![]() |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء العشرون *
[align=justify]... حسن درس حقوق و كان يكبرني ببضع سنين، حين تعرّفت عليه .. كان يحضّر لشهادة الماجستير بعد حصوله على شبيهتها في تخصّص قد يكون علوم سياسية ... و كان أجدر رجل قد يسخّر لخدمة الشؤون الخارجية، بتمثيله الملكي و إتقانه لأكثر من لغة أجنبية .. و ثقافته الواسعة و زياراته المتعدّدة لعدّة بلدان عربيّة و غربية منذ صغره .. كان مهتّما منذ أيّام الجامعة بالسّياسة و تعرجاتها .. كان دبلوماسيا حتّى في هندامه و جلسته و طريقة حديثه الرّسمية في أغلبها، حتّى أنّه يخيّل إليك أنّه يمارس مهامه في كلّ وقت قد تلتقي فيه، به ... كان وسيما لحدود معقولة، وسامته عظّمتها أناقته و مشيته الّتي تتحدّى كلّ أنثى " حجر " أن تقف تحت حذائه، بلمعانه الماسي و عجرفة خطواته و اللّحن العسكري .. الممجّد لثورة الغرور، الّذي يخدش كل خطّة رُسِمَت بدهاءٍ أنثوي، على قارعة طريق سيرتاده جيش من الرّجال، هو الوحيد الّذي ستنحني له الخطوط المرسومة و تفضح نزعتها.. تكاد الأرض تفرش له بساطها الأحمر ( الملكي أو الجمهوري ) و تستَّعِر من خدوشها .. و تتنكّر لطرقاتها غير المعبّدة .. كنت أحترم فيه وقاره ... و جلسته الملكية في بلد جمهوري .. استطعت أخيرا التسلّل من خلف الجدران الباردة، غادرت القاعة المكيَّفة في ليلة نيسانية حزينة و كأنّها اقتدت بجفاف المشاعر .. فوزّعت رعونتها على جسدي، عند أوّل خاطرة فرار، خرجت في غمرة الشّوق لهواء طبيعي .. علّه يطرد عنّي زكام المناطق المأهولة برئة مكيّفة و كنت لا أحتمل مكيّفات الهواء، الّتي تمرضني بتواطؤ شديد و نفسي المتعبة .. جلست خارجا، أتأمّل الورود المستوطنة بحديقة متحضّرة .. و كأنّ الورود هناك جيء بها عنوة لتُستغل كجارية تسلب الأنظار و لتُنَبِّه العابرين بوجود إشارة مرور دبلوماسية، كلّ وردة تاهت عنها فصول سحرها، كلّ وردة تثاءبت طويلا قبل أن تدخل في سبات عميق، مخلّفة جسدا محنّطا طردت عنه المدينة إحساسه بالطبيعة .. كلّ وردة شُلَّ عنها عطرها .. أمام قذائف العطور المستوردة، المتناحرة، كأنّها أحلاف عسكرية نقضت عهدها .. هي تختلف عن تلك الموجودة بقريتي .. و كأنّ الحدائق أيضا، تعترف بالفوارق الاجتماعية و بانتمائها لسلالة تربة قروية أو تربة تمدّنت على يد سلالة التحضّر المرئي .. كلّ شيء مُقلَّص في المدينة حتىّ الابتسامات .. حتىّ اشتهاءات المساء لإطلالة قمر .. حتّى رشفة قهوة مسائية، حتى لحظات الضّجر .. حتّى قيلولتي مقلّصة .. و قصائدي الوطنيةّ .. و دخان سجائري .. حتّى الشّرعية الممارسة تحت شرقية يتيمة مقلّصة .. كنت شاردا .. حين اقتربت منّي و بلغة فرنسيّة متقنة سلَّمت عليَّ و ببصمات غربية صافحتني، حتّى أنّني شعرت أنّها صادقت على تأشيرة مجهولة .. لدخول وطن كان مجهولا أيضا .. فتناثر على كفّي، حبر جوسستها الشّفاف، شوَّه جزءا من ذاكرة وطن .. لذلك أجبتها بلهجة جزائرية متقنة أيضا .. !!و بحركة شفاه تقطر عروبة، أربكتها .. لكأنّها شعرت بانفعال الحروف في انسيابها ... و بعصبيّة النّطق .. ثم في لحظة تدارك .. أطلقت سراح عروبتها المشتّتة .. كانت تتقن العربية لكن بمنحدرات ساحقة ... و كأنّ الحروف تنزلق من بين شفتيها .. فتتوه عن مسلكها الصائب .. لتصل حافّة أذنيّ ممزّقة، تائهة، مشتّتة الوصلات الموسيقية .. تبحث عن ملجأ يؤويها، من غارات فرنسيّة قد تخرسها بين لحظة و أخرى .. أصولها جزائرية سليمة تماما .. من منطقة القبائل الكبرى إلّا أنّ والدها المغترب حتى من قبل أن تكون مشروع طفلة من المّزمع إنجابها .. حرمها من حقّها في الوطنية الحقّة .. و ألحقها عنوة بقافلة النّسيان، الّتي انطلقت بعد الاستقلال مباشرة .. فواجع الثّورة طمستها ذاكرة خلعت عنها تاج مروءتها .. مع ذلك .. كانت حريصة على زيارة الجزائر موسميا، خاصة في الصّيف حتّى لا تقطع حبلها السرّي المعقود بشجرة زيتون .. شَعَرْتُ لأوّل مرّة أنّ تلك المرأة تُشْبهني، حتّى و إن كان الشّبه محصور في شجرة زيتون .. ربّما شَعَرْتُ في لحظات ما، أنّها تعترف بانتمائها إلى قرى و جبال جزائرية .. أكثر من انتمائها لنجوم فندق فاخر .. يرتاده كبار الفنانين و المشاهير و رجال السّياسة و الأعمال .. تلك الأمكنة المأهولة بعواصف مربِكة .. كانت أنثى .. بتصميم خارجي مميّز جدا، تحار أمام تفاصيله ريشة فنّان تشكيلي .. اعتاد بسذاجة قلم، التجسّس على ملامح و جسد امرأة جميلة .. هي بجمالها و جسدها الممشوق .. تربك الرّيشة لا محال، أمام تقوّساته المتقنة .. قد تتجاوزه ضربات ريشة ملوّنة تتقن إرباك الألوان .. صارحتني أنّها منذ استقلالها و استئجارها لشقّة خاصة، بسبب دراستها أصبحت كثيرة العلاقات .. مع احتفاظها بلقطة شرف ورثتها صدفة عن نظرة رجولة من جدّها في صورة قديمة عُلِّقت للذّكرى .. و للتطفّل على أجيال ما بعد الشّرف ... الجيل الرّابع و ما بعده بعد الاستقلال .. كانت امرأة بثقافة غربية كاملة المراحل التعليمية، مع لحظات حنين عابرة للأبجدية العربية و طقوس الوّلاء لوطن، سُقِيَت من مياهه العذبة المتفجّرة من صخرة في أعالي الجبال الجزائرية، ذات زيارة .. فأدمنت وطنيّتها من خلال كأس بريّة .. [/align] |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
أقرأ..أستمتع..وأتابع...استمري..
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
كعادتك أبتي حاضر .. و حضورك كل الشرف و العزة .. امتناني .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الحادي و العشرون *
[align=justify]... قلّما كنت ألتقي بها على شاطئ البحر المحاذي لفندق إقامتها .. أو بقاعة الشّاي الموجودة بداخله، فرغم تصميمها الشّاذ و الخارج عن نطاق الطبعات الجزائرية لتصاميم النّساء .. و كأنّه نقش بحجارة تربَّت عند حدودها .. سبائك الذّهب المزيّف، و رغم غربيتها المتعجرفة .. لم أكن أريد ملاقاتها و لو بأيّ شكل من الأشكال .. هي فاجعة .. تثير فيَّ ذكرى عزيز .. و كأنّني كنت ألتقيه في كلّ مرّة ألمحها فيها، مصلوبا على جدع جسدها المثقّف غربيا .. حرفا منكسرا بين حروف فرنسيتها المتقنة .. وثيقة مدرجة بالدّماء، بين وثائقها السرِّية المهرَّبة، حدث و أن قُصِفَتْ على الحدود .. عادت لغربتها من جديد .. و استأنفت أنا حياتي و روتيني اليّومي .. غير أنّي لم أقطع صلتي بها، كنت أبحث عن وثيقة هوّية فرنسية أخفيها بين دفاتري كشهادة إثبات لتمدّني الجديد، تغري نساء قريتي و كأنّه ردّ اعتبار لرجولة صديقي المغترب .. شنقا .. و كأنّي منحت قضيّته أصولا شقراء .. قضيّة تلك المرأة .. فجَّرت أزمة بيني و بين خطّ أحمر، هو ذاك المرفوع كرجل فوق قمّة عربيّة .. وُلِدَت لتحذف لغو قرن من تحدّيات ساكنة، سكون الجبال .. لكنّها كانت أشدّ وطأة منه في ثانية .. !! حفرت في نفسي حدّ الشّعور بتخمة من شبح فراغ .. كأنّ الجيوب المملوءة بعملة أجنبية .. تفتكّ من الميزان العربي رهاناته، و إفلاس كفّيه إلّا من قطعة حديد ضخمة، قد ترجِّح الكفّة لصالحها .. كما كان من المزمع فعله قبل وقت .. بتوحيد العملة العربيّة و السّوق العربيّة و تصاميم النّساء العربيات ..في صورة أنثى عربيّة محضة، دون زيف أو خديعة التشبّه أو طريقة استئصال ( أنثى من خصر أنثى .. !! ) ... فالعبرة على كلّ حال .. في رشاقة الخصر للتعرّف على أنثى .... !!!! في ظلّ التّشريح الكلّي أو الجزئي، لمعالم التميّز على طاولات التّجميل الأجنبية و مساحيق إخفاء الوجه .. إلّا من تلميح بسيط .. بوجود امرأة عربيّة (محاولة بارعة لطمس الهوّية العربية الأنثوية )، خلف ستار عنفوان الأدب و الأخلاق، العالقين على جذع شجرة زيتون عتيقة، منسية .. فكان أن شاخت و هرمت و أشاحت بوجهها المجعّد، عن كلّ زائر شاب .. حتى لا يقهرها بشبابه و ذخيرته من الوجه الحسن و الخلق الحسن الغائبين في زمان الشيخوخة المبكّرة . و الهالات السوداء المحيطة و المحبطة .. شجرة زيتون .. مستوردة من تلك المصنوعة بأنامل رجل .. اخطأ عود كبريت .. فأشعل عرف زيتون ... فأعلن الزّيت النّائم سخطه الشّديد و انتقم .. بلغة فرعونية خالصة .. حتّى الأشجار ترفض المزاعم الرّئاسية عليها .. فتقتلع أغصانها عند كلّ دورة أداء يمين .. و ترشّ بحبّات الزّيتون، الّتي لم تجنى لسنتين متتاليتين .. دون عذر، بوثيقة شاحبة .. يوقّعها الخريف و يبصمها الشّتاء، قطعة الأرض الّتي اغترَّت بنقائها .. فتشوّهها بنقاط سوداء تجزم بأحقّية الملك القروي .. القائم على تداول الفصول، عند كلّ موسم جني .. ثقافة التّعريب طغت مؤخرا .. على كلّ الأصول الجزائرية في صورة فروعها الموبوءة .. بحمّى الفوز بجنسية أجنبية أصلية ممهّدة لتعريب فاشل .. حرف القاف المزدوج الانتماء ( الأجنبي، العربي )، الّذي أدخلني في متاهات، تعيدني كلّ مرّة إلى نقطة انطلاقي الأولى، أسَّسَ مبادئ الهجرة على ظهر سفينة من جنس أنثى .. و بأوراق اعتماد من سلطة نسائية خالصة .. ببصمات أحمر شفاه و توقيعات قلم أسود، يمحى بمجرّد حلول المساء .. لا شيء ترسّخه أنثى .. لا شيء ترسّخه فصيلة منحرفة .. من تلك الّتي مرّت فوق جسد صديقي المعلّق .. فقط لتبرّئ دمها من نسخته العربية .. كلّ الحوافز و الجوائز العالمية عن تصاميم النّساء، مغرية جدا .. ذلك أنّ الأنثى في مسارها التّاريخي .. تعتبر سيّدة الحروب و الأزمات و الشّعارات و ملهمتها الوحيدة و قد أكّد التّاريخ تفانيها و خدمتها للقضايا العالمية و أرّخ جهودها العظيمة،كأوّل رصاصة تنطلق ليدوّي الانفجار و لتعلن حرب كاملة .. على خلفية صوت أنثى و تمايل جسد أنثى و عجرفة أنثى جميلة، ثم بعد ذلك تُسَوِّق عباراتها النّابية، المتوتّرة ..كأنّها تبحث عن رادع من جنس رجالي .. لمجرّد ممارسة سطوتها بعد تفحّم الصدى .. كلّ حقيبة لا تحوي صورة أنثى .. هي مشبوهة بالعقم الفنّي و التّاريخي و الفلسفي و متّهمة في رجولة حاملها .. كلّ ابتسامة لا ترتسم توقيرا لأنثى .. هي خاوية و واهية و جافة من أصول صحراوية .. كلّ فجر لم تلقّنه أنثى فنون الإشراق هو ليل ثمل .. كلّ شرعية لم تعترف بها أنثى .. هي انتهاك للقانون .. كلّ حقبة تاريخية لم تُدوّن مراحلها بزخرفة حنّاء أنثوية .. هي رمز سرّي لمثلّث الموت، يلتقيه عند رغبة التّصفية و الدّمار .. حتى عكّازتي .. الّتي أتّكئ عليها كلّما شَيَّبني الحنين و مزجني كمراحل عجين بفكر عجوز أحتاج لخدمة أنثى، كي تبسط لي دائي و تواريني خلف غمّازتها ... و لن أحتاج بعدها لغير الشّباب كي أتنصّل من جبروت الزّمن .. كنت أتّصل بها كلّما واتتني الفرصة .. و كلّما رفع واقع العروبة شعاره المسكون بالرّهبة و الخوف .. و كانت تستميت من أجل أن تطأ قدمي باب شارعها و عتبة بابها الملغوم بأشباح رجال .. لكن تاريخي الّذي يحمل لوحة شرفية من المعهد العربي لتصاميم النساء .. أبى عليّ أن أتعثّر بقدم أنثى، قد تفشَّى فيها مرض جيل من أجيال الاستقلال .. أبى عليّ أن أبعثر قِيَمِي بين أشباه دمى .. تتلاقى في انتمائها إلى سلسلة الأجساد الآلية المتحكّم فيها عن بعد .. و كأنّ العقل البشري جُمِّد على حين غفلة .. !! أو أن تحمل صفحاتي ناصعة البياض وشم غانية مباركة !!!!!! كما يفعل الهنود عند ممارسة طقوس تعبّدهم بجلب تراب من عتبة امرأة منبوذة من المجتمع الأرستقراطي و حتى الّذي يدّعي الشّرف في نكتة .... !!! [/align] |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
وأنا أمارس طقوس المتابعة والقراءة والإستمتاع!!! استمري...
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
مارسها أبتي الغالي.. فإن طقوسك هذه كل ما يجلب السعادة و الفرح و الاعتزاز لنفسي .. كل فخري انت .. مودتي و احترامي .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الثاني و العشرون *
[align=justify]حصلت منها على أوراق الإقامة و حتّى تأشيرة الدخول .. بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشّرف .. و مقعد شرفي في جناح الأمراء .. و كأنّ المهجر يدعوني لدخول أراضيه على بلاط مرَّصع بالأحجار الكريمة، الّتي تواري خلف لمعانها كؤوسا فارغة، معدّة مسبقا لذرف الدّموع ... و لو بعد زمن .. العودة للوطنيّة بعدها ستكون صعبة جدا و شاقة .. فلا شيء أصعب من انكسار قدح الطّفولة .. الأوّل بذكرياته المعبّأة في خلجان الرّوح .. كلّ من يستخلفه فيما بعد مجرّد ملء فراغ . لا شيء أصعب من انكسارٍ داخلي، بعدها لا شيء يصلح لترميمه .. كان يكفيني التّرخيص و الإجازة المرضية من الوطنيّة لأغادر مطار هواري بومدين الدولي، المهووس باشتهاء المسافات البعيدة .. ذلك المحفّز على الرّحيل، باتجاه منتجع أقضي فيه فترة نقاهة بعد عملية استئصال جزء من حبّي لوطني .. بعدها و بعد شفائي التّام، سأطالب بحقّي في التجنّس و في رفع العلم الأجنبي في المناسبات الدّولية و في مباريات كرّة القدم العالمية .. لكنّي تراجعت .. و أخفيت أوراق سفري المُدَّمِرة، في حقيبتي الدبلوماسية الفاخرة .. المصنوعة من جلد ثعبان برّي .. الّتي تحوي أوراقي المهملة من زمن الحبّ الأوّل إلى غاية الدّرجة الثالثة من حروق الرّوح .. حيث تقبع تلك المرأة الأولى في تاريخي الشّعوري، تجلس كأميرة في جناحي الملكي ... رَفَضَت بكلّ ما أوتيت من أنوثة ساحقة أن تبرحه .. و لو لثوان .. حتّى مشروع جنسيّتي المزعومة، أوقفته بدهاء أنثى .. عربيّة مبجّلة، معقّمة من كل تزوير .. لذلك كانت مختلفة .. فالأنثى الّتي تُطِيح بطائرتك لحظة إقلاعها، تصلح لأن ترتدي راية وطن .. تصلح لأن تفرش لها دفاترك و أوراقك و تعيرها في لحظة جنون .. توقيعك كي تكيد به .. كي تمنحك الشّرعية الكافية لتدير حزبا رجاليا يصلح لأن يعتلي السّلطة .. بثقافة الانصياع .. أنثى .. أوقفت عملية تشييد لتمثال عربي، كان منّ المقرّر تاريخا وضعه على قارعة طريق منفية .. مزّقت دون أن تدري أوراق هويّة لم تولد بعد .. أحرقت خارطة تحوي طرقا مختصرة جدا للوصول إلى العالمية الغربية .. محت بحبر ماسخ، توقيع شمس طلعت شقراء من معبد الغروب .. فأعادتها لطفولتها الأولى .. قتلت رجلا بداخلي .. كان لا يقوى على الاعتراف بحبّها .. لأولد أنا .. !! أَجَّلْتُ كلّ مشاريعي لدراسة بنود مشروع حبّ جديد .. الصّفقة الّتي منحتني إياها الأقدار على طبق من ذهب .. و لأحاول مطابقة تصميمي الأخرس مع تصميمها .. بشكل قسري و قهري و كأنّي أحاول بتر الخدوش من على ملامح رسمي التشكيلي لها ... كأنّي أحاول استبدال أغلفة صارت للتّو متهرّئة بأخرى، أثبتت بسذاجتها أنّها الأنسب لتغطّي جثمان تمثال بشري .. كمن يصنع واجهة مطّاطية تصلح لأن ترسم كلّ شيء و تصوّر كلّ شيء بأدقّ تفاصيله .. دون الحاجة لمراجعة المقاسات .. تماما كمن يغطّي النّور بالعتمة .. فلا يكاد يرى شيئا غير التفاتة القدر الجارح .. ذلك هو الواقع الّذي بثَّني ألمه أخيرا و استرشد بكتب التاريخ ( الغجري ) كي يجنبني أفضع فاجعة قد تعرفها عالمية الحبّ .. خارج الأسوار .. حينها لم أكن أبدا لأعترف بجنين حبّها .. الّذي بدأ يتشكّل شيئا فشيئا و ينمو بين أحراش قلبي و أشواكه المتّقدة حقدا .. حتى أنّني جرحتها أكثر من مرّة .. حين تعرَّت الحقيقة أمامي عاجلني المخاض فجأة .. و انتكاسات ما بعد عملية البّوح القهرية القيصرية، فدخلت في متاهة الكوابيس و أحلام منتصف العمر .. كانت أوّل طفلة تولد برغبة مميتة في الحياة و بقائمة أشياء طالبتني باقتنائها فور استفاقتها الأولى .. و هي تراقب الدّنيا في ملامح وجهي المحذوفة قبل تاريخ ميلادها .. و كأنّها بميلادها الشّرس .. أعادت رسم ملامحي من وحي خيالها و رغبتها الأنثوية و حسب تصاميمها المعدّة مسبقا .. هي المرأة و الطفلة الّتي اجتاحت سمائي، كنجمة .. فعلَّمتني كيف أبحر و بمحاذاتي قارب قد أستجير به من أمواجها العاتية .. فأعود منها إليها .. و أغرق فيها و لها و أمامها .. كتبت عنها يوما : أريدك أنثى ... بمفهوم تجهله النساء تجهله كواكب العشق المترامية بسمائي و تجهله طفولتي التي رحلت .. يوم تهت بمدن الشّوق .. .....أريدكِ حلما .. يُشَتِّتُ لحظات سهوي .. يبدّد سحبي .. وكوكبا يحطّ بفجري .. حين أشتهي .. صبحا يعد بلقياك ِ... أريدكِ أنثى .. تتحطّم أساورها إذا صرخت و تتبعثر حبّات اللّؤلؤ الّتي تتوسّد نحرها .. كلّما رقصت .. امرأة تُكمِّل عزف العود فتنشطر قصيدتي نصفين لها الأولى و لي تمتمات الثّانية و قبلة تحرّرها الآهات فوق دوّي الانشطار .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
..وكأنّي لم أقرأ هذا الجزء بالذات؟؟!! لذلك أطلتُ المكوث في آخر الأجزاء..رائعة ورب الكعبة..استمرّي..نعم استمري..
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
أبتي الغالي .. ليس هناك أروع من طلّتك و ليس هناك أجمل من توقيعك .. أعتز بتواجدك و بشهادتك التي تدفعني كلّ مرّة إلى المواصلة .. دمت لنا والدا و أستاذا .. تقديري و احترامي .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الثالث و العشرين * أريدك أنثى ,, فصبّي شعرا بمجرى دمي و تدفّقي دما بشراييني .... و انتصبي كمارد بمقلتيّ كلّما هاجمني البّكاء كلّما هاجمتني قصيدة متمرّدة .. فإنّني أخسر أسلحتي .. كُلَّما أبرقْتِ كخاتمة رعدية على مرآتي .. تكسرين امتداد ظلّي فأغدو رجلا مفصول الفواصل أسترسل كدخان سجائر في رشقك بحروف ذاكرتي و شعري و سيول غرقي و لهاث حرفٍ .. طاردك بين ألف جزيرة و جزيرة .. !! .............أريدكِ ... طاغية تقتلع منّي ذلك العربيد المتنكّر بكأس فارغة و تجتث مني جذور زير النّساء الزاهد في أمور الحبّ أريدك مالكة .. تُحطِّم سفنها حصوني فأسلم لها علم طفولتي و أشيائي أنبت بين أسوار أمومتها طفلا جديدا أصبح رجلا حين تشاء و حين لا تشاء أريدك شعرا .. يتدفّق بعينيّ فتسيل القصائد كلّما شدَّتني عواصف التمرّد على دمع تسلّل خلف حواجزي ........... أريدك رحلة بحرية تنطلق من وريدي إلى خواتم أوردتي و تحطّ بمرفأ قلبي يمامة غجرية و تنحت من شِعْرِي تمثال حبّ يخلدها إلى أزليّة بعيدة .. حيث الملك النّسائي الجريء يُكبِّل عنجهيتي و غطرسة الكلمات المشفّرة أريدك .... أنشودة عشق تدندنها اللّيالي و يعزفها وجعي و تأوهاتي ..... أريدك أنثى .. تحرّرني من عالم النّساء .. من طقوسي من أعرافي من عادات الطيور المهاجرة بسماءٍ يتيمة تكفكف عني وحشة الشّعر في غير انحناءة قدّها أريدك .. حين يعلن الرّبيع قدومه تشهدي .. مراسيم ربيعي و تتفتّحي بشرفتي أوّل وردة نيسانية تداعبها نسمات صمتي الشّتوي ... أريدك امرأة .. تصارع جنون الرّجل القاهر الذي بداخلي فتنتصر .. أريدك أنثى .. تسبح خلاخلها ليلا .. حين يرسو القمر و تصلح من جلستها أمام وقاري فيفضح الخلخال ارتباكها و تشحذ الحنّاء المبعثرة كنجوم في فلك كفّيها رغبتي .. في تعاطي قصيدة تشهق لها الذكريات العتيقة امرأة .. تملك ذاكرتي و نصف طفولتي .. و رجلا شبَّ برسم عشقها ..... أريدك أنثى .. يتحدّث الكحل بعينيها ويشتكي .. حين تبكي رعونتها ..... أريدك كما أنت .. ساكنتي كما أدمنتك يوما .. فكوني لي قمرا وشمسا .. و نهرا جارفا و بحرا .. كلّما أردت الإبحار .. اختزلي النساء فيك ... وَثِّقي قوانينك في الحبّ ابصمي بدمي على عهد الأهوال و الأعذار الواهية فأنا لك .... ما دمت امرأة ما دمت أنثى..... بمفهوم تجهله .. كل النّساء .. إلا أنثى بتصميم تقاسيم وجهك البربري المعزوف على وجهي قصيدة جوفاء كما أنت ... حقيقة فارة من تاريخ همجيّتي العابرة تطرب اللّيل بسذاجة السّهر هي ... أنت .. و بعدك .. سأمزّق كل تصاميم النّساء .. ....................... حين كتبت عنها لأوّل مرة .. تداريت منها خلف أسوار تصميم، كنت أعددته عند نهاية طفولتي كمذكرة تخرّج، يوم أدركت أنّ زمن الطّفولة قد ولَّى و حلَّت محله سكينة رجل للتّو عاصر الحياة .. للتّو توضّأ من ماء المطر ..شعرا تقفز بين وديانه و خلجانه حوريات فاتنات .. للتّو تعلَّم كيف يعقد ربطة عنقه بإتقان فنان .. كيف يسكب ذاكرته في فنجان قهوته الصباحية و كيف يذيبها كقطعة سكّر في قعر فنجان صفحاته .. كلّ مساء .. و كيف ينام ملء جفنيه سكينة .. تلت عاصفة شعرية فجّرتها ماردة انتحرت من فوق جبل أمنياته على مرأى من العالم، [/align] |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
...وتستمرّ رحلتي .. مازلتُ أعشق السفر كنورس ابتعدتْ عنه الموانئ والسفن!!! استمري..
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
يسرني أنك اخترت السفر عبر بحر صغير هو صفحتي هذه .. ممتنة أبتي الفاضل .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الرابع و العشرون *
[align=justify]... حين كتبت عنها .. تصلّبت ملامحي فجأة و كأنّه إعلان وفاة، كأنّني أقول لها و أنا أكفِّنُ قصيدتها بصفحة بيضاء أخرى، علّني أميتها خنقا : لا تغتر يا امرأة .. و لا تلبسي ثوب حداد .. فإنّني أولد بعد كل قصيدة .. متُّ على أعقابها، رجلا آخر يتوق لأنثى تملأ فراغ قصيدة جديدة .. فالنّساء عندي قصائد تمجّد شهرتي .. و أيّ التفاتة نحو صفحة قديمة، قد تدفعني للانتحار من أعلى برج تسلّقته لأفوز بِرِهَانٍ جديد .. عقدته و أنا أفضح تفاصيل آخر قصّة حبّ عشت فصولها الخريفية المزمنة .. و كأنَّ الخريف تلبَّسني لحظة شرود .. و أملى شروط عاصفة شعرية اجتثت معها ذاكرة أشهرت إفلاسها .. لكلّ أنثى فراغها المحجوز لها مسبقا .. و لكلّ حرف أبجدي، في لغتي الشّعرية نصيبه من أسماء النّساء .. يحفر بنفس العمق و يندثر أيضا بنفس الطرق الفنّية للاندثار العصري .. ...... كنت بحاجة لأن أكذب .. حتّى أنتزعها من بئر سحيق حفره غرورها الأحمق بأعماقي .. و كنت رجلا لا يقرّ بالهزيمة .. و لا يؤمن بصمود أنثى .. كنت أهتم بها يوما عن يوم .. و ساعة عن ساعة .. و كلّ ثانية لا يلتفت شَعرها و لا يتحرّك بقوّة رياح إعصار .. إنذارا بملامح مشغولة تختفي خلف خصلاته و تطلّ من نوافذها الموصدة بإحكام شديد .. امرأة تختلف بقلبها المريض و قدِّها الرّشيق جدا .. و كأنّه عود كبريت يوشك أن يفقد صلاحيّته في الاشتعال .. بسبب وقوفه الطويل أمام فصل شتاء طال على غير عادته .. لكنّها كانت بقوة زلزال يضرب بقوة، حيث ما ظهرت على سقيفتي انهارت أمام سطوتها .. و أصابتني منها لعنات سقوطها المجنون .. تجرح ذاكرتي و تنزف ذكرياتي أمامها، لتفضح توجّهي .. و كأنّها بأنانيّتها القاتلة، ترفض أن تساومها امرأة أخرى في حكمها الدّكتاتوري .. ترفض أن تنافسها قصيدة أخرى .. ترفض أن تنحطّ على جسدي .. غير انتكاستها و لعنات زكام جاء حادا من فرط البكاء .. و الهطول اللّاموسمي لقصيدة ثلجية .. ! حدث أن قال لي عزيز في أمسية ماطرة، باهضة .. إذا ما انحنت تخاطب أنثى : لا تُقلِّب مواجعك يوما على كفّ امرأة، فإنَّها ستصفعك بها .. كلَّما تماديت في إصلاح آهاتك كي تؤلمها بها .. المرأة يا صديقي لا تحتمل رجلا فقد رجولته على صفحات كتاب و اندثر بين طيَّاته يبحث عن مأوى .. خوفا من الشّتاء الّذي سيحلّ قريبا .. بواجهة رجالية جديدة .. يبحث عن مخرج تقلّ على فوهته الصّخور المعتّمة .. و الحمم المشحونة بغيرة جريئة .. رجل خرَّ ميتا بتسليمه مفاتيح شجنه .. يحدث أن تضغط على أحد أزراره إذا واتتها الفرصة، كلَّما شعرت بحاجتها للانتصار على رجل .. تماما كجهاز للتّحكّم عن بعد .. ألذلك كنت قاسيا معها .. ؟ و في الحكم عليها منذ البداية .. لمّا استشعرت ضعفي أمام ظلِّها الجبَّار و كأنِّي أختفي من ضعفي داخل عباءة رجل حقير .. أعلم أنّها بادلتني شعوري يوما .. و لو بالتفاتة قلب بريئة .. لكنَّها مع ذلك احتفظت بشعلة كبرياء، كانت قادرة أن تحرق مدينة بأكملها و تشعلني أنا كي تكمل سلسلة حرائقها المدَّمرة .. ثم تنطفئ هي .. على ولّاعتي لتضع حدا لكلّ الاشتعالات .. بينما أنا أنكفُّ ألملم شيئا من رمادي، داخل قارورة فارغة لعطر نسائي .. علَّه يجنِّبني انهيارا رجاليا .. علَّه يستجمع ذاته بقوى العطور الخارقة .. علَّه يُعلَّمني، بعد قرن من تجارب الحبّ الفاشلة .. كيف أتعامل مع امرأة تجيد ترميز مشاعرها و تشفير عواطفها .. كلَّما غيَّر الشّتاء واجهة المطر إلى زجاج فاضح .. كلّما تسكَّع الخريف خارج فستانها الأسود و تلاعب ببعض الأزرار الملوّنة .. تشيح عنه و كأنّها تغيِّر اتجاهات الرّياح .. حتّى يتيه بين عواصفه الأربعة .. كان ما بيننا عالم كبرياء جديد تفصله حدود مائية و برّية و منحدرات شديدة الوطأة و غيوم جفاء .. كانت تفصلني عنها رواسب أجيال من حقد أنثوي خاص .. كانت تفصلني عنها ذاكرة محذوفة المقاطع .. كنت أبصر في عينيها .. طوائف من مشاعر متباينة، متناحرة مستباحة للاختلاس .. لكنّها مع ذلك كانت امٍرأة بملامح عنكبوتية .. لها صلة سرّية بخيوط الصباح الآسر، الّتي ترسمها بتأنٍ شديد .. حتى أكاد ألمسها لولا انكسارات الشّمس المتتالية على الحيطان .. و كأنَّها تواطأت معها كي تصيبني بالجنون .. ثمّ تتفرَّغ لتحيك من الخيوط المتشابكة، معطفا صوفيا تخفي تحته اشتياقها و لهفتها دون الحاجة لفكّ التّشابك .. !!! و لا لتحرير العُقَد .. [/align] |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
((( كيف أتعامل مع امرأة تجيد ترميز مشاعرها و تشفير عواطفها؟؟ )))
لذلك سأواصل رحلتي لاكتشاف تلك الأسرار كلها..استمري.. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
تعلم أستاذي و أبتي الفاضل .. قريبا ستنتهي الأجزاء التي أتممتها .. لا زلت لحدّ الساعة حائرة في النهاية رغم أنّ لي رؤيا ضبابية .. لم تتضح بعد .. قد يكون من الجنون أن ينشر أحد شيئا لم يكتمل بعد .. لكني مع هذا استمتعت جدا بتواجدي في هذه الصفحة الدافئة .. رغم انّها لم تلقى من الاهتمام الشيء الكثير .. صدقني لولاك لما أكملت المسير .. وحده تواجدك أشعرني برغبة المواصلة .. لذلك .. شكرا أبتي من أعماق قلبي و روحي .. مودتي و تقديري ... |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
... عندما يفرغ الأحبة من إضاءة جوانب من شخصية الراحل طلعت ـ رحمه الله ـ سيعودون إلى نشاطاتهم المختلفة..سيقرأ كل واحد منهم ما فاته من مواضيع..وستحظى روايتك بالقراءة والنقد والدراسة..هذا على الأقل رأيي الآن..وقد أكون مخطئا..لكن اعلمي أنني سأعيد قراءتها مرات ومرات وسأكتب حولها دراسة أدبية نقدية...فقط استمري وإن لم يقرأها أحد ...مودتي... |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
أبتي ... فخر لي تواجدك .. و قمّة الاعتزاز شهادتك .. سأحاول أن تكون الرواية أقوى في اجزائها التي لم تكتمل بعد .. يشرفني أن تحظى خربشاتي بدراسة من قامة مثلك .. و تذكّر أني قلت لك منذ البداية انت صاحبها .. أتمنى فقط أن تكون في مستوى تطلعاتك .. و أكون أنا كذلك .. امتناني و شكري العميق .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الخامس و العشرون *
[align=justify]... فرض حصار شديد على غزّة .. في يوم عاصف من أيّام اتحاد تاريخي للفصول الأربعة على وقع الصّمت العربي .. في 2007، سنة بانتكاسات متتالية و كأنّها كانت تمارس حقّها المشروع في اهتزازات جانبية تماما كما هي الشّرعية الزلزالية .. تصبّبت فيها لعنات الموت من سماء سجنتها صواريخ الدمار على جسد العروبة .. حتى وصلت ذروتها .. على إثر الأزمة الخانقة تضاءلت الكهرباء .. فصل السّلك المحجوز للتصنّت السرّي عن صاعقة الكهرباء الّتي كانت كفيلة بإشعال المخابرات القّارية لأكثر من خمسين ألف سنة .. هي عمر الفاجعة الكونية .. الحصار كان له طعم المنافي .. الاغتراب تحت راية الوطن حيث لا ملجأ إلا لاسم حافظ على حروفه متقدة .. الحصار كان قاتلا، بسياجه المرسوم بسذاجةٍ شقراء .. كما لو أنّه استعار شيئا من شمس فُجِعَت إطلالتها على ضواحي فجر مسلوب الإرادة .. حتّى البحر مارس أرستقراطيته على شعب تفطّن أخيرا للفوارق الشّعرية بينه و بين المدّ و الجزر بسلطانهما الّذي لا يقهر .. يحدث أن يولد على ضفاف قصيدة .. حبٌّ وطني بغمازة أنثوية ساحرة و قد يُجْهَض حلم أسطوري على خلفية نزيف قاتل .. مشبوب بفطنة معتمدة الأوراق الدبلوماسية .. كان الحصار شبيها تماما بقطعة شمس ولودة .. سجنت بين أسوار علبة ليلية فخمة و كانت النتيجة .. أن مات كلّ أمل في إنجاب شموس أخرى، قد تغطّي العجز العربي في حاجته للنّور .. حتّى يرى مسالكه نحو غد جميل .. تلك الفجوات التي كانت تطرقها الطيور المهاجرة كلّما شابها الحنين لغزو طقوس خريفية أنانية .. تدارت خلف رهبة مهجورة .. و كأنّ الدبلوماسية لا ترضى بمراوغات ما وراء الطبيعة .. ذلك أنّ الأنفاق .. سريّةٌ .. لا يجوز هتك عرضها .. بتجاوزات ليلية مربِكة .. مشكوك في انتمائها السّياسي .. حتى و إن كانت الحياة ثمنا جريئا .. لقطعة رغيف مخبّأة .. و فوضى حواس .. حتّى الجسر الوحيد .. الّذي قد يوصل طفل بزجاجة حليب و قطعة رغيف تعوّضه عن تلك الّتي تلفت حوافها .. على إثر قصف شديد الوطأة و تداخلت محتوياتها بعربدة دماء .. على الضّفة الأخرى ، كسر .. ما بين الضّفّتين .. كما كسرت يوما لعبته المفضّلة و تبعثرت شظاياها بين زوايا الحصار .. كلّ زاوية تُرى مسافاتها الحسيّة المشفّرة بهواجس النّهاية الأبديّة .. و الدّمار .. حتّى الدّمار لا يمكننا لمّ شمله، محاولة لعناق أخير .. لا يمكننا إلصاقه بغراء أحلامنا الّذي استباحها الموت أيضا، فكانت الفاجعة أكبر .. و أرسخ بذاكرة شاذة تترصّد كلّ شيء مهول و عاصف كرحلة موت إرادية .. موت .. و موت .. و موت .. الحصار على غزّة .. تجاوز الحدود، في انطلاقة شعرية خارقة .. عابرا كلّ الاحتمالات و التّداعيات و التظاهرات و الخوارق و رحلة جنون فاقت المستحيل في تواريخها .. كلّ تاريخ يحمل ذكرى استشهاد .. حتى أصبحت السنة مدينة لما بعدها بتواريخ جديدة .. لا تمتّ للأرقام و لا للشهور بصلّة .. غير أنّها حُمِلَتْ فوق الأجساد لصيقة بجثة شهيد .. الحصار عَبَرَ متاهات الجنون .. ليصلني على بعد خافقة برق تلبّسته السّماء فجأة و كأنّ شظايا الزّجاج الّذي كسرته ابنة شقيقتي " أمال" ذات الأربع سنوات، الّتي زارتني رفقة والديها إثر تعرّضها لحادث عشوائي من حوادث الطفولة .. قصد إجراء أشعة على الدّماغ .... يعتقد أنّ هناك نزيف داخلي .. كان له منطق غريب .. و كأنَّ الزّجاج نفق سرّي معتمد لإيصال رسالة مشفّرة بين مجموعة أطفال .. ناقل للكهرباء على بعد قرن من الزّمن .. و هو أيضا على بعد همسة .. شعرت أنّها تلقّت برقية ممضية بقلم دموي مجهول .. تلك الرّسالة فجّرت جنونها على جسد أمال .. فجأة .. و كأنّه نداء استغاثة .. فكان أن نزفت طويلا .. تلك الطفلة .. الأنثى .. الّتي تجاوزت المفاهيم عندها المستحيل .. لتصلّ حدّ الصمت .. و الإيماءات المبهمة .. كانت تواسيني لمجرّد أنّها كانت طفلة .. و تفهمني لمجرّد أنها تنتمي لجنس النّساء .. صمتها كان يشعل رغبتي في الشّرود .. ابتساماتها كانت تنفضني كسيجارة مميتة، توّد إزهاق شرعية السّموم بداخلها .. لتبقى فقط الورقة البيضاء الّتي تلفّها .. تصلح لأن تكون افتتاحية لقصيدة جديدة .. أمال شرّعتها السّماء لتكون امتدادا لروحي .. تداخلني متّى شاءت بتمتمات الطفولة المبهمة .. تسكنني برغبة مجنونة في الصراخ ليلا .. حيث لا يسمعني غيرها .. ذلك الصّراخ الّذي يمتزج أحيانا ببكائها .. كان يصلح لأن يتبنّاه رعد برّي .. من ذلك الّذي يهوى التسكّع فجرا و النّاس نيام .. تمهيدا لشروق آسر .. تلك الطفلة الّتي أحببتها حدّ التبنّي الرّوحي لها .. ولدت يوما و أنا أحرّف مشاعري فكانت أن أمسكتها بين كفيها الصغيرتين و أعادت تشكيلها على مقاسها .. تلك أولى اللّحظات الّتي حملت فيها طفلا رضيعا لم يمضي على ميلاده إلّا مجرّد ثوانٍ .. ذلك الميلاد كان محذوفا من عمر الشجن .. لذلك حين نزفت فجأة و سقطت شعرت أنّ الثواني المحذوفة تضاعفت آلاف المرات حتّى غطت عمري بكامله .. و أعادتني طفلا يبحث بين الأجساد الممتلئة عن شبيهة أمه .. أمال بقيت بالعناية المركّزة لأكثر من أسبوعين .. بعدها رحلت تاركة خلفها طفلا و رجلا .. طفلا يحنّ لرفيقة طفولته التي تعلّم معها، كيف يغازل الدّمى في حضورها ثم بعدها يلثم يدها في اعتذار طويل .. و رجلا يبحث خلف ثوب مزركش لطفلة .. في يوم عيد ميلادها عن عطر نسائي خلّفه مرور أنثى بمحاذاة طفولتها و هي تطفئ شمعتها الأولى .. [/align] |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
لا أجد أصدق من هذه العبارة للرد : (((تلك الطفلة الّتي أحببتها حدّ التبنّي الرّوحي لها ..)))
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
و أنا الآن قرأتها من وجهة نظرك أبتي الغالي .. نسيت أنّها كانت جزءا من روايتي .. و اكتفيت بأّنك قائلها .. لذلك كانت كافية جدا .. شكرا .. و ألف ألف ألف شكرا .. لأنّك كنت هنا بحسّ الأبوة الصادقة .. مودتي .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
ما شاء الله يا حياة
لا أصدق ما أقرأه أنا أمام روائية رائعة هذه الرواية يجب أن ترى النور أنت يا حياة تخبئين الكثير أتمنى لك كل النجاح الذي تستحقينه واصلي يا ابنتي الله يبارك فيك ويسدد خطاك |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
أميرة الحروف حياة تابعي فجمال الحروف والصور تتدلى من عرائش مخيلتك
قد لا يسغفني الوقت لاعلق على كل جزء ولكنني أقرأ وأتابع مع من يتابع بذهول انت مبدعه ومبدعه ومبدعه ولا زالت قناعتي تترسخ بأن هذه الروايه فور اكتمالها ستقض مضاجع أهم الروائين أحب حرفك حياه وأحبك أنتظر المزيد لأن تصاميم أنثاك تمدني بشحنات عاطفيه ملهمه للكتابه :) لقلبك حدائق الفردوس وطيبها |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
سيّدة الجمال و الرّقة الغالية ميساء .. كنت أنتظر عودتك .. أنت تشرقين كالشمس هنا لذلك كان يجب أن يكتمل الجمال بحضورك .. كلماتك و شهادتك وسام أغلى و أغلى .. كل حرف كتبته شرف لي .. كلّ المحبة و الامتنان و سعادة الدنيا أتمناها لقلبك المرهف الدافئ .. تقديري ... |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
سيّدة الأناقة الرّوحية و الرّوعة و القلب الجميل .. فاطمة .. يا سيدتي .. أنت تخرسينني في كلّ مرّة .. حتّى لا أستطيع التعبير .. أنت مدهشة في مشاعرك النبيلة .. و في روحك .. يسعدني ان تجدي شيئا خاصا هنا يلهمك .. فأنثى انكساراتي كانت خاصة جدا و مفعمة بالحيوية و الجمال و السّحر .. و هذا لن يأتي اكيد تلقائيا إنّما من نفس شاعرة .. و الشاعر يستشعر الجمال .. شكرا اختي العزيزة على ثقتك .. و على كلماتك الجميلة .. كلّ التوفيق و النجاح .. تقبلي تقديري و محبّتي .. و الياسمين .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء السادس و العشرون *
[align=justify]... العطور لحظة اجتياح قويّة .. لا تخفت و لا تملّ الانتظار خلف قطعة قماش متواطئة .. رحلت أمال .. و تركت فوق طاولة الياسمين شيئا من زجاجها المكسور .. و كأنّها كسرتها للذكرى .. يوما حين علّمتها لأول مرّة كيف تحمل بين يديها مزهريّتي الجميلة .. تلك الّتي كانت تذكّرني بهزائمي، في كلّ مرّة أصفع ورودها و ياسمينها بكفيّ كلّما انهارت قدّيسة فوق دفاتري .. كلّما شعرت أنّي أفقد يوما عن يوم شواهد أنثى .. كلّما انتحل الغيب شخصية حبيبتي المجهولة .. حتى بعد أن وجدتها .. كنت أنهزم، لذلك كان من الصّعب تحطيم الهزائم .. لذلك حين رفعت أمال مزهريّتي بطريقة مقلوبة صحّحت .. بدهاء .. اعوجاجها ، كنت برغبة خفيّة أحثّها على أن تصفعها بكفّها الصغيرة .. حتى تنكسر .. لا شيء أرّق من قتل الذّكرى بأنامل طفلة صغيرة ببصمات أنثى .. فكانت الهزيمة مزدوجة الأنوثة .. !! لا تمتّ لي بصلة غير أنّي الدافع من وراء الاغتيال .. ليلتها أصابتني لعنة إحدى النّساء .. المشفّرة بقطعة زجاج محطّم .. تمادت في جرحي .. الزّجاج ينقل الرّسائل بشفافية صارخة .. قد تصل حدّ الانتقام في حالة النّشوز و التّمرد .. لذلك كان جرحه غائرا .. حتّى الانكسارات تختار ملاجئها و توقيتها الرّسمي .. كي تشيّع ما تبقّى من فرح .. فكان أن مارست نزواتها على روحي بكلّ طاقات الشّجن .. تعلّمْتُ أنّ هواية الألم تتفقدّني و تحاصر كلّ الهوايات .. كلّما كان الدّمار عربيا .. كلّما كان الحصار عربيا .. كلّما كان الموت عربيا .. أيّامها، أصابتني انتكاسة مفاجئة .. و انهيار تفرَّقت أسبابه و غرقت أسراره بجبّ طوّقنه المسافات الشاهقة .. ! بين منطقين .. أمن أحداث غزّة ... ؟ و لعبة الكبرياء العربي الّذي استوطنني بطريقة جعلتني أبكي حرقتي بدمعتين غير متشابهتين، لها .. للأنثى بوجهيها ( الطفلة الّتي ماتت و تركت على كفّيّ شيئا من بقايا عطر أوّل عناق لأوّل ثوان لميلادها .. و الأنثى الّتي ملكتني قبل أن تستردّ السّماء لهفتي الأولى .. و تساومني بعد ذلك عليها .. ) و لغزّة .. الجرح الّذي عبر المسافة المتبقّية بيني و بين الجنون، بحنكة مضاعفة .. فكان أن حرّك عنّي كلّ الأحجار و ترك طاولة اللّعب فارغة .. تصلح لأن تمارس عليها نوبات هستيريا .. تتخلّلها دموع أخرى، بمعانٍ مجهولة .. كأنَّه تحالف عسكري لقوى الدموع .. كنت أبكيهما .. أبكي غزَّة بشجنٍ مضاعف .. كنت أبكي ذاكرتي و ميولي الوطنيّة .. أبكي قصيدتي الأخيرة .. أبكي تضافرا مع بكاء ابنة شقيقتي .. و كأنّها مرّرت شيئا من حضورها فوق جسدي فتلبّسني قبل الرّحيل .. تلك المقطوعات المحفورة في الرّوح .. الّتي كانت تداخلني في سويعات الصّمت القاتلة .. أبكي قصيدة شرّحتها المنارات البعيدة .. أبكي ضفّة تاهت خارطتها عن عالم الحسّ و الشّعور .. أبكي حدسي المهووس بصدف التّلاقي .. أبكي آخر يوم خريفي .. امتطى قرميد بيتنا الرِّيفي بلهفة وداع .. أبكي الشّتاء القادم بتعمّد الهطول .. و الثّلج الّذي توعّدني بعاصفة ثلجية تنطلق من شريانها المكسور .. لتصل حدّ الكلمات .. و كانت الكلمات مقصلتي و دافعي الوحيد للانتحار بشفرة ورقة .. كنت أبكي و أبكي و أبكي .. دون أن أبحث في آخر معنى لدموعي .. حتى لا تنتهي الأسباب فجأة فأصعق .. مع آخر دمعة قد تولد يتيمة .. دمعة الشّمال غير دمعة الجنوب .. تلك الرّغبة المزدوجة الاتجاه .. تلاقت عند خطّ الاستواء .. بين شرعيّتين، فوشّحتني أحزان العالم بأسره .. بتواطؤ شديد و غرور رجولة كانت بداخلي .. رفضت الإدلاء وقارا لانتكاساتي المتتالية .. و حفاظا على شعرية الحزن .. و صونا لكرامة البَّوح الشّفيف .. حتى لا أكذب، فتخفق شرعيّة أنثى .. !! في زمن قياسي .. انحدرت على جثماني أنواع الكوارث، كتمت على أنفاسي و تركتني شبه ميت بدقّات قلب متناثرة الزّوايا .. قد تخرس و قد تعود لطوافها المجنون، خلف ذاكرتي الملّغمة .. لتستلقي على صدري بعد أزمة تنفّس شديدة، فيمتقع لوني و يعاود استرجاع تدرّجات اللّون الوردي .. كأنّه دخيل بين حياة و موت .. كلّ شيء في ذلك الزّمان كان مجبولا على القسوة .. كلّ شيء .. حتّى هي .. رأيتها ذات يوم .. رفقة صديقي جالسين تحت مظلَّة الخريف يتحدّثان و الأوراق الصفراء تعصر ما تبّقى على حوافها من خضرة شاحبة .. لتنتحر على عتبات باب حبيبين .. !!و كان المنطق يساوم عليهما في يوم كذاك .. كان يفترض أن يوقّرني و يدعوني لتأبين شجرة بليدة على مشارف مدينة غارقة في بكاء خريفي عاصف .. و نعش يحوي جسديهما .. آلمني جدا مشهدهما .. كانا كلوحة عُلّقت بعشوائية تامة بين أشجار ذابلة فشوّهت جمال المدينة و أدخلت أزقّتها في حداد خريفي شاهق الطوابق الصوتية ... كناطحات سحاب، امتد الحزن يُطوِّق سمائي، ما عدت أبصر الغيم المتطاير من سجائري بفعل التّصاعد المميت لطبقات الغصّة بحلقي .. صديقي فؤاد شاب وسيم جدا .. يهتم بمظهره لحدود غير معقولة، تصل لدرجة صقله لشعره و تمشيطه على آخر صرخة للموضة، تماما كنجوم السّينما، مع حفاظه على سمرة خاطفة للأنظار و غمازتين، عينيه عسليّتين بمداعبة خفيفة لخضرة ساحرة، شفتيه مرسومتين يتوسطهما صفين من اللآلئ المصطفّة .. كأنّها معزوفة موسيقية مخبّأة، قد تبرق بمجرّد طلوع شمس من مبسمه الفاتن، قلّما تنصرف عنه نظرات أنثى .. قلّما تتجاوزه رغبة في الانتحار على عتبات وسامة كتلك الّتي يملكها .. [/align] |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
الفصل السادس والعشرون..وشهرزاد تواصل قصّها بكل روعة..استمري..كلي عيون متابعة!!!
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
في حضرة الملك الأب .. هل يصح أن يبقى لشهرزاد صوت أو صدى .. أبتي الغالي .. شيئا من الصّمت أمام قامتك و وقارك .. شكرا .. كل المودّة و التقدير .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
بصراحة قرأت الردود وانفتحت شهيتي أكثر للقراءة
سأحضر نفسي قريبا لجلسة قراءة مغلقة وسأتجاوز عقدة الكهرباء إن شاء الله لقد وقعت عيناي على بعض الأجزاء ووجدت بلاغة رائعة ووصف جميل ومتقن واستخدام للصور والتشبيهات والاستعارات والكنايات بشكل مبدع ورائع وفذ أكملي يا أختي العزيزة ولا تتوقفي فنحن ننتظر ميلاد هذه الرواية على أحر من الجمر! |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
وانا اسبّح مع المسبّحين بسبحة حروفك
اميرة الحروف كل ما هنا جميل لا رائع بل اكثر انتظر المزيد والمزيد واتابع |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
أخي علاء .. سررت بتواجدك ... كلّ الامتنان و الشكر .. أتمنى أن تروق لك مسودتي هذه في انتظار الميلاد الحقيقي النهائي للرواية .. بإذن اللّه .. أتمنى فقط أن يوفّقني الله و يسدّد خطاي حتّى أنجزها .. فقط دعواتكم .. أعتزّ بقراءتك علاء .. و أنتظر آراءك دوما .. تقبل تقديري و احترامي .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
الكريمة الغالية فاطمة .. هل تكفيك شهادتي أنّك الأرفع و الأرقى .. و الأجمل .. أم سأحتاج لأن أبحث عن معان أخرى تتوّجك حقا مالكة على الإحساس المرهف .. و الحس الجميل .. و الحضور الأجمل و الأروع .. لا تكتمل سعادتي إلا حين أرى بصمتك تزيّن برقتها المسافات .. سيدتي .. شكرا .. محبتي .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء السابع و العشرون *
... لم يزعجني جلوسها رفقة رجل، بقدر ما آلمني احتكاكها المشبوه بفؤاد .. و هو المهووس بالتسكّع الحر في الشّوارع و المدن النّسائية للتّرفيه المؤقت فقط .. و هي أنقى ما في الدّنيا .. و أصدق شيء لامسته مخيّلتي واقعيا .. حتّى انكسر الواقع فجأة، على إثر مزحة خريفية متنكّرة .. و تبعثرت شعاراته أمامي، فكان صعبا أن أرفع الحروف المتكرّرة بشرعية معدومة .. لأعيد كتابتها فوق جزء منسوخ عنها، أتلفته فرضيّة الاستنساخ .. لذلك كان التّقليد جريمة عظمى ترتكب في حقّ الأنوثة .. !!و عقابها، أن تموت الذّكرى شنقا .. بالرّسمية الّتي يرفضها فؤاد .. و توقّرها سذاجتي المصلوبة على حائط غربي .. ترفّع يوما ليعلّمني كيف تمارس الرّجولة رغما عنّي .. بأشيائي .. و عطوري .. و امرأة تنكّرتُ لها بزيّ الجنون حتّى عشقتها لحدود الموت .. فكان أن قتلتني بأسلحتي .. كان صديقي و كنت أحبّ فيه وداعته و تنّصله من الجدّية، الّتي يلبسها دوما بذلة رسمية، في حين هو يتبرّأ من كلّ ما هو رسمي، مولعا بكلّ ما هو مستورد من السّترات الجلدية السوداء و النّظّارات الّتي تذَّكرني حين أراه، بمافيا الأفلام السّينمائية، لكنَّها مع ذلك تُكسبه وقارا خاصا و جاذبية صارخة،كان متمرّدا على كلّ ما له صلة بالعادات و التّقاليد الكاتمة على النّفس .. لا يمرّ يوم دون أن يضع في حقيبته و بين أشيائه الخاصة، رقصة لأنثى محنّطة .. و كأنّ النّساء عنده، أشياء للاقتناء و المساومة، لمن يملك أكثر جاذبية و قدرة على تشفير الأنوثة بطريقة يصعب معها تصميم رقم معيّن من جسد الصفر .. !! مع كلّ سيجارة كان يشعلها .. تتشبّث أنثى بدخانها لتعود إلى نَفَسِه، يعيد طرحها بدخان مفصول الأجزاء .. يستحيل فرز السّقيم منه عن ما تبقّى من كبرياء محموم .. و كان الدّخان متطرّفا جدا، لا يقبل فصل معانيه .. يرضى فقط بالدّفعات المشبوهة بانتقام مجهول .. حين سألته عنها ابتسم .. ابتسامته الماكرة، الّتي اعتدت رسم انعراجاتها على وجهه الوّسيم، اللّئيم، بطريقة يمكنني معها تحديد مناطقها الآهلة بزهو مخادع و مكامن انتصار .. و منطقة غامضة .. تفضح انكسارا داخليا، مجهولا ممسوح المعالم .. إلّا من ذرّة غبار .. قال : مجرّد صفقة نسائية يا صديقي .. ستنتهي بمجرّد التّمويل الكامل .. و كنت أعلم تماما مقاصده الدّنيئة و أهداف صفقاته المشبوهة .. جيّدا .. خاصة إذا تعلّق الأمر بصفقة نسائية خالصة، حتّى البّوليس الدّولي، لن يكشف خارطة ألاعيبه المقنّنة و المدروسة بحنكة رجل قانون مقتدر .. فكلّ زبوناته يوقّعن على عقود نزع للملكيّة، بإدراك تام و أهليّة قانونية و رغبة مستميتة في قبض ثمن البّيع نقدا .. ( بحرقتين ) .. !لكنّه بعدها يتوارى و تخلفه أوراقه الموثّقة و مساعيه السّلمية من أجل قضايا نسائية .. !! هذا ما آلمني جدا، لحدِّ البّكاء المغترب .. بين أسوار مدينة غير مدينتي، تلك الّتي علّمتني كيف أتنّصل منها .. كما أتنّصل من امرأة خائنة ، حين استَرْجَعَت منّي شيئا لي و وزّعته على الأرصفة، كي تنتعله الفصول كلّما مرّت قُبالة جرحي، بجانب الوّادي الّذي جرى يومها من عروقي و جفّ على حدودها ، أبكي على مشارف خريف غير ذاك الّذي داعبت رياحه خصلاتها يوما و هي جالسة، بين فكّي رجل آخر .. ذئب آخر .. رمزا آخر من رموز ديكتاتوريات الحبّ الملفّق .. أكثر جرأة على ترويض الجموح و الجروح .. قصيدة لا تمتّ لعربيّتي بصلة، غير أنّها جاءت ملثّمة .. بعبرية دنيئة .. كأنّها أعادت تشكيل لغتي بحركات جديدة لا أفقه منها شيئا غير أنّي أخرسٌ أمامها .. حاورتني في وقت تبعثر فيه لساني بين شاهدين .. الخريف و جثّثي .. و شيئا من كلمات مبهمة خرساء .. الخريف في قريتي .. يعتزل طقوسه و يفنّد أقاصيص انهمار الأوراق التّالفة .. و يرشو السّماء كي تمطر، فتغفو مع سحر أمطارها، كلّ رغبة مستعرة في البّكاء .. وحدها المشاعر العاصفة تُبكي غيوم الشّتاء و تعزف لحنها الممزوج برقصات خريفية خفيفة لأشجار الزّيتون العارية، في موسم جني الزّيتون ... موسم قطف الثّمار لا سقوطها المنهار على حواف الوادي .. فكلّ ما تحبطه شرعيّة ساكنة لا يصلح لأن يتبنّاه الوطن و لا الحبّ .. كلّ شيء توثّقه قوّة السّيف و التّصديات .. لذلك كانت الثّمار المتساقطة من تلقاء نفسها .. شمسا محذوفة من تاريخ الشّروق المرفوع قهرا على كتفيّ الجبل .. عارا على قدسية الزّيتون .. خدشا على ملامح العروبة .. الخريف في قريتي يستنطق المرايا .. بتغريد عصافيره و هي في أعشاشها مختبئة، موقّرة للرّسائل المشفّرة الّتي يبعث بها عاشق ما، لتلتصق بشجرة زيتون ..كلّ حبّة زيتون مناضلة في سبيل قصص العشق البريئة .. تتصفّح كلّ رسالة ثم تشهق و تتأوّه .. الجني هو اغتيال صريح للأسرار المدفونة .. الخريف في قريتي، يدّق الطّبول قبل كلّ فاجعة إنسانية .. حتّى تختفي الجرذان .. و تتسلّل الأرانب خلف الأحراش .. و تداري الورود انسكاب عطرها بجرح من شوكها المسموم .. كلّ غارة جوّية تسبقها صفّارة إنذار .. و وقت معلوم للانصراف اللّيلي .. يتوقّف القصف المزعوم فجأة .. لتختفي المجوهرات و خرائط الكنوز المدفونة في الممرّات السّرية و تحت أرض الأبنية القديمة و الجرائد التّاريخية و المجلّات الإباحية، الّتي تحلّل لك سربا من جرائم الأموال و النّفوس و القلوب و حتى سرقة الأفكار و الخواطر .. و الحفلات الغنائية على عزف قذائف الجمر و القهر و حتى الشّعر ... المصطلحات المسخّرة خدمة للقضايا الإنسانية و العاطفية، قد تتبادل كلماتها هنا لتصبح غارة فقط .. فكلّ الاحتمالات ممكنة و صائبة في مدلولها العام .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
.. ويستمر الهطول..وتستمر الرحلة الساحرة..استمرّي..
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
و يستمر سحر حضورك أبتي العزيز يمدني ببركاته .. حتى أستمر .. فشكرا لك .. و مودتي .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء الثامن و العشرون *
[align=justify]... كما استباحت هي .. على نفسي و أوراقي ليلتها غارة شعرية .. مدمّرة .. [/align]قريتي الّتي تشحن ذاكرتها .. قبل أيّ ممارسة خريفية، حتّى لا تقع في براثن يُتْمٍ خاص .. يفرغها من محتواها و يصادر عنها ترياقها .. الّذي يجب أن تأخذه لعمر خاص، جرعة .. جرعة مع الفصل بين الجرعات .. حتّى تتوالى بعد ذلك الانتكاسات و الأشجان، دون أن تلملم عنها كلّ أوراقها .. و أزهارها .. و تتركها عارية .. في حين أنّ فصل الدّمار لم يحن أوانه بعد .. فكيف ستجابه خافقاته الملتهبة .. ؟ و في حضنها انتكاسة صيفية .. يحدث أن تقع مشادة كلامية بين فصلين .. فصل ألّح على معاقرة داره طيلة موسمين، نكاية في تعاقب الفصول المشبوب بعدالة مجروحة .. و فصل كان يجهّز حقائبه للعودة للوطن .. فتنقلب قوى الطبيعة ضدّي و ضدّ كلّ متيّم بأشجار الزّيتون .. اليتيم إلّا من ظلّ شجرة .. فأتساءل عن أحقيّة الانتماء .. ؟ و أيّ فصل أجنبي .. ذاك الّذي يرضى أن يتكفَّل بيُتم الطبيعة .. ؟ إلّا لدوافع إجرامية، ديكتاتورية.. ساعتها ستفقد الطبيعة ألوانها و تقتفي السّواد .. و تلاحقني به .. أصبحت المدينة دون ملامح ( تماما كما هي الآن .. فاقدة لملامحها بوشاية حجر كان يتصنّت عليهما صدفة، حين مرّرت شيئا من شواهدها فوق سكونه فأيقظته .. و استرسلت تمدّه بالذكرى كي يستشهد بها حين يراني متكئا قبالتهما .. أتجرّع ألمين .. ) .. أضاعت القرية معالم فصولها و اختفيت أنا خلف عباءة مطرّزة بأنواع الأوراق المتساقطة و المبتلّة و الجافة و الهرمة و المتيّبسة و المزهرة و الخجولة و الجريئة في تنصّلها المرغوب من جدودها لأجل رجل .... !!! ( و كأنّه احتياط النّفط العالمي !!!!! ) لتدفئة الفصول الباردة بنفحات ليلية مكيّفة لأجل الحار منها ... وحده الشّتاء يحمل قسوة خاصة .. و دفئا خاصا تستدعيه القسوة أحيانا ليتربّص بعودة محتملة و حنان لمعاودة تجربة قاسية .. على أعتاب صفعات للمطر و الثّلج و البَرَد و أصداء الرّعد المخيفة المصطدم أيضا بجذع شجرة زيتون عتيقة بأوردة جافة .. وحده الألم يدعوني لاستدراج أمسية خريفية لتبادلني اشتياقي الرّهيب لإعصار مدّمر .. كي تمارس شذوذها على وجنتيّ و تبكيني رغما عني .. و حده الشّجن القاتم يطفئ انسكاب النّور من قمر مسلوب البزوغ الحر .. تفاصيل أيلول في تلك المدينة شوّهتها تصاميم متطابقة بصورة خاطئة .. فانتقم الخريف و وزّع موجاته الكهربائية على أنهار العالم ليكون التّشبّع قويا .. و الحريق مهوّلا .. ناحية الشّرق يرقد تواطؤ رهيب .. يرفض أن يحمّلني شيئا من شراراته كي أحرقها .. و أحرق صفحة من صفحاتها .. كفيلة بأن تحرقها في كلّ الصفحات .. فالاحتراق القاتل لا يتكرّر مرتين .. كي أسترجع شيئا منّي فقدته على خلفية غيرة حارقة، كتلك الّتي قلّدتني إياها تحت شجرة خائنة .. خلَّفتني بذاكرة مفحّمة .. و جسد مصلوب .. فنجان قهوتي لتلك اللّيلة .. قهر مرارته و أشعل طيفها فوق رغوته المجنونة .. ذابت كقطعة سكّر مستسلمة .. لم أشربه .. لكنت متّ من سمّها المدفون بلياقة شديدة، تحت تلك الغيمة السوداء المخادعة .. رقدت لهفتي و بثّتني على بعد ارتشافتين من عمر زمنها، كلّ السّم و كأنّ أفعى سكنت قعر الفنجان و اختفت في متاهة عملية الإذابة .. سمّها المهجور من زمن آخر حبّ .. يصلح لأن يعبّر جدّيا عن مشاعر نبيلة .. عدت لقريتي .. بعدهما بساعتين .. كانتا هديّتي للصّاعقة، كي تتسلّى بسحق ألوانها على جسدي .. ثم أتفرّغ بعد ذلك، لمحو خربشات طفولتهما من على جدار شعوري .. عدت لقريتي كي أداوي جرحا خلّفته ورقة جارحة، من خريف صديقتي و رفيقها ... !!! و حتى أستجير بخريف قريتي .. علّه يثأر لي من لحظة شجن لقنّني إياها خريف المدينة الظالم .. القاسي .. تحت شجرة أوراقها غيورة جدا .. ترفض كأنثى أن تداعبني ورقة شجر متمدّنة .. و كأنّي أقتصّ منها ومن فصلها الكلاسيكي التّافه .. و من طقوس الحبّ الأيلولية الممارسة بإسراف شديد تحت غيمة متواطئة .. و شمس غائبة مرشوّة .. و حضور أقل ما يقال عنه أنّه الجنون بحاله .. امرأة حشدت كلّ أناقتها .. لتراهن على أنّي رجل سهل أن أهزم بتواطؤ خريفي و شجرة فقدت شاعريتها .. و رجل هو صديقي .. و هفوة رياح مشّطت شعرها أمامه و أسدلت خصلاته الممشوقة، لتغطّي حنقي و غصّتي، حتّى تلطمني بموج تجاهلها .. عدت إلى قريتي لأنّي فقدت وعيي على إثر إطلالتها المشرقة ( أكثر مما ينبغي )كأنّها شمس طلعت محترقة، لتنتقم من مُدَخّن سجائر أجبرته امرأة على تدخين عشر علب فانفلت الدّخان منها بشكل تطوّعي .. ليُغلّف السّماء بسحب مدمنة، أرهقتني من فرط إدمانها .. فهاجرت .. انفرجت لي حدود الوّطن كي تطوّقني و تسلّمني شبه ميت لعهدة أشجار الزّيتون كي تتكفّل بعلاج قُرحتي و تُلطّف جرحي، بغصنها الّذي تبرّأ فجأة من خريف ظالم و تحالف مع الشّتاء .. |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
* الجزء التاسع و العشرون *
... الشّتاء هذه السّنة جاء باردا أكثر من سابقيه ... و كأنّه فقدان موسمي لعاطفة دافئة و لحضن موقد كلاسيكي بمدخنة و إطار يُفطر على فحم قروي فاخر .. و أعواد و أغصان .. و لفافة تبغ ضخمة تُعطِّر المكان من وحي مسكها الأخاذ، تنفث دخانا جائرا من صدري ذات زمن بعيد .. !! تطاردني بلعنات زمني الحاضر بدخانها، نكاية في روما و ركحها المسرحي، ذاك الّذي لفظ آخر أنفاس لعشق قديم .. قبل قرون من حادثتي .. في اقتباس تاريخي للوجع و للخيانة .. هل يعقل أن يتلثّم الزّمن فجأة و يفاجئني بأصفار و أرقام فوضوية تربكني .. تلك الّتي يعترف بها العالم من حولي .. تعترف بها التوابيت القديمة .. و القبور القديمة و الأسرار الفرعونية و جسد كليوباترا .. أنثى الجمال الشاهق .. ثم يستفيق و ينزع قناعه فجأة أيضا و يقلّدني رفاته و فوانيس الشّرق الخافتة، المنهارة .. حتّى أنطفئ و بين شفتيّ ميلاد جديد لقصيدة قديمة جدا .. حدّ البدايات الأولى للكون .. جرحي أنكر المسافات الزّمنية، ألغى قوانين حساب الزّمن .. في سابقة خطيرة و رضى فقط بالاقتباسات و التّشابه الحسّي .. لا فرق بين تواريخ ما قبل الميلاد و ما بعده .. و ما بعد، بعد عصر الجنون و الهوس السّطحي .. الشّتاء أيضا تغيَّر، غيَّر عاداته و معطف الفرو التّقليدي .. بمدفئة عصرية، ترفض أن تُثَبّت على أرض واحدة .. صُنِعت لتكون حرّة في تنقلاتها بين الغرف و الصّالون .. و حتّى مكاتب المكاشفة .. الخارجة عن قوانين العمل، مدفئة متبرّئة تماما من تقاليدها...... كأنثى . كلّ شيء تغيّر حتى لوحات الشّجن .. لأوّل مرّة أشعر بوحدة قاتلة و أنا تحت شجرتي، و كأنّي لم أعتد المبيت خارج أسوار غرفتي، أواجه زخّات المطر الغاضبة المرتطمة بتقاسيم وجهي المضطربة .. كأنّها دعوة جادة و صارخة للبكاء، كأنّها دعوة للتّحالف من أجل تعبئة الوادي المجاور بمياه ساخطة متمرّدة، مستهترة .. ستجرف كلّ عاشق أراد الاختفاء بين أحجاره و تحت أشجاره الوارفة .. يحرّر قصيدة انصياع .. يحرّر الشهقات و الآهات و شيئا من حبّ مجنون .. تجاوزها الزّمن .. الشّتاء بتهكّمه الشديد، أضاع جدِّيتي .. و شوَّه معالم نزعتي نحو الاستقرار العاطفي و الرّوحي الجاد .. قريتي و الشّتاء قضية وطن .. تسرف في ارتشاف مياه وديانها حتّى الثمالة .. ثمّ تنهض و بين أنفاسها الشّتوية الطالع، مكاشفة وطنية تهزّ أواصل الاعترافات السّطرية .. لا شيء يضاهي كشف الأوراق علنا و بلسان فصيح .. دون الحاجة لقراءة عابرة .. ثم يأتي الفجر و فوق كتفيه حمامة بريّة بيضاء .. تفرد جناحيها لتغطّي مسافات اللّيل القاتمة .. صارخة هي الطبيعة في عبثها هذه اللّيلة .. حتّى أفرشتي انتحرت خلف الرّداء العاجي الّذي لبسته السّماء حقدا و زهوا .. حتّى شجرتي عجزت أمام جبروتها ( الأنثوي ) .. ليلة اضمحلت فيها كلّ معالم السّكينة .. و حلّت محلها عواصف مجنونة، مجبولة على التّهديم و التّدمير .. دلفت خارجا في ساعة جدّ متأخرة .. كان اللّيل قد مدّ قدّه الفاره ليغطي فجوات النّور المتسلّلة من مصابيح بعيدة .. و في غمرة حبّ قاسية، تجرّدت الطبيعة من هوسها و ولعها المجنون في التحرّش بالرّبيع في غير موسمه .. فجأة تداوت السّماء بقطرة مطر .. غسلت شجنها لهنيهة، قبل أن يدّوي الرّعد و يسرح البرق كألعاب نارية في الفضاء البعيد .. كان يتصوّر على شجرتي بملامحها .. بقدّها .. بجسدها النّحيل، كثيرا ما كانت تفاجئه إغفاءة و لحظات شرود .. يسهو على جسدي .. فيتحطّم بذلك شيئا منها رفضته عنصريّتي .. حتّى تحطّمت .. أمام انكساراتي .. تغيّر منطق الصّمت حولي .. صراخ صاخب، لرعد يتيم فقد لتوّه والديه ... و صعقات و برق و طوفان ... و نار و حريق مهوّل ... اللّعنة تتبّعتني .. صعقة غاضبة أصابت شجرتي فأردتها قتيلة .. و قتلت بفضل اندفاعها الغيور طيف أنثى، كانت للتوّ سيّدة و مالكة على أرجوحتها، على أغصانها، على ظلالها، على زهرها و ثمراتها و أعشاش الطيور و فراخها .. كانت مالكة هناك على حقائبي، و على موطني و على آثار طفولة شرختها أصداء النّساء .. أعادت هي وصل المقطوع منها بتواطؤ نسائي و القدر الجميل .. لأنّها كانت أجمل ما حدث لي منذ زمن الرّجولة .. شبّ حريق عظيم بالشجرة واكبه صراخي المكتوم و بكائي الصّامت .. و نظرات استلهمت من البرق اندفاعه و بريقه المحموم .. تُعاكس تلك المرسومة على لوحة السّماء و تشنّجات على مستوى الجزء من الذاكرة، الّذي كان يخفيها كذكرى جميلة .. و كأنّه تزامن رهيب لعدد من الحرائق .. !! أتراه جرحي من نقل عدوى الاحتراق لرفيقة عمر بحاله ... ؟ لم يفق أحد . و لم يجرؤ أحد على إيقاف غضب الطبيعة، من تحت أفرشته الشّتوية,, فقط كنت أنا .. أرتدي لواء وطن و ظلّ أنثى تصوّر .. نكاية في أرض حملت ظلّين .. مهووسين بالانتقام .. ظلّي و ظلّ شجرة للتوّ عاكستها رغباتها .. فماتت هي .. وحدي كنت أراقب في سكون مدمّر .. مراحل الاحتراق، بدءا من شرارة اللّعنة الّتي انحطت على كتفيّ لمواساتي قبل وصولها لتفتكّ بالشّجرة .. كنت أرمق الدّخان بنظرات منتشية و رغبة مميتة في تقلّد مراسم الاحتراق .. و تتويج ذاكرتي ملكة على عرش الاشتعال المشبوه .. و هي ..بركان خامد بدعوة مستترة للاحتراق بين حنايا الألم . |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
... وتستمرّ متعة القراءة مع روعة الحرف!!! استمرّي...مودتي..
|
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
أبتي رائع أنت في كلّ شيء .. كلّ التقدير و المودة .. و الامتنان |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
لم تكن ليلتي عادية ولم اقطع نفسي عن عادة قراءة كتاب إن بداته بالعشية أكمله لو طلع الصباح لكني أترك الرواية أو القصة من عاشر صفحة وأضعها بالقرب مني إن أغرتني - وفي الغالب لا تفعل - أكملها بعد أيام ولكن ليلتي هذه لم تكن ليلة عادية ولم تكن روايتك رواية عادية ولم يكن مرافقك عادي لأترك الرواية واتركه قبل أن أكمل هذا الكتاب الذي كتب بنص ادبي رائع راقي ولغته لغة جميلة أنيقة وقد روى هذا الكتاب قصة ألخصها بوجود الإنسان والحضارة وأعترف بأنها ليست رواية عادية فيها الشخوص وفيها الأحداث المتسلسلة بل كما اخصرت بأني وجدت الإنسان الذي سهّل على كاتبة أنثى تتحدث بلسان ذكر لم أشعر باغتراب نفسي ولم أشعر بهذا التلبس بأنه مقحما على الاطلاق ، ولولا أن تحدثت سيدتي نصيرة عن الأمر لنسيت تماما أن الكاتب أنثى ! كنت هنا الإنسان العربي الأكثر إيغالا بانتمائه ، كنت هنا العاشق لتاريخ امة في زمن لم يعد يعرف التاريخ هذا النوع من العاشقين فأبدعت في الكر والفر ما بين الحاضر والماضي ، تكشفين عن واقع مشظى كتلك النفوس التي لا تعرف صنعة البناء ولا تعرف قيمة الشجرة ، نفوس تستهوي العيش بصفات الغزاة ، كأن أوطانهم غنيمة حرب وكأن نساءهم أديرة مستباحة .. أحسنت اللغة يا شهد وأحسدك كم تمنيت أن أصل إلى عشر ما تملكين من أدوات لغوية غنية رائعة رائعة ، أما هذا الصالح لا يمكنني وصفه إلا بالأب الصالح ، مررت كثيرا أيتها الفتاة بمثل ما تمرين .. وقد كتبت عشرات المواضيع ولم أكملها فالكتابة عمل شاق مضني – أعرف ذلك – وإن لم تجد قارئا يتسلل إلى قلبك إحباط وليس يأس ؛ كنت أتوقف عن الكتابة فعلا .. ولكن في مثل هذا الحال أن تقومي بالتحرش بالكتّاب وأخذ المبادرة بأن تلفتي النظر إلى موضوعك ؛ عليك أن تشاركي الآخرين وتتفاعلين معهم حتى تكسبي اكبر عدد من القراء بينهم ، هذه مسألة ضرورية .. لا أحد يذهب ليأخذ ما عندك إن لم تعرضيه .. لماذا تحتكر دور النشر كاتبا مبدعا وهو يرضى بذلك ؟ لأنه ببساطة يعرف إن لم تأخذ كتابه لن يباع حتى لو كان أعظم الكتب .. من ناحية النقد اعترف بأني قارئ ولست بناقد ، عقلي يحلل كل الأمور بتبسيط كأي إنسان عادي وجدا إن قرأت شيئا أعجبني أبتسم وإن لم يعجبني أقلب الصفحة بسرعة ولكن معك هنا ، مكثت طوعا وحبا بارك الله فيك وأزف إليك خبرا يقول إن المغرب العربي قد أذن بميلاد راوية عربية موهبتها علامة فارقة قلمها صاحب قضية ، بيد إنسانة عربية ، نطمئن على مستقبل الأمة معها ، ولو وُجد في كل بلد عربي 5 مثلها لأصبحت حياتنا شهد :) حياة شهد ربي معك يعافيك ويعطيك المروة |
رد: أجزاء من رواية ( تصاميم أنثى )
اقتباس:
سيدي الفاضل رأفت العزي .. وقفت طويلا أمام ما كتبت هنا .. و كنت بحاجة ماسة للصمت حتى أتفقد شيئا مما ضاع مني .. بين كلماتك سيدي الكريم لا أعرف ما يجب أن أقول في موقف كهذا .. و أنا في غالب الاحيان اعجز أمام ما يكتب لي .. فكلّ الكلام يعجز امام كرمك .. فأن أجدك هنا هو قمة الاعتزاز .. و أجد حرفك يزيّن صفحتي و بكل هذا الجمال فهو كلّ الشرف .. جدا سعيدة لأن رأيك كان هكذا .. في كلامك كأبتي محمد الصالح وجدت الحافز و الدافع على المواصلة .. فألف شكر .. أما عن موضوع التفاعل صدقني الوقت هو كل المشكلة و قد اعتذرت مرارا عن ذلك و أكرّرها هنا .. طيلة النهار في العمل ثم العودة مساء و ظروف الحياة و الكتابة .. أحاول جهدي التفاعل ما استطعت و عندك كلّ الحق فيما ذهبت إليه .. سيدي الفاضل .. شكرا لأنك تواجدت في صفحتي .. و أتمنى أن يوفقني الله و أستطيع إيصال ما أردت من خلال هذه الرواية .. كلّ ما أريده ان اخدم وطني العربي .. و لو بكلمة صادقة .. تمنياتي لك بكلّ السعادة و السكينة .. و شكرا تقبل فائق تقديري و احترامي و امتناني العميق .. |
الساعة الآن 24 : 06 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية