس تتردد في رأسي حتى تمنيت لوأني كنت تلك العروس التي رفضت أموال خزينة الخليفة كلها في سبيل رضا الله. لم يخطر ببالي أن رضا الله يُشرى بمثل هذا الثمن الغالي جدا، فقد دفعت هذه الفتاة كل ميراثها من أبيها، ولم تكن تفكر بالزواج من ابن الخليفة، فكافأها الله به.. ماأروعها من فتاة وما أكرمها من نفس، لم أكن أعرف أن هناك نساء رائعات لهنَّ مواقف تقشعر لها الأبدان غير المجاهدات العربيات المسلمات.. كنت أظن أن معظمهن مثل زوجة أبي التي ظلمتني كثيرًا، أو مثل أمي مظلومةٍ لاحيل لها ولاقوة، أو مثل معلمتي تعلمنا في المدرسة ثم تعود إلى بيتها لتربية أولادها كبقية النساء، أو مثل جدتي همها في الطهي، وغسيل الثياب، وتنظيف البيت وتوبيخ عمتي بهيجة قبل أن تتزوج، إن هي تأخرت في النوم، ولم تجهز لجدي فطوره كي يشرب الدواء، فعمتي كانت تشاهد التلفاز حتى ساعة متأخرة من الليل. بدأت أحبُّ التاريخ وعندما أكبر سأدرسه بإذن الله كي أستفيد من الأحداث التي مرت فيه، فتكون لي دروسًا تعلمني كيف أكون إنسانة مثل عروس المئذنة.. قلت لأبي: أريد أن تكون في الجامع الأموي مئذنة باسمي مثل العروس صاحبة الرصاص التي زوَّجها الخليفة لاميرٍ من أولاده .لاأدري ماالذي جعل أبي يضحك بصوت عال وصل حدَّ القهقهة، فراح يسعل بشدة متأثرًا بالضحك، مما جعل خالتي تأتي إلينا في غرفة الجلوس تحمل كأسًا من الماء ناولته لأبي ليسكت به السعال، وسألته عن سبب ضحكه الغريب هذا.أخبرها بالأمر وهو مازال يضحك، فنظرت إليَّ بسخرية وقالت: مئذنة باسمك !؟ أمَّا هذه فهي نكتة الزمان كله، من أين لأبيك مثل ميراث الفتاة من الرصاص، ودخله الشهري بصعوبة يكفينا مصروفًا؟ ثم أي أميرٍ تطمعين بالزواج منه ياروح أمِّك؟ لاتتعبي عقلك الصغير بأحلام مستحيلة، واحلمي على قدر واقعك، وإلا وقعت على رأسك، ولن تجدي من ينقذك من مصابك.
هكذا إذن يازوجة أبي تريدين أن تحطمي نفسي بقتل أحلامي قبل أن تولد.. حسنًا سأظل أحلم بما أشاء دون أن أتحدث عن أحلامي لأبي كي لايخبرك بها فتسخري مني، ولكن من يدري فقد يكون لي مئذنة باسمي والله قادر على أن يحقق لي ما أريد.
26
ذهبتُ اليوم مع خالي مهند إلى بيت جدتي لأمي، وكالعادة وجدت خالاتي وأولادهن مجتمعين عندها ..انفردت بي أمي جانبًا، سألتني عن سبب صمتي وحزني على غير عادتي عندما أكون معها.. رويت لها ماحصل بشأن مئذنة العروس، وطلبت منها اصطحابي إلى الجامع الأموي لأمتع عيني برؤيتها فقد سلبت قلبي.. وعدتني خيرًا على أن تقترح ذلك على خالاتي أثناء الغداء، فإن وافقن ذهبنا جميعًا إلى الجامع حيث يوجد الناس بكثرة في صحنه وفي داخله ..
عندما دخلت الجامع من باب سوق الحميدية لم ألتفت يمنة ولايسرة، وإنما كان نظري موجهًا نحو مئذنة العروس.. لاأدري كم من الوقت مرَّ، وأنا أتفحصها شبرًا شبرا.. يالها من مئذنه رائعة حقًا، مبنية من الرصاص، وكما قيل أمَرَ الخليفة الوليد بطليها بماء الذهب ..أين أنت يامن ساهمت ببنائها بميراث الرصاص من أبيك؟ أرجو أن تكوني في جنات النعيم التي عملت لأجلها ..
لقد رحلتِ عن الدنيا وفنيتْ عظامُك، ولكن عملك للخير في سبيل الله ظل حيًا يتناقله الناس أبًا عن جد.. رحمك الله، وأثابك خير الثواب.. ليتني أعرف مااسمك، لاأدري لماذا كتم التاريخ هذا الاسم لصاحبته الكريمة. نعم لصاحبته التي أكل جسدها الدود، ولم تعد تُعرفُ من هي، ظل العمل الطيب وغاب الجسد والاسم معًا.. سأسعى بأعمال الخير مثلك ياعروس، وما همني أن يذكر اسمي بمئذنة، أو غيرها أو لايذكر، فالعمل هو لوجه الله عزَّ وجل، وهو يجزي به الثواب.
27
كان يوم نحسٍ ذاك الذي اكتشفت فيه خالتي دفتر مذكراتي.. فبعد أن بدأتْ تحسن علاقتها بي، وتكف عن مضايقتي الدائمة، وملاحقتي في البيت بالعمل المستمر، عادت من جديد لما كانت عليه بل أشد ظلما من ذي قبل.. لقد عثرت على دفتري الصغير في حقيبة المدرسة، وهي تبحث عن دفتر العلوم الخاص بأختي سها، فقد أضاعته في المدرسة، وادعت أنه في البيت ولاتعرف أين هو.. قامت خالتي بتفتيش حقيبتي وأنا في منزل جدتي لأمي، وعندما عدت إلى البيت انفردت بي والشرر يتطاير من عينيها، وألقت بدفتر المذكرات أمامي على الطاولة في غرفتي، وسألتني عما بداخله ..ارتبكت..صمت.. احمر وجهي، عرق جبيني، وارتجفت يداي.. كررت السؤال، فأطرقت ولم أجب. أمسكتني من كتفيَّ، وهزتني بشدة ، وكأنها أصيبت بالجنون، فكاد ظهري يقصف.. خفت وأنا أنظر في عينيها الحمراوين المفتوحتين في وجهها كنافذتين تخرج منهما النار لتحرق وجهي المصفر، فانهارت قواي، وشعرت بدوخة مفاجئة كدت أسقط بها فوق الأرض، لولا أن صفعتي على خدي الأيسر صفعة جعلتني أستعيد وعيي، وأنا أصرخ من الألم والخوف، وأستنجد بأبي الذي أقبل مسرعًا، وأبعدها عني قبل أن تسحب روحي من صدري بما ألقته في داخلي من رعب ..
28
أحيانا أحس بأنني أكره الحياة لكثرة ما أجد فيها من عذاب ..ماذنبي كي أبدأ عمري بالحزن، أمشي في طريق وعرة، أسقيها بالدموع، ويحفر أقدامي الوجع.. عندما أرى رفيقاتي في المدرسة يبتسمن دون أن تترقرق الدموع في أعينهن، أتمنى لو أني واحدة منهن أعيش مع أمي وأبي، لايفرق بينهما طلاق ولافراق.. محرومة أنا من حنانهما معًا.. أحس بأن قلبي مشتت بينهما وبين جدتي وعمتي.. أتمنى لو أستطيع أن أمسك بيد أمي بيدي اليمنى، وبيد أبي باليسرى، وأركض معهما في حدائق كلها زهور وطيور وجداول ماء.. نفرش بساطًا فوق الحشائش ونجلس سعداء.. تصنع أمي الشاي وأبي يشوي اللحوم، وأنا أركض خلف الفراشات الملونة وأزقزق كالعصافير .. نظل في الحديقة حتى تغيب الشمس ويبدأ النهار بالانسحاب حاملا معه أحلى الذكريات، ويأتي الليل فنجلس بعد أداء الصلاة نتحدث في أمور مختلفة، يروي لنا والدي قصصا تاريخية تخبرنا عن عظمة بلادنا وبطولة أهلها، وتنشد لنا أمي أحلى الأناشيد التي تعلمني فيها التقى والإيمان ومحبة الله عزوجل ورسوله الكريم.. يالغبائي المفرط، ويالتعاستي المقيتة، كيف سيكون لي ما أريد وأنا قلقة. خائفة تسقيني زوجة أبي الماء مرًا وتطعمني الزاد فاسدا؟ ربما كان وجودي في هذه الحياة ليس مهمًا بالنسبة لأحد، وسأظل على الهامش مدى العمر..
29
صعب على الحزين أن يبتسم.. صعب عليه أن يرى شيئًا جميلا في الحياة مهما كان مدهشًا.. أنا الآن أبكي في داخل نفسي.. أصمت، وأطرق أرضًا.. أود أن أخرج من دائرة حزني التي تشدُّ على رقبتي بقبضة خشنة تريد أن تخنقني..أريد أن أصرخ… أن أركض.. أن أطير.. أن أصبح عصفورًا أحلق عاليًا.. أتنقل فوق الأشجار في كل الحدائق.. في كل البلاد.. فوق البحار والجبال لايقيدني شيء، ولكن جسدي هذا يحبسني ،يشدني نحو الأرض.. أحسه ثقيلا لايساعدني على أن أرفرف بجناحي روحي.. ليت زوجة أبي تشعر بي، فتعاملني كابنتها.. فلا تضربني، ولا تبخسني حقي في السعادة، ولاتحرمني من مذكراتي التي كنت أتسلى بها، فأبث الورق أشجاني، فأرتاح من المؤلم منها.. لو أن زوجة أبي تحسن علاقتها بي الآن، فسأمسك بيدها، وأصطحبها معي في رحلاتي عندما أكبر، ويصبح لي بيت وأولاد مثلها، ولن أكون قاسية معها بل سأشفق عليها، وأنسى مافعلته بي.. يارب ساعدني كي أعيد دفتر مذكراتي منها، فأنا الآن أكتب على ورقة أخذتها من دفتر الحساب، وسأخفيها في مخدتي ريثما أشتري دفترًا جديدًا..
بعد العَشاء جلس والدي يشاهد الأخبار، وكنت أنظف طاولة الطعام، وأجمع في كيس صغير ما بقي فوقها من فتات الخبزالذي نتركه حتي يصبح يابسًا، ثم نضعه في الشاي أو الحليب، فنكسب ثواب حفظ النعمة.. هكذا تعودت منذ أن وعيت الدنيا، وكثيرًا ما كنت أسمع جدتي لأمي تقول: من يحفظ النعمة تحفظه.كلام جميل جدا، ولكنني مالبثت أن نسيته عندما صرخ أبي بصوت عال.. لاحول ولاقوة إلا بالله.. لاحول ولاقوة إلا بالله. نظرت إليه فوجدت عينيه معلقتين بالتلفاز، فتابعت ماكان يشاهده، فلم أستطع أن أثبت ناظري في الصورة التي تعرض على الشاشة.. كان منظر الدمار بشعًا، والقتلى يملأون المشهد.. وبرك الدماء تنتشر في أمان متفرقة من الأمكنة.. هربت من الغرفة، وأنا ألعن الحرب ومن يقتل الأطفال والنساء والعجائز. أنهيت عملي في المطبخ، وأسرعت إلى غرفتي لأغرس أحزاني فوق سطور ورقتي شتلات ألم بمذكراتٍ تمتص بعضًا من وجعي، وما ألبث أن أضع رأسي فوقها لأراها في النوم بتفاصيل مطولة، وأشياء غريبة تشبه الواقع في شيء وتختلف عنه في أشياء، ولكنني لاأستطيع تحديدها تمامًا ..
30
وما زلت أركض في الشارع الخالي من المارة، والظلام يخيم فوق الطريق.. أركض.. أركض، أحس بأني مازلت في مكاني، وأنَّ رجلي ثقيلتان لاأستطيع رفعهما عن الأرض، والرجل الذي يلاحقني يحمل سكينًا كبيرًا يلمع كعينيه الدائريتين، ومعه كلب أسود كبير، فأحاول الإسراع، ولكنني أقع فوق الأرض، فأنهض ثانية بصعوبة وأركض.. أصرخ فلا أسمع صوتي.. أنظر خلفي.. مازال الرجل وكلبه يلاحقاني، ويكاد يقبض علي.. ياإلهي هاأنا ذي فوق جبل شاهق الارتفاع، والرجل يلاحقني.. أحاول الفرار منه، فأرى البحر أمامي، فأكاد أسقط فيه من أعلى الجبل ..أصرخ، ويظل صوتي مخنوقًا.. ألهث.. أبكي بلا دموع .. أحس بالاختناق.. لامعين لي ..مازلت وحيدة، وهذا الرجل المقنع بالسواد يطاردني .. أمي ..أبي ..جدتي.. لاأحد يرد علي..لامعين لي.. ياويلي يكاد يقبض علي.. وأسمع صوتي بعد طول اختناق ينادي ياالله ..ياالله.. ياالله، أفتح عيني وأبي فوق رأسي يعيذني بالله من الشيطان الرجيم، ويقرأ آيه الكرسي.. أتكمش به وأطلب منه إبعاد الرجل المقنع وكلبه عني، فيدفنني في صدره ودموعي تغسل وجهي..
بقلم
زاهية بنت البحر
يتبع
الحقوق محفوظة

عبدالله الخطيب 18 / 10 / 2010 38 : 07 AM

رد: مذكرات سحاب
 
أتابع تلك المذكرات بأحلامها الصغيرة بشغف..
شدتني تلك التفاصيل عن المسجد الأموي و مأذنة العروس
تميز هذا الجزء بالأشارة الى العديد من السلوكيات الأجتماعية التي تؤثر في المجتمع
مجهود يستحق الثناء والتقدير

دمت و سلم يراعك

ناهد شما 18 / 10 / 2010 30 : 09 PM

رد: مذكرات سحاب
 

الله ما اروع هذه القصة وما أروع ما جاء بها وما أروع من كتبها
وما اروع سوق الحميدية وما اروع الجامع الأموي وخاصة عند الآذان
تقشعر الأبدان من جماله والخشوع وما أروع بوظة بكداش
تسلسل من الأحداث رغم البراءة التي تملكتها لكن الحزن ما زال يخيم على سحاب
مازلت متابعة الأحداث وأتمنى أن تكون نهاية سحاب كلها سعادة وهناء
دمت مبدعة الشاعرة الدمشقية زاهية بنت البحر
دمت بخير


الساعة الآن 31 : 01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية